الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ، كَانَ يَفْعَلُ. مَعَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنَ اللُّغَةِ وَالْفَصَاحَةِ بِمَكَانٍ.
فَائِدَةٌ: تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي مَفْهُومِ الْعَدَدِ: أَنَّ الْحُكْمَ إِذَا قُيِّدَ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ; فَمِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِيمَا نَقَصَ عَنْهُ، وَمِنْهُ مَا هُوَ بِضِدِّ ذَلِكَ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ عليه السلام: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ. دَلَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ.
وَالْمَثَّالُ الثَّانِي: إِذَا قِيلَ: اجْلِدُوا الزَّانِيَ مِائَةَ جَلْدَةٍ، دَلَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى وُجُوبِ جَلْدِهِ تِسْعِينَ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ مَقَادِيرِ الْعَدَدِ لِدُخُولِهِ فِي الْمِائَةِ بِالتَّضَمُّنِ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ ; فَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، كَالنَّاقِصِ عَنِ الْقُلَّتَيْنِ، وَالزَّائِدِ عَنْ مِائَةِ سَوْطٍ - هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فِي مَفْهُومِ الْعَدَدِ ; لِأَنَّ مَا يُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى يَكُونُ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ; فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ الْخِلَافُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
«السَّادِسَةُ» :
مَفْهُومُ اللَّقَبِ
، يَعْنِي مِنْ دَرَجَاتِ مَفْهُومِ الْخِطَابِ «تَخْصِيصُ اسْمٍ بِحُكْمٍ، وَالْخِلَافُ فِيهِ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ» ، يَعْنِي هُوَ كَالَّذِي قَبْلَهُ فِي وُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، «وَأَنْكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ» ، وَيُسَمَّى مَفْهُومَ اللَّقَبِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ، وَالدَّقَّاقِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَصُورَتُهَا: إِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِاسْمِ جِنْسٍ، كَتَخْصِيصِ الرِّبَوِيَّاتِ السِّتَّةِ بِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ، أَوِ اسْمِ عَلَمٍ كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ عَالِمٌ.
قُلْتُ: فَجَعَلَ اسْمَ الْجِنْسِ وَالْعَلَمِ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: قَالَ التِّبْرِيزِيُّ: وَاللَّقَبُ كَالْأَعْلَامِ، وَجَعَلَهَا الْأَصْلَ، وَأَلْحَقَ بِهَا أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ. قَالَ: وَغَيْرُهُ - يَعْنِي غَيْرَ التَّبْرِيزِيِّ، - أَطْلَقَ فِي الْجَمِيعِ.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ أَطْلَقَ مَفْهُومَ اللَّقَبِ عَلَى مَفْهُومِ الْجِنْسِ وَالْعَلَمِ.
قَوْلُهُ: «مُشْتَقًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُشْتَقٍّ» ، يَعْنِي الِاسْمَ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، سَوَاءً كَانَ مُشْتَقًّا، نَحْوَ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَإِنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ مِنَ الطَّعْمِ، «أَوْ غَيْرَ مُشْتَقٍّ» ، كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَعْيَانِ السِّتَّةِ الرِّبَوِيَّةِ ; فَإِنَّ مَفْهُومَهُ حُجَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الدَّقَّاقِ.
قَوْلُهُ: «وَإِلَّا لَمَنَعَ التَّنْصِيصُ عَلَى الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ، جَرَيَانَ الرِّبَا فِي غَيْرِهَا» . هَذَا حُجَّةٌ لِمُنْكِرِي مَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ ; لِأَنَّهُ يَلِي ذِكْرَهُمْ، أَيْ: وَأَنْكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَإِلَّا لَمَنَعَ، إِلَى آخِرِهِ.
تَقْرِيرُهُ: لَوْ كَانَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ حُجَّةً، لَمَنَعَ التَّنْصِيصُ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ، مِنْ أَنْ يَجْرِيَ الرِّبَا فِي غَيْرِهَا ; لِأَنَّ مُعْتَمَدَ الْقَائِلِينَ بِهِ مَا سَبَقَ مِنْ طَلَبِ فَائِدَةِ تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ، وَالْأَعْيَانُ السِّتَّةُ قَدْ خُصَّتْ بِالذِّكْرِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا ; فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الرِّبَا فِي غَيْرِهَا، لَكِنَّهُ بَاطِلٌ، إِذْ قَدْ ثَبَتَ فِي كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ عِلَّتُهَا، عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهَا، كَالذُّرَةِ، وَالسِّمْسِمِ، وَأَشْبَاهِهَا مِنَ الْمَكِيلَاتِ، وَالْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَالنُّحَاسِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَطْعُومَاتِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْغَزَّالِيَّ جَعَلَ مَفْهُومَ اللَّقَبِ أَوَّلَ مَرَاتِبِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، قَالَ: وَهُوَ أَبْعَدُهَا، وَقَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ كُلُّ مُحَصِّلٍ، كَتَخْصِيصِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فِي الرِّبَا، ثُمَّ قَالَ: الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ: الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ الدَّالُّ عَلَى جِنْسٍ، نَحْوَ:«لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ» . قَالَ: فَيَظْهَرُ إِلْحَاقُهُ بِاللَّقَبِ ; لِأَنَّ الطَّعَامَ لَقَبٌ لِجِنْسِهِ، أَيْ: بِالنَّظَرِ إِلَى جِنْسِهِ، كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِمَّا يُتَطَعَّمُ، كَالْغَنَمِ وَالْمَاشِيَةِ ; فَلَا يُدْرَكُ تَفْرِقَةٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ. وَبَيْنَ قَوْلِهِ: «فِي الْمَاشِيَةِ الزَّكَاةُ» . وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَقَّةً مِنَ الْمَشْيِ مَثَلًا.
وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مُنْكِرُو مَفْهُومِ اللَّقَبِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُجَّةً، لَبَطَلَ الْقِيَاسُ مُطْلَقًا، أَوْ غَالِبًا، أَوْ كَثِيرًا، إِذْ هُوَ تَعْدِيَةُ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ، بِالْجَامِعِ الْمُشْتَرَكِ ; فَلَوْ صَحَّ مَفْهُومُ اللَّقَبِ ; لَكَانَ النَّصُّ عَلَى الْأَصْلِ مُفِيدًا انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ ; فَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ الْقِيَاسِيُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي الْأَحْكَامِ، الْأَرْجَحُ فَالْأَرْجَحُ، وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُفِيدَ الْقِيَاسُ مِنَ الظَّنِّ أَرْجَحَ مِمَّا يُفِيدُهُ الْمَفْهُومُ ; فَيُقَدَّمُ، كَمَا يُقَدَّمُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَكَمَا فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَالْعِلَّةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: لَوْ كَانَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ حُجَّةً، لَكَانَ الْقَائِلُ: عِيسَى رَسُولُ اللَّهِ، كَافِرًا، لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ الرِّسَالَةِ عَنْ بَقِيَّةِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ إِنْ تَنَبَّهَ لِمَفْهُومِ لَفْظِهِ هَذَا، وَأَرَادَهُ، حُكِمَ بِكُفْرِهِ، لَكِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ لَا يَتَنَبَّهُ لِفَحْوَى خِطَابِهِ، خُصُوصًا هَذَا الْمَفْهُومَ ; فَإِنَّهُ وَإِنِ احْتُجَّ بِهِ، لَكِنَّهُ مِنْ أَضْعَفِ الْمَفْهُومَاتِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ ; فَقَدْ لَا يُرِيدُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ حُجَّةً، لَكَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: زَيْدٌ يَأْكُلُ. نَافِيًا لِلْأَكْلِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ.
وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ مِنْهُ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ، أَوْ لِدَلِيلٍ خَارِجٍ.
أَمَّا مُعْتَمَدُ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ; فَهُوَ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمَنْطُوقَ بِهِ لَوْ شَارَكَ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ، لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ، فَإِنْ بَيَّنَ الْخَصْمُ لِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةً غَيْرَ اخْتِصَاصِهِ بِالْحُكْمِ. قُلْنَا: لَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ اخْتِصَاصُهُ بِالْحُكْمِ مِنْ جُمْلَةِ فَائِدَتِهِ تَكْثِيرًا لَهَا، كَمَا سَبَقَ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ.
نَعَمْ، هَذَا الْمَفْهُومُ ضَعِيفٌ جِدًّا ; فَلِذَلِكَ أَلْغَاهُ الْخَصْمُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ، وَسَبَبُ ضَعْفِهِ أَنَّ الصِّفَةَ وَالشَّرْطَ، وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ، مُشْعِرٌ بِالتَّعْلِيلِ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَانْتِفَاءُ الْعِلَّةِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْحُكْمِ فِيهِ، بِخِلَافِ اللَّقَبِ ; فَإِنَّهُ لِجُمُودِهِ، ضَعُفَ ظُهُورُ التَّعْلِيلِ فِيهِ، لَكِنَّ ضَعْفَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْغَايَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ; لِأَنَّ ضَعْفَهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، أَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ ; فَقَوِيٌّ يَصْلُحُ لِلْعَمَلِ.
قُلْتُ: الْأَشْبَهُ الَّذِي تَسْكُنُ النَّفْسُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّهُ فِي الْمَفْهُومَاتِ كَالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْمَنْطُوقَاتِ، وَالْقِيَاسِ الشَّبَهِيِّ فِي الْأَقْيِسَةِ.
فَائِدَةٌ: اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ مَا ظَهَرَ سَبَبُ تَخْصِيصِهِ لِلْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، كَوُقُوعِهِ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ عَنْهُ، أَوْ خُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَكَمَا قِيلَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ ; فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ لُحُومِ الْإِبِلِ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، إِذِ النَّوَاقِضُ كَثِيرَةٌ، وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ السَّائِلَ هُوَ الَّذِي ذَكَّرَ الْمُتَكَلِّمَ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ، لِسُؤَالِهِ عَنْهُ ; فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ تَصَوَّرَ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ، وَقَصَدَهُ بِنَفْيِ الْحُكْمِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْخَارِجُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الْمُقَيَّدُ بِهَا غَالِبَةً عَلَى الْمَوْصُوفِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} [النِّسَاءِ: 35] ، إِذْ خَوْفُ الشِّقَاقِ غَالِبُ حَالِ الْخَلْعِ، وَقَوْلِهِ عز وجل:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النِّسَاءِ: 23] ، إِذِ الْغَالِبُ كَوْنُ الرَّبِيبَةِ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ تَبَعًا لِأُمِّهَا، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الْإِسْرَاءِ: 31]، أَيْ: فَقْرٍ وَإِقْتَارٍ، إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ قَتْلَ الْوَلَدِ إِنَّمَا يَكُونُ لِضَرُورَةٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَضَرُورَةِ الْفَقْرِ وَقِلَّةِ الْمَعَاشِ، وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ فِي الْمَوْءُودَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْلَادِ، يَقْتُلُونَهُمْ خَوْفَ الْعَارِ وَالْحَاجَةِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ مُنْكِرُو مَفْهُومِ اللَّقَبِ: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ عليه السلام: صُبُّوا عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، وَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ عليه السلام: فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ الْحَجَرِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ وَالْحَجَرَ غَالِبَانِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَالِاسْتِنْجَاءِ، وَالِاسْتِجْمَارِ. أَمَّا فَهْمُ عَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا دُونُ الثَّلَاثَةِ ; فَهُوَ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ، وَلِذَلِكَ أَوْرَدَ عَلَى مَنِ اشْتَرَطَ السَّوْمَ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ، أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، إِذِ الْغَالِبُ عَلَى أَغْنَامِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهَا السَّوْمُ ; فَلَا مَفْهُومَ لَهُ.
وَوَجْهُ كَوْنِ التَّقْيِيدِ بِالصِّفَةِ الْغَالِبَةِ لَا مَفْهُومَ لَهُ: بِأَنَّ الصِّفَةَ إِذَا غَلَبَتْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَى الْمَوْصُوفِ، لَزِمَتْهَا فِي الذِّهْنِ ; فَكَانَ اسْتِحْضَارُ الْمُتَكَلِّمِ لَهَا لِغَلَبَتِهَا، لَا لِقَصْدِ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِهَا، وَإِذَا لَمْ تَغْلِبِ الصِّفَةُ عَلَى مَوْصُوفِهَا، ظَهَرَ أَنَّ اسْتِحْضَارَ الْمُتَكَلِّمِ الْحُكْمَ بِهَا، لَا لِغَلَبَتِهَا وَلُزُومِهَا لِلْحَقِيقَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِهَا. وَعَارَضَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا التَّوْجِيهَ بِعَكْسِهِ، وَهُوَ أَنَّ الصِّفَةَ إِذَا غَلَبَتْ، كَانَ ثُبُوتُهَا لِلْحَقِيقَةِ مَعْلُومًا بِالْغَلَبَةِ، وَعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ; فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَعْرِيفِ ذَلِكَ بِاللَّفْظِ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ ذِكْرَ الْمُتَكَلِّمِ لَهَا تَقْيِيدٌ لِلْحُكْمِ بِهَا، بِخِلَافِ الصِّفَةِ غَيْرِ الْغَالِبَةِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ لَمَّا لَمْ يُفِدْ ثُبُوتُهَا لِلْحَقِيقَةِ، أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذِكْرَ الْمُتَكَلِّمِ لَهَا تَعْرِيفًا لِلسَّامِعِ بِثُبُوتِ هَذِهِ الصِّفَةِ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ، لَا لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِهَا، وَهِيَ مُعَارَضَةٌ جَيِّدَةٌ، وَجَوَابُهَا مَا سَبَقَ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْهَا.
خَاتِمَةٌ: ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ الْمُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ:
أَحَدُهَا: اقْتِرَانُ الِاسْمِ الْعَامِّ بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ، نَحْوَ: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، نَحْوَ: إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ ; فَأَكْرِمُوهُ.
الثَّالِثُ: مَفْهُومُ الْغَايَةِ، نَحْوَ:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [الْبَقَرَةِ: 222] .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّابِعُ: مَفْهُومُ إِنَّمَا، نَحْوَ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
الْخَامِسُ: مَفْهُومُ التَّخْصِيصِ بِالْأَوْصَافِ الَّتِي تَطْرَأُ وَتَزُولُ، نَحْوَ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ.
السَّادِسُ: مَفْهُومُ اللَّقَبِ، كَتَخْصِيصِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا.
السَّابِعُ: مَفْهُومُ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُشْتَقِّ، كَقَوْلِهِ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ لِكَوْنِ الطَّعَامِ لَقَبًا لِجِنْسٍ.
الثَّامِنُ: مَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصَّافَّاتِ: 35، مُحَمَّدٍ: 19]، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إِلَّا زَيْدٌ.
التَّاسِعُ: مَفْهُومُ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِعَدَدٍ خَاصٍّ، كَتَخْصِيصِ حَدِّ الْقَذْفِ بِثَمَانِينَ.
الْعَاشِرُ: مَفْهُومُ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ، نَحْوَ: الْعَالِمُ زَيْدٌ.
قَالَ: وَمُسْتَنَدُ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ: إِنَّمَا هُوَ النَّظَرُ إِلَى فَائِدَةِ تَخْصِيصِ مَحَلِّ النُّطْقِ بِالذِّكْرِ.
وَذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ أَيْضًا عَشَرَةً:
أَحَدُهَا: مَفْهُومُ الْعِلَّةِ، نَحْوَ: مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ.
وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ، نَحْوَ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فِي الْأَوَّلِ عَيْنُ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْإِسْكَارُ، وَفِي الثَّانِي السَّوْمُ لَيْسَ عِلَّةً، بَلْ مُكَمِّلٌ لِلْعِلَّةِ وَهِيَ الْغِنَى.
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ، نَحْوَ: مَنْ تَطَهَّرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ.
وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْغَايَةِ، وَالْحَصْرِ، وَأَمْثِلَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَقَدْ سَبَقَتْ.
وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، نَحْوَ: سَافَرْتُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَجَلَسْتُ أَمَامَ زَيْدٍ.
وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ. وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ، نَحْوَ:«فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» . وَهُوَ أَضْعَفُهَا، وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ تَفَاوُتٌ لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُمَا تَدْرِيبًا لِلنَّاظِرِ بِتَغَايُرِ الْعِبَارَاتِ، وَاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ، وَضَرْبِ الْأَمْثِلَةِ، وَلِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي الْفَهْمِ.
قُلْتُ: الضَّابِطُ فِي بَابِ الْمَفْهُومِ: أَنَّهُ مَتَى أَفَادَ ظَنًّا عُرِفَ مِنْ تَصَرُّفِ الشَّرْعِ الِالْتِفَاتُ إِلَى مِثْلِهِ، خَالِيًا عَنْ مُعَارِضٍ، كَانَ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَالظُّنُونُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ مُتَفَاوِتَةٌ بِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِ، وَمَنْ تَدَرَّبَ بِالنَّظَرِ فِي اللُّغَةِ، وَعَرَفَ مَوَاقِعَ الْأَلْفَاظِ، وَمَقَاصِدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، سَهُلَ عِنْدَهُ إِدْرَاكُ ذَلِكَ التَّفَاوُتِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.