المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(70) - (1299) - باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٠

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأشربة

- ‌(1) - (1230) - بَابٌ: الْخَمْرُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ

- ‌(2) - (1231) - بَابٌ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا .. لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ

- ‌(3) - (1232) - بَابُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ

- ‌(4) - (1233) - بَابٌ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ .. لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ

- ‌(5) - (1234) - بَابُ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْخَمْرُ

- ‌(6) - (1235) - بَابُ لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ

- ‌(7) - (1236) - بَابُ التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ

- ‌تتمة

- ‌(8) - (1237) - بَابُ الْخَمْرِ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا

- ‌تتمة

- ‌(9) - (1238) - بَابٌ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ

- ‌ملحقة

- ‌(10) - (1239) - بَابٌ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ .. فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ

- ‌(11) - (1240) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَلِيطَيْنِ

- ‌(12) - (1241) - بَابُ صِفَةِ النَّبِيذِ وَشُرْبِهِ

- ‌(13) - (1242) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ نَبِيذِ الْأَوْعِيَةِ

- ‌(14) - (1243) - بَابُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ

- ‌(15) - (1244) - بَابُ نَبِيذِ الْجَرِّ

- ‌(16) - (1245) - بَابُ تَخْمِيرِ الْإِنَاءِ

- ‌(17) - (1246) - بَابُ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ

- ‌(18) - (1247) - بَابُ الشُّرْبِ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ

- ‌(19) - (1248) - بَابُ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ

- ‌(20) - (1249) - بَابُ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ

- ‌(21) - (1250) - بَابُ الشُّرْبِ قَائِمًا

- ‌تتمة

- ‌(22) - (1251) - بَابُ إِذَا شَرِبَ .. أَعْطَى الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ

- ‌(23) - (1252) - بَابُ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ

- ‌(24) - (1253) - بَابُ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ

- ‌(25) - (1254) - بَابُ الشُّرْبِ بِالْأَكُفِّ وَالْكَرْعِ

- ‌(26) - (1255) - بَابٌ: سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا

- ‌(27) - (1256) - بَابُ الشُّرْبِ فِي الزُّجَاجِ

- ‌كتاب الطب

- ‌(28) - (1257) - بَابٌ: مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً .. إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً

- ‌(29) - (1258) - بَابُ الْمَرِيضِ يَشْتَهِي الشَيْءَ

- ‌(30) - (1259) - بَابُ الْحِمْيَةِ

- ‌تتمة

- ‌(31) - (1260) - بَابٌ: لَا تُكْرِهُوا الْمَرِيضَ عَلَى الطَّعَامِ

- ‌(32) - (1261) - بَابُ التَّلْبِينَةِ

- ‌(33) - (1262) - بَابُ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ

- ‌(34) - (1263) - بَابُ الْعَسَلِ

- ‌(35) - (1264) - بَابُ الْكَمْأَةِ وَالْعَجْوَةِ

- ‌(36) - (1265) - بَابُ السَّنَى وَالسَّنُّوتِ

- ‌(37) - (1266) - بَابٌ: الصَّلَاةُ شِفَاءٌ

- ‌تتمة

- ‌(38) - (1267) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ

- ‌(39) - (1268) - بَابُ دَوَاءِ الْمَشْيِ

- ‌(40) - (1269) - بَابُ دَوَاءِ الْعُذْرَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الغَمْزِ

- ‌(41) - (1270) - بَابُ دَوَاءِ عِرْقِ النَّسَا

- ‌(42) - (1271) - بَابُ دَوَاءِ الْجِرَاحَةِ

- ‌(43) - (1272) - بَابُ مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ

- ‌(44) - (1273) - بَابُ دَوَاءِ ذَاتِ الْجَنْبِ

- ‌(45) - (1274) - بَابُ الْحُمَّى

- ‌(46) - (1275) - بَابٌ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ

- ‌(47) - (1276) - بَابُ الْحِجَامَةِ

- ‌(48) - (1277) - بَابُ مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ

- ‌(49) - (1278) - بَابٌ: فِي أَيِ الْأَيَامِ يَحْتَجِمُ

- ‌(50) - (1279) - بَابُ الْكَيِّ

- ‌ملحقة

- ‌(51) - (1280) - بَابُ مَنِ اكْتَوَى

- ‌(52) - (1281) - بَابُ الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ

- ‌(53) - (1282) - بَابُ مَنِ اكْتَحَلَ وِتْرًا

- ‌(54) - (1283) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُتَدَاوَي بِالْخَمْرِ

- ‌تنبيه

- ‌(55) - (1284) - بَابُ الاسْتِشْفَاءِ بِالْقُرْآنِ

- ‌(56) - (1285) - بَابُ الْحِنَّاءِ

- ‌(57) - (1286) - بَابُ أَبْوَالِ الْإِبِلِ

- ‌(58) - (1287) - بَابُ الذُّبَابِ يَقَعُ فِي الْإِنَاءِ

- ‌(59) - (1288) - بَابُ الْعَيْنِ

- ‌(60) - (1289) - بَابُ مَنِ اسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ

- ‌(61) - (1290) - بَابُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنَ الرُّقَى

- ‌(62) - (1291) - بَابُ رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ

- ‌(63) - (1292) - بَابُ مَا عَوَّذَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا عُوِّذَ بِهِ

- ‌(64) - (1293) - بَابُ مَا يُعَوَّذُ بِهِ مِنَ الْحُمَّى

- ‌(65) - (1294) - بَابُ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ

- ‌(66) - (1295) - بَابُ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ

- ‌(67) - (1296) - بَابُ النُّشْرَةِ

- ‌(68) - (1297) - بَابُ الاسْتِشْفَاءِ بِالْقُرْآنِ

- ‌(69) - (1298) - بَابُ قَتْلِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ

- ‌(70) - (1299) - بَابُ مَنْ كَانَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ

- ‌(71) - (1300) - بَابُ الْجُذَامِ

- ‌(72) - (1301) - بَابُ السِّحْرِ

- ‌(73) - (1302) - بَابُ الْفَزَعِ وَالْأَرَقِ وَمَا يُتَعَوَّذُ مِنْهُ

الفصل: ‌(70) - (1299) - باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة

(70) - (1299) - بَابُ مَنْ كَانَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ

(166)

- 3480 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ

===

(70)

- (1299) - (باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة)

(166)

- 3480 - (1)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه (ع).

(حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة ثبت، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة، وقيل بعدها. يروي عنه (ع).

(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة. أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه) أي: يحبه وينشطه ويهيجه على المضي في حاجته (الفأل الحسن) أي: اللفظ الحسن، والفعل الطيب، قيل له: ما الفأل يا رسول الله؟ قال: "هو الكلمة الحسنة" تسمعها عند بداية حاجتك؛ كيا راشد، ويا فائز، ويا ناجح؛ كما في رواية حديث أنس عند البخاري.

ص: 453

وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ.

===

(و) كان صلى الله عليه وسلم أيضًا (يكره الطيرة) أي: التشاؤم بمرور الطير، ولكن المراد بالطيرة هنا: الفأل القبيح؛ لأنها في مقابلة الفأل الحسن؛ وهي أن تسمع في حال طلب حاجتك من يقول: يا محروم، يا مصعب، يا متعب، يا عاص، يا عيصُ، أو ترى من يفعل فعلًا سيئًا وأمرًا قبيحًا؛ كأن ترى من يسرق أموال الناس أو يغصبها، أو من يقتل الناس ظلمًا أو يضربهم ظلمًا، فلا تتطير بذلك وامض في حوائجك.

وزيد في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة عند مسلم: (وخيرها) أي: خير الطيرة (الفأل الصالح) وهو أن تسمع في حال طلب الضالة مثلًا من يقول: يا واجد، يا غانم، أو في طلب حاجتك: يا ياسر، يا فائز، يا سهل، يا سهيل، أو ترى من يفعل الخيرات؛ كتوزيع الأموال والتصدق بها وقسم الغنائم أو الفيء أو التركة.

والمعنى: (وخيرها) أي: وخير أنواع الطيرة بالمعنى اللغوي الأعم من المأخذ الأصلي (الفأل) أي: الفأل الحسن بالكلمة الحسنة، لا المأخوذة من الطيرة، ولعل الشارح أراد دفع هذا الأشكال، فقال: أي الفأل خير من الطيرة. انتهى.

والمعنى: أن الفأل محض خير؛ كما أن الطيرة محض شر، فالتركيب من قبيل قولهم:(العسل أحلى من الخل، والشتاء أبرد من الصيف). انتهى من "المرقاة".

وفي "السنوسي": الضمير في قوله: (وخيرها) راجع إلى الطيرة، ومعلوم أنه لا خير فيها فيما تقتضيه المفاضلة من الشركة في الخير هو بالنسبة إلى زعمهم، أو يكون من باب قولهم:(العسل أحلى من الخل).

ص: 454

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال النووي: وأما الفأل. . فمهموز، ويجوز ترك همزه، وجمعه فؤول؛ كفلوس وفلس، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الطيبة والصالحة والحسنة.

قال العلماء: يكون فيما يسر وفيما يسوء، والغالب فيه السرور، والطيرة: لا تكون إلا فيما يسوء، قالوا: وقد تستعمل مجازًا في السرور. . . إلى آخره، وفي "القاموس": الفأل ضد الطيرة؛ كأن يسمع مريض: يا سالم، أو يا طالب، أو يا واجد، ويستعمل في الخير والشر، والطيرة: ما يتشاءم به من الفعل الرديء. انتهى "مرقاة".

وحاصل معنى الطيرة والفأل: أن الطيرة: أن يسمع الإنسان قولًا، أو يرى أمرًا يخاف منه ألا يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله، والفأل نقيض ذلك؛ وهو أن يسمع الإنسان قولًا حسنًا، أو يرى شيئًا يستحسنه يرجو منه أن يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله. انتهى.

وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن؛ لأنه تنشرح له النفس، وتستبشر بقضاء الحاجة وبلوغ الأمل وحسن الظن بالله تعالى، وقال تعالى:"أنا عند ظن عبدي بي" وإنما كان يكره الطيرة، لأنها من أعمال أهل الشرك، ولأنها تجلب ظن السوء بالله تعالى، كما روى أبو داوود عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الطيرة شرك، ثلاثًا، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل" رواه أبو داوود (3910). أي: من اعتقد في الطيرة ما كانت عليه الجاهلية تعتقده فيها. . فقد أشرك مع الله تعالى خالقًا آخر، ومن لم يعتقد ذلك. . فقد تشبه بأهل الشرك، ولذلك قال:"وما منا" أي: ليس على سنتنا.

وقوله: "إلا" هي إلا الاستثنائية، ومعنى ذلك: أن المتطير ليس على سنة

ص: 455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يمضي لوجهه ويعرض عنها، غير أنه قد لا يقدر على الانفكاك عنها؛ بحيث لا تخطر مرة واحدة؛ فإن إزالة تأثيرها من النفوس لا تدخل تحت استطاعتنا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن الحكم لما قال له: ومنا رجال يتطيرون، فقال:"ذلك شيء يجدونهم في صدورهم، فلا يصدهم".

وفي بعض النسخ: (فلا يضرهم)، لكنه إذا صح تفويضه إلى الله تعالى، وتوكله عليه وداوم على ذلك. . أذهب الله تعالى عنه ذلك، ولذلك قال:"ولكن الله يذهبه بالتوكل" رواه أحمد ومسلم وأبو داوود.

وقد روى أبو أحمد بن عدي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تطيرتم. . فامضوا، وعلى الله فتوكلوا " رواه ابن عدي في "الكامل"، ولكن في إسناده لين، انظر "الفتح"(12/ 323). انتهى من هامش "المفهم".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطب، باب الفأل، ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا هامة ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح".

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 456

(167)

- 3481 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ".

===

(167)

- 3481 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنبأنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقة إمام أئمة الجرح، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه (ع).

(عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أنس: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا عدوى) أي: لا سراية لمرض عن صاحبه إلى غيره (ولا طيرة) - بكسر الطاء وفتح الياء - هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير؛ أي: اسم مصدر لتطير الخماسي؛ من باب تفعل، يقال: تطير تطيرًا وطيرة، وتخير ويتخير تخيرًا وخيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما؛ أي: لا تشاؤم ولا تقابح بالكلمة القبيحة والفعلة السيئة حتى تمنعه وتصده عن المضي في حاجته.

(وأحب الفأل الصالح) أي: أحب أن أسمع الكلمة الحسنة عند ذهابي لقضاء حاجتي، وأن أرى الفعلة الطيبة عند ذلك؛ كأن أسمع في حال طلب الضالة إنسانًا يقول: يا واجد، يا تاجر، يا غانم، وكأن أرى من يقسم الأموال ويصرف الصدقات، وقد بسطنا الكلام على الفأل الحسن والفأل القبيح في

ص: 457

(168)

- 3482 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ،

===

حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فراجعه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطب، باب لا عدوى، ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل، وأبو داوود في كتاب الطب، باب في الطيرة، والترمذي في كتاب السير، باب في الطيرة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(168)

- 3482 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.

(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن سلمة) بن كهيل بن حصين الحضرمي الهمداني الكوفي، قال النسائي وابن حبان: ثقة، من الرابعة. يروي عنه:(ع).

(عن عيسى بن عاصم) الأسدي الكوفي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(د ت ق).

(عن زر) - بكسر أوله وتشديد الراء - ابن حبيش - بمهملة وموحدة ومعجمة

ص: 458

عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ"، وَمَا مِنَّا إِلَّا،

===

مصغرًا - ابن حباشة الأسدي الكوفي أبي مريم، ثقة فاضل مخضرم، من الثانية، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين (83 هـ) وهو ابن مئة وسبع وعشرين. يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطيرة) أي: التشاؤم والتقابح بمرور الطير، أو بالكلمة القبيحة، أو بالفعلة القبيحة؛ لأن المراد بالطيرة هنا: الفأل القبيح؛ لأنها في مقابلة الفأل الصحيح؛ وهي أن تسمع في حال طلب حاجتك من يقول: يا محروم، يا مصعب، يا متعب؛ أو ترى من يفعل فعلًا سيئًا وأمرًا قبيحًا؛ كأن ترى من يسرق أموال الناس أو يغصبها مثلًا. . (شرك) لاعتقادهم أن الطيرة تجلب لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًا؛ فإذا فعلوا بموجبها. . فكأنهم أشركوا بالله في ذلك، ويسمى شركًا خفيًّا، ومن اعتقد أن شيئًا سوى الله ينفع أو يضر بالاستقلال. . فقد أشرك شركًا جليًّا.

قال القاضي: إنما سماها شركًا؛ لأنهم كانوا يرون ما يتشاءمون به سببًا مؤثرًا في حصول المكروه، وملاحظة الأسباب في الجملة: شرك خفي، فكيف إذا انضم إليها جهالة وسوء اعتقاد. هنا تم الحديث، وما بعده من قول ابن مسعود.

(وما منا) معاشر الأمة أحد (إلا) من يخطر له من جهة الطيرة شيء ما؛ لتعود النفوس بها، فحذف المستثنى كراهية أن يتلفظ به.

قال التوربشتي: أي: إلا من يعرض له الوهم من قبل الطيرة، وكره أن يتم

ص: 459

وَلكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ.

===

كلامه ذلك؛ لما يتضمنه من الحالة المكروهة، وهذا نوع من أدب الكلام يكتفى به دون المكروه منه بالإشارة، فلا يضرب لنفسه مثل السوء.

قال الخطابي: معناه: إلا من قد يعتريه ويسبق إلى قلبه الكراهة فيه، فحذف اختصارًا للكلام، واعتمادًا على فهم السامع. انتهى.

قال السيوطي: يسمى في البديع بالاكتفاء، وهذه الجملة الأخيرة؛ أي: من قوله: (وما منا. . .) إلى آخره. . ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما من قول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو الصواب.

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: الفرق بين الطيرة والتطير: أن التطير هو الظن السيئ الذي في القلب، والطيرة هو الفعل المرتب على الظن السيئ.

(ولكن الله) عز وجل (يذهبه) أي: يذهب ذلك الشرك الذي هو الطيرة (بالتوكل) أي: بسبب الاعتماد عليه والاستناد إليه سبحانه.

وحاصله: أن الخطرة ليس بها عبرة؛ فإن وقعت غفلةً. . لا بد من رجعة، والله أعلم. انتهى من "العون".

قال السندي: قوله: "شرك" إذا اعتقد لها تأثيرًا؛ أو معناه: أنها من أعمال أهل الشرك، أو مفضية إليه باعتقادها مؤثرة، أو المراد: الشرك الخفي.

(وما منا إلا) أي: وما منا أحد إلا ويعتريه شيء ما منه في أول الأمر قبل التأمل، وقد ذكر كثير من الحفاظ أن جملة قوله:(وما منا. . .) إلى آخره من كلام ابن مسعود مدرج في الحديث، ولو كان مرفوعًا. . كان المراد: وما منا؛ أي: من المؤمنين من الأمة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الطب، باب في الخط وزجر الطير، والترمذي في كتاب السير، باب ما جاء في الطيرة، قال

ص: 460

(169)

- 3483 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

===

أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن كهيل، وروى شعبة عن سلمة هذا الحديث قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا الحديث: (وما منا، ولكن الله يذهبه بالتوكل)، قال سليمان: هذا عندي من كلام ابن مسعود مدرج في الحديث، ولو كان مرفوعًا. . كان المراد: وما منا؛ أي: من المؤمنين من الأمة.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(169)

- 3483 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي الحافظ، متقن، من السابعة، قال ابن معين: ثقة ثبت، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن سماك) بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري أبي المغيرة، صدوق، من الرابعة، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة، فكان ربما يلقن، مات سنة ثلاث وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن عكرمة) الهاشمي مولاهم المكي، ثقة، عالم بالتفسير وغيره، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

ص: 461

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ

===

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى) أي: لا مجاوزة للعلة والمرض من صاحبها إلى غيره بالمجاورة والقرب، وهذا الكلام يحتمل أن المراد به: نفي ذلك وإبطاله من أصله، وعبارة "الكوكب": أي: لا سراية لمرض عن صاحبه إلى غيره.

(ولا طيرة) في الشرع؛ أي: لا تشاؤم بالفعلة السيئة ولا بالمقالة القبيحة، وقيل: معناه: لا تشاؤم بمرور الطير إلى جهة اليسار، وأصله فيما قالوا: إن العرب كانوا في الجاهلية إذا خرجوا لحاجةٍ، فإن رأوا الطير عن يمينهم أو الظباء تمر على يمينهم. . فرحوا به واستمروا في حاجتهم، وإن طار عن يسارهم. . تشاءموا به ورجعوا، ورُبَّما هَيَّجُوا الطَيْر لِتَطِيرَ، فيعتمدوا على ذلك، فكان ذلك يَصدُّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرعُ وأبطلَه، ونهى عنه وأخبر أنه لا تأثيرَ له في جَلْبِ نفعٍ ولا في دفع ضر.

قال البوصيري: والطيرة منشؤها عِيافةُ الطير وزَجْرُها؛ فإن طارت تُجاهَ اليمن. . تفاءلوا بالخير، ومنه اشتقت كلمة التيامن، وإن طارت باتجاه الشام. . كان فألًا رديئًا، ومنه اشتقت كلمة التشاؤم، وأصل التيامن: أنَّ أصل العرب من اليَمَنِ وكانت كلُّ الهِجْرَات منهم باتجاهِ الشمال منه، فما طار صوب الوطن الأصلي. . حصل معه الحب والحنين للوطن، فكان فأل خير، وما طار صوب مناطق الهجرة. . كان فيه إحساس الغربة، فكان الفأل الرديء، ثم نسي الناس أصل هذه الفكرة، وبقيت العادة في عيافة الطير وزجره.

والتيامن والتشاؤم كل هذا منهي عنه؛ لأن الكهانة ادعاء معرفة الغيب وما سيكون، ولا يعرف الغيب إلا الله وحده، وقد حرم الإسلام العمل بهذه الأمور؛

ص: 462

وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ".

===

لأنها من أبواب السحر، وقد بسطنا الكلام على هذا في شرح المقدمة من هذا الكتاب، فراجعها.

(ولا هامة) أي: ولا تشاؤم بصياح الهامة والبومة في القرية ليلًا أو جنب الدار؛ والهامة بتخفيف الميم على الصحيح المشهور عند الجمهور، وقال جماعة منهم: بتشديدها؛ أي: لا تشاؤم بالبومة، ولا حياة لهامة الموتى؛ إذ كانوا يزعمون أن عظم الميتة يصير هامة ويحيا ويطير.

(ولا صفر) أي: ولا تشاؤم بدخول شهر صفر في الشرع؛ أي: لما يتوهمون أن فيه تكثر الدواهي والفتن، وقيل: إن الصفر حية في البطن تهيج عند جوع صاحبها، وربما قتلت صاحبها، وكانت العرب ترى أنها أعدى من الجرب، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:"ولا صفر" والمعنى عليه: لا سراية لصفر من صاحبه إلى غيره؛ كما تزعمه العرب.

قوله أيضًا: "ولا هامة" أي: لا تشاؤم بنزول الهامة في القرى أو جنب الدار في الليل وصياحها؛ لأنهم يزعمون أن ذلك يدل على موت صاحب القرية ورئيسها أو صاحب الدار إذا صاحت جنب الدار، وقيل: هي دابة تخرج من رأس القتيل ظلمًا، أو تتولد من دمه، فلا تزال تصيح في الليل جنب داره حتى يؤخذ بثأره، كذا تزعمه العرب، فكذبهم الشرع. انتهى "مناوي".

وفي "المرشد": الهامة - بتخفيف الميم وجوز تشديدها -: هي دابة تظهر في الليل وتختفي في النهار، من الطيور لها جناح كجناح الطيور، ووجه كوجه الهرة، في الأرميا:(أرنغو). انتهى منه.

وقد نفى الإسلام هذه العقائد الباطلة التي هي من عقائد الجاهلية، فكذبهم الشرع. انتهى "مناوي".

ص: 463

(170)

- 3484 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ أَبِيه،

===

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(170)

- 3484 - (5)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن أبي جَنَابٍ) - بجيم ونون خفيفتين آخره موحدة - مشهور بالكنية، اسمه يحيى بن أبي حية - بمهملة وتحتانية - الكلبي الكوفي، ضعفوه لكثرة تدليسه، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، أو قبلها. يروي عنه:(دت ق)، واسم أبي حية حي، قاله في "التهذيب".

قال أبو نعيم: لم يكن بأبي جناب بأس إلا أنه كان يدلس، وكذا قال أحمد وابن معين وأبو داوود عن أبي نعيم، وقال الدورقي عن ابن معين: لا بأس به، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وبالجملة: فهو مختلف فيه.

(عن أبيه) أبي حَيَّة الكلبي الكوفي، والد أبي جناب، اسمه حَيٌّ - بفتح أوله وتشديد التحتانية - مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(ق). روى عن ابن عمر، ويروي عنه ابنه أبو جناب، وقال في "التهذيب": حي أبو حية الكلبي الكوفي والد أبي جناب. روى عن: ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ويروي عنه: ابنه أبو جناب، قال أبو زرعة: محله الصدق، له في "ابن ماجه" حديث واحد. انتهى، وهو هذا الحديث، وحينئذ فهو صدوق.

ص: 464

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ"، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ الْبَعِيرُ يَكُونُ بِهِ الْجَرَبُ فَتَجْرَبُ بِهِ الْإِبِلُ قَالَ: "ذَلِكَ الْقَدَرُ؛

===

(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا جناب، وهو مختلف فيه، وأبوه حي صدوق؛ كما بيناه آنفًا.

(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة) وقد بسطنا الكلام على هذه الثلاثة في الأحاديث السابقة فراجعها، فلا عود ولا إعادة.

(فقام إليه) صلى الله عليه وسلم حين قال الرسول ذلك الكلام (رجل) من الحاضرين عنده، لم أر من ذكر اسمه، وفي حديث أبي هريرة:(فقام أعرابي) أي: رجل من سكان البوادي (فقال) الرجل: (يا رسول الله؛ البعير) من الأبعرة (يكون به الجرب) داء معروف (فـ) يدخل ذلك البعير الأجرب في الإبل المجتمعة أو الراعية و (تجرب) من باب طرب؛ كما في "المختار"(به) أي: بسبب دخول ذلك البعير الأجرب فيها (الإبل) التي دخل فيها كلها؛ أي: يأخذ كلها الجرب؛ أي: يكون ذلك البعير الأجرب سببًا لوقوع الجرب بجميعها؛ كانوا يعتقدون أن الممرض إذا دخل على الأصحاء. . أمرضهم، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأبطله بقوله:"لا عدوى".

فلما أورد الرجل الأعرابي عليه الشبهة. . (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (ذلك) أي: إصابة الجرب كلها بسبب دخول البعير الأجرب فيها (القدر) أي: هو القضاء الذي قدره الله تعالى وقضى عليها في سابق علمه

ص: 465

فَمَنْ أَجْرَبَ الْأَوَّلَ؟ ! ".

===

قبل خلق السماوات والأرض (فـ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الأعرابي؛ إزالة لشبهته: (من أجرب الأول؟ ! ) أي: فمن أصاب بالجرب البعير الأول الذي أصاب الإبل كلها بجربه؟ ! أي: ممن سرى إليه الجرب؛ فإن قالوا: من بعير آخر. . لزم التسلسل، وهو محال عقلًا وشرعًا، أو قالوا: بسبب آخر. . فعليهم أن يبينوه، وإن قالوا: الفاعل في الأول هو الفاعل في الثاني. . ثبت المدعى؛ وهو أن الذي فعل ذلك بالجميع هو الله سبحانه، فالجواب في غاية الرشاقة والبلاغة. انتهى من "القسطلاني على البخاري".

وقد سبق للمؤلف هذا الحديث في المقدمة في باب القدر.

وعبارة "المرشد" في المقدمة: (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك) الجرب الذي عم الإبل كلها هو (القدر) - بفتحتين - هو الأمر المقدر عليها المكتوب عليها أزلًا، أو سببه القدر؛ أي: القضاء الذي قضي عليها أزلًا، لا مخالطة البعير الأجرب.

فإن قلت: بالعدوى. . (فمن أجرب) البعير (الأول؟ ! ) أي: فكما أن الله سبحانه هو المؤثر في جرب البعير الأول. . كذلك هو المؤثر في جرب سائر الإبل، فلا عدوى.

وحديث ابن عمر هذا انفرد به ابن ماجه في روايته بهذا السند، ولكن أخرج هذا المتن الترمذي في كتاب القدر من طريق ابن مسعود، بل وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داوود في كتاب الطب من طريق أبي هريرة إلا قوله:(ذلك القدر) فهو مما تفرد به ابن ماجه.

فهذا الحديث درجته: أنه صحيح؛ لأن له شاهدًا من حديث أبي هريرة وابن مسعود، إلا ما تفرد به ابن ماجه من قوله:(ذلك القدر) فهو حسن؛

ص: 466

(171)

- 3485 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُورِدُ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ".

===

لكون هذا السند حسنًا، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به، فهذا الحديث: متنه صحيح بغيره إلا تلك الزيادة؛ أي: صحيح متنه بغيره، حسن سنده؛ لما تقدم آنفًا.

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:

(171)

- 3485 - (6)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعدما أضر، من الثامنة مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُورِد) - بضم الياء التحتانية وكسر الراء - من أورد الرباعي المبني للفاعل؛ أي: لا يدخل (المُمْرِضُ) - بضم الميم الأولى وكسر الراء - على صيغة اسم الفاعل، ومفعول الإيراد محذوف؛ تقديره: أي: لا يدخل إبله المراض (على المُصَحِّ) أي:

ص: 467

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

على إبل صاحب الإبل الصحاح - وهو بضم الميم وكسر الصاد وتشديد الحاء المهملة - على صيغة اسم الفاعل؛ والممرض: صاحب الإبل المراض؛ والمصح: صاحب الإبل الصحاح.

والمعنى: لا يورد ولا يدخل صاحب الإبل المراض إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح؛ لأنه ربما أصابها المرض بفعل الله تعالى وقدره الذي أجرى به العادة، لا بطبعها وتأثيرها، فيحصل لصاحب الإبل الصحاح ضرر بمرضها، وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاده العدوى بطبعها فيكفر، والله أعلم. انتهى "نووي"، وجملة الإيراد خبرية اللفظ، إنشائية المعنى، قصد بها النهي.

وفي رواية للبخاري: (لا يوردن) بزيادة نون التوكيد على صريح النهي، والنهي هنا نهي إرشاد على سبيل الحذر والاحتياط، ولا يستلزم الاعتقاد بالعدوى بكونه علة تامة في التأثير.

قال السندي: الممرض: الذي كان له إبل مرضى، والمصح: صاحب الصحاح، وهو نهي للممرض أن يسقي ويرعى إبله مع إبل المصح.

قال النووي: قال جمهور العلماء: الحديثان - يعني: حديث: (لا عدوى) المذكور قبل هذا الحديث، وحديث:(لا يورد ممرض) - هما صحيحان يجب الجمع بينهما، قالوا: وطريق الجمع بأن يقال: إن حديث: (لا عدوى) المراد به: نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى وقدره.

وأما حديث: (لا يورد ممرض). . فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى، وكذا:(فر من المجذوم فرارك من الأسد).

ص: 468

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله.

وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده بفعل الله تعالى وإرادته وقدره، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب. انتهى منه.

قال القرطبي: في بحث هذا الحديث - أعني: حديث: (لا يورد ممرض. . .) إلى آخره - الورود: هو الوصول إلى الماء، يقال: أورد إبله؛ إذا أوصلها إليه، فصاحب الإبل مورد، والإبل موردة.

وممرض: اسم فاعل؛ من أمرض الرجل؛ إذا أصاب ماشيته مرض، قاله يعقوب؛ ومصح: اسم فاعل؛ من أصح؛ إذا أصابت ماشيته عاهة، ثم صحت، قاله الجوهري.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة، وأحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة في "مصنفه" في كتاب الأدب، باب من رخص في الطيرة.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 469