المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ: الْعُمُومُ: قِيلَ: هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً، - شرح مختصر الروضة - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْكِتَابُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌ التَّوَاتُرُ

- ‌ الْآحَادُ

- ‌ السَّمَاعِ

- ‌ الْإِجَازَةُ

- ‌إِنْكَارُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي رِوَايَةِ الْفَرْعِ لَهُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا مَقْبُولَةٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ»

- ‌ مُرْسَلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ

- ‌فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى

- ‌فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ»

-

- ‌الْقَوْلُ فِي النَّسْخِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ

- ‌لَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ

- ‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

- ‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ»

- ‌مَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ:

- ‌الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي

- ‌«الْأَمْرُ:

- ‌ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الثَّالِثَةُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الرَّابِعَةُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ

- ‌أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ: «السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمْرُ لِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

- ‌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ

- ‌فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ»

- ‌النَّهْيُ

- ‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

- ‌الْعَامُّ

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ

- ‌«أَدَوَاتُ الشَّرْطِ»

- ‌ كُلُّ وَجَمِيعُ

- ‌«النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْأَمْرِ»

- ‌ الْعَامُّ الْكَامِلُ»

- ‌ أَقَلُّ الْجَمْعِ

- ‌ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ

- ‌ الْخِطَابُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ

- ‌الْخَاصُّ

- ‌الْمُخَصِّصَاتُ»

- ‌الْخَامِسُ: الْمَفْهُومُ

- ‌ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ

- ‌الِاسْتِثْنَاءُ

- ‌ تَعْرِيفِهِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ

- ‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌الشَّرْطُ

- ‌ الْغَايَةُ»

- ‌الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ

- ‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

- ‌الْمُجْمَلُ

- ‌حُكْمُ الْمُجْمَلِ

- ‌الْمُبَيَّنُ

- ‌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ

- ‌كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ

- ‌الْبَيَانُ الْفِعْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِيِّ»

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ

- ‌خَاتِمَةٌفَحْوَى اللَّفْظِ:

- ‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ»

- ‌ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

- ‌ دَرَجَاتُ دَلِيلِ الْخِطَابِ

- ‌ مَفْهُومَ الْغَايَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

- ‌ تَخْصِيصُ وَصْفٍ غَيْرِ قَارٍّ بِالْحُكْمِ

- ‌ مَفْهُومُ الْعَدَدِ

- ‌ مَفْهُومُ اللَّقَبِ

الفصل: ‌ ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ: الْعُمُومُ: قِيلَ: هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً،

‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ: الْعُمُومُ: قِيلَ: هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً، لِدَلَالَتِهَا عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودَيْهَا: اللِّسَانِيِّ، وَالذِّهْنِيِّ، بِخِلَافِ الْمَعَانِي، لِتَمَايُزِهَا ; فَلَا يَدُلُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ، إِذِ الْعُمُومُ لُغَةً: الشُّمُولُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَامِلٍ وَمَشْمُولٍ، كَالْكِلَّةِ وَالْعَبَاءَةِ لِمَا تَحْتَهُمَا.

وَالْعَامُّ: قِيلَ: هُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الدَّالُّ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا مُطْلَقًا، وَاحْتَرَزَ بِالْوَاحِدِ عَنْ مِثْلِ: ضَرَبَ زَيْدٌ عُمْرًا، إِذْ هُمَا لَفْظَانِ، وَبِمُطْلَقًا عَنْ مِثْلِ عَشَرَةِ رِجَالٍ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ لَا مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَأَجْوَدُ مِنْهُ: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ دَلَالَةً لَا تَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ.

وَقِيلَ: اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرَقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ بِحَسَبِ وَضْعٍ وَاحِدٍ.

وَقِيلَ: اللَّفْظُ إِنْ دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ فَقَطْ ; فَهُوَ الْمُطْلَقُ أَوْ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو ; فَهُوَ الْعِلْمُ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، كَرَجُلٍ ; فَهُوَ النَّكِرَةُ، أَوْ عَلَى وَحَدَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ; فَهِيَ إِمَّا بَعْضُ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ ; فَهُوَ اسْمُ الْعَدَدِ كَعِشْرِينَ رَجُلًا، أَوْ جَمِيعُهَا ; فَهُوَ الْعَامُّ ; فَإِذَنْ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ أَجْوَدُهَا، وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَيَنْقَسِمُ اللَّفْظُ إِلَى لَا أَعَمَّ مِنْهُ، كَالْمَعْلُومِ، أَوِ الشَّيْءِ، وَيُسَمَّى الْعَامَّ الْمُطْلَقَ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَإِلَى مَا لَا أَخُصَّ مِنْهُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَيُسَمَّى الْخَاصَّ الْمُطْلَقَ، وَإِلَى مَا بَيْنَهُمَا كَالْمَوْجُودِ وَالْجَوْهَرِ وَالْجِسْمِ النَّامِي وَالْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِ ; فَيُسَمَّى عَامًّا وَخَاصًّا إِضَافِيًّا، أَيْ: هُوَ خَاصٌّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُ، عَامٌّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُ.

ــ

قَوْلُهُ: «الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ» .

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

- أَيْ: هَذَا بَيَانُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ.

قَوْلُهُ: «الْعُمُومُ، قِيلَ: هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً لِدَلَاتِهَا عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودَيْهَا: اللِّسَانِيِّ وَالذِّهْنِيِّ، بِخِلَافِ الْمَعَانِي لِتَمَايُزِهَا ; فَلَا يَدُلُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.»

إِنَّمَا قُلْتُ: قِيلَ ; لِأَنِّي قَدْ رَجَّحْتُ خِلَافَ هَذَا بَعْدُ، وَهَذَا الْبَحْثُ يُوجَدُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْأُصُولِيِّينَ غَيْرَ مُحَقَّقٍ. وَوَجْهُ الْكَشْفِ عَنْهُ أَنَّا إِذَا قُلْنَا: هَذَا الشَّيْءُ مِنْ عَوَارِضِ هَذَا الشَّيْءِ، أَيْ: مِمَّا يَعْرِضُ لَهُ وَيَلْحَقُهُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَرَضِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمَالُ وَالْمَرَضُ عَرَضًا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الْأَنْفَالِ: 67]، وَفِي الْحَدِيثِ: هَذَا ابْنُ آدَمَ وَهَذِهِ الْأَعْرَاضُ إِلَى جَنْبِهِ، إِنْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ نَهَشَتْهُ هَذِهِ. يُرِيدُ بِهِ الْآفَاتِ الَّتِي هُوَ مُعَرَّضٌ لَهَا وَهِيَ تَعْرِضُ لَهُ.

ص: 449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالْعَرَضُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ، هُوَ مَا لَا يَدْخُلُ فِي حَقِيقَةِ الْجِسْمِ وَمَفْهُومِهِ، سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا لَا يُفَارِقُ، كَسَوَادِ الْغُرَابِ وَالْقَارِ، أَوْ مُفَارِقًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَصُفْرَةِ الْوَجَلِ، وَحُمْرَةِ الْخَجَلِ.

وَبِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُنَا: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضَ الْأَلْفَاظِ، أَيْ: أَنَّهُ يَلْحَقُهَا، وَلَيْسَ هُوَ دَاخِلًا فِي حَقِيقَتِهَا، وَهُوَ عَرَضٌ لَازِمٌ لِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ، وَهُوَ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَهِيَ الَّتِي وَضَعَهَا الْوَاضِعُ لِتَدُلَّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ مَا وُضِعَتْ لَهُ.

وَمَعْنَى قَوْلِنَا: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً، أَيْ: أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَعْرِضُ إِلَّا لِصِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ، كَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِهِ، كَمَا أَنَّ الصِّحَّةَ وَالسَّقَمَ لَا يَعْرِضَانِ بِالْحَقِيقَةِ إِلَّا لِلْحَيَوَانِ، وَالِاتِّصَالُ وَالِانْفِصَالُ لَا يَعْرِضَانِ بِالْحَقِيقَةِ إِلَّا لِلْجِسْمِ، فَإِذَا قُلْنَا: هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ وَالْحُكْمُ ثَابِتٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ ; فَإِضَافَةُ الْعُمُومِ إِلَى اللَّفْظِ وَوَصْفُهُ بِهِ حَقِيقَةً، كَمَا أَنَّا إِذَا قُلْنَا: هَذَا حَيَوَانٌ صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ، وَهَذَا جِسْمٌ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْفَصِلٌ، كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً.

وَإِذَا أَضَفْنَا الْعُمُومَ إِلَى الْمَعَانِي، كَقَوْلِنَا: هَذَا حُكْمٌ عَامٌّ، وَخِصْبٌ أَوْ جَدْبٌ عَامٌّ، أَوْ بَلَاءٌ أَوْ رَخَاءٌ عَامٌّ، وَهَذِهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ، كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا، أَيْ: لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْنَى بِحَسَبِ الْأَصْلِ أَنْ يُوصَفَ بِالْعُمُومِ، إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الِاسْتِعَارَةِ ; إِمَّا مِنَ اللَّفْظِ أَوْ نَظَرًا إِلَى شُمُولِ مَجْمُوعِ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِمَجْمُوعِ مَحَالِّهِ، كَمَا إِذَا قُلْنَا: هَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ، أَوْ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْفَصِلٌ، كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا ; لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي الْجِسْمِ، وَسَيَتَّضِحُ هَذَا بِمَا بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

- وَقَوْلُهُ: «لِدَلَالَتِهَا عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودَيْهَا اللِّسَانِيِّ وَالذِّهْنِيِّ» ، أَيْ: إِنَّمَا كَانَ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ بِالْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَعَانِي لِدَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وَجُودِهَا فِي اللِّسَانِ وَوُجُودِهَا فِي الذِّهْنِ.

وَتَقْرِيرُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَعْلُومٍ ; فَلَهُ ثَلَاثُ وُجُودَاتٍ:

وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ، كَعَيْنِ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الرَّجُلِ، أَوِ الْإِنْسَانِ.

وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ، وَهُوَ لَفْظُ اسْمِهِ الدَّالُّ عَلَيْهِ كَلَفْظِ الرَّجُلِ أَوِ الْإِنْسَانِ الدَّالِّ عَلَى مُسَمَّاهُ ; فَهَذَا اللَّفْظُ وُجُودُهُ فِي اللِّسَانِ.

وَوُجُودُهُ فِي الذِّهْنِ: وَهُوَ صُورَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ الْحَاصِلَةُ فِي الذِّهْنِ، كَصُورَةِ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ، هُوَ أَنَّ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَلَا اللُّغَاتِ، فَإِنَّ صُورَةَ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَجُلٌ وَإِنْسَانٌ وَاحِدَةٌ لَا يَقَعُ فِي الذِّهْنِ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُمَا بِالْخَوَاصِّ الْعَارِضَةِ، بَلْ هُوَ بِأْخْذِ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ أَشْخَاصِ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانِ ; فَالْوَلِيدُ وَالرَّضِيعُ وَالْعَظِيمُ وَالْمُرَاهِقُ وَالْفَتَى وَالْكَهْلُ وَالشَّيْخُ الْهِمُّ، كُلٌّ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَإِنْسَانٌ فِي الذِّهْنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُوَ سَوَاءٌ فِي ذِهْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ بِخِلَافِ الْوُجُودَيْنِ: الْعَيْنِيِّ، وَاللِّسَانِيِّ ; فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ، لَكِنَّ الْعَيْنِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْخَوَاصِّ، فَإِنَّ زَيْدًا الطَّوِيلَ غَيْرُ زَيْدٍ الْقَصِيرِ، وَعَمْرٌو الْعَالِمُ غَيْرُ عَمْروٍ الْجَاهِلِ، وَالْفَطِيمُ أَكْبَرُ مِنَ الْوَلِيدِ، وَالْبَالِغُ أَقْوَى مِنَ الصَّبِيِّ، وَهَذَا الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ غَيْرُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ ; فَالِاخْتِلَافُ وَاقِعٌ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَاللَّفْظِيُّ يَخْتَلِفُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَلْفَاظِ وَاللُّغَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ ; فَقَوْلُنَا لِلْبَعِيرِ مَثَلًا: جَمَلٌ، دُوَا، أَشْتَرْ. هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ الْعَرَبِيِّ وَالتُّرْكِيِّ وَالْعَجَمِيِّ، وَالْمَدْلُولُ وَاحِدٌ.

وَالْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ الْوُجُودِ اللِّسَانِيِّ والْوُجُودَيْنِ الْآخَرَيْنِ هُوَ أَنَّ الْوُجُودَ اللِّسَانِيَّ دَلِيلٌ، وَالْآخَرَانِ مَدْلُولٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَةَ زَيْدٍ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْإِنْسَانِ الْخَاصِّ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ الْمُطَابِقِ لِصُورَتِهِ الْمَوْجُودَةِ فِي الذِّهْنِ ; فَهُمَا مَدْلُولَانِ لِلَّفْظِ وَهُوَ دَلِيلٌ لَهُمَا.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا ; فَمَعْنَى دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودَيْهَا: اللِّسَانِيِّ، وَالذِّهْنِيِّ، هُوَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: الرِّجَالُ، دَلَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى مُسَمَّاهُ بِاعْتِبَارَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ بِالْوَضْعِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ جَمَاعَةَ أَشْخَاصٍ مِنْ ذُكُورِ بَنِي آدَمَ، وَهُوَ الْوُجُودُ اللِّسَانِيُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الصُّورَةِ الْمُطَابِقَةِ لِتِلْكَ الْأَشْخَاصِ فِي الذِّهْنِ وَهُوَ الْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَعَانِي ; فَإِنَّهَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِتَمَايُزِ مِحَالِّهَا ; فَلَا يَدُلُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ; فَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِهَا حَقِيقَةً.

وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَدُلُّ عَلَى مَا تَحْتَهُ مِنَ الْمُسَمَّيَاتِ دَلَالَةً وَاحِدَةً مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْتَصَّ بَعْضُ مُسَمَّيَاتِهِ بِبَعْضِهِ، كَلَفْظِ الْكُفَّارِ، الدَّالِّ عَلَى آحَادٍ كَثِيرَةٍ كَفَّارٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْتَصَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِبَعْضِ لَفْظِ الْكُفَّارِ، بِخِلَافِ الْمَعَانِي، فَإِنَّ مَحَالَّهَا

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَخْتَصُّ بِبَعْضِهَا، كَقَوْلِنَا رُخْصٌ عَامٌّ وَبَلَاءٌ عَامٌّ، فَإِنَّ الْخِصْبَ وَالْبَلَاءَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ غَيْرُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ ; فَرُخْصُ مِصْرَ غَيْرُ رُخْصِ دِمَشْقَ، وَرَخَاءُ بَغْدَادَ غَيْرُ رَخَاءِ الصِّينِ، وَأَبْيَنُ مِنْ ذَلِكَ الْمَطَرُ، إِذَا قُلْنَا: هَذَا مَطَرٌ عَامٌّ، أَيْ: شَامِلٌ لِلْأَمْكِنَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ يَخْتَصُّ مِنَ الْمَطَرِ بِغَيْرِ مَا اخْتَصَّ الْمَكَانُ الْآخَرُ ; فَمَطَرُ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَطَرِ السُّوقِ، وَالْوَاقِعُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ غَيْرُ الْوَاقِعِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى، بِخِلَافِ لَفْظِ الْكُفَّارِ ; فَإِنَّهُ بِكُلِّيَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمْ بِلَفْظِ الْكُفَّارِ وَلَا بِبَعْضِهِ، كَمَا اخْتَصَّ السُّوقُ وَالْمَسْجِدُ بِبَعْضِ الْمَطَرِ، وَإِذَا كَانَ الْعُمُومُ فِي اللُّغَةِ الشُّمُولُ، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي، كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِهَا بِالْحَقِيقَةِ مِنَ الْمَعَانِي.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَارَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» مُخْتَطَفَةٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَتْ وَافِيَةً بِهِ ; فَلِذَلِكَ وَقَعَ فِيهَا غُمُوضٌ، وَفِي تَفْسِيرِهَا إِشْكَالٌ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مُلَخَّصَةٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ.

وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَاهُ فِي مَعْنَى قَوْلِنَا: بِاعْتِبَارِ وُجُودَيْهَا: اللِّسَانِيِّ، وَالذِّهْنِيِّ، هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ مَثَلًا لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ، وَفِي اللِّسَانِ، وَفِي الْأَذْهَانِ، أَمَّا وُجُودُهُ فِي الْأَعْيَانِ ; فَلَا عُمُومَ لَهُ، إِذْ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ رَجُلٌ مُطْلَقٌ، يَعْنِي كُلِّيًّا، بَلْ إِمَّا زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو، أَوْ غَيْرُهُمَا ; فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ التَّشَخُّصِ وَالْعَلَمِيَّةِ. وَأَمَّا وُجُودُهُ فِي اللِّسَانِ ; فَلَفْظُ الرَّجُلِ وُضِعَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ

ص: 453

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَغَيْرِهِمْ، وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِمْ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى الْعُمُومِ. وَأَمَّا وُجُودُهُ فِي الذِّهْنِ، فَإِنَّ لِلرَّجُلِ فِي الذِّهْنِ صُورَةً كُلِّيَّةً مُطَابِقَةً لَهُ تَتَنَاوَلُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا وَغَيْرَهُمْ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِمْ دَلَالَةً وَاحِدَةً، كَدَلَالَةِ لَفْظِ الرَّجُلِ عَلَيْهِمْ، غَيْرَ أَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ بِالْوَضْعِ، وَالذِّهْنُ يُدْرِكُ بِالتَّصَوُّرِ.

فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَعْنَى الْعُمُومِ وَالشُّمُولِ مَوْجُودٌ فِي اللِّسَانِيِّ وَالذِّهْنِيِّ دُونَ الْعَيْنِيِّ الْخَارِجِيِّ، وَهَذَا هُوَ مُرَادِي بِقَوْلِي:«لِدَلَالَتِهَا عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودَيْهَا: اللِّسَانِيِّ، وَالذِّهْنِيِّ» ، غَيْرَ أَنَّ فِي مُطَابَقَتِهَا لَهُ نَظَرًا.

قَوْلُهُ: «وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ» يَعْنِي الْعُمُومَ «حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ، إِذِ الْعُمُومُ لُغَةً الشُّمُولُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَامِلٍ وَمَشْمُولٍ كَالْكِلَّةِ وَالْعَبَاءَةِ لِمَا تَحْتَهُمَا» . أَيْ: وَالتَّحْقِيقُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّ الْعُمُومَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ، لَا فِي الْأَلْفَاظِ، وَلَا فِي الْمَعَانِي ; لِأَنَّ الْعُمُومَ فِي اللُّغَةِ الشُّمُولُ. يُقَالُ: هَذَا الْكِسَاءُ يَعُمُّ مَنْ تَحْتَهُ، أَيْ: يَشْمَلُهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْعُمُومُ هُوَ الشُّمُولُ ; فَالشُّمُولُ مَعْنًى إِضَافِيٌّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَامِلٍ وَمَشْمُولٍ ; فَالشَّامِلُ كَالْكِلَّةِ وَالْعَبَاءَةِ، وَالْمَشْمُولُ مَنْ تَحْتَهُمَا ; لِأَنَّهُمَا شَمَلَتَاهُ ; فَإِذَنِ الْعُمُومُ حَقِيقَةٌ لَيْسَ إِلَّا فِي الْأَجْسَامِ الشَّامِلَةِ، وَهُوَ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي مَجَازٌ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُشَارَكَتِهِمَا الْأَجْسَامَ فِي مَعْنَى الشُّمُولِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الشُّمُولَ فِي الْأَلْفَاظِ لَيْسَ مَحْسُوسًا، بَلْ مَعْقُولًا، وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا فِي قُوَّةِ شُمُولِ الْأَجْسَامِ لِمَا تَحْتَهَا، وَالشُّمُولُ فِي الْمَعَانِي، نَحْوَ: عَمَّهُمُ الْعَطَاءُ وَالْإِنْعَامُ وَالْخِصْبُ أَضْعَفُ مِنْ شُمُولِ الْأَلْفَاظِ لِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ قَبْلُ مِنِ اخْتِصَاصِ بَعْضِ مَحَالِّ الْمَعْنَى بِبَعْضِهِ، وَتَمَايُزِ أَجْزَائِهِ بِتَمَايُزِ مَحَالِّهِ.

ص: 454