الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَالْكِلَّةُ: بِكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ: سِتْرٌ رَقِيقٌ يُخَاطُ كَالْبَيْتِ يُتَوَقَّى فِيهِ مِنَ الْبَقِّ. ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَالْعَبَاءَةُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ وَمَدِّ الْأَلِفِ لُغَةً فِي الْعَبَايَةِ، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْأَكْسِيَةِ.
- وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضَ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعَانِي، هَلْ هُوَ مِنْ عَوَارِضِهَا حَقِيقَةً؟ فَنَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ، وَأَثْبَتَهُ الْأَقَلُّونَ.
- وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً، وَفِي الْمَعَانِي أَقْوَالٌ: أَصَحُّهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهَا أَيْضًا، وَالثَّانِي لَيْسَ مِنْ عَوَارِضِهَا.
- وَقَالَ النِّيلِيُّ فِي «شَرْحِ جَدَلِ الشَّرِيفِ» مَا مَعْنَاهُ: إِنَّهُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ لَوَاحِقِ اللَّفْظِ، وَاللَّفْظُ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا بِالْوَضْعِ أَوِ الِاصْطِلَاحِ، أَمْكَنَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ بِحُكْمِ الْوَضْعِ ; فَدَلَالَتُهُ عَلَيْهِ وَضْعِيَّةٌ لَا ذَاتِيَّةٌ، بِخِلَافِ الْمَعَانِي، فَإِنَّ ثُبُوتَهَا لِمَا لَمْ يَكُنْ وَضْعِيًّا، بَلْ هُوَ حَقِيقِيٌّ، لِذَلِكَ لَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِتَعْمِيمٍ، وَلَا تَخْصِيصٍ بِوَضْعٍ وَلَا اصْطِلَاحٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ أَوِ الْمَعَانِي هُوَ مِنْ رِيَاضِيَّاتِ هَذَا الْعِلْمِ، لَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ حَتَّى لَوْ تُرِكَ، لَمْ يُخِلَّ بِفَائِدَةٍ. وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ لَا يَذْكُرُهُ، وَإِنَّمَا تَابَعْتُ فِي ذِكْرِهِ أَصْلَ «الْمُخْتَصَرِ» وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَوْلُهُ: «وَ
الْعَامُّ
، قِيلَ: هُوَ اللَّفْظُ» ، إِلَى آخِرِهِ.
لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الرِّيَاضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْأَلْفَاظِ أَوِ الْمَعَانِي، أَخَذَ فِي الْكَشْفِ عَنْ حَدِّ الْعَامِّ، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ حُدُودٌ كَثِيرَةٌ فِي الْكُتُبِ اتَّفَقَ مِنْهَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْعَامَّ: «هُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الدَّالُّ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا مُطْلَقًا» .
فَقَوْلُهُ: «اللَّفْظُ» جِنْسٌ يَتَنَاوَلُ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمُطْلَقَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ اللَّفْظِ لِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ.
وَقَوْلُهُ: «الْوَاحِدُ» احْتَرَزَ بِهِ عَنْ مِثْلِ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا ; فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ، لَكِنْ لَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، بَلْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَهَذَا أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِنَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» :«إِذْ هُمَا لَفْظَانِ» ; لِأَنَّ قَوْلَنَا: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا لَيْسَ هُوَ لَفْظَيْنِ فَقَطْ، بَلْ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ ; فِعْلٌ وَفَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ، وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَقَعَتْ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو، لِكَوْنِهِمَا اسْمَيْنِ. وَضَرَبَ فِعْلٌ، لَكِنْ لَا وَجْهَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ، وَالْفِعْلُ لَفْظٌ دَالٌّ. فَالصَّوَابُ إِذَنْ أَنْ يُقَالَ: احْتِرَازٌ مِنْ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، إِذْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِأَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ.
قَوْلُهُ: «وَبِمُطْلَقًا» ، أَيْ: وَاحْتَرِزْ بِقَوْلِهِ: مُطْلَقًا عَنْ مِثْلِ عَشَرَةِ رِجَالٍ ; فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، لَكِنْ لَا مُطْلَقًا، بَلْ إِلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ تَنْقَطِعُ دَلَالَتُهُ.
قَوْلُهُ: «وَفِيهِ نَظَرٌ» ، أَيْ: فِي الِاحْتِرَازِ بِمُطْلَقًا عَنْ مِثْلِ عَشَرَةِ رِجَالٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِ عَشَرَةِ رِجَالٍ حَصَلَ بِقَوْلِهِ:«فَصَاعِدًا» ، إِذْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ، أَعْنِي صَاعِدًا لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ تَقِفُ عِنْدَهَا، وَلَكَ مَا كَانَ مِنَ الْأَعْدَادِ فَوْقَ الْوَاحِدِ انْتَظَمَهُ قَوْلُهُ: فَصَاعِدًا، وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى «مُطْلَقًا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلُهُ: «وَأَجْوَدُ مِنْهُ» ، أَيْ: أَجْوَدُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْعَامِّ، أَنْ يُقَالَ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ دَلَالَةً لَا تَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ، وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ الثَّانِي مِنَ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» .
فَقَوْلُنَا: «اللَّفْظُ الدَّالُّ» جِنْسٌ لَهُ يَتَنَاوَلُ مَا دَلَّ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، كَزَيْدٍ، أَوْ مُسَمَّيَاتٍ، كَالرِّجَالِ ; فَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: عَلَى مُسَمَّيَاتٍ، عَمَّا دَلَّ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ.
وَبِقَوْلِهِ: «دَلَالَةً لَا تَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ» مِنْ أَسْمَاءِ مَقَادِيرِ الْأَعْدَادِ، نَحْوَ: عَشَرَةٍ، وَعِشْرِينَ، وَثَلَاثِينَ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمِنْ نَظَائِرِهَا لَفْظٌ وَاحِدٌ دَالٌّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ، لَكِنْ دَلَالَةً مَحْصُورَةً مَعْلُومَةَ الْمِقْدَارِ وَالنِّهَايَةِ، بِخِلَافِ: الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الِانْحِصَارِ فِي عَدَدٍ مَعْلُومٍ.
قَوْلُهُ: «وَقِيلَ: اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا هُوَ الْحَدُّ الثَّالِثُ لِلْعَامِّ، وَهُوَ «اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ بِحَسَبِ وَضْعٍ وَاحِدٍ» فَاللَّفْظُ جِنْسٌ، وَالْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ فَصْلٌ لَهُ عَمَّا لَيْسَ بِمُسْتَغْرِقٍ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، كَالرَّجُلِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ مُعَيَّنٌ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ مَا يَصْلُحُ لَهُ، وَهُوَ سَائِرُ الرِّجَالِ، إِذْ لَفْظُ الرَّجُلِ يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى جَمِيعِ الرِّجَالِ، إِذَا جُعِلَ جِنْسًا. وَعَلَى هَذَا اعْتِرَاضٌ ظَاهِرٌ، وَبِالْجُمْلَةِ ; فَاللَّفْظُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَصْلُحَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ; فَهُوَ الْعَامُّ، وَإِلَّا ; فَلَيْسَ بِعَامٍّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذَا إِشْكَالًا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: الْعَامُّ: هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ ; إِمَّا أَنْ يُرَادَ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ، أَيْ: يَصْلُحُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، أَوْ يُرَادَ مَا يَصْلُحُ مِنْ جِهَةِ إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ ; فَالْعَامُّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا لِمَا يَصْلُحُ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، إِذْ كَلُّ لَفْظٍ صَلُحَ لِمُسَمًّى دَلَّ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لِتَقْيِيدِ اللَّفْظِ بِكَوْنِهِ مُسْتَغْرِقًا، وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي وَهُوَ صَلَاحِيَتُهُ بِحَسَبِ إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ ; فَنَقُولُ: إِنْ أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ بِلَفْظِ جَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ; فَهُوَ الْعَامُّ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ مَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ; فَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ ; فَالْعُمُومُ فِي اللَّفْظِ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا الْخُصُوصُ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ عَلَى تَقْدِيرِ إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ بَعْضَهُ.
وَقَوْلُهُ: بِحَسَبِ وَضْعٍ وَاحِدٍ، احْتِرَازٌ مِنَ الْمُشْتَرَكِ، كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَالْقُرْءِ ; فَإِنَّهُ لَفْظٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ مُسَمَّيَاتِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ، بَلْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ; فَالْقُرْءُ الدَّالُّ عَلَى الْحَيْضِ إِنَّمَا وُضِعَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْقُرْءُ الدَّالُّ عَلَى الطُّهْرِ إِنَّمَا وُضِعَ لَهُ بِوَضْعٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ قَوْلِنَا: الرِّجَالُ، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لَهُ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: «وَقِيلَ: اللَّفْظُ إِنْ دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا هُوَ الْحَدُّ الرَّابِعُ لِلْعَامِّ، وَبَيَانُهُ بِطَرِيقِ التَّقْسِيمِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّفْظَ إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، أَوْ لَا، فَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، أَيْ: مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ وَحْدَةٍ وَكَثْرَةٍ وَحُدُوثٍ وَقِدَمٍ وَطُولٍ وَقِصَرٍ وَسَوَادٍ وَبَيَاضٍ ; فَهَذَا هُوَ الْمُطْلَقُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَثَلًا مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَيْثُ هُوَ إِنْسَانٌ، إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى حَيَوَانٍ نَاطِقٍ، لَا عَلَى وَاحِدٍ، وَلَا حَادِثٍ، وَلَا طَوِيلٍ، وَلَا أَسْوَدَ، وَلَا عَلَى ضِدِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ بَعْضِ تِلْكَ.
وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ; فَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى وَحْدَةٍ أَوْ وَحَدَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ. فَإِنْ دَلَّ عَلَى وَحْدَةٍ ; فَهِيَ إِمَّا مُعَيَّنَةٌ، كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَهُوَ الْعِلْمُ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٌ، كَرَجُلٍ وَفَرَسٍ، وَهُوَ النَّكِرَةُ. وَإِنْ دَلَّ عَلَى وَحَدَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَهِيَ الْكَثْرَةُ ; فَتِلْكَ الْكَثْرَةُ إِمَّا بَعْضُ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ جَمِيعُهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَعْضَهَا ; فَهُوَ اسْمُ الْعَدَدِ، كَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَتْ جَمِيعَ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ ; فَهُوَ الْعَامُّ.
فَالْعَامُّ إِذَنْ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ أَجْوَدُهَا، أَيْ: أَجْوَدُ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْحَدَّ مُسْتَفَادٌ مِنَ التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ الصَّحِيحَ يَرِدُ عَلَى جِنْسِ الْأَقْسَامِ، ثُمَّ يُمَيِّزُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بِذِكْرِ خَوَاصِّهَا الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا ; فَيَتَرَكَّبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَقْسَامِهِ مِنْ جِنْسِهِ الْمُشْتَرَكِ وَمُمَيِّزِهِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْفَصْلُ، وَلَا مَعْنَى لِلْحَدِّ إِلَّا اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفِعْلِ، وَعَلَى هَذَا ; فَقَدِ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ مَعْرِفَةَ حُدُودِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْحَقَائِقِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ وَالْعَلَمُ وَالنَّكِرَةُ وَاسْمُ الْعَدَدِ.
فَالْمُطْلَقُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ وَصْفٍ زَائِدٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَالْعَلَمُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
وَالنَّكِرَةُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وَحْدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ.
وَاسْمُ الْعَدَدِ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى بَعْضِ وَحَدَاتِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ، وَالْعَامُّ مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُكُمْ: الْعَامُّ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى جَمِيعِ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ، يَقْتَضِي أَنَّ الْخَاصَّ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى بَعْضِ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ ; لِأَنَّ الْخَاصَّ مُقَابِلُ الْعَامِّ، وَحِينَئِذٍ يَتَّحِدُ حَدُّ الْخَاصِّ وَاسْمُ الْعَدَدِ.
قُلْتُ: هُوَ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ فِي الْخَاصِّ هُوَ وَحْدَةٌ وَاحِدَةٌ مُعَيَّنَةٌ أَوْ مَخْصُوصَةٌ، وَفِي اسْمِ الْعَدَدِ هُوَ وَحَدَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقَةٍ ; فَيُزَادُ بَيْنَ الْحَقِيقَتَيْنِ، أَعْنِي حَقِيقَةَ الْخَاصِّ وَاسْمِ الْعَدَدِ، هَذَا الْفَصْلُ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ حَدَّ الْعَامِّ الْمَذْكُورَ هُوَ أَجْوَدُ حُدُودِهِ الْمَذْكُورَةِ ; لِأَنَّهُ أَضْبَطُ وَأَحَقُّ، إِذْ هُوَ نَاشِئٌ عَنْ تَقْسِيمٍ دَائِرٍ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَارِدٌ عَلَى جِنْسِ الْأَقْسَامِ، مُلْحَقٌ بِفُصُولِهَا كَمَا سَبَقَ.
قَوْلُهُ: «وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ» ، أَيْ: قِيلَ فِي حَدِّ الْعَامِّ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّ هُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الدَّالُّ عَلَى مُسَمَّيَيْنِ فَصَاعِدًا مُطْلَقًا مَعًا، وَاحْتِرَازَاتُهُ قَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهَا، إِلَّا قَوْلَهُ: مَعًا، وَأَحْسَبُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ مِنَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ، كَالْعَيْنِ وَنَحْوِهِ ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُسَمَّيَيْنِ فَصَاعِدًا إِذَا تَكَثَّرَتْ مَوْضُوعَاتُهُ لَكِنْ لَا مَعًا، أَيْ: لَا يُرَادُ جَمِيعُهَا عِنْدَ إِطْلَاقِهِ، بَلْ بَعْضُهَا عَلَى الْبَدَلِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِمَعْلُومَيْنِ، أَوِ الْقَوْلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مُسَمَّيَيْنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَصَاعِدًا، ذَكَرَهُ الْكِتَّانِيُّ فِي «الْمَطَالِعِ» وَهُوَ مَعْنَى مَا سَبَقَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَامَّ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ يُفِيدُ تَتَبُّعَهُ فِي مَحَالِّهِ. ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي «التَّنْقِيحِ» وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَدَّاهُ إِلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْغَرِيبَةِ سُؤَالٌ أَوْرَدَهُ هُوَ عَلَى حَدِّ الْعَامِّ الْمُتَدَاوَلِ، وَلَمْ يَرَ أَحَدًا أَجَابَ عَنْهُ، وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِّ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ السُّؤَالُ، ثُمَّ ذَكَرَ السُّؤَالَ وَانْدِفَاعَهُ بِالْحَدِّ الْمَذْكُورِ. وَذِكْرُهُ يَطُولُ هُنَا ; فَلْيُنْظَرْ فِي شَرْحِهِ.
قُلْتُ: هَذَا تَقْسِيمٌ لِلْعَامِّ وَالْخَاصِّ بِحَسَبِ مَرَاتِبِهِ عُلُوًّا وَنُزُولًا وَتَوَسُّطًا ; فَاللَّفْظُ إِمَّا عَامٌّ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مَا لَيْسَ فَوْقَهُ أَعَمُّ مِنْهُ، أَوْ خَاصٌّ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مَا لَيْسَ تَحْتَهُ أَخَصُّ مِنْهُ، أَوْ عَامٌّ وَخَاصٌّ إِضَافِيٌّ.
مِثَالُ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ، الْمَعْلُومُ أَوِ الشَّيْءُ ; لِأَنَّ الْمَعْلُومَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ قَدِيمَهَا وَمُحْدَثَهَا وَمَعْدُومَهَا وَمَوْجُودَهَا لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَالشَّيْءُ يَتَنَاوَلُ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ وَالْجَوْهَرَ وَالْعَرَضَ وَسَائِرَ الْمَوْجُودَاتِ، وَالشَّيْءُ أَخَصُّ مِنَ الْمَعْلُومِ ; لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَعْلُومٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَعْلُومٍ شَيْئًا عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَعْدُومُ شَيْءٌ. وَلِهَذَا حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّيْءَ قَوْلًا فِي مِثَالِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ ; فَقَالَ: الْعَامُّ يَنْقَسِمُ إِلَى عَامٍّ لَا أَعَمَّ مِنْهُ يُسَمَّى عَامًّا مُطْلَقًا، كَالْمَعْلُومِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ. وَقِيلَ: الشَّيْءُ، أَيِ: الْعَامُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمُطْلَقُ، كَالشَّيْءِ لَا كَالْمَعْلُومِ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعْلُومِ الْمَعْدُومَ وَالْعَدَمَ، وَهُوَ لَا يَتَّصِفُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ; لِأَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ مُحْتَاجَانِ إِلَى مَا يَقُومَانِ بِهِ، وَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا ; لِأَنَّ الشَّيْءَ هُوَ الْمَوْجُودُ ; لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ أَثَّرَتْ فِيهِ، أَمَّا الْمَعْدُومُ ; فَلَا يَصِحُّ قِيَامُ الْمَعَانِي بِهِ، وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مَعْنَيَانِ لَا يَقُومَانِ بِهِ.
وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُمَا بِلَفْظِ أَوْ ; فَقُلْتُ: يَنْقَسِمُ اللَّفْظُ إِلَى مَا لَا أَعَمَّ مِنْهُ كَالْمَعْلُومِ أَوِ الشَّيْءِ، تَنْبِيهًا عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ أَوِ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَإِنْ كَانَ تَنْبِيهًا خَفِيًّا، وَلِأَنَّ الْخَطْبَ فِي هَذَا يَسِيرٌ، إِذْ لَا يَضُرُّنَا فِي ضَرْبِ الْمِثَالِ، أَيُّهُمَا كَانَ هُوَ الْأَعَمَّ مُطْلَقًا بَعْدَ تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ فِي تَقْسِيمِهِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَقِيلَ: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ» فَإِشَارَةٌ إِلَى الْعَامِّ الْمُطْلَقِ. قِيلَ: هُوَ مَوْجُودٌ كَمَا سَبَقَ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَيْسَ لَنَا عَامٌّ مُطْلَقٌ. وَهَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ بِاعْتِبَارٍ، وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ; فَجَعَلَهُ قَوْلًا ثَانِيًا، وَلْنَحْكِ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ لِيَبِينَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ إِمَّا خَاصٌّ فِي ذَاتِهِ مُطْلَقًا، نَحْوَ: زَيْدٍ، وَهَذَا الرَّجُلُ. وَإِمَّا عَامٌّ مُطْلَقٌ كَالْمَذْكُورِ وَالْمَعْلُومِ، إِذْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَوْجُودٌ وَلَا مَعْدُومٌ. وَإِمَّا عَامٌّ بِالْإِضَافَةِ كَلَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ ; فَإِنَّهُ عَامٌّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ، خَاصٌّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى جُمْلَتِهِمْ، إِذْ يَتَنَاوَلُهُمْ دُونَ الْمُشْرِكِينَ ; فَكَأَنَّهُ يُسَمَّى عَامًّا مِنْ حَيْثُ شُمُولِهِ لِلْآحَادِ، خاصًّا مِنْ حَيْثُ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا شَمِلَهُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقُصُورِهِ عَمَّا لَمْ يَشْمَلْهُ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظِ عَامٌّ مُطْلَقٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَعْلُومِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَجْهُولَ، وَالْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ.
قُلْتُ: فَحَاصِلُ قَوْلِهِ: أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ فَهُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى شُمُولِهِ أَفْرَادَ مَا تَحْتَهُ عَامٌّ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى مَدْلُولِهِ خَاصٌّ، وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَبْقَى لَنَا عَامٌّ مُطْلَقٌ، لَكِنَّ هَذَا غَيْرُ تَفْسِيرِنَا الْعَامَّ الْمُطْلَقَ بِمَا لَا أَعَمَّ مِنْهُ ; لِأَنَّ مِنَ الْأَلْفَاظِ مَا يَكُونُ عَامًّا لَا أَعَمَّ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ مَقْصُورُ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا تَحْتَهُ ; فَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَامًّا مُطْلَقًا لَا عَامًّا مُطْلَقًا بِاعْتِبَارَيْنِ، كَمَا ذُكِرَ مِنَ التَّفْسِيرَيْنِ، لَكِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَى قَوْلًا مُطْلَقًا كَمَا فَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ فِي وُجُودِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ بِتَفْسِيرٍ وَاحِدٍ قَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ نَذْكُرُ ذَلِكَ بِتَفْسِيرَيْنِ كَمَا فَعَلَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِثَالُ الْخَاصِّ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ مَا لَا أَخَصَّ مِنْهُ أَسْمَاءُ الْأَشْخَاصِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، إِذْ لَا يُوجَدُ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ يُعْرَفُ بِهِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْأَعْلَامُ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ عِنْدَ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ.
وَمِثَالُ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ الْإِضَافِيِّ هُوَ مَا وَقَعَ بَيْنَ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ وَالْخَاصِّ الْمُطْلَقِ، كَالْمَوْجُودِ ; فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْلُومِ، عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَوْهَرِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلِأَنَّكَ تَقُولُ: كُلُّ مَوْجُودٍ مَعْلُومٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَعْلُومٍ مَوْجُودًا، إِذِ الْمَعْدُومُ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ مَوْجُودًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَمَّا الثَّانِي ; فَلِأَنَّكَ تَقُولُ: كُلُّ جَوْهَرٍ مَوْجُودٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَوْجُودٍ جَوْهَرًا ; لِأَنَّ الْعَرَضَ مَوْجُودٌ، وَلَيْسَ جَوْهَرًا ; فَالْمَوْجُودُ أَعَمُّ مِنَ الْجَوْهَرِ، وَالْجَوْهَرُ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِسْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجِسْمَ يَسْتَلْزِمُ الْجَوْهَرَ ضَرُورَةَ تَرَكُّبِهِ مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَالْجَوْهَرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجِسْمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا فَرْدًا، وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ ; فَالْجِسْمُ إِذَنْ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَوْهَرِ، عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّامِي، إِذْ كُلُّ نَامٍ جِسْمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ جِسْمٍ نَامِيًا، وَالنَّامِي عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَانِ، إِذْ كُلُّ حَيَوَانٍ نَامٍ، وَلَيْسَ كُلُّ نَامٍ حَيَوَانًا، بِدَلِيلِ النَّبَاتِ، هُوَ نَامٍ وَلَيْسَ بِحَيَوَانٍ، وَالْحَيَوَانُ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، إِذْ كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حَيَوَانٍ إِنْسَانًا، بِدَلِيلِ الْفَرَسِ، وَنَحْوِهِ.
وَالضَّابِطُ فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ انْقَسَمَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَغَيْرِهِ ; فَالْمُنْقَسِمُ أَعَمُّ مِنَ الْمُنْقَسَمِ إِلَيْهِ ; فَالْمَوْجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى جَوْهَرٍ وَغَيْرِهِ، كَالْعَرَضِ، وَالْجَوْهَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى نَامٍ وَغَيْرِهِ، كَالْجَمَادِ، وَالنَّامِي يَنْقَسِمُ إِلَى حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ، كَالنَّبَاتِ، وَالْحَيَوَانُ يَنْقَسِمُ إِلَى إِنْسَانٍ وَغَيْرِهِ، كَالْفَرَسِ.
وَقَوْلُنَا: هَذَا الشَّيْءُ عَامٌّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُ، أَوْ عَامٌّ بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا تَحْتَهُ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ، أَوْ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا تَحْتَهُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الْأَلْفَاظُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ تَعْرِيفِ الْعِلْمِ بَحْثٌ طَوِيلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَيُنَاسِبُ هَذَا الْبَحْثَ.