الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(43) - (206) - بَابُ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ
(142)
- 798 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
===
(43)
- (206) - (باب افتتاح القراءة)
(142)
- 798 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ)، وقد قارب التسعين. يروي عنه:(ع).
(عن حسين) بن ذكوان (المعلم) المكتب العوذي -بفتح المهملة وسكون الواو بعدها ذال معجمة مكسورة- البصري، ثقة ربما وهم، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن بديل) مصغرًا (بن ميسرة) العقيلي -بضم العين- البصري، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس وعشرين، أو ثلاثين ومئة (130 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي الجوزاء) -بجيم وزاي بينهما واو ساكنة وبالمد- أوس بن عبد الله الربعي -بفتح الموحدة- البصري، يرسل كثيرًا، ثقة، من الثالثة، مات دون المئة سنة ثلاث وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان رسول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
===
عليه وسلم) في قراءة القرآن في الصلاة (يفتتح القراءة بـ) سورة الفاتحة؛ يعني: ({الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ})(1) إلى آخر السورة، وقوله:(بالحمد) بالرفع على الحكاية وإظهار ألف الوصل، ويجوز حذف همزة الوصل، وكذا جر الدال على الإعراب، قال النووي: يستدل به مالك وغيره ممن يقول: إن البسملة ليست من الفاتحة، وجواب الشافعي رحمه الله والأكثرين القائلين بأنها من الفاتحة: أن معنى الحديث: أنه يبتدئ القرآن بسورة الحمد لله رب العالمين، لا بسورة أخرى، فالمراد بيان السورة التي يبتدئ بها في الصلاة، وقد قامت الأدلة على أن البسملة من الفاتحة. انتهى من "العون".
قال الحافظ ابن حجر: في "تخريج أحاديث الهداية" الذي يتحصل من البسملة أقوال:
أحدها: أنها ليست من القرآن أصلًا إلا في سورة النمل، وهذا قول مالك وطائفة من الحنفية ورواية عن أحمد.
ثانيها: أنها آية من كل سورة، أو بعض آية، كما هو المشهور عن الشافعي وممن وافقه، وعن الشافعي أنها آية من الفاتحة دون غيرها، وهو رواية عن أحمد.
ثالثها: أنها آية من القرآن مستقلة برأسها وليست من السور، بل كتبت في كل سورة للفصل بينها؛ فقد روى مسلم عن المختار بن فلفل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لقد أنزلت على سورة آنفًا، ثم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (2) ". أخرجه مسلم، وعن ابن عباس،
(1) سورة الفاتحة: (2).
(2)
سورة الكوثر: (1).
(143)
- 799 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ،
===
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى نزلت عليه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (1). أخرجه أبو داوود والحاكم، وهذا قول ابن المبارك وداوود، وهو المنصوص عن أحمد، وبه قال جماعة من الحنفية، وقال أبو بكر الرازي: هو مقتضى المذهب، وعن أحمد بعد ذلك روايتان: أحدهما: أنها من الفاتحة، والثاني: لا فرق، وهو الأصح.
ثم اختلفوا في قراءتها في الصلاة: فعن الشافعي ومن تبعه تجب، وعن مالك يكره، وعن أبي حنيفة تستحب، وهو المشهور عن أحمد، ثم اختلفوا: فعن الشافعي يسن الجهر بها، وعن أبي حنيفة لا يسن، وعن إسحاق يخير. انتهى كلامه، انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب من لم ير الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ومالك في "الموطأ" في كتاب الصلاة، والدارمي في كتاب الصلاة، وأحمد في "المسند".
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(143)
- 799 - (2)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي، أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(دق).
(1) سورة الفاتحة: (1).
أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
===
(أنبأنا سفيان) بن عيينة.
(عن أيوب) السختياني البصري.
(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري.
(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(ح، وحدثنا جبارة) بضم الجيم وفتح الموحدة (ابن المغلس) -بصيغة اسم الفاعل، من غلس المضعف- الحماني، الكوفي، ضعيف، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ)، ذكره للمقارنة فلا يقدح في الأولى.
(حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي.
(عن قتادة) بن دعامة.
(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الضعف؛ لأن جبارة بن المغلس متفق على ضعفه، وإنما ذكره مع السند الأول لغرض بيان المقارنة، والمقصود له السند الأول.
(قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة) أي: قراءة القرآن في الصلاة (بـ) سورة (" الحمد لله رب العالمين ") لا يقرؤون قبلها غيرها من سائر القرآن، ثم بعدما فرغوا منها .. قرؤوا أي سورة شاؤوا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، ومسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، رقم (399)، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب من لم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رقم (782)، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، رقم (246).
قال أبو عيسى: قال الشافعي: إنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين؛ معناه: أنهم كانوا يبتدئون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وكان الشافعي يرى أن يبدأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وأن يجهر بها إذا جهر بالقراءة. انتهى.
وقيل: المعنى: كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكًا بظاهر الحديث، وهذا قول من نفى قراءة البسملة، لكن لا يلزم من قوله: كانوا يفتتحون بالحمد، أنهم لم يقرؤوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سرًّا، وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سرًّا، كذا في "فتح الباري". انتهى " تحفة الأحوذي".
واعلم: أنه قد اختلف في لفظ حديث أنس اختلافًا كثيرًا: ففي لفظ: (فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) رواه أحمد ومسلم، وفي لفظ:(فكانوا لا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) رواه أحمد والنسائي على شرط الصحيح، وفي لفظ:(لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها) رواه مسلم، وفي لفظ:(فلم يكونوا يستفتحون القراءة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) رواه عبد الله بن أحمد في "مسند أبيه"، وفي لفظ: (كانوا
(144)
- 800 - (3) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَبَكْرُ بْنُ خَلَفٍ
===
يسرون) رواه ابن خزيمة، قال الحافظ: والذي يمكن أن يجمع به مختلف ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها، فحيث جاء عن أنس أنه كان لا يقرؤها .. مراده: نفي الجهر، وحيث جاء عنه إثبات القراءة .. فمراده: السر.
وقد ورد نفي الجهر عنه صريحًا، فهو المعتمد، وقول أنس في رواية مسلم:(لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها) محمول على نفي الجهر أيضًا؛ لأنه هو الذي يمكن نفيه، واعتماد من نفى مطلقًا بقول:(كانوا يفتتحون القراءة بالحمد) لا يدل على ذلك؛ لأنه كان يفتتح بالتوجه، وسبحانك اللهم، وبباعد بيني وبين خطاياي، وبأنه كان يستعيذ، وغير ذلك من الأخبار الدالة على أنه يقدم على قراءة الفاتحة شيئًا بعد التكبير، فيحمل قوله:(يفتتحون) أي: الجهر لتأتلف الأخبار. انتهى، انتهى من "العون".
فالحديث: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، فغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما، فقال:
(144)
- 800 - (3)(حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان -بضم الصاد المهملة وسكون الهاء- الأزدي (الجهضمي) ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(ع).
(وبكر بن خلف) البصري أبو بشر، صدوق، من العاشرة، مات بعد سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(دق).
وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِـ (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
===
(وعقبة بن مكرم) العمي أبو عبد الملك البصري، ثقة، من الحادية عشرة، مات في حدود الخمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(م د ت ق).
كلهم (قالوا: حدثنا صفوان بن عيسى) الزهري أبو محمد البصري القسام، ثقة، من التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ)، وقيل قبلها بقليل، أو بعدها. يروي عنه:(م عم).
(حدثنا بشر بن رافع) الحارثي أبو الأسباط النجراني -بالنون والجيم- فقيه ضعيف الحديث، من السابعة. يروي عنه:(د ت ق).
(عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة) عبد الرحمن بن الصامت، وقيل: ابن هضاض، وقيل: ابن الهضاب، وقيل غير ذلك، الدوسي، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(د س ق).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه بشر بن رافع، ضعفه أحمد وابن حبان، وابن عم أبي هريرة وهو مجهول الحال.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة) في الصلاة (بـ "الحمد لله رب العالمين ") أي: بسورة الفاتحة قبل قراءة غيرها من سور القرآن.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح، وإن كان سنده ضعيفًا؛ لأن له شاهدًا في "الصحيحين" من حديث أنس وعائشة السابقين قبله، وفي السنن من حديث
(145)
- 801 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ،
===
عبد الله بن مغفل التالي له، وغرضه: الاستشهاد به، فالحديث: ضعيف السند، صحيح المتن.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، فقال:
(145)
- 801 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) سعيد بن إياس (الجريري) -مصغرًا- نسبة إلى أحد أجداده أبو مسعود البصري، ثقة، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن قيس بن عباية) -بفتح أوله وتخفيف الموحدة ثم تحتانية- النخعي أو الحنفي الرماني أبي نعامة البصري، ثقة، من الثالثة. روى عن: ابن عبد الله بن مغفل، وابن عباس، وأنس، ويروي عنه:(عم)، والجريري، مات بعد سنة عشر ومئة.
(حدثني) يزيد (بن عبد الله بن المغفل) المزني، صدوق، من الثالثة، وقيل: مجهول. يروي عنه: (ت س ق)، ولم أقف على ترجمة له عند ابن حجر في "التقريب"، وذكره المزي في "التهذيب".
عَنْ أَبيهِ قَالَ: وَقَلَّمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا مِنْهُ، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقْرَأُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ؛
===
(عن أبيه) عبد الله بن مغفل المزني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن ابن عبد الله بن مغفل مختلف فيه.
(قال) يزيد بن عبد الله بن مغفل: (وقلما) وهو من الأفعال المكفوفة عن العمل بما الكافة؛ وهي أربعة: قلما، كثرما، طالما، قصرما، ولكن الأولى هنا جعل ما مصدرية، وجملة (رأيت) صلة ما المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لقل؛ أي: وقل رؤيتي (رجلًا أشد عليه) أي: أبغض عنده (في الإسلام حدثًا) أي: أبغض عنده أمر محدث في الإسلام ومبدع (منه) أي: من عبد الله بن مغفل؛ يعني: أباه، وقوله: قال: قلما
…
إلى آخره، كلام بعض الرواة عنه.
وقوله: (أشد عليه في الإسلام حدثًا منه) هكذا في نسخ ابن ماجه بنصب حدثًا ولا يخفى أنه يلزم أن يكون حينئذ في أشدَّ ضمير يرجع إلى الرجل ويكون (حدثًا) منصوبًا على التمييز، فيرجع المعنى: أي: أشد هو على نفسه من جهة الحدث في الإسلام، وهذا معنىً بعيد لا يكاد يراد ها هنا، ولفظ الترمذي:(أبغض إليه في الإسلام) يعني: منه، وهذا أقرب، فلعل ما هنا؛ يعنى: ما في "ابن ماجه " تحريف من النساخ، ويكون الصواب:(أشد عليه الحدث في الإسلام). انتهى من " السندي".
قال ابن عبد الله بن المغفل: (فسمعني) أبي عبد الله بن المغفل (وأنا) أي: الحال أني (أقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (1)، فقال) لي أبي:(أي بني)
(1) سورة الفاتحة: (1).
إِيَّاكَ وَالْحَدَثَ؛ فَإِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَ عُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ رَجُلًا مِنْهُمْ يَقُولُهُ، فَإِذَا قَرَأتَ .. فَقُلِ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
===
أي: يا بني، تصغير شفقة؛ (إياك والحدث) منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا لقيام المعطوف مقامه؛ أي: حذر نفسك من الأمر المحدث في الإسلام والمبدع، واتق منه ولا تفعله؛ وهو الجهر بالبسملة؛ (فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان، فلم أسمع رجلًا منهم) أي: من هؤلاء الخلفاء (يقوله) أي: يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(فإذا قرأت) يا ولدي في الصلاة .. (فقل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ})(1) ولا تقل قبله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولم يذكر عليًّا رضي الله تعالى عنه؛ لأن عليًّا عاش في خلافته بالكوفة، وما أقام بالمدينة إلا يسيرًا، فلعل عبد الله بن مغفل لم يدركه ولم يضبط صلاته، كذا في "إنجاح الحاجة على ابن ماجه".
قوله: (فلم أسمع رجلًا منهم) هذا نفي للسماع، ونفيه للسماع لا يستلزم نفي القراءة، وإنما يستلزم نفيه جهرًا، وبالجملة: فالنظر في أحاديث الباب كلها يفيد أن البسملة تقرأ سرًّا لا جهرًا، لا أنها لا تقرأ أصلًا كمذهب مالك، ولا أنها تقرأ جهرًا كمذهب الشافعي، وهذا مما لا يشك فيه المنصف بعد النظر، والله أعلم. انتهى "سندي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في ترك الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رقم (244)، والنسائي في
(1) سورة الفاتحة: (2).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
كتاب الافتتاح، باب ترك الجهر بالبسملة، قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق؛ لا يرون أن يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قالوا: ويقولها في نفسه سرًّا.
قلت: فدرجة الحديث: أنه حسن؛ لأن له شواهد من أحاديث، وغرضه: الاستشهاد به.
قال النووي في "الخلاصة": وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث وأنكروا على الترمذي تحسينه؛ كابن خزيمة وابن عبد البر والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل؛ وهو مجهول. انتهى.
وقال الحافظ في "الدراية": وقع في رواية للطبراني عن يزيد بن عبد الله بن مغفل، وهو كذلك في مسند أبي حنيفة للبخاري. انتهى، وقال في "تهذيب التهذيب": ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه في ترك الجهر في البسملة، وعنه أبو نعامة الحنفي، قيل: اسمه يزيد، قلت: ثبت كذلك في "مسند أبي حنيفة" للبخاري. انتهى، وقد أطال الحافظ الزيلعي الكلام على هذا الحديث في "نصب الراية"، ثم قال: وبالجملة: فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح .. فلا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به، لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته. انتهى.
قلت: لم أجد ترجمة يزيد بن عبد الله بن المغفل، فإن كان ثقة قابلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
للاحتجاج به .. فالأمر كما قال الزيلعي؛ من أن هذا الحديث إن لم يكن من أقسام الصحيح .. فلا ينزل عن درجة الحسن، وإلا .. فهو ضعيف.
وقول أبي عيسى في "جامعه": (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم
…
) إلى آخره، واستدلوا بحديث الباب وبحديث أنس:(أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين) أخرجه البخاري ومسلم، زاد مسلم:(لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها)، وفي رواية لأحمد والنسائي وابن خزيمة:(لا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وفي أخرى لابن خزيمة:(كانوا يسرون)، قال الحافظ في "بلوغ المرام": وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم، خلافًا لمن أعلها. انتهى.
قال في "فتح الباري": فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب؛ كابن عبد البر؛ لأن الجمع إذا أمكن .. تعين المصير إليه. انتهى.
قلت: والعلة التي أعلها بها من أعلها هي: أن الأوزاعي روى هذه الزيادة عن قتادة مكاتبة، وقد ردت هذه العلة بأن الأوزاعي لم ينفرد بها، بل قد رواها غيره رواية صحيحة. انتهى من "تحفة الأحوذي".
* * *
وجملة ما ذكره في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والثلاثة الباقية للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم