المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ نسخ القرآن بمتواتر السنة - شرح مختصر الروضة - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْكِتَابُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌ التَّوَاتُرُ

- ‌ الْآحَادُ

- ‌ السَّمَاعِ

- ‌ الْإِجَازَةُ

- ‌إِنْكَارُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي رِوَايَةِ الْفَرْعِ لَهُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا مَقْبُولَةٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ»

- ‌ مُرْسَلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ

- ‌فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى

- ‌فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ»

-

- ‌الْقَوْلُ فِي النَّسْخِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ

- ‌لَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ

- ‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

- ‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ»

- ‌مَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ:

- ‌الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي

- ‌«الْأَمْرُ:

- ‌ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الثَّالِثَةُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الرَّابِعَةُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ

- ‌أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ: «السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمْرُ لِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

- ‌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ

- ‌فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ»

- ‌النَّهْيُ

- ‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

- ‌الْعَامُّ

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ

- ‌«أَدَوَاتُ الشَّرْطِ»

- ‌ كُلُّ وَجَمِيعُ

- ‌«النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْأَمْرِ»

- ‌ الْعَامُّ الْكَامِلُ»

- ‌ أَقَلُّ الْجَمْعِ

- ‌ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ

- ‌ الْخِطَابُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ

- ‌الْخَاصُّ

- ‌الْمُخَصِّصَاتُ»

- ‌الْخَامِسُ: الْمَفْهُومُ

- ‌ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ

- ‌الِاسْتِثْنَاءُ

- ‌ تَعْرِيفِهِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ

- ‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌الشَّرْطُ

- ‌ الْغَايَةُ»

- ‌الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ

- ‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

- ‌الْمُجْمَلُ

- ‌حُكْمُ الْمُجْمَلِ

- ‌الْمُبَيَّنُ

- ‌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ

- ‌كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ

- ‌الْبَيَانُ الْفِعْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِيِّ»

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ

- ‌خَاتِمَةٌفَحْوَى اللَّفْظِ:

- ‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ»

- ‌ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

- ‌ دَرَجَاتُ دَلِيلِ الْخِطَابِ

- ‌ مَفْهُومَ الْغَايَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

- ‌ تَخْصِيصُ وَصْفٍ غَيْرِ قَارٍّ بِالْحُكْمِ

- ‌ مَفْهُومُ الْعَدَدِ

- ‌ مَفْهُومُ اللَّقَبِ

الفصل: ‌ نسخ القرآن بمتواتر السنة

أَمَّا‌

‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

; فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَالْقَاضِي مَنْعُهُ، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

لَنَا: لَا اسْتِحَالَةَ ذَاتِيَّةٌ، وَلَا خَارِجِيَّةٌ، وَلِأَنَّ تَوَاتُرَ السُّنَّةِ قَاطِعٌ، وَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ ; فَهُوَ كَالْقُرْآنِ.

قَالُوا: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ، وَالسُّنَّةُ لَا تُسَاوِي الْقُرْآنَ، وَقَدْ قَالَ عليه السلام:«الْقُرْآنُ يَنْسَخُ حَدِيثِي، وَحَدِيثِي لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ» ، وَلِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ لَفْظَ الْقُرْآنِ ; فَكَذَا حُكْمُهُ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْحُكْمِ وَمَصْلَحَتِهِ، وَالسُّنَّةُ تُسَاوِي الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ، وَتَزِيدُ عَلَيْهِ، إِذِ الْمَصْلَحَةُ الثَّابِتَةُ بِالسُّنَّةِ قَدْ تَكُونُ أَعْظَمَ مِنَ الثَّابِتَةِ بِالْقُرْآنِ. أَوْ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ; فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ أَصْلًا. وَالْحَدِيثُ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ، لِكَوْنِهِ أَصْلًا ; فَلَوْ ثَبَتَ لَاشْتُهِرَ، وَلَمَا خُولِفَ. وَلَفْظُ الْقُرْآنِ مُعْجِزٌ ; فَلَا تَقُومُ السُّنَّةُ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: " أَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ ; فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْقَاضِي مَنَعَهُ، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ".

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي " الرَّوْضَةِ ": قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ مِثْلُهُ يَجِيءُ بَعْدَهُ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ عَقْلًا وَشَرْعًا.

قُلْتُ: احْتِجَاجُ الْقَاضِي بِعُمُومِ نَفْيِ أَحْمَدَ، وَهُوَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ شَرْعًا، لَا عَقْلًا.

قُلْتُ: حَكَى الْآمِدِيُّ الْمَنْعَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَأَكْثَرِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَحُكِيَ الْجَوَازُ عَنْ مَالِكٍ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَأَكْثَرِ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.

قَوْلُهُ: " لَنَا: لَا اسْتِحَالَةَ "، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوِ اسْتَحَالَ، لَاسْتَحَالَ لِذَاتِهِ، أَوْ لَأَمَرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ لِذَاتِهِ، وَلَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ ; فَلَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا مُطْلَقًا ; فَيَكُونُ جَائِزًا مُطْلَقًا. وَتَقْرِيرُ هَذَا الدَّلِيلِ: كَتَقْرِيرِ قَوْلِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا: " لَنَا: لَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ "، وَقَدْ سَبَقَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ قَاطِعٌ، أَيْ: يَحْصُلُ الْقَطْعُ بِثُبُوتِهِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَهُوَ - يَعْنِي مُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ - مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ، لِقَوْلِهِ عز وجل:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النَّجْمِ: 3 - 4] . وَقَالَ عليه السلام: أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام يَأْتِينِي بِالسُّنَّةِ كَمَا يَأْتِينِي بِالْقُرْآنِ، وَإِذَا كَانَ مُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ قَاطِعًا، وَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، صَارَ كَالْقُرْآنِ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بِهِ.

قَوْلُهُ: " قَالُوا: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} " إِلَى آخِرِهِ هَذِهِ حُجَّةُ الْمَانِعِينَ وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: " {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}

ص: 321

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الْبَقَرَةِ: 106] ; فَحَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسِخَ فِي كَوْنِهِ خَيْرًا مِنَ الْمَنْسُوخِ، أَوْ مِثْلَهُ، وَالسُّنَّةُ لَا تُسَاوِي الْقُرْآنَ ; فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ خَيْرًا مِنْهُ ; فَلَا تَكُونُ نَاسِخَةً لَهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: الْقُرْآنُ يَنْسَخُ حَدِيثِي، وَحَدِيثِي لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ لَفْظَ الْقُرْآنِ ; فَكَذَلِكَ لَا تَنْسَخُ حُكْمَهُ، لِاشْتِرَاكِ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَحُكْمِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالتَّعْظِيمِ، وَصِيَانَتِهِ عَنْ أَنْ يُرْفَعَ بِمَا هُوَ دُونَهُ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} فِي الْحُكْمِ وَمَصْلَحَتِهِ، وَالسُّنَّةُ تُسَاوِي الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ، إِذِ الْمَصْلَحَةُ الثَّابِتَةُ بِالسُّنَّةِ قَدْ تَكُونُ أَضْعَافَ الْمَصْلَحَةِ الثَّابِتَةِ بِالْقُرْآنِ ; إِمَّا فِي عِظَمِ الْأَجْرِ، بِنَاءً عَلَى نَسْخِ الْأَخَفِّ بِالْأَثْقَلِ، أَوْ فِي تَخْفِيفِ التَّكْلِيفِ، بِنَاءً عَلَى نَسْخِ الْأَثْقَلِ بِالْأَخَفِّ.

قَوْلُهُ: " أَوْ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ". هَذَا جَوَابٌ آخَرُ عَنِ الْآيَةِ، وَهُوَ أَنَّ فِيهَا تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، تَقْدِيرُهُ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ نَأْتِ مِنْهَا بِخَيْرٍ ; فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ أَصْلًا، إِذْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى إِثْبَاتِ النَّاسِخِ أَصْلًا، كَمَا سَبَقَ فِي النَّسْخِ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ ; فَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِمِثْلِهِ هَهُنَا ; لِأَنَّهُ أَصْلٌ كَبِيرٌ، وَمِثْلُهُ لَا يَخْفَى فِي الْعَادَةِ، لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ مَا كَانَ كَذَلِكَ عَادَةً. فَلَوْ ثَبَتَ، لَاشْتُهِرَ، ثُمَّ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِشُهْرَتِهِ وَدَلَالَتِهِ.

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ، لَكِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ، وَدَلَالَةُ الْعَامِّ ظَاهِرَةٌ، لَا قَاطِعَةٌ ; فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ، يَبْقَى الْمُتَوَاتِرُ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمُ: السُّنَّةُ لَا تَنْسَخُ لَفْظَ الْقُرْآنِ ; فَكَذَا حُكْمُهُ.

فَجَوَابُهُ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ مُعْجِزٌ، وَالسُّنَّةُ لَا تَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْإِعْجَازِ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْخَلْقِ بِهِ، وَالسُّنَّةُ تَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قُلْتُ: تَلْخِيصُ مَأْخَذِ النِّزَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ جَامِعًا وَفَارِقًا.

فَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِفَادَةِ الْعِلْمِ، وَكَوْنِهِمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْفَارِقُ: إِعْجَازُ لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَالتَّعَبُّدُ بِتِلَاوَتِهِ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ ; فَمَنْ لَاحَظَ الْجَامِعَ، أَجَازَ النَّسْخَ، وَمَنْ لَاحَظَ الْفَارِقَ، مَنْعَهُ.

فَرْعٌ: كَمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ، كَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ شَرْعًا، عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِهِمْ فِي جَوَازِهِ ; فَمِمَّنْ أَثْبَتَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ.

احْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ: بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثَبَتَتْ بِالْقُرْآنِ، وَنُسِخَتْ بِقَوْلِهِ عليه السلام: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. وَإِمْسَاكُ الزَّوَانِي فِي الْبُيُوتِ، ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ، وَنُسِخَ بِقَوْلِهِ عليه السلام: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ.

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ: بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْوُقُوعِ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَا حُجَّةَ فِيهِمَا عَلَى الْوُقُوعِ، بَلِ النَّصُّ النَّبَوِيُّ فِيهِمَا بَيَانٌ لَا نَسْخٌ. فَآيَةُ الْوَصِيَّةِ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، وَأَكَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، نَسْخَهَا بِبَيَانِهِ، وَالْإِيضَاحِ عَنْهُ، وَلِهَذَا يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. فَكَانَ هَذَا بَيَانًا وَإِخْبَارًا عَنْ زَوَالِ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، لَا نَسْخًا.

وَأَمَّا الْآيَةُ الْأُخْرَى ; فَالسَّبِيلُ مَذْكُورٌ فِيهَا، وَالْأَمْرُ فِيهَا مَغْيِيٌّ إِلَى حِينِ جَعْلِ السَّبِيلِ، فَلَمَّا جَاءَ وَقْتُهُ، بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَلِهَذَا قَالَ: خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا. فَأَضَافَ جَعْلَ السَّبِيلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَا إِلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ إِمْسَاكَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ مَنْسُوخٌ، لَكَانَ إِضَافَةُ نَسْخِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النُّورِ: 2] ، وَإِلَى آيَةِ الرَّجْمِ الَّتِي نُسِخَ لَفْظُهَا دُونَ حُكْمِهَا أَوْلَى، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ تَوَاتَرَا ; فَمِثَالُ الْخَصْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 324