الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاسْتِثْنَاءُ
الِاسْتِثْنَاءُ: إِخْرَاجُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ بِـ «إِلَّا» أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا، وَهُوَ «غَيْرُ» ، وَ «سِوَى» ، وَ «عَدَا» ، وَ «لَيْسَ» ، وَ «لَا يَكُونُ» وَ «حَاشَا» ، وَ «خَلَا» ، وَقِيلَ: قَوْلٌ مُتَّصِلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ مَعَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِخْرَاجِ تَنَاقُضٌ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ يَجِبُ اتِّصَالُهُ، وَيَتَطَرَّقُ إِلَى النَّصِّ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ فِيهِمَا. وَيُفَارِقُ النَّسْخَ فِي الِاتِّصَالِ، وَفِي رَفْعِ حُكْمِ بَعْضِ النَّصِّ، وَفِي مَنْعِ دُخُولِ الْمُسْتَثْنَى عَلَى
تَعْرِيفِهِ
الثَّانِي.
ــ
قَوْلُهُ: «الِاسْتِثْنَاءُ» ، أَيْ: هَذَا بَيَانُ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ مِنْ مُخَصِّصَاتِ الْعُمُومِ ; لِأَنَّهَا إِمَّا مُنْفَصِلٌ، وَهُوَ الْمُخَصَّصَاتُ التِّسْعَةُ السَّابِقَةُ، أَوْ مُتَّصِلٌ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ وَالْغَايَةُ وَالصِّفَةُ. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا دِرْهَمًا، أَوْ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا ; فَقَدْ تَخَصَّصَ الْعَشَرَةُ بِالدِّرْهَمِ، وَالْقَوْمُ بِزَيْدٍ. وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قُمْتِ ; فَقَدْ خَصَّ عُمُومَ الْأَحْوَالِ بِحَالَةِ الْقِيَامِ، وَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ لِلْقُرَّاءِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ لِلشُّرَفَاءِ الْعُلَمَاءِ ; فَقَدْ خَصَّتْ صِفَةُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ بَعْضَ الْقُرَّاءِ وَالشُّرَفَاءِ. وَإِذَا قَالَ:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [الْبَقَرَةِ: 222] ، تَخَصَّصَ زَمَنُ الْمَنْعِ بِمَا عَدَا زَمَنَ الطُّهْرِ.
- قَوْلُهُ: «الِاسْتِثْنَاءُ إِخْرَاجُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ بِـ» إِلَّا «أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا» .
اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ: اسْتِفْعَالٌ إِمَّا مِنَ التَّثْنِيَةِ ; لِأَنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمُسْتَثْنَى فِي كَلَامِهِ يُثَنِّي الْجُمْلَةَ، أَيْ: يَأْتِي بِجُمْلَةٍ ثَانِيَةٍ فِي كَلَامِهِ، نَحْوَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا ; فُهِمَ مِنْهُ قِيَامُ الْقَوْمِ، وَعَدَمُ قِيَامِ زِيدٍ ; فَهِيَ جُمْلَتَانِ، أَوْ مِنْ: ثَنَى الْفَارِسُ عِنَانَ فَرَسِهِ، إِذَا عَطَفَهُ ; لِأَنَّ الْمُسْتَثْنِي يَعْطِفُ عَلَى الْجُمْلَةِ ; فَيُخْرِجُ بَعْضَهَا عَنِ الْحُكْمِ بِالِاسْتِثْنَاءِ.
وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ; فَقِيلَ: هُوَ إِخْرَاجُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ بِـ إِلَّا أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا ; فَإِخْرَاجُهُ بِـ إِلَّا، نَحْوَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا، وَإِخْرَاجُهُ بِمَا قَامَ مَقَامَهَا، وَهُوَ غَيْرُ وَسِوَى، إِلَى آخِرِهِ نَحْوَ: قَامَ الْقَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ وَسِوَى عَمْرٍو، وَلَيْسَ زَيْدًا، وَلَا يَكُونُ عَمْرًا، وَحَاشَى بِشْرًا، وَخَلَا بَكْرًا.
وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ قَوْلٌ مُتَّصِلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ مَعَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ: هُوَ لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ، لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ بِحَرْفِ إِلَّا أَوْ بِأَحَدِ أَخَوَاتِهَا، وَهُوَ فِي مَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ تَحْقِيقًا.
- قَوْلُهُ: «وَهَذَا» ، أَيِ: التَّعْرِيفُ بِقَوْلِهِ: «قَوْلٌ مُتَّصِلٌ» ، إِلَى آخِرِهِ هُوَ «قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ التَّعْرِيفَ» يَعْنِي تَعْرِيفَ الِاسْتِثْنَاءِ «بِالْإِخْرَاجِ» ، أَيْ: بِقَوْلِنَا: هُوَ إِخْرَاجُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ، «تَنَاقُضٌ» لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا: تَعْرِيفُ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْجُمْلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ دَخَلَ فِي الْجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا، ثُمَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُخْرِجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ ; فَيَكُونُ تَنَاقُضًا ; لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: قَامَ الْقَوْمُ، اقْتَضَى قِيَامَ زِيدٍ فِيهِمْ، فَإِذَا قَالَ: إِلَّا زَيْدًا، اقْتَضَى أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِيهِمْ ; فَصَارَ التَّقْدِيرُ: قَامَ زَيْدٌ، لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ، وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ، وَعَلَى هَذَا بَنَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَعَتِ الثَلَاثُ، فَإِذَا قَالَ: إِلَّا وَاحِدَةً، لَمْ يَنْفَعْهُ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِذَا وَقَعَ، لَا يَرْتَفِعُ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ الْمَذْكُورُ فِي الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ.
- قَوْلُهُ: «وَلَيْسَ بِشَيْءٍ» ، أَيْ: هَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا تَنَاقُضَ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْإِخْرَاجِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَرَّفُوهُ بِالْإِخْرَاجِ، قَالَ ابْنُ جِنِّي، وَحَسْبُكَ بِهِ مُقَدَّمًا فِي هَذَا الشَّأْنِ: الِاسْتِثْنَاءُ: أَنْ تُخْرِجَ شَيْئًا أَدْخَلْتَ فِيهِ غَيْرَهُ، أَوْ تُدْخِلَهُ فِيمَا أَخْرَجْتَ مِنْهُ غَيْرَهُ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَى مَا قَالُوهُ، وَاعْتِقَادُ أَنْ لَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَهِيَ وَأَهْلُهَا بَرِيئُونَ مِنَ التَّنَاقُضِ فِيهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّا إِذَا قُلْنَا: قَامَ الْقَوْمُ ; فَقَدْ أَسْنَدَنَا الْقِيَامَ إِلَى جَمِيعِهِمْ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِيهِمْ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ زَيْدًا وَغَيْرَهُ، وَلَا مَعْنَى لِدُخُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، إِلَّا أَنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ كَغَيْرِهِ، فَإِذَا قُلْنَا بَعْدَ ذَلِكَ: إِلَّا زَيْدًا ; فَقَدْ أَخْرَجْنَاهُ مِنْهُمْ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهِمْ، نَعَمْ، دُخُولُهُ فِيهِمْ دُخُولٌ لَفْظِيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ ; لِأَنَّ الْقَائِلَ يَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ، مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ مَعَهُمْ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَيْهِ ; فَاسْتَثْنَاهُ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ دُخُولُ الْمُسْتَثْنَى وَإِخْرَاجُهُ لَفْظِيًّا: لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَنَاقُضٌ.
وَلِمَا تَخَيَّلَهُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَعْرِيفَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْإِخْرَاجِ تَنَاقُضٌ، ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَدْخُلُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دُخُولًا مُرَاعًى مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنْ وَرَدَ الْمُسْتَثْنَى، لَمْ يَسْتَقِرَّ دُخُولُهُ، وَإِلَّا اسْتَقَرَّ.
مِثَالُهُ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ; فَالطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَالدِّرْهَمُ الْعَاشِرُ دَاخِلَانِ فِي النِّسْبَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَثْنِيَهُمَا الْمُتَكَلِّمُ ; فَيَسْتَقِرُّ دُخُولُهُمَا، فَإِنِ اسْتَثْنَاهُمَا، لَمْ يَسْتَقِرَّ دُخُولُهُمَا. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا، ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى شَيْئًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
وَهَذَا التَّقْرِيرُ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى وَخُرُوجَهُ لَفْظِيَّانِ، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ، يُشْكَلُ عَلَيْهِ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ، مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُؤَاخَذٌ بِمُوجَبِ إِقْرَارِهِ، كَمَا أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِمُوجَبِ إِيقَاعِهِ الطَّلَاقَ، فَلَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى لَفْظِيٌّ كَمَا قُلْنَا، لَا مَعْنَوِيٌّ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ رَفْعِ الْوَاقِعِ، بَلْ مِنْ بَابِ مَنْعِ الْوُقُوعِ فِي الْمَعْنَى، أَوْ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ الْمَحْضِ، وَبَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ. وَحِينَئِذٍ تَتَقَارَبُ الْأَقْوَالُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، بَلْ تَتَّفِقُ، وَيَعُودُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.