الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(34) - (197) - بَابُ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ
(104)
- 760 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ
===
(34)
- (197) - (باب) فضيلة (المشي) بالرجل أو بالركوب (إلى الصلاة) أو إلى مواضع جماعة الصلاة وأجره
* * *
(104)
- 760 - (1)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، ثقة ثبت عالم، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه (ع).
(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين ومئة، أو ثمان. يروي عنه:(ع).
(عن أبي صالح) السمان ذكوان القيسي مولاهم، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم) أيها المؤمنون؛ أي: استعمل الماء في أعضاء الوضوء بنية الطهارة،
فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ .. لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ،
===
(فأحسن الوضوء) أي: أكمل الوضوء بفرائضه وآدابه، قال السندي: الفاء لتفسير كيفية الوضوء على أحسن وجه بمراعاة سننه وآدابه؛ والمعنى: إذا أراد الوضوء وشرع فيه فأحسنه.
(ثم) خرج من بيته، فـ (أتى المسجد) بقصد الصلاة حالة كونه (لا ينهزه) ولا يحركه ولا يخرجه من بيته (إلا الصلاة) أي: إلا قصد فعل الصلاة مع الجماعة؛ يعني: لا ينوي بخروجه إلا الصلاة؛ من نهز بالزاي من باب منع؛ أي: حالة كونه لا يدفع جسمه ولا يخرج قالبه من بيته إلا الصلاة، والجملة الفعلية حال من فاعل أتى، وكذا جملة قوله:(لا يريد) ولا يقصد بقلبه (إلا) فعل (الصلاة) جماعة حال من فاعل أتى؛ أي: ثم أتى المسجد حالة كونه لا يخرج قالبه من بيته إلا فعل الصلاة، ولا يقصد بقلبه إلا ثواب الجماعة، وقال السندي: وهذه الجملة كالتفسير لجملة قوله: لا ينهزه إلا الصلاة.
وقوله: (لم يخط) جواب إذا الشرطية؛ أي: لم ينقل قدمه من موضع إلى آخره (خطوة) أي: مرة من خطواته إلى المسجد، وقوله: لم يخط؛ من خطا يخطو من باب دعا، يقال: خطا بقدمه خطوة -بالفتح- إذا نقلها من موضع إلى آخر، والخطوة بفتح الخاء المعجمة للمرة؛ كجلسة، وبالضم ما بين القدمين .. (إلا رفعه الله) تعالى؛ أي: رفع ذلك المتوضئ الماشي إلى المسجد (بها) أي: بسبب تلك الخطوة (درجة) أي: منزلة من منازل الآخرة، (وحط) أي: أقال وأسقط (عنه) أي: عن ذلك المتوضئ (بها) أي: بسبب تلك الخطوة (خطيئة) أي: سيئة.
وقوله: (حتى يدخل المسجد) غاية لقوله: "لم يخط خطوة"، والمعنى:
فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ .. كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ".
(105)
- 761 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
===
إلا كُتب له بكل خطوة من خطواته حسنة، وغُفر له بها سيئة، والمراد بالخطيئة هنا: الصغائر، (فإذا دخل المسجد .. كان في) ثواب (صلاة ما كانت الصلاة تحبسه) أي: تمنعه من الخروج من المسجد فعلًا، أو انتظارًا لجماعة أخرى، قال النووي: وفي هذا الحديث الحث على الإخلاص في الطاعات وأن تكون متمحضة لله تعالى.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، وقد سبق تخريجه في كتاب الطهارة، باب ثواب الطهور، رقم (279).
فدرجته: أنه صحيح؛ لأن رجاله ثقات أثبات، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث آخر له، فقال:
(105)
- 761 - (2)(حدثنا أبو مروان) الأموي (العثماني محمد بن عثمان) بن خالد المدني نزيل مكة، صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد، ثقة حجة، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومئة (185 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني، ثقة حجة، من
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ .. فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ؛
===
الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه:(ع).
(عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من الثانية، مات بعد التسعين. يروي عنه:(ع).
(وأبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة) أي: أقام لها المؤذن وأنتم في الخارج، قال السنوسي: يعني: إذا نادى المؤذن بالإقامة، فأُقيم السبب مقام المسبب .. (فلا تأتوها) أي: فلا تحضروها (وأنتم) أي: والحال أنكم (تسعون) إليها؛ أي: تهرولون إليها وتعدون مسرعين في المشي فوق العادة، فلا يعارض هذا الحديث قوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1)؛ لأن المراد بالسعي فيه المشي عادة، لا الهرولة ولا الإسراع.
(وأتوها) أي: واحضروها والحال أنكم (تمشون) إليه على عادتكم (وعليكم) أي: والزموا (السكينة) بالنصب على أن عليكم اسم فعل أمر بمعنى الزموا؛ كقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (2)، ويجوز الرفع على أنه مبتدأ مؤخر،
(1) سورة الجمعة: (9).
(2)
سورة المائدة: (105).
فَمَا أَدْرَكْتُمْ .. فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ .. فَأَتِمُّوا".
===
و(عليكم) خبر مقدم، (والسكينة) هي التأني في المشي واجتناب العبث في الجوارح، والوقار الخوف القلبي من الله تعالى.
(فما أدركتم) مع الإمام .. (فصلوا) معه، (وما فاتكم) فعله مع الإمام ولم تدركوه معه .. (فأتمو) هـ؛ أي: فأتموا الذي فاتكم فعله مع الإمام بأنفسكم بعد سلام الإمام، وفي كتاب "السنن" من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"من توضأ فأحسن الوضوء، ثم جاء إلى المسجد، فوجد الناس قد صلوا .. أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا". رواه أبو داوود (564)، والنسائي (2/ 111).
والحكمة في ملازمة الوقار والسكينة: التشبه بالمصلي؛ لأن الماشي إلى الصلاة هو في الصلاة، ومعناه: أنه لما خرج من بيته إلى المسجد يريد الصلاة .. كان له حكم الداخل في الصلاة من الوقار والسكينة حتى يتم التشبه به فيحصل له ثوابه. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في مواضع؛ منها: في كتاب الجمعة، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة، رقم (636)، ومسلم في كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم (602)، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب السعي إلى الصلاة، رقم (572)، والترمذي في أبواب الصلاة، والنسائي، وأحمد، ومالك.
قال أبو عيسى: اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد: فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوات التكبيرة الأولى، حتى ذُكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة، ومنهم من كره الإسراع، واختار أن يمشي على تؤدة ووقار، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقالا: العمل على حديث أبي هريرة.
(106)
- 762 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
===
فدرجة الحديث: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
قوله: "إذا أقيمت الصلاة" قال النووي: إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها؛ لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها .. فقبل الإقامة أولى، وأكد ذلك ببيان العلة، فقال صلى الله عليه وسلم:"فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة .. فهو في صلاة"، وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة، وأكد ذلك تأكيدًا آخر حيث قال:"فما أدركتم .. فصلوا، وما فاتكم .. فأتموا"، فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة، فصرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات، وبيّن ما يفعل فيما فات، وقوله صلى الله عليه وسلم:"وما فاتكم" دليل على جواز قول من قال: فاتتنا الصلاة، وأنه لا كراهة فيه، وبهذا قال جمهور العلماء، وكرهه ابن سيرين. انتهى منه.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فقال:
(106)
- 762 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر -بفتح النون وسكون المهملة- الكرماني، كوفي الأصل، نزل بغداد، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان أو تسع ومئتين (209 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا زهير بن محمد) التميمي أبو المنذر الخراساني سكن الشام، ثم
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَزِيدُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ،
===
الحجاز، ثقة، من السابعة، مات سنة اثنتين وستين ومئة (162 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن محمد بن عقيل) بن أبي طالب الهاشمي المدني، صدوق، في حديثه لين، من الرابعة، مات بعد الأربعين ومئة (140 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من الثانية، مات بعد التسعين. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الله بن محمد وهو مختلف فيه.
(أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أدلكم على ما يكفّر الله به الخطايا) الصغائر (ويزيد به في) ثواب (الحسنات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال) ذلك: (إسباغ الوضوء عند المكاره) والمشقات، (وكثرة الخطا إلى المساجد).
قوله: "ألا أدلكم" الهمزة فيه للاستفهام، ولا نافية، وليس ألا للتنبيه بدليل قولهم: بلى، قوله:"على ما يكفر الله به الخطايا" وتكفير الخطايا كناية عن غفرانها، ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون دليلًا على غفرانها، قاله النووي، قوله:(ويزيد به في الحسنات) يعني: برفع المنازل والدرجات في
وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ".
===
الجنة، قوله:(قالوا: بلى يا رسول الله) فائدة السؤال والجواب أن يكون الكلام أوقع في النفس بحكم الإبهام والتبيين.
قوله: (إسباغ الوضوء) أي: إتمامه وإكماله باستيعاب المحل بالغسل وتطويل الغرة، وتكرار الغسل ثلاثًا، قوله:(عند المكاره) جمع مكره -بفتح الميم- وهو ما يكرهه شخص ويشق عليه، والكره -بالضم والفتح- المشقة؛ أي: بأن يتوضأ مع برد شديد ومع علل يتأذى معها بمس الماء، ومع إعوازه والحاجة إلى طلبه والسعي في تحصيله وابتياعه بالثمن الغالي ونحوها مما يشق، كذا في "المجمع". انتهى "تحفة الأحوذي".
قوله: "وكثرة الخطا إلى المساجد" والخطى -بضم الخاء المعجمة- جمع خطوة -بضمها- وهي ما بين القدمين، قال النووي: كثرة الخطى تكون ببعد الدار وكثرة التكرار.
(وانتظار الصلاة) أي: وقتها أو جماعتها (بعد) فراغه من (الصلاة) التي صلاها أولًا مع الجماعة؛ كانتظار العصر بعد الظهر مثلًا؛ يعني: إذا صلى بالجماعة أو منفردًا، ثم ينتظر صلاة أخرى، ويعلّق فكره بها بأن يجلس في المجلس، أو في بيته ينتظرها، أو يكون في شغله وقلبه معلق بها، وزاد الترمذي في روايته:"فذلكم الرباط" بلا تكرار، وفي أخرى له بتكراره ثلاثًا -بكسر الراء- وأصل الرباط أن يربط الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معدًا لصاحبه؛ يعني: أن المواظبة على الطهارة ونحوها كالجهاد، وقيل: معناه أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصي وتكفه عن المحارم، كذا في "المجمع".
وقال النووي في "شرح مسلم": قوله: "فذلكم الرباط" أي: الرباط المرغب فيه، وأصل الرباط الحبس على الشيء، كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة،
(107)
- 763 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
===
وقيل: إنه أفضل الرباط، كما قيل: الجهاد جهاد النفس، ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن؛ أي: إنه من أنواع الرباط. انتهى.
وقال القاضي: إن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية؛ لأنها تسد طرق الشيطان على النفس، وتقهر الهوى، وتمنعها من قبول الوساوس، فيغلب بها حزب الله جنود الشيطان، وذلك هو الجهاد الأكبر، وقوله:"ثلاثًا" أي: قال هذه الكلمة؛ يعني: كلمة "فذلكم الرباط" ثلاث مرات، وحكمة تكرارها الاهتمام وتعظيم شأنها، وقيل: كررها على عادته في تكرار الكلام ليفهم، والأول أظهر، والله أعلم. انتهى من "التحفة".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكنه صحيح لغيره؛ لأنه شاركه في روايته مسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما، فقال:
(107)
-763 - (4)(حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن إبراهيم) بن مسلم العبدي أبي إسحاق (الهجري) -بفتحتين- ضعيف، من الخامسة. يروي عنه:(ق).
(عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي، ثقة، من الثالثة، قتل قبل المئة في ولاية الحجاج على العراق. يروي عنه:(م عم).
(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.
قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا .. فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَلَعَمْرِي؛ لَوْ أَنَّ كُلَّكُمْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ .. لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ،
===
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه إبراهيم الهجري وهو متفق على ضعفه.
(قال) عبد الله بن مسعود: (من سره) أي: من يسره ويبشره (أن يلقى الله) عز وجل؛ أي: أن يرى الله سبحانه (غدًا) أي: في يوم القيامة حالة كونه (مسلمًا) أي: منقادًا لأمره .. (فليحافظ) أي: فليواظب (على) أداء (هؤلاء الصلوات الخمس) المكتوبة (حيث يُنادى بهن) أي: على أدائهن في المكان الذي يُنادى فيه بحضورهن؛ أي: بالحضور إليه لتُفعل في ذلك المكان بجماعة لها إمام معين أو غير معين؛ (فإنهن) أي: فإن أداء هؤلاء الصلوات الخمس جماعة وفعلها بها (من سنن الهدى) وشريعة الإسلام وعزائمها، ورُوي سُنن بضم السين وفتحها، حكاهما القاضي، وهما بمعنى متقارب؛ أي: من طرائق الهدى والصواب، قاله النووي.
(وإن الله) عز وجل (شرع) وبيّن (لنبيكم) محمد صلى الله عليه وسلم سنن الهدى) وطرقه وأحكامه، قال السندي: ولم يرد السنة المتعارفة بين الفقهاء، ويحتمل أنه أراد تلك السنة بالنظر إلى الجماعة، (ولعمري) أي: ولحياتي قسمي، وهذا القسم من لغو اليمين لم يقصد به اليمين، بل جرت على لسانه من غير قصد؛ لأن القسم بالمخلوق حرام ممنوع شرعًا؛ أي: وأقسمت لكم بحياتي (لو أن كلكم) أيها المسلمون (صلى في بيته) وسوقه .. (لتركتم سنة نبيكم) وطريقته التي سنها لكم.
وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ،
===
(ولو تركتم سنة نبيكم) بترك الجماعة في الصلوات الخمس .. (لضللتم) وأخطأتم عن طريق الهدى التي تركها لكم، وفي رواية أبي داوود:"لكفرتم"، وهو على التغليظ، أو على الترك تهاونًا وقلة مبالاة وعدم اعتمادها حقا، أو لفعلتم فعل الكفرة، وقال الخطابي: إنه يؤدي إلى الكفر؛ بأن تتركوا شيئًا فشيئًا حتى تخرجوا من الملة، نعوذ بالله منه. انتهى من "السندي".
(ولقد رأيتنا) أي: وأقسم لكم بالإله الذي لا إله غيره؛ لقد رأيت أنفسنا معاشر الصحابة ليواظب كل منا على فعلها جماعة، (وما يتخلف) أي: والحال إنه لا يتخلف (عنها) أي: عن جماعتها رجل منا (إلا) رجل (منافق معلوم النفاق) أي: بيّن النفاق وظاهره، كما هو رواية أبي داوود، وفي رواية مسلم:(معلوم النفاق) كرواية ابن ماجه.
قوله: (ولقد رأيتنا) أي: نحن معاشر الصحابة أو جماعة المسلمين، قال الطيبي: قد تقرر أن اتحاد الفاعل والمفعول إنما يجوز في أفعال القلوب، وهي من نواسخ المبتدأ والخبر، والمفعول الثاني الذي هو بمنزلة الخبر محذوف ها هنا، وسدّ قوله:(وما يتخلف عنها) أي: عن صلاة الجماعة في المسجد من غير عذر أو بوصف الدوام وهو حال مسده، وتبعه ابن حجر، لكن في اتحاد الفاعل والمفعول ها هنا نظر؛ إذ المراد بالفاعل المتكلم وحده، وبالمفعول هو وغيره، قاله علي القاري في "المرقاة". انتهى.
قال الشمني: ليس المراد بالمنافق ها هنا من يُبطن الكفر ويظهر الإسلام، وإلا .. لكانت الجماعة فريضة؛ لأن من يُبطن الكفر كافر، ولكان آخر الكلام مناقضًا لأوله. انتهى.
وفيه أن مراده أن النفاق سبب التخلف لا عكسه، وأن الجماعة واجبة
وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ فَيَعْمِدُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ فَمَا يَخْطُو خَطْوَةً .. إِلَّا رَفَعَ اللهُ لَهُ
===
على الصحيح لا فريضة؛ للدليل الظني، وأن المناقضة غير ظاهرة، قاله في "المرقاة"، قال النووي: هذا دليل ظاهر لصحة ما سبق تأويله في الذين همَّ بتحريق بيوتهم أنهم كانوا منافقين. انتهى من "العون".
(ولقد رأيت الرجل) أي: وأقسم لكم أيضًا بالإله الذي لا إله غيره على أني لقد رأيت الرجل الضعيف منا (يهادى) ويمشى (بين الرجلين) معتمدًا عليهما لضعفه (حتى) يأتي المسجد، و (يدخل في الصف) لاهتمامهم بشأن الجماعة.
قوله: (يهادى بين الرجلين) بالبناء للمجهول؛ أي: يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما، قاله النووي، وقال ابن الأثير في "النهاية": معناه يمشي بينهما معتمدًا عليهما من ضعفه وتمايله؛ من تهادت المرأة في مشيها إذا تمايلت. انتهى، وقال الخطابي: أي: يرفد من جانبيه ويؤخذ بعضديه يتمشى به إلى المسجد. انتهى، وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها بأي سبب .. استحب له حضورها. انتهى من "العون".
ثم قال ابن مسعود: (وما من رجل) من المسلمين (يتطهر فيُحسن الطهور) بإكمال فرائضه وسننه وآدابه، (فيعمد) أي: يقصد (إلى المسجد) أي: إلى مسجد من بيوت الله تعالى، (فيصلي فيه) أي: في ذلك المسجد ما قدر الله له، (فما يخطو) ذلك الرجل في مشيته إلى المسجد (خطوة) أي: مرة من خطواته .. (إلا رفع الله) تعالى (له) أي: لذلك الرجل الماشي
بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً.
(108)
- 764 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْمُوَفَّقِ أَبُو الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ،
===
إلى المسجد (بها) أي: بتلك الخطوة (درجة) أي: منزلة عنده تعالى، (وحطّ) أي: أقال ومحا (عنه) أي: عن ذلك الرجل (بها) أي: بكل خطوة من خطواته (خطيئة) أي: سيئة، قاله المنذري.
شارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم وأبو داوود في باب التشديد في الجماعة (46)، رقم (546)، والنسائي، فالحديث له شاهد.
فدرجته: أنه صحيح المتن، ضعيف السند، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استأنس المؤلف رحمه الله تعالى للترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فقال:
(108)
- 764 - (5)(حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري) -بضم المثناة وسكون المهملة- أبو بكر، نزيل البصرة، مقبول، من صغار العاشرة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا الفضل بن الموفق) -بصيغة اسم المفعول- ابن أبي المتئد -بضم الميم وتشديد المثناة بعدها تحتانية مهموزة- الثقفي (أبو الجهم) الكوفي، ضعيف، من صغار التاسعة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا فضيل بن مرزوق) الأغر -بالمعجمة والراء- الرقاشي أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق يهم، رُمي بالتشيع، من السابعة، مات في حدود سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(م عم).
عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: اللهُمَّ؛ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا؛ فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا، وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً، وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ
===
(عن عطية) بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي أبي الحسن الكوفي، صدوق يخطئ كثيرًا، وكان شيعيًا مدلسًا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة ومئة (111 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف جدًّا، قال السندي: هذا إسناد مسلسل بالضعفاء: عطية الجوفي، وفضيل بن مرزوق، والفضل بن الموفق، كلهم ضعفاء.
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج من بيته) ومنزله قاصدًا (إلى) مسجد (الصلاة) لأجل الصلاة فيه، (فقال) في طريقه:(اللهم؛ إني أسألك) والمفعول سيأتي؛ أي: أسألك (بحق السائلين عليك) أي: بحرمة السائلين لك وبمنزلة الداعين عندك، (وأسألك بحق) أي: ببركة (ممشاي) أي: ببركة مشيي (هذا) إلى المسجد، والممشى مصدر ميمي بمعنى المشي، وفيه بركة؛ لأنه عمل صالح.
والفاء في قوله: (فإني) تعليلية؛ أي: إنما سألتك بمشيي إلى المسجد؛ لأني (لم أخرج) من بيتي (أشرًا) أي: افتخارًا به على الناس، (ولا بطرًا) أي: ولا إعجابًا بنفسي (ولا رياءً) أي: ولا مرائيًا للناس بخروجي، (ولا سمعة) أي: ولا قاصدًا سماع الناس إياي فيمدحونني، بل خرجت ابتغاء مرضاتك، (وخرجت اتقاء سخطك) أي: وقاية وتحرزًا من سخطك وغضبك،
وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ .. أَقْبَلَ اللهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ".
===
(و) فعلت ذلك الخروج (ابتغاء مرضاتك) أي: طلبًا لرضاك.
وقوله: (فأسألك) تأكيد لفظي للسؤال الأول، وبيان لمفعوله؛ أي: فأسألك يا رب بما ذكر (أن تعيذني) وتجيرني وتؤمنني (من) عذاب (النار، وأن تغفر لي) جميع (ذنوبي) صغائرها وكبائرها، وقوله:(إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) جملة معللة لسؤال الغفران؛ أي: وإنما أسألك غفران ذنوبي؛ لأنه لا يغفر ذنوب من عصاك وخالفك إلا أنت يا إلهي، وقوله:(أقبل الله عليه بوجهه) المقدس، جواب من الشرطية في قوله:"من خرج من بيته" أي: أقبل الله عز وجل على ذلك الخارج من بيته إقبالًا يليق بجلاله نثبته ونعتقده لا نكيفه ولا نمثله، بوجهه المقدس.
وقوله: (واستغفر له) معطوف على أقبل؛ أي: واستغفر له بأمر الله تعالى (سبعون ألف ملك)، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، قال السندي: قوله: (بحق السائلين عليك) أي: متوسلًا إليك في قضاء حاجتي وإمضاء مسألتي بما للسائلين عندك من المنزلة والفضل الذي يستحقونه عليك؛ بمقتضى فضلك ووعدك وجودك وكرمك وإحسانك، ولا يلزم من قوله:(عليك) الوجوب المتنازع فيه عليه تعالى، لكن لإيهامه الوجوب بالنظر إلى الأفهام القاصرة يحترز عنه علماؤنا الحنفية، ويرون أن إطلاقه لا يخلو عن كراهة، وسيأتي الجواب عن الحديث. انتهى منه.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولا شاهد له فهو: ضعيف سندًا ومتنًا (12)(107)، فغرضه بسوقه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
(109)
- 765 - (6) حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ دسَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
ثم استأنس المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا للترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، فقال:
(109)
- 765 - (6)(حدثنا راشد بن سعيد بن راشد) القرشي أبو بكر (الرملي) صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين. يروي عنه:(ع).
(عن أبي رافع إسماعيل بن رافع) بن عويمر الأنصاري القاص المدني، نزيل البصرة، ضعيف الحفظ، من السابعة، مات في حدود الخمسين ومئة (150 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(عن سُميّ مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثقة، من السادسة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ) مقتولًا بقديد. يروي عنه:(ع).
(عن أبي صالح) ذكوان السمان القيسي، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه أبا رافع، وقد أجمعوا على ضعفه، وفيه الوليد بن مسلم وهو مدلس، وقد روى بالعنعنة.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَشَّاؤُونَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ .. أُولَئِكَ الْخَوَّاضُونَ فِي رَحْمَةِ اللهِ".
(110)
- 766 - (7) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الشِّيرَازِيُّ،
===
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المشاؤون) جمع مشاء، وهو من صيغ المبالغة، والمراد منه: كثرة مشيهم حتى يكون عادة لهم، لا من اتفق منهم المشي مرة أو مرتين، وهذا الحديث يشمل العشاء والصبح بناء على أنها تُقام بغلس، والمعنى: الذين أكثروا المشي (إلى المساجد في الظلم) أي: في ظُلم أوائل الليل للعشاء، وفي ظُلم آخره المسماة بالغلس للصبح؛ لأدائها جماعة .. (أولئك) المشاؤون هم (الخواضون) أي: الخائضون الداخلون المنغمسون (في) بحر (رحمة الله) تعالى وفضله بكثرةٍ، فلهم أجر عظيم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولا شاهد له، فهو ضعيف متنًا وسندًا (13)(108)، غرضه بسوقه: الاستئناس به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(110)
- 766 - (7)(حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي) الزهري، نزيل البصرة، صدوق يخطئ، من الحادية عشرة. يروي عنه:(ق)، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(حدثنا يحيى بن الحارث الشيرازي) -بكسر الشين المعجمة وتقديم الراء على الزاء- نسبة إلى شيراز؛ بلدة مشهورة، روى عن زهير بن محمد بن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي في فضل المشائين إلى المساجد،
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِنُورٍ تَامٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
===
ويروي عنه: (ق)، وإبراهيم بن محمد الحلبي بخبر غريب، وكان ثقة، وكان عبد الله بن أبي داوود يثني عليه، فذكر الحديث الذي روى له ابن ماجه. انتهى من "التهذيب"، وقال في "التقريب": مقبول، من الثامنة.
(حدثنا زهير بن محمد التميمي) أبو المنذر الخراساني، سكن الشام ثم الحجاز، ثقة، من السابعة، مات سنة اثنتين وستين ومئة (162 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني القاضي، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).
(عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) أبي العباس الصحابي المشهور رضي الله عنه مات سنة ثمان وثمانين (88 هـ)، وقيل بعدها، وقد جاوز المئة. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه إبراهيم بن محمد الحلبي، وهو مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات.
(قال) سهل: (قال رسول الله صلى الله علية وسلم: بشر) بلفظ الأمر خطاب لكل من يصلح؛ أي: بشر أيها المخاطب (المشائين) أي: المتعودين المشي (في الظلم إلى المساجد) لأداء صلاة العشاء والصبح جماعة (بنور تام) أي: كامل يكون لهم (يوم القيامة)، وفي بعض نسخ المتن:(ليبشر) -بكسر لام الأمر وفتح الياء وسكون الموحدة وفتح الشين- على وزن ليفرح لفظًا ومعنىً (المشاؤون) بالرفع على الفاعلية.
(111)
- 767 - (8) حَدَّثَنَا مَجْزَأَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدٍ مَوْلَى ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُودَ
===
قلت: ويجوز أن يكون من الإبشار من أبشر الرباعي، نظير قوله تعالى:{وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (1).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه الحاكم بالسند المذكور عن زهير وأبي غسان جميعًا، وقال: حديث صحيح، وأخرجه أيضًا أبو داوود والترمذي في "سننيهما" عن بريدة، وأخرجه أيضًا ابن ماجه في "سننه"، والحاكم في "المستدرك" عن أنس في كتاب الصلاة (1/ 212)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ثم قال: وله شاهد في رواية مجهولة عن ثابت عن أنس، ووافقه الذهبي في "التلخيص"، وأخرجه كذلك ابن خزيمة والحاكم وابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي، وكذا رواه الطبراني.
فتحصل لنا أن درجة الحديث: صحيح المتن؛ لأن له شواهد، حسن السند؛ لما تقدم، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، فقال:
(111)
- 767 - (8)(حدثنا مجزأة) بفتح الميم وسكون الجيم وفتح الزاي بعدها همزة مفتوحة (ابن سفيان بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين (مولى ثابت) بن أسلم (البناني) الثقفي البصري، مقبول، من الحادية عشرة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا سليمان بن داوود) بن مسلم الهنائي -بضم الهاء- البصري
(1) سورة فصلت: (30).
الصَّائِغُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
===
(الصائغ) المؤذّن وربما نُسب إلى جده، مجهول، من السادسة. يروي عنه:(ق).
(عن ثابت) بن أسلم (البناني عن أنس بن مالك).
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لضعف سليمان بن داوود الصائغ، قال العقيلي فيه: لا يُتابع في حديثه، وقال الحاكم في روايته: روايته مجهولة. روى عن ثابت، وقيل: عن أبيه عن ثابت عن أنس، قال البوصيري: وليس لسليمان هذا عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، ولم يكن له شيء في بقية الكتب الستة، وأما مجزأة .. فلم أر من تكلم فيه.
(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشّر) لعله خطاب لكل من يتولى لتبليغ هذا الدين ويصلح له (المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد روي عن عشرة من الصحابة غير سهل وأنس؛ وهم: بريدة وزيد بن حارثة وابن عباس وأبو أمامة وأبو الدرداء وأبو سعيد وأبو موسى وأبو هريرة وعائشة، وأجودها حديث بريدة وأبي الدرداء، فحديث بريدة أخرجه ابن حبان في "صحيحه" والطبراني وابن أبي شيبة في أبواب صلاة العتمة في الليلة المظلمة.
فالحديث: صحيح المتن بغيره، ضعيف السند، غرضه: الاستشهاد به.
* * *
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثمانية أحاديث:
واحد منها للاستدلال وهو الأول، واثنان منها للاستئناس، وخمسة للاستشهاد، كما فصلناه في محله.
والله سبحانه وتعالى أعلم