المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فوائد مشتركة بين الأمر والنهي: - شرح مختصر الروضة - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْكِتَابُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌ التَّوَاتُرُ

- ‌ الْآحَادُ

- ‌ السَّمَاعِ

- ‌ الْإِجَازَةُ

- ‌إِنْكَارُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي رِوَايَةِ الْفَرْعِ لَهُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا مَقْبُولَةٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ»

- ‌ مُرْسَلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ

- ‌فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى

- ‌فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ»

-

- ‌الْقَوْلُ فِي النَّسْخِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ

- ‌لَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ

- ‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

- ‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ»

- ‌مَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ:

- ‌الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي

- ‌«الْأَمْرُ:

- ‌ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الثَّالِثَةُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الرَّابِعَةُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ

- ‌أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ: «السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمْرُ لِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

- ‌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ

- ‌فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ»

- ‌النَّهْيُ

- ‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

- ‌الْعَامُّ

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ

- ‌«أَدَوَاتُ الشَّرْطِ»

- ‌ كُلُّ وَجَمِيعُ

- ‌«النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْأَمْرِ»

- ‌ الْعَامُّ الْكَامِلُ»

- ‌ أَقَلُّ الْجَمْعِ

- ‌ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ

- ‌ الْخِطَابُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ

- ‌الْخَاصُّ

- ‌الْمُخَصِّصَاتُ»

- ‌الْخَامِسُ: الْمَفْهُومُ

- ‌ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ

- ‌الِاسْتِثْنَاءُ

- ‌ تَعْرِيفِهِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ

- ‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌الشَّرْطُ

- ‌ الْغَايَةُ»

- ‌الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ

- ‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

- ‌الْمُجْمَلُ

- ‌حُكْمُ الْمُجْمَلِ

- ‌الْمُبَيَّنُ

- ‌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ

- ‌كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ

- ‌الْبَيَانُ الْفِعْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِيِّ»

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ

- ‌خَاتِمَةٌفَحْوَى اللَّفْظِ:

- ‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ»

- ‌ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

- ‌ دَرَجَاتُ دَلِيلِ الْخِطَابِ

- ‌ مَفْهُومَ الْغَايَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

- ‌ تَخْصِيصُ وَصْفٍ غَيْرِ قَارٍّ بِالْحُكْمِ

- ‌ مَفْهُومُ الْعَدَدِ

- ‌ مَفْهُومُ اللَّقَبِ

الفصل: ‌فوائد مشتركة بين الأمر والنهي:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ النَّهْيَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِمَقْصُودٍ، سَوَاءٌ ظَهَرَتِ الْحِكْمَةُ فِيهِ، أَوْ خَفِيَتْ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ أَحْكَامِ الشَّرْعِ عَنْ حِكْمَةٍ. ثُمَّ مَقْصُودُ النَّهْيِ إِمَّا رَاجِحٌ عَلَى مَقْصُودِ الصِّحَّةِ، أَوْ مُسَاوٍ لَهُ، أَوْ مَرْجُوحٌ، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَرْجُوحًا ; لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبٌ، وَالطَّلَبُ يَعْتَمِدُ الرُّجْحَانَ ; فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ مَرْجُوحًا، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ ; لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ ; فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ مَقْصُودَ النَّهْيِ رَاجِحٌ ; فَيَكُونُ مَقْصُودُ الصِّحَّةِ مَرْجُوحًا، وَالْمَرْجُوحُ مَعَ الرَّاجِحِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ; فَمَقْصُودُ الصِّحَّةِ مَعَ مَقْصُودِ النَّهْيِ غَيْرُ مُعْتَبِرٍ ; فَيَكُونُ مَقْصُودُ النَّهْيِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِاقْتِضَائِهِ الْفَسَادَ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ بِلَفْظِهِ، وَبَعْضَهُ بِمَعْنَاهُ، تَحْصِيلًا لِلْإِيضَاحِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

فَائِدَةٌ: ذُكِرَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» فِي مُقْتَضَى النَّهْيِ أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: الْفَسَادُ مُطْلَقًا إِلَّا لِدَلِيلٍ.

الثَّانِي: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إِذَا نُهِيَ عَنْهُ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ.

الثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

الْخَامِسُ: لَا يَقْتَضِي صِحَّةً وَلَا فَسَادًا.

السَّادِسُ: التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

السَّابِعُ: التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ.

وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ.

‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- إِحْدَاهُنَّ: قَدْ سَبَقَ فِي مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: الْوُجُوبُ.

وَثَانِيهَا: النَّدْبُ.

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَثَالِثُهَا: الْإِبَاحَةُ.

وَرَابِعُهَا: الْوَقْفُ.

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أُخَرَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.

وَقَدْ سَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْأَمْرِ لِلنَّدْبِ.

الثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ; لِأَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِيهِمَا، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَعَدَمُ الْمَجَازِ لِمَا سَبَقَ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، أَيْ: لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ ; لِأَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِيهِمَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ أَخَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَيُتَوَقَّفُ فِيهِ، وَيُجْعَلُ مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ.

فَصَارَتِ الْأَقْوَالُ فِي مُقْتَضَى الْأَمْرِ سَبْعَةً.

- وَقَدْ ذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ فِي مُقْتَضَى النَّهْيِ نَظَائِرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي الْأَمْرِ:

أَحَدُهَا: أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ.

وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لِلْوَقْفِ.

وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ أَنَّ جَوَازَ الْفِعْلِ هَاهُنَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَصْلِ، وَفِيمَا إِذَا جُعِلَ لِلْكَرَاهَةِ، يَكُونُ جَوَازُ الْفِعْلِ مُسْتَفَادًا مِنَ اللَّفْظِ، كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ فِي الْأَمْرِ.

وَسَادِسُهَا: أَنَّ لَفْظَ النَّهْيِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ.

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَسَابِعُهَا: أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ; فَيَكُونُ مُجْمَلًا فِيهِمَا.

وَحَكَى الْقَرَافِيُّ عَنِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ; فَحَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ، وَالنَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ ; لِأَنَّ مُعْتَمَدَ الْأَمْرِ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ، وَمُعْتَمَدَ النَّهْيِ نَفْيُ الْمَفْسَدَةِ، وَعِنَايَةُ الْحُكَمَاءِ بِنَفْيِ الْمَفَاسِدِ أَشَدُّ مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ.

- قُلْتُ: الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِطَبْعِهِ وَعَقْلِهِ يُؤْثِرُ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى تَحْصِيلِ النَّفْعِ لَهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَحَدِهِمَا ; لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ كَرَأْسِ الْمَالِ، وَتَحْصِيلَ النَّفْعِ كَالرِّبْحِ، وَالْأَوَّلُ أَهَمُّ مِنَ الثَّانِي، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ جَمِيعًا، هَلْ يَقْتَضِيَانِ التَّكْرَارَ أَمْ لَا، وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُ الْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ ; فَمَنْ يَرَاهُ لِلتَّكْرَارِ، جَعَلَ الْأَوَامِرَ الْمُصَرِّحَةَ أَوِ الْقَاطِعَةَ بِالتَّكْرَارِ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ عز وجل:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [الْبَقَرَةِ: 238]، {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الْمَعَارِجِ: 34] ، وَقَوْلِهِ عليه السلام: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. الْحَدِيثَ، وَنَحْوِهِ مِنَ النُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ بِتَكْرَارِ

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [الْبَقَرَةِ: 110]، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [الْبَقَرَةِ: 183] ; لِأَنَّ هَذَا وَحْدَهُ اسْتَقَلَّ بِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ، فَلَمْ تَبْقَ لِغَيْرِهِ إِلَّا فَائِدَةُ التَّأْكِيدَ.

وَمَنْ لَا يَرَى الْأَمْرَ لِلتَّكْرَارِ، يَقُولُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ وَغَيْرِهَا الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَتِهَا بِفِعْلِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا ثَبَتَ تَكْرَارُ مَا وَجَبَ تَكْرَارُهُ مِنْهَا بِأَدِلَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ أَفَادَتِ التَّكْرَارَ زِيَادَةً عَلَى مُقْتَضَى الْأَمْرِ.

وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ ; لِأَنَّ النُّصُوصَ الْمَذْكُورَةَ بِتَقْدِيرِهِ تَكُونُ مُؤَسِّسَةً، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَكُونُ مُؤَكِّدَةً، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ.

وَيَتَّجِهُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنْ يُقَالَ: النُّصُوصُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ لِلتَّأْسِيسِ وَلَا لِلتَّأْكِيدِ، بَلْ هِيَ لِلتَّبْيِينِ فَإِنَّ الْكِتَابَ يُبَيِّنُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَالسُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْكِتَابِ ; فَالنُّصُوصُ الْمُفِيدَةُ لِلتَّكْرَارِ مُبَيِّنَةٌ لِلنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَدْلُولَ الْبَيَانِ بِالْفِعْلِ مَوْجُودٌ فِي الْمُبَيَّنِ بِالْقُوَّةِ ; فَقَوْلُ الشَّارِعِ: صَلُّوا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَزَكُّوا، وَصُومُوا فِي كُلِّ سَنَةٍ، مُبَيِّنٌ لِقَوْلِهِ:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ; فَتَكُونُ هَذِهِ النُّصُوصُ مُشْتَمِلَةً عَلَى اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ، لَكِنَّ اشْتِمَالًا خَفِيًّا ظَهَرَ بِالْبَيَانِ. وَعَلَى هَذَا يَتَّجِهُ الْقَوْلُ بِاقْتِضَاءِ الْأَمْرِ التَّكْرَارَ.

وَأَمَّا النَّهْيُ ; فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، لِاقْتِضَائِهِ

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْكَفَّ أَبَدًا عَلَى تَكَرُّرِ الْأَزْمِنَةِ، وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ لَا يُوجَدَ عَاصٍ أَصْلًا ; لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْ فِعْلٍ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِتَرْكِهِ مَرَّةً فِي زَمَنٍ مَا، كَمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ مَرَّةً فِي زَمَنٍ مَا عِنْدَ مَنْ لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ فِيهِ، وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّةً فِي زَمَنٍ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَحَدٌ فِي الْعَادَةِ ; إِمَّا اضْطِرَارًا فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْمَرَضِ وَالتَّشَاغُلِ بِالْمُبَاحَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ، أَوِ اخْتِيَارًا، إِذْ يَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنَّ أَحَدًا يُلَازِمُ فِعْلَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَفْتُرُ مِنْهُ زَمَنًا مِنَ الْأَزْمَانِ حَتَّى يَمُوتَ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الزِّنَى مَرَّةً وَاحِدَةً بِنَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ أَكْلٍ، أَوْ مَلَلٍ، أَوْ عَجْزٍ، أَوِ اسْتِحْيَاءٍ، أَوِ اخْتِيَارًا مَحْضًا، وَفَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ أَزْمَانِهِ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا خَارِجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ.

قُلْتُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: هَذَا هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَلَازِمُهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ، لَكِنِ انْتَفَى ذَلِكَ وَثَبَتَ تَكْرَارُ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَنَحْنُ كَلَامُنَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ لُغَةً، لَا فِيمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ شَرْعًا.

قُلْتُ: وَهَذَا جَوَابٌ سَدِيدٌ صَحِيحٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَاعِدَةٍ ; وَهُوَ أَنَّ الِاقْتِضَاءَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي عَامٍّ نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ، أَوْ مُطْلَقًا فِي مُطْلَقٍ، نَحْوَ: أَكْرِمْ رَجُلًا فِي يَوْمٍ مَا، أَوْ عَامًّا فِي مُطْلَقٍ، نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي يَوْمٍ مَا، أَوْ مُطْلَقًا فِي عَامٍّ، نَحْوَ: أَكْرِمْ رَجُلًا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ.

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ; فَالْقَائِلُ: إِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ يَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ اقْتِضَاءِ الْعَامِّ فِي الْعَامِّ، وَهُوَ اقْتِضَاءُ جَمِيعِ التُّرُوكِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ يَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ اقْتِضَاءِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَامِّ، وَالْمَطْلُوبُ تَرْكُ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ ; فَمَتَى لَابَسَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ، تَحَقَّقَ الْعِصْيَانُ، وَهَذَا مَعْنَى جَوَابِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.

قُلْتُ: فَمَأْخَذُ الْخِلَافِ إِذَنْ أَنَّ الْكَفَّ عَنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْأَزْمَانِ، هَلْ هُوَ تَرْكُ وَاحِدٍ نَظَرًا إِلَى جِنْسِ الْكَفِّ وَاتِّحَادِهِ، أَوْ تُرُوكٌ كَثِيرَةٌ نَظَرًا إِلَى أَشْخَاصِ الْأَزْمَانِ وَتَعَدُّدِهَا، وَعَلَى هَذَا ; فَالنَّافِي لِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ التَّكْرَارَ قَدْ قَالَ بِهِ فِي الْمَعْنَى، إِذْ لَا مَعْنَى لِلتَّكْرَارِ إِلَّا التَّرْكُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ سَوَاءٌ جَعَلَهُ تَرْكًا وَاحِدًا بِاعْتِبَارِ مَاهِيَّتِهِ الْبَسِيطَةِ، أَوْ تُرُوكًا بِاعْتِبَارِ أَزْمِنَتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا، أَوْ صِفَةٍ، كَقَوْلِهِ عز وجل:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النُّورِ: 2] ، إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ ; فَلَا خِلَافَ فِي تَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً، فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلتَّكْرَارِ ; فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ لِلتَّكْرَارِ، اخْتَلَفُوا هَاهُنَا. وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ عَدَمَهُ.

وَأَمَّا النَّهْيُ الْمُعَلَّقُ بِمَا يَتَكَرَّرُ ; فَمَنْ قَالَ: مُطْلَقُ النَّهْيِ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، أَثْبَتَ التَّكْرَارَ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، اخْتَلَفُوا: هَلْ يَقْتَضِيهِ أَمْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ، بِخِلَافِ الْأَمْرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا عُرِفَ قَبْلُ.

ص: 447