الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(37) - (200) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ
(121)
- 777 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ".
===
(37)
- (200) - (باب التغليظ في التخلف عن الجماعة)
(121)
- 777 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات أثبات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقسمت لكم بالإله الذي لا إله غيره (لقد هممت) وقصدت (أن آمر) المؤذن (بـ) إقامة (الصلاة فتُقام) الصلاة؛ أي: فيُنادى لها بألفاظ الإقامة، (ثم آمر رجلًا) من المؤمنين أن يُصلي بالناس، (فيُصلي) الرجل (بالناس) إمامًا لهم، (ثم أنطلق) أنا بنفسي وأذهب مصحوبًا معي (برجال معهم حزم) أي: مجموعة (من حطب) جمع حزمة، على وزان غرف وغرفة، والحزمة: مجموعة من الحطب كصبرة من الطعام (إلى) بيوت (قوم لا يشهدون الصلاة) أي: لا يحضرون جماعة الصلاة (فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) عقوبة لهم وتنكيلًا لغيرهم.
وفيه أن الإمام إذا عرض له شغل .. يستخلف من يُصلي بالناس، وإنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
همّ بإتيانهم بعد إقامة الصلاة؛ لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم، فيتوجه اللوم عليهم، وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر. انتهى "نووي".
وفيه دليل على أن العقوبة في أول الأمر بالمال؛ لأن تحريق البيوت عقوبة مالية، وقد أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الجماعة، والغال من الغنيمة، واختلف السلف فيهما، والجمهور على منع تحريق متاعهما، ثم إنه جاء في رواية أن هذه الصلاة التي همّ بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء، وفي رواية أنها الجمعة، وفي رواية يتخلفون عن الصلاة مطلقًا، وكله صحيح ولا منافاة بين ذلك.
واعلم: أن ثقل صلاة العشاء والفجر على المنافقين للمشقة اللاحقة من المحافظة عليهما؛ لأنهما في وقت نوم وركون إلى الراحة، ولمشقة الخروج إليهما في الظلمة إلى غير ذلك، فلا يتجشم هذه المشاق إلا من تيقن ثواب الله ورجاه وخاف عذاب الله واتقاه، وذلك هو المؤمن، وأما المنافق .. فكما قال الله تعالى فيهم:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، رقم (644)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، رقم (251)، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة، رقم (848)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب (48) ما جاء فيمن يسمع
(1) سورة النساء: (142).
(122)
- 778 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ
===
النداء فلا يجيب، رقم (217)، والنسائي في كتاب الإمامة، باب التشديد في التخلف عن الجماعة، رقم (848)، والبيهقي ومالك وأحمد وعبد الرزاق، وغيرهم.
فدرجة هذا الحديث: أنه في أعلى الدرجات؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستدلال به على الترجمة، والله أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن أم مكتوم رضي الله عنهما، فقال:
(122)
- 778 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى ومئتين (201 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن عاصم) بن بهدلة وهو ابن أبي النجود الأسدي الكوفي المقرئ، صدوق، له أوهام، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي رزين) مسعود بن مالك الأسدي الكوفي، ثقة فاضل، من الثانية، مات سنة خمس وثمانين (85 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن ابن أم مكتوم) اسمه عمرو بن زائدة أو عمرو بن قيس بن زائدة القرشي العامري الأعمى الصحابي المشهور رضي الله عنه قديم الإسلام، ويقال: اسمه
قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي كَبِيرٌ ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ يُلَايِمُنِي، فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ؟ قَالَ:"هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ"، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:"مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً".
===
عبد الله، ويقال: الحصين، كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة، مات في آخر خلافة عمر. يروي عنه:(د س ق).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) ابن أم مكتوم: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني) رجل (كبير) السن (ضرير) البصر؛ أي: مكفوفه وفاقده (شاسع الدار) أي: بعيدها عن المسجد بعدًا نسبيًا، ولذلك قال: أسمع النداء (وليس لي قائد) أي: رجل آخذ بيدي يقودني إلى المسجد و (يلايمني) أي: يوافقني في كل وقت عند حاجتي إلى الخروج إلى المسجد، وفي أكثر نسخ ابن ماجه وأبي داوود:(يلاومني) بالواو بدل الياء من اللوم، وهو خطأ، أو تحريف من النساخ؛ إذ الملاومة من اللوم بمعنى العتاب لا معنى له ها هنا، والصواب من الملائمة بمعنى المناسبة والموافقة، لا من الملاومة من اللوم.
(فهل تجد لي) يا رسول الله (من رخصة) أي: رخصة وتجويزًا وتسهيلًا في التخلف عن جماعة الصلاة، فأُصلي في بيتي؟ فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هل تسمع النداء) والأذان من المسجد في بيتك؟ (قلت) له: (نعم) أسمع في بيتي النداء من المسجد، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما أجد لك رخصة) وتجويزًا ومسامحة في التخلف عن الجماعة، بل يجب عليك حضور جماعة المسجد إذا سمعت النداء من المسجد، وإنما لم يعذره ولم يُرخّص له كما رخص لعتبان بن مالك؛ لأنه علم أنه لا يشق عليه حضور المسجد مع عماه لقرب المسجد إليه قربًا يمكن له معه الحضور، ولعدم عارض السيل بينه وبين المسجد، والله أعلم.
(123)
- 779 - (3) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَنَا هُشَيْمٌ،
===
قوله: "ما أجد لك رخصة" قال علي القاري: معناه: لا أجد لك رخصة تحصل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها، لا الإيجاب على الأعمى؛ فإنه صلى الله عليه وسلم رخص لعتبان بن مالك في تركها، ويؤيد ما قلناه حديث:"من سمع النداء فلم يأته .. فلا صلاة له، إلا من عذر". انتهى من "العون".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد من حديث أبي هريرة؛ أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة (552)، والنسائي والحاكم والبيهقي وعبد الرزاق، وغيرهم.
ودرجة الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم، فقال:
(123)
- 779 - (3)(حدثنا عبد الحميد بن بيان) بن زكريا (الواسطي) أبو الحسن السكري، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومئتين (244 هـ) يروي عنه:(م د ق).
(أنبأنا هشيم) بن بشير -بوزن عظيم- ابن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية الواسطي، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين ومئة (183 هـ)، وقد قارب الثمانين سنة. يروي عنه:(ع).
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ .. فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ".
===
(عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري.
(عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة رُمي بالتشيع، من الرابعة، مات سنة ست عشرة ومئة (116 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من الثالثة، قُتل بين يدي الحجاج، دون المئة سنة خمس وتسعين (95 هـ)، ولم يكمل الخمسين سنة. يروي عنه:(ع).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء) والأذان من المسجد وهو في بيته، (فلم يأته) أي: فلم يأت ذلك النداء؛ أي: لم يجبه بالحضور .. (فلا صلاة) كاملة (له، إلا) إن تخلف عن الإجابة بالحضور (من عذر) أي: لأجل عذر يمنعه من الحضور؛ كمرض، وعمى بصر ليس معه قائد متبرع، أو بأجرة وهو قادر عليها، وفي رواية أبي داوود زيادة في هذا الحديث؛ وهي قوله: قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض"، وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندبًا .. لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم.
وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة جماعة، وقال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات، سمع النداء أولم يسمع، وكان أبو ثور يوجب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
حضور الجماعة، واحتج هو وغيره بأن الله عز وجل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي جماعة في صلاة الخوف، ولم يعذر في تركها، فعُقل أنها في حال الأمن أوجب. انتهى من "العون".
وأكثر أصحاب الشافعي على أن الجماعة فرض على الكفاية لا على الأعيان، وتأولوا حديث ابن أم مكتوم على أنه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعة، وأنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". انتهى، انتهى من "العون".
قال السندي: قوله: "من سمع النداء" أي: وعليه ما نُودي لها من الصلاة، وإلا .. فلو صلاها قبل .. لم يلزمه الحضور، قوله:"فلم يأته" أي: محل النداء لأداء تلك الصلاة التي نُودي له، قوله:"فلا صلاة له" أي: فليس له تلك الصلاة لو صلاها في غير محل النداء، وإنما أتى بنفي الجنس للدلالة على عموم الحكم لكل صلاة ترك فيها إجابة الأذان بالحضور، وإلا .. فليس المراد أنه بطلت صلاته كلها بترك الإجابة مرة.
وظاهر هذا الحديث: أن الجماعة في المسجد الذي سمع النداء منه فرض لصحة الصلاة حتى لو تركها .. بطلت صلاته، وهو خلاف ما عليه أهل الفقه، فلا بد لهم من حمل الحديث على نقصان تلك الصلاة. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة، رقم (59)، والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن حبان.
(124)
- 780 - (4) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ
===
ودرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، فقال:
(124)
- 780 - (4)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه:(ق).
(حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى ومئتين (201 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن الحكم بن ميناء) -بكسر الميم بعدها تحتانية ثم نون ثم مد- الأنصاري المدني، صدوق من أولاد الصحابة، من الثانية. يروي عنه:(م س ق).
قال الحكم: (أخبرني ابن عباس وابن عمر) رضي الله عنهم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة.
أَنَّهُمَا سَمِعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِهِ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجَمَاعَاتِ،
===
(أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول) حالة كونه صلى الله عليه وسلم قائمًا (على أعواد) منبر (هـ) صلى الله عليه وسلم.
واعلم: أنه لم يختلف في أن المنبر سنة للخطيب الخليفة، وأما غير الخليفة .. فمخير بين المنبر والأرض، قال مالك: ومن لم يرق .. فجلهم يقف عن يساره، وبعضهم يقف عن يمينه، والكل واسع.
قلت: رجح ابن يونس اليمين لمن يمسك العصا، واليسار لتاركها؛ ليضع يمينه على عود المنبر؛ لأن المشهور استحباب توكؤ الخطيب على عصاه، والمنبر مستحب، ومحله في الوضع يمين المحراب. انتهى من "الأبي".
والمعنى: حالة كونه يقول على المنبر الذي اتخذه من الأعواد؛ جمع عود، والمراد به هنا: الخشب المنحوت، واللام في قوله:(لينتهين) موطئة لقسم محذوف؛ تقديره: والله؛ لينزجرن (أقوام) أخفاء الأحلام لا يعتنون بدينهم (عن ودعهم) أي: عن تركهم (الجماعات) جمع جماعة، وفي رواية مسلم:(الجمعات) جمع جمعة، وهو المحفوظ، قال شمر: هذا الحديث يرد على النحاة في دعواهم أن العرب أماتت مصدر يدع وماضيه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وقد نطق بالمصدر في هذا الحديث، وبالماضي في حديث:"إذا لم ينكر الناس المنكر .. فقد تودع منهم" أي: تركوا وما استوجبوه من العقوبة.
وقد قرأ ابن أبي عبلة: (ما وَدَعَكَ ربك وما قلى)(1) بتخفيف الدال؛ أي: ما تركك، والأكثر في كلامهم ما ذكره شمر عن النحويين، قال السندي: فيحمل
(1) سورة الضحى: (3).
أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ".
===
قول النحاة على قلة استعمالها، وقيل: قولهم مردود، والحديث حجة عليهم، قال السيوطي في "حاشية النسائي": والظاهر أن استعمالها ها هنا من الرواة المولدين الذين لا يحسنون العربية.
قلت: لا يخفى على من تتبع أن كتب العربية مبنية على الاستقراء الناقص دون التام عادة، وهي مع ذلك أكثريات لا كليات، فلا يناسب تغليط الرواة.
(أو ليختمن الله) سبحانه وتعالى؛ أي: ليغطين الله (على قلوبهم) حتى لا تعرف معروفًا، ولا تنكر منكرًا، ولا تعي خيرًا؛ لأن من خالف أمرًا من أوامر الله تعالى .. يظهر في قلبه نكتة سوداء، فإذا تكررت المخالفة .. تكررت النكتات، فيسود قلبه ويغلب عليه الغفلة والبعد من الله تعالى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:(ثم ليكونن من الغافلين) أي: يكونن معدودين من جملتهم.
قال السنوسي: والمعنى: إن أحد الأمرين كائن لا محالة، إما الانتهاء عن ترك الجماعات، أو ختم الله تعالى على قلوبهم، وذلك يؤدي بهم إلى أن يكونوا من الغافلين؛ فإن اعتياد ترك الجماعات يغلب الرين على القلب ويزهد النفس في العبادات، وأُدخلت (ثم) في قوله:"ثم ليكونن من الغافلين" للتراخي في الرتبة؛ فإن كونهم من جملة الغافلين المشهود فيهم بالغفلة .. أدعى لشقائهم وأنطق لخسرانهم من مطلق كونهم مختومًا عليهم. انتهى.
والختم: هو الطبع والتغطية، وأصله من ختمت الكتاب إذا طبعته بطابعه؛ وهو في الحقيقة عبارة عما يخلقه الله في قلوبهم من الجهل والجفاء والقسوة، وهذا مذهب أهل السنة، والمراد به هنا: إعدام اللطف وأسباب الخير في حقه. انتهى "كوكب".
(125)
- 781 - (5) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهُذَلِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ بْنِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة، رقم (865)، وأبو داوود في كتاب الجمعة، باب (12)، والنسائي في كتاب الجمعة، باب التشديد في التخلف عن الجمعة، وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي.
ودرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهم، فقال:
(125)
- 781 - (5)(حدثنا عثمان بن إسماعيل) بن عمران (الهذلي) أبو محمد (الدمشقي) مقبول، صغار العاشرة. يروي عنه:(ق).
(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ذئب) المغيرة بن الحارث القرشي العامري أبي الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، من السابعة، مات سنة ثمان وخمسين، وقيل: تسع وخمسين ومئة (159 هـ). يروي عنه: (ع).
(عن الزبرقان بن عمرو) بن أمية (الضمري) ثقة، من السادسة، مات سنة عشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(د س ق).
(عن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي رضي الله عنهما، أبي محمد، حب
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ".
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه وابن حاضنته أم أيمن، له مئة وثمانية وعشرون حديثًا، مات سنة أربع وخمسين (54 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لتدليس الوليد بن مسلم، والزبرقان بن عمرو لم يسمع من أسامة بن زيد، وعثمان لا يُعرف حاله، قاله البوصيري.
(قال) أسامة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لينتهين رجال) أخفاء الأحلام قليلو الاعتناء بدينهم (عن ترك الجماعة) في الصلوات الخمس، (أو لأحرقن) عليهم من التحريق (بيوتهم) حين تخلفوا فيها عن الجماعات، عقوبة لهم وتنكيلًا لغيرهم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكنه في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، وفي "مسلم" من حديث ابن مسعود، وقال الترمذي: وفي الباب عن ابن مسعود وأبي الدرداء ومعاذ وأنس وجابر رضي الله عنهم.
فدرجة الحديث: أنه صحيح المتن، ضعيف السند، غرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: خمسة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والباقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم