المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مراتب المقيد - شرح مختصر الروضة - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْكِتَابُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌ التَّوَاتُرُ

- ‌ الْآحَادُ

- ‌ السَّمَاعِ

- ‌ الْإِجَازَةُ

- ‌إِنْكَارُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي رِوَايَةِ الْفَرْعِ لَهُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا مَقْبُولَةٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ»

- ‌ مُرْسَلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ

- ‌فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى

- ‌فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ»

-

- ‌الْقَوْلُ فِي النَّسْخِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ

- ‌لَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ

- ‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

- ‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ»

- ‌مَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ:

- ‌الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي

- ‌«الْأَمْرُ:

- ‌ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الثَّالِثَةُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الرَّابِعَةُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ

- ‌أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ: «السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمْرُ لِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

- ‌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ

- ‌فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ»

- ‌النَّهْيُ

- ‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

- ‌الْعَامُّ

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ

- ‌«أَدَوَاتُ الشَّرْطِ»

- ‌ كُلُّ وَجَمِيعُ

- ‌«النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْأَمْرِ»

- ‌ الْعَامُّ الْكَامِلُ»

- ‌ أَقَلُّ الْجَمْعِ

- ‌ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ

- ‌ الْخِطَابُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ

- ‌الْخَاصُّ

- ‌الْمُخَصِّصَاتُ»

- ‌الْخَامِسُ: الْمَفْهُومُ

- ‌ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ

- ‌الِاسْتِثْنَاءُ

- ‌ تَعْرِيفِهِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ

- ‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌الشَّرْطُ

- ‌ الْغَايَةُ»

- ‌الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ

- ‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

- ‌الْمُجْمَلُ

- ‌حُكْمُ الْمُجْمَلِ

- ‌الْمُبَيَّنُ

- ‌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ

- ‌كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ

- ‌الْبَيَانُ الْفِعْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِيِّ»

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ

- ‌خَاتِمَةٌفَحْوَى اللَّفْظِ:

- ‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ»

- ‌ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

- ‌ دَرَجَاتُ دَلِيلِ الْخِطَابِ

- ‌ مَفْهُومَ الْغَايَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

- ‌ تَخْصِيصُ وَصْفٍ غَيْرِ قَارٍّ بِالْحُكْمِ

- ‌ مَفْهُومُ الْعَدَدِ

- ‌ مَفْهُومُ اللَّقَبِ

الفصل: ‌ مراتب المقيد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُقَالُ: رَجُلٌ أَوْ حَيَوَانٌ مُطْلَقٌ: إِذَا خَلَا مِنْ قَيْدٍ، أَوْ عِقَالٍ، أَوْ شِكَالٍ، وَمُقَيَّدٌ: إِذَا كَانَ فِي رِجْلِهِ قَيْدٌ، أَوْ عِقَالٌ، أَوْ شِكَالٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَوَانِعِ الْحَيَوَانِ مِنَ الْحَرَكَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، الَّتِي يَنْتَشِرُ بِهَا بَيْنَ جِنْسِهِ.

فَإِذَا قُلْنَا: أَعْتِقْ رَقَبَةً ; فَهَذِهِ الرَّقَبَةُ شَائِعَةٌ فِي جِنْسِهَا، شُيُوعَ الْحَيَوَانِ الْمُطْلَقِ بِحَرَكَتِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بَيْنَ جِنْسِهِ.

وَإِذَا قُلْنَا: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ لَهَا، كَالْقَيْدِ الْمُمَيِّزِ لِلْحَيَوَانِ الْمُقَيَّدِ، مِنْ بَيْنِ أَفْرَادِ جِنْسِهِ، وَمَانِعَةً لَهَا مِنَ الشُّيُوعِ، كَالْقَيْدِ الْمَانِعِ لِلْحَيَوَانِ مِنَ الشُّيُوعِ بِالْحَرَكَةِ فِي جِنْسِهِ.

قَوْلُهُ: «وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ» ، أَيْ:

‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

فِي تَقْيِيدِهِ «بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الْقُيُودِ وَكَثْرَتِهَا» فَمَا كَانَتْ قُيُودُهُ أَكْثَرَ ; كَانَتْ رُتْبَتُهُ فِي التَّقْيِيدِ أَعْلَى، وَهُوَ فِيهِ أَدْخَلُ ; فَقَوْلُهُ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، مُصَلِّيَةً، سُنِّيَّةً، حَنْبَلِيَّةً، أَعْلَى رُتْبَةً فِي التَّقْيِيدِ مِنْ قَوْلِهِ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً.

وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التَّحْرِيمِ: 5]، أَعْلَى رُتْبَةً فِي التَّقْيِيدِ مِنْ قَوْلِهِ:{مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} لَا غَيْرَ.

- وَقَوْلُهُ عز وجل: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُون} َ لِحُدُودِ اللَّهِ) [التَّوْبَةِ: 112] ، أَعْلَى وَأَدْخَلُ فِي التَّقْيِيدِ، مِنَ اقْتِصَارِهِ عَلَى بَعْضِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ ; فَكُلَّمَا كَثُرَتِ الْأَوْصَافُ الْمُخَصِّصَةُ، الْمُمَيِّزَةُ لِلذَّاتِ مِنْ

ص: 633

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غَيْرِهَا ; كَانَتْ رُتْبَةُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ فِيهَا أَعْلَى.

- قَوْلُهُ: «وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ» ، يَعْنِي الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي «لَفْظٍ وَاحِدٍ» بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاءِ: 92] ، «قُيِّدَتْ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ» ، بِالْإِيمَانِ، «وَأُطْلِقَتْ مِنْ حَيْثُ سِوَاهُ» ، كَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَالنَّسَبِ وَالْبَلَدِ ; فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ مِنْ جِهَةٍ، مُطْلَقَةٌ مِنْ جِهَةٍ.

وَكَذَلِكَ «يُقَالُ: فِعْلٌ مُقَيَّدٌ، أَوْ مُطْلَقٌ، بِاعْتِبَارِ اخْتِصَاصِهِ بِبَعْضِ مَفَاعِيلِهِ، مِنْ ظَرْفِ» زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ، وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَفَاعِيلِ، كَالْمَصْدَرِ، وَالْعِلَّةِ، وَالْآلَةِ، وَمَحَلِّ الْفِعْلِ، وَعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ.

وَمِثَالُ هَذَا: مَا سَبْقَ لَنَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ وَالتَّكْرَارِ أَمْ لَا؟ حَيْثُ قُلْنَا: إِنَّ الْأَمْرَ كَقَوْلِهِ: صَلِّ، مَثَلًا، مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ، لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ ; فَكَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى فَوْرٍ وَلَا تَرَاخٍ، وَلَا مَرَّةٍ وَلَا مِرَارٍ.

وَقَدْ يُقَيَّدُ الْفِعْلُ بِبَعْضِ مَفَاعِيلِهِ دُونَ بَعْضٍ ; فَيَكُونُ مُطْلَقًا مُقَيَّدًا، بِالْإِضَافَةِ إِلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ: صُمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ; فَالصَّوْمُ مُقَيَّدٌ مِنْ جِهَةِ ظَرْفِ الزَّمَانِ ; مُطْلَقٌ مِنْ جِهَةِ ظَرْفِ الْمَكَانِ، وَلَوْ قَالَ: صُمْ فِي مَكَّةَ يَوْمَيْنِ لَكَانَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ.

ص: 634

وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِذَا اتَّحَدَا سَبَبًا وَحُكْمًا، نَحْوُ:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ» ، مَعَ «إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.

لَنَا: إِعْمَالُهُمَا أَوْ إِلْغَاؤُهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا مُمْتَنِعٌ، وَتَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ ; فَتَعَيَّنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ: الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَكَلَامُ الْحَكِيمِ يُحْمَلُ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا.

قُلْنَا: الْأَوَّلُ، وَنَصِّيَّتُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْمُطْلَقِ مَمْنُوعَانِ.

وَالثَّانِي: مَعَارَضٌ بِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يَأْمُرُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَلَا التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَيَأْتِي الْجَوَابُ الثَّالِثُ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِذَا اتَّحَدَا سَبَبًا وَحُكْمًا» ، إِلَى آخِرِهِ.

اعْلَمْ: أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَنَا لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ ; فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُهُمَا، أَوْ يَخْتَلِفَ، فَإِنِ اتَّحَدَ حُكْمُهُمَا ; فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ سَبَبُهُمَا أَوْ يَخْتَلِفَ ; فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّحِدَا فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِمَا سَبَبًا وَحُكْمًا، أَيْ: يَكُونُ سَبَبُهُمَا وَاحِدًا، وَحُكْمُهُمَا وَاحِدًا، نَحْوُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ» ، مَعَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» ; فَالْأَوَّلُ مُطْلَقٌ فِي الْوَلِيِّ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرُّشْدِ

ص: 635

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالْغَيِّ، وَفِي الشُّهُودِ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ، وَالثَّانِي مُقَيَّدٌ بِالرُّشْدِ فِي الْوَلِيِّ، وَالْعَدَالَةِ فِي الشُّهُودِ، وَهُمَا مُتَّحِدَانِ سَبَبًا وَحُكْمًا ; لِأَنَّ سَبَبَهُمَا النِّكَاحُ، وَحُكْمَهُمَا نَفْيُهُ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ ; فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَاهُنَا، وَيُعْتَبَرُ رُشْدُ الْوَلِيِّ وَعَدَالَةُ الشُّهُودِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ.

«لَنَا» عَلَى وُجُوبِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَاهُنَا: أَنَّ «إِعْمَالَهُمَا» ، أَيْ: إِعْمَالَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، يَعْنِي الْعَمَلَ بِهِمَا «أَوْ إِلْغَاؤُهُمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا» ، أَيْ: إِلْغَاءُ أَحَدِهِمَا «مُمْتَنِعٌ، وَتَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ» ، يَعْنِي إِعْمَالَهُمَا، أَوْ إِلْغَاءَهُمَا مُمْتَنِعٌ، وَإِلْغَاءُ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ.

وَتَقْرِيرُ الدَّلِيلِ: أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ إِذَا اجْتَمَعَا ; فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ نَعْمَلَ بِهِمَا، أَوْ نُلْغِيَهُمَا ; فَلَا نَعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ نَعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا، وَنُلْغِي الْآخَرَ، أَوْ نَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.

وَالْأَوَّلُ: وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِمَا مُمْتَنِعٌ، لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّنَاقُضِ، إِذْ يَلْزَمُ أَنْ يَعْتَبِرَ الرُّشْدَ فِي الْوَلِيِّ مَثَلًا، وَلَا يَعْتَبِرُهُ، وَيَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ فِي الشُّهُودِ، وَلَا يَعْتَبِرُهَا، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ إِلْغَاؤُهُمَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا، لِإِفْضَائِهِ إِلَى خُلُوِّ الْوَاقِعَةِ عَنْ حُكْمٍ، مَعَ وُرُودِ النَّصِّ فِيهَا، وَإِلَى تَعْطِيلِ النَّصِّ، مَعَ إِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ إِعْمَالُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ; فَيَتَعَيَّنُ الرَّابِعُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ بِهِمَا، بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

ص: 636

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «قَالَ» : يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ احْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ بِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُقَيَّدِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ الْمُطْلَقِ، «وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ» فَلَوْ حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، لَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ، وَالنَّسْخُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ; فَيَجِبُ تَرْكُهُ مَا أَمْكَنَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُطْلَقَ كَلَامُ الشَّارِعِ الْحَكِيمِ، «وَكَلَامُ الْحَكِيمِ يُحْمَلُ عَلَى إِطْلَاقِهِ» ، لِوُجُوبِ اسْتِقْلَالِهِ بِالْفَائِدَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قَائِلُهُ حَكِيمًا، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ حَكِيمًا، هَذَا خُلْفٌ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ دَلَالَةَ الْمُقَيَّدِ عَلَى عَدَمِ إِفَادَةِ الْمُطْلَقِ لِحُكْمِهِ، إِنَّمَا هُوَ «مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ» .

وَبَيَانُهُ أَوْ قَوْلُهُ عليه السلام: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ» ، إِنَّمَا دَلَّ بِمَفْهُومِهِ - عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُرْشِدِ لَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ - لَا بِمَنْطُوقِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ ; لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَيْنَا ; «لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا» .

- قَوْلُهُ: «قُلْنَا: الْأَوَّلُ، وَنَصِّيَّتُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْمُطْلَقِ مَمْنُوعَانِ» .

«الْأَوَّلُ» : إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: «الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ» أَيْ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ. وَقَدْ سَبَقَ وَجْهُ الْمَنْعِ فِي بَابِ النَّسْخِ، وَكَذَلِكَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَنْصُوصٌ عَلَى إِرَادَتِهِ مُجَرَّدًا، بَلْ بِقَيْدِ الْمُقَيَّدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي دَلِيلِهِ ادَّعَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُطْلَقَ مَنْصُوصٌ عَلَى إِرَادَتِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ التَّقْيِيدَ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ ; فَمَنَعْنَا الْأَمْرَيْنِ.

«وَالثَّانِي» : وَهُوَ قَوْلُهُ: «كَلَامُ الْحَكِيمِ يُحْمَلُ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَإِلَّا لَمَا اسْتَقَلَّ بِالْفَائِدَةِ ; فَيَقْدَحُ فِي حِكْمَتِهِ» «مُعَارِضٌ، بِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يَأْمُرُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ

ص: 637

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ضِدَّيْنِ» وَلَا بِالتَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا لُزُومَ ذَلِكَ، مَنْ تَرْكِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، بِمَا ذَكَرْنَا.

قَوْلُهُ: «وَيَأْتِي جَوَابُ الثَّالِثِ» ، يَعْنِي قَوْلَهُ: إِنَّ دَلَالَةَ الْمُقَيَّدِ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ. وَجَوَابُهُ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْمَفْهُومِ.

قُلْتُ: لَا نِزَاعَ فِي بُطْلَانِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، مِنْ دَلِيلِ التَّقْسِيمِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ إِعْمَالُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَإِلْغَاؤُهُمَا، وَإِعْمَالُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، لَكِنَّ النِّزَاعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ; فَنَحْنُ نَقُولُ: يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَأَبُو حَنِيفَةُ يَقُولُ بِالْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ جَوَازًا، وَبِالْمُقَيَّدِ اسْتِحْبَابًا، وَلَا جَرَمَ أَنَّهُ قَالَ: يَصِحُّ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَهُوَ بَوَلِيٍّ أَوْلَى، وَكَذَا عَدَالَةُ الشُّهُودِ أَوْلَى، وَعَدَمُهَا لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» ، عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، لَا عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ. وَلَعَمْرِي، إِنَّ لِمَذْهَبِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ اتِّجَاهًا.

ص: 638

وَإِنِ اتَّحَدَا حُكْمًا لَا سَبَبًا، كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَرَقَبَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي الظِّهَارِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَالْمَالِكِيَّةِ. وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ عَضَدَهُ قِيَاسٌ، حُمِلَ عَلَيْهِ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى.

النَّافِي: لَعَلَّ إِطْلَاقَ الشَّارِعِ وَتَقْيِيدَهُ لِتَفَاوُتِ الْحُكْمَيْنِ فِي الرُّتْبَةِ عِنْدَهُ ; فَتَسْوِيَتُنَا بَيْنَهُمَا عَكْسُ مَقْصُودِهِ.

الْمُثْبِتُ: عَادَةُ الْعَرَبِ الْإِطْلَاقُ فِي مَوْضِعٍ وَالتَّقْيِيدُ فِي آخَرَ.

وَقَدْ عُلِمَ مِنَ الشَّرْعِ بِنَاءُ قَوَاعِدِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلِ ; فَكَذَا هَاهُنَا.

وَلِأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 282]، بِـ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطَّلَاقِ: 2] ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ ; فَلَا حَمْلَ، كَتَقْيِيدِ الصَّوْمِ بِالتَّتَابُعِ، وَإِطْلَاقِ الْإِطْعَامِ، إِذْ شَرْطُ الْإِلْحَاقِ اتِّحَادُهُ. وَمَتَى اجْتَمَعَ مُطْلَقٌ، وَمُقَيَّدَانِ مُتَضَادَّانِ، حُمِلَ عَلَى أَشْبَهِهِمَا بِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَإِنْ اتَّحَدَا حُكْمًا لَا سَبَبًا» ، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَ سَبَبُهُمَا وَيَتَّحِدَ حُكْمُهُمَا، كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَعِتْقِ رَقَبَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْآيَتَيْنِ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النِّسَاءِ: 92]، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [الْمُجَادَلَةِ: 3] ، فَسَبَبُهُمَا مُخْتَلِفٌ وَهُوَ الظِّهَارُ وَالْقَتْلُ، وَحُكْمُهُمَا مُتَّحِدٌ، وَهُوَ عِتْقُ الرَّقَبَةِ ; فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ، أَيْ:

ص: 639

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ «عِنْدَ الْقَاضِي، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ» ، أَيْ: بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، «وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنِ شَاقْلَا» مِنْ أَصْحَابِنَا ; فَقَالُوا: لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَاهُنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا.

«وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ عَضَدَهُ قِيَاسٌ، حُمِلَ عَلَيْهِ، كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ» .

مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، إِنْ وَافَقَهُ قِيَاسٌ دَلَّ عَلَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ الْخَاصِّ، كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ قِيَاسٌ، لَمْ يُحْمَلِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي فَهِمْتُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُبْنَى عَلَيْهِ، أَيْ: يُبْنَى الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ ; لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ كَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْقِيَاسِ الْخَاصِّ.

قُلْتُ: فَتَعْلِيلُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْكَلَامِ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُ، وَفَهِمْتُ مِنْ كَلَامِهِ، وَهُوَ أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَاهُنَا يَحْتَاجُ إِلَى قِيَاسٍ عَاضِدٍ، مُوَافِقٍ لَهُ، كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ يَحْتَاجُ إِلَى قِيَاسٍ مُخَصِّصٍ، لَكِنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: يُبْنَى الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، يَحْتَمِلُ مَا فَهِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ قِيَاسُ صُورَةِ الْإِطْلَاقِ، عَلَى صُورَةِ التَّقْيِيدِ، بِجَامِعِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، مِنَ اتِّحَادِ

ص: 640

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْحُكْمِ، لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ.

قُلْتُ: وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ يَتَرَتَّبُ فِي الْحُكْمِ خِلَافٌ ; لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، إِنْ وُجِدَ قِيَاسٌ يَدُلُّ عَلَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ حُمِلَ، وَإِلَّا فَلَا ; فَحَمْلُهُ عَلَيْهِ فِي حَالٍ مِنْ حَالَيْنِ، وَعَلَى تَقْدِيرٍ مِنْ تَقْدِيرَيْنِ.

وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، لَكِنَّ مُسْتَنَدَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ الْقِيَاسُ أَوْ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ بِمُطْلَقِ كَلَامِهِ مُقَيَّدَةً ; فَافْهَمْ هَذَا.

- قَوْلُهُ: «وَلَعَلَّهُ أَوْلَى» ، أَيْ: قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، إِنْ عَضَدَهُ قِيَاسٌ، حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى مِنَ الْخِلَافِ الْمُرْسَلِ، بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الْمُطْلَقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، نَظَرَ إِلَى اتِّحَادِ الْحُكْمِ، وَمَنْ نَفَاهُ، نَظَرَ إِلَى اخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَكِلَا النَّظَرَيْنِ لَيْسَ كَافِيًا فِي مُسْتَنَدِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ، فَإِذَا وُجِدَ قِيَاسٌ مُوَافِقٌ لِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، قَوِيَ مُسْتَنَدُهُ ; فَصَلُحَ أَنْ يُثْبَتَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قِيَاسٌ مُوَافِقٌ لَهُ، لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ، اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ فِي ذَلِكَ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ جَوَازِهِ.

ص: 641

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

- قَوْلُهُ: «النَّافِي» لِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، إِذَا اخْتَلَفَ سَبَبُهُمَا، أَيِ: احْتَجَّ النَّافِي بِأَنْ قَالَ: «لَعَلَّ إِطْلَاقَ الشَّارِعِ» الْحُكْمَ فِي مَوْضِعٍ، «وَتَقْيِيدَهُ» فِي آخَرَ، «لِتَفَاوُتِ الْحُكْمَيْنِ فِي الرُّتْبَةِ عِنْدَهُ» مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي الظِّهَارِ أَخَفُّ مِنْهَا فِي الْقَتْلِ ; فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ فِيهِ الرَّقَبَةَ بِالْإِيمَانِ، تَغْلِيظًا عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْأَغْلَظِ، وَتَخْفِيفًا عَنْهُ فِي الْأَخَفِّ، مُنَاسَبَةً مِنْهُ وَعَدْلًا ; «فَتَسْوِيَتُنَا بَيْنَهُمَا» ، بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، عَكْسُ مَقْصُودِ الشَّارِعِ إِظْهَارَ تَفَاوُتِ الْحُكْمَيْنِ، وَإِنِ احْتَمَلَ وُجُودُ الْمَانِعِ مِنَ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ جَوَازِهِ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ فِيهِ حَالَ عَدَمِ الْجَوَازِ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ الْإِفْضَاءَ إِلَى عَكْسِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ.

- قَوْلُهُ: «الْمُثْبِتُ» ، أَيِ: احْتَجَّ الْمُثْبِتُ لِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، بِوُجُوهٍ:

- أَحَدُهَا: أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ فِي لُغَتِهَا إِطْلَاقُ الْكَلَامِ فِي مَوْضِعٍ، وَتَقْيِيدُهُ فِي آخَرَ، وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَارِدَانِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ; فَيُحْمَلُ أَمْرُهُمَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي لُغَتِهَا، وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُقَيَّدِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ «قَدْ عُلِمَ مِنَ الشَّرْعِ بِنَاءُ قَوَاعِدِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ» ، كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ، وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلِ بِالْمُبَيَّنِ «فَكَذَا هَاهُنَا» ، يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ; لِأَنَّهُ مِنْهُ، أَيْ: لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ، لِاحْتِمَالِهِ أَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ، كَالرَّقَبَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْإِيمَانَ وَالْكُفْرَ ; فَتُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ; لِأَنَّهُ كَالْمُبَيَّنِ بَلْ هُوَ مُبَيَّنٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، بِمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ التَّقْيِيدِ، أَوْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ مِنْهُ، أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ مِنْ جُمْلَةِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، الَّتِي يَنْبَغِي بِنَاءُ

ص: 642

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. وَقَدْ شَذَّ عَنِّي الْآنَ مَا أَرَدْتُ بِهِ عِنْدَ الِاخْتِصَارِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ، وَاتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِهِ، حَيْثُ قَيَّدْنَا مُطْلَقَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُدَايَنَةِ:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 282]، بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُرَاجَعَةِ:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطَّلَاقِ: 2] ، وَحَيْثُ وَجَبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ; فَلْيَجِبْ فِي نَظَائِرِهَا، إِذْ حُكْمُ الْأَمْثَالِ وَاحِدٌ.

قُلْتُ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ هَاهُنَا: أَنَّ إِطْلَاقَ الْمُتَكَلِّمِ فِي مَوْضِعٍ، وَتَقْيِيدَهُ فِي آخَرَ، هَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي إِرَادَتِهِ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ، بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَاعِدَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ فِي مَوْضِعٍ اتِّكَالًا عَلَى مَا قَيَّدُوهُ فِي غَيْرِهِ، أَوْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ إِرَادَتِهِ التَّقْيِيدَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّقْيِيدَ، لَقَيَّدَ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ يَقْرُبُ مِنْ دَلَالَةِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ; لِأَنَّ الْقَائِلَ يَقُولُ: لَمَّا قَيَّدَ الرَّقَبَةَ فِي الْقَتْلِ، دُونَ الظِّهَارِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا الْإِيمَانَ، وَإِلَّا لَقَيَّدَ فِيهَا، كَمَا قَيَّدَ فِي الْقَتْلِ. وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدْلَالٌ بِالسُّكُوتِ عَنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ، وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَالْبَحْثُ مُتَقَابِلٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

قَوْلُهُ: «فَإِنِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ ; فَلَا حَمْلَ» ، إِلَى آخِرِهِ.

هَذَا هُوَ الْقَسَمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ أَنْ

ص: 643

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَخْتَلِفَ حُكْمُهُمَا ; فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ سَبَبُهُمَا، أَوِ اخْتَلَفَ، كَتَقْيِيدِ الصَّوْمِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَإِطْلَاقِ الْإِطْعَامِ فِيهَا، فَإِنَّ سَبَبَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالْإِطْعَامُ.

وَمِثَالُ اخْتِلَافِ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ تَقْيِيدُ الصَّوْمِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَإِطْلَاقُ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، أَوْ فِدْيَةِ الصَّوْمِ ; فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ; لِأَنَّ شَرْطَ إِلْحَاقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ اتِّحَادُهُ، أَيِ: اتِّحَادُ الْحُكْمِ، وَهُوَ هَاهُنَا مُخْتَلِفٌ ; فَيَنْتَفِي الْإِلْحَاقُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ شَرْطَ الْإِلْحَاقِ اتِّحَادُ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُمَا بِالنَّظَرِ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مُخْتَلِفًا، كَانَ فَائِدَةُ حَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ اتِّحَادَ الْحُكْمِ، وَالتَّخَلُّصَ مِنْ تَعَدُّدِهِ وَتَعَارُضِهِ، اللَّذَيْنِ هُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفًا بِالنَّصِّ، انْتَفَتِ الْفَائِدَةُ الْمَذْكُورَةُ ; فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ.

وَقَدْ بَانَ بِقَوْلِنَا: إِنَّ الْحُكْمَ إِذَا اخْتَلَفَ، امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ السَّبَبُ أَوِ اخْتَلَفَ، أَنَّ أَقْسَامَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَرْبَعَةٌ ; لِأَنَّ السَّبَبَ وَالْحُكْمَ ; إِمَّاَ أَنْ يَتَّفِقَا أَوْ يَخْتَلِفَا، أَوْ يَتَّفِقَ الْحُكْمُ وَيَخْتَلِفَ السَّبَبُ، أَوْ يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ وَيَتَّفِقَ السَّبَبُ، وَقَدْ بَانَتْ أَمْثِلَتُهَا، وَهَذِهِ أَصَحُّ وَأَضْبَطُ مِنَ الْقِسْمَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبِ لَهَا أَنَّ ظَاهِرَ الْأَقْسَامِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا إِذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ، يَتَضَمَّنُ الرَّابِعَ بِتَقْدِيرِ اتِّفَاقِ السَّبَبِ وَاخْتِلَافِهِ ; فَاعْلَمْ ذَلِكَ.

ص: 644

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «وَمَتَى اجْتَمَعَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدَانِ مُتَضَادَّانِ، حُمِلَ» ، يَعْنِي الْمُطْلَقَ «عَلَى أَشْبَهِهِمَا بِهِ» ، يَعْنِي يُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْمُقَيَّدَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فِي صُورَةٍ يَتَّجِهُ فِيهَا ذَلِكَ، كَمَا إِذَا اتَّفَقَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ، أَوِ الْحُكْمُ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّا: إِمَّا أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ; فَيَلْزَمُ التَّضَادُّ، كَالصَّوْمِ، هُوَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مُقَيَّدٌ بِالتَّتَابُعِ، وَفِي مُتْعَةِ الْحَجِّ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ ; فَلَوْ حَمَلْنَا الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُطْلَقٌ، لَزِمَ أَنْ يَجِبَ فِيهِ التَّتَابُعُ وَالتَّفْرِيقُ مَعًا، وَهُوَ مُحَالٌ، أَوْ لَا نَحْمِلُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ; فَتَبْطُلُ قَاعِدَةُ إِلْحَاقِ الْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ، أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا اعْتِبَاطًا، بِحَسَبِ الِاخْتِيَارِ، مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ ; فَيَكُونُ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ.

وَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ، تَعَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ بِهِ مِنْهُمَا، بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَا اجْتِهَادَ.

وَمِثَالُهُ الْأَصَحُّ: أَنَّ غَسْلَ الْأَيْدِي فِي الْوُضُوءِ، وَرَدَ مُقَيَّدًا بِالْمَرَافِقِ، وَقَطْعُهَا فِي السَّرِقَةِ مُقَيَّدٌ بِالْكُوعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَسْحُهَا فِي الَّتَّيَمُّمِ وَرَدَ مُطْلَقًا ; فَهَلْ يُلْحَقُ بِالْقَطْعِ فِي تَقْيِيدِهِ بِالْكُوعِ، أَوْ بِالْغَسْلِ فِي تَقْيِيدِهِ بِالْمَرَافِقِ؟ وَلِهَذَا خَرَجَ الْخِلَافُ فِيهِ.

أَمَّا تَرَدُّدُ صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ صَوْمِ الظِّهَارِ وَالْحَجِّ ; فَمِثَالٌ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مَا وَرَدَ عَنِ الشَّرْعِ إِلَّا مُقَيَّدًا بِالتَّتَابُعِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:«فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ»

ص: 645

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَأَنَّهَا إِمَّا قُرْآنٌ، أَوْ خَبَرٌ، كَمَا سَبَقَ. نَعَمْ يَصِحُّ تَمْثِيلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بِهِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى التَّتَابُعَ فِيهِ، وَضَرْبُ الْأَمْثِلَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لَا يَخْتَصُّ بِمَذْهَبٍ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 646