الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(31) - (194) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِنْشَادِ الضَّوَالِّ فِي الْمَسْجِدِ
(95)
- 751 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ،
===
(31)
- (194) - (باب النهي عن إنشاد الضوال في المسجد)
وإنشاد الضالة: طلبها والسؤال عنها، وهو من أنشد الرباعي بمعنى نشد الثلاثي، يقال: نشد ينشد من باب نصر، يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، وأنشدتها إذا عرّفتها، والضوال: جمع ضالة؛ والضالة: الدابة الضائعة عن صاحبها، يقال: ضل الشيء إذا ضاع، قال ابن الأثير: الضالة فاعلة من الصفات الغالبة تقع على الذكر والأنثى والجمع، وتُجمع على ضوال؛ وهي الضائعة من كل ما يُقتنى من الحيوان وغيره، وقد تطلق الضالة على المعاني، ومنه الحديث:"الحكمة ضالة المؤمن" أي: لا يزال يتطلبها كما يتطلب الرجل ضالته. انتهى "كوكب".
* * *
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، فقال:
(95)
- 751 - (1)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه (ق).
(حدثنا وكيع، عن أبي سنان سعيد بن سنان) البرجمي -بضم الموحدة والجيم بينهما راء ساكنة- الشيباني الأصغر الكوفي، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة عشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(م عم).
عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا وَجَدْتَهُ؛ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ".
===
(عن علقمة بن مرثد) -بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة- الحضرمي أبي الحارث الكوفي، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(ع).
(عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي قاضيها، ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومئة (105 هـ)، وله تسعون سنة. يروي عنه:(م عم).
(عن أبيه) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المروزي، قيل: اسمه عامر وبريدة لقبه، أبي سهل الصحابي المشهور رضي الله عنه، مات سنة ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) بريدة: (صلى) بنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، (ذ) لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة .. (قال رجل) من الأعراب؛ أي: فقام من بين القوم، فنادى في المسجد، فقال:(من) الذي وجد ضالتي و (دعا) ني (إليـ) ـها؛ وهي (الجمل الأحمر، فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: لا وجدته) أي: لا تجد جملك، ولا رده الله عليك، دعاء عليه بعدم الوجدان؛ معاقبة له بنقيض مراده، ليست المساجد مبنية لطلب الضالة فيها، (إنما بُنيت المساجد لـ) أجل أن يُعمل فيها (ما بُنيت له) أي: العمل الذي بُنيت له؛ من الصلوات، والأذكار، وتلاوة القرآن، لا لطلب الضالة ولا لغيره من أشغال الدنيا؛ كالبيع، والشراء، والإجارة، والاستئجار، عبر عنها بما الموصولة تعظيمًا لشأنها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فكلمة (لا) في قوله: "لا وجدته" لنفي الماضي، ودخولها على الماضي بلا تكرار في الدعاء جائز، وفي غير الدعاء الغالب هو التكرار؛ كقوله تعالى:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (1)، ويحتمل كون (لا) ناهية؛ أي: لا تنشد الضالة في المسجد، وقوله:"وجدته" دعاء له؛ لإظهار أن يكون النهي عنه نُصح له؛ إذ الداعي بخير لا ينهى إلا نصحًا. انتهى "سندي".
قال القرطبي: قوله: "إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له" يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتم من يبيع في المسجد ويبتاع .. فقولوا: لا أربح الله تجارتك" رواه الترمذي من حديث أبي هريرة (569)، وقد كره بعض أصحابنا تعليم الصبيان في المساجد، ورأى أنه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرة، فلو كان بغير أجرة .. لمنع أيضًا من وجه آخر؛ وهو أن الصبيان لا يتحرزون من القذر والوسخ، فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنظيفها وتطييبها، وقال:"جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وسلّ سيوفكم، وإقامة حدودكم" رواه ابن ماجه من حديث واثلة، وفي "الزوائد": إسناده ضعيف.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد، والنسائي في كتاب المساجد، باب النهي عن إنشاد الضالة، وعبد الرزاق، وأحمد، وابن أبي شيبة، والبيهقي.
فدرجة الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاستدلال به.
* * *
(1) سورة القيامة: (31).
(96)
- 752 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،
===
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث بريدة بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، فقال:
(96)
-752 - (2)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م ق).
(أنبأنا) عبد الله (بن لهيعة) بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، وهو ثقة فيما روى عنه العبادلة، ضعيف في غيره، مات سنة أربع وسبعين ومئة (174 هـ). يروي عنه:(م د ت ف).
(ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا حاتم بن إسماعيل) المدني أبو إسماعيل الحارثي مولاهم صحيح الكتاب، صدوق يهم، من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه:(ع).
(جميعًا) أي: كلاهما؛ يعني: ابن لهيعة وابن إسماعيل رويا.
(عن) محمد (بن عجلان) المدني، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، من الخامسة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ إِنْشَادِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ.
(97)
-753 - (3) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ،
===
السهمي أبي إبراهيم المدني، صدوق، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، من الثالثة. يروي عنه:(عم).
(عن جده) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وهذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الحسن؛ لأن عمرو بن شعيب في سماعه عن جده خلاف، وقد سبق تخريج هذا الحديث عن المصنف في باب ما يكره في المساجد، رقم (736)، قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حديث حسن، قال البخاري: رأيت أحمد وإسحاق وغيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، قال: وقد سمع شعيب بن محمد عن جده عبد الله بن عمرو. انتهى.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إنشاد الضالة) أي: طلب الدابة الضائعة عن صاحبها (في المسجد).
فدرجة هذا الحديث: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث بريدة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(97)
- 753 - (3)(حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب) المدني نزيل
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبِ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْأَسَدِيِّ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةَ فِي الْمَسْجِدِ
===
مكة، صدوق ربما وهم، من العاشرة، مات سنة أربعين أو إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ).
(أخبرني حيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري، ثقة ثبت، فقيه زاهد، من السابعة، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومئة (159 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى (الأسدي أبي الأسود) المدني يتيم عروة، ثقة، من السادسة، مات سنة بضع وثلاثين ومئة (133 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد) اسمه سالم بن عبد الله النصري -بالنون- المدني، ويقال له: مولى النصريين، ومولى مالك بن أوس، ومولى دوس، ويقال له: سالم سبلان -بفتح المهملة والموحدة- صدوق، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(م د س ق).
(أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لكون رجاله ثقات.
(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سمع رجلًا ينشد) من باب نصر؛ أي: يطلب (ضالة) أي: دابة ضائعة عن صاحبها (في المسجد)
فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا".
===
متعلق بينشد .. (فليقل) ذلك السامع للناشد: (لا) وجدتها ولا (رد) ها (الله) تعالى (عليك؛ فإن المساجد لم تُبن لهذا) أي: لطلب الضوال فيها، وإنما بُنيت للصلاة والذكر والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها.
قوله: "ينشد" كيطلب وزنًا ومعنىً، قوله:"فليقل" السامع وجوبًا أو ندبًا، قوله:"لا ردها الله عليك" دعاء على الناشد بعدم وجدان ضالته، كما ورد في الحديث الآخر:"لا وجدت"، وفي حديث آخر:"أيها الناشد غيرك الواجد" زجرًا له عن ترك تعظيم المسجد، فهو معاقبة له في ماله على نقيض مقصوده، فليلحق به ما في معناه من رفع صوته فيه بما يقتضي مصلحة ترجع إلى الرافع صوته، دُعي عليه على نقيض مقصوده؛ ذلك بسبب جريمة رفع الصوت في المسجد، وإليه ذهب مالك مع جماعة، حتى كرهوا رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره.
وأجاز أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن مسلمة من المالكية رفع الصوت فيه في الخصومة والعلم، قالوا: لأنهم لا بد لهم من ذلك، وهذا مخالف لظاهر الحديث، وقولهم: لا بد لهم من ذلك ممنوع، بل لهم بد من ذلك بوجهين: أحدهما: ملازمة الوقار والحرمة وبإخطار ذلك بالبال والتحرز من نقيضه، ومن خاف ما يقع فيه .. تحرز.
والثاني: أنه إذا لم يتمكن من ذلك .. فليتخذ لذلك موضعًا يخصه، كما فعل عمر، وقال: من أراد أن يلغط أو ينشد شعرًا .. فليخرج من المسجد. انتهى من "المفهم".
قوله: "فإن المساجد لم تُبن لهذا" قال ابن الملك: يجوز أن يكون هذا القول تعليلًا للدعاء عليه، ويكون المجموع مقولًا لقوله: فليقل، وأن يكون
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تعليلًا لقوله: فليقل، ثم قال: يعرف كراهية كل أمر لم يُبن المسجد لأجله حتى كره مالك البحث العلمي فيه، وجوزه أبو حنيفة وغيره مما يحتاج إليه الناس؛ لأن المسجد مجمعهم واستحسن المتأخرون جلوس القاضي في الجامع؛ لأن القضاء بحق من أشرف العبادات. انتهى "كوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب المساجد، باب النهي عن نشد الضالة، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب كراهية إنشاد الضالة في المسجد، رقم (473)، والترمذي في كتاب البيوع، باب النهي عن البيع في المسجد، رقم (1321).
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم