الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ ; فَقَوْلُهُ: خُذُوا عَنِّي، يَعْنِي بِالسُّؤَالِ، لَا بِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَفْعَالِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِفِعْلِ الْمَنَاسِكِ، كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِهِ، وَأَمْرُهُ لَهُمْ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِأَفْعَالِهِ، عَمَلًا بِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْبَيَانُ: «الْإِقْرَارُ عَلَى الْفِعْلِ» فَيَكُونُ ذَلِكَ تِبْيَانًا لِجَوَازِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّنَّةِ، أَنَّ الْقَوْلَ، وَالْفِعْلَ، وَالْإِقْرَارَ عَلَى الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ - سُنَّةٌ، وَهِيَ دَلِيلٌ وَحُجَّةٌ، وَمَا كَانَ دَلِيلًا فِي نَفْسِهِ، صَلَحَ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: " وَ
كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ
"، هَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ، يَتَنَاوَلُ مَا سَبَقَ، وَمَا يَأْتِي بَعْدُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَسْتَدِلَّ الشَّارِعُ اسْتِدْلَالًا عَقْلِيًّا ; فَيُبَيِّنَ بِهِ الْعِلَّةَ، أَوْ مَأْخَذَ الْحُكْمِ، أَوْ فَائِدَةً مَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ مَاءِ السَّحَابِ:{فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فَاطِرٍ: 9]، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ:{كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 11]، {وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الرُّومِ: 19] ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
فَبَيَّنَ سبحانه وتعالى لَنَا بِذَلِكَ طَرِيقَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَالْمَعَادِ، وَلَوْلَا هَذَا الطَّرِيقُ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَمَا اجْتَرَأَ مُتَكَلِّمُوهُمْ أَنْ يَسْتَدِلُّوا عَلَيْهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ مَعَ الْفَلَاسِفَةِ الْمُنْكِرِينَ لَهُ فِيهِ.
وَقَالَ سبحانه وتعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الْأَنْبِيَاءِ: 22]، {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الْمُؤْمِنُونَ: 91] ; فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ طَرِيقَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَوْحِيدِهِ عز وجل، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ لَهُ سبحانه وتعالى.
وَبَيَّنَ بُقُولِهِ عز وجل: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ} [الرُّومِ: 28] ، الْآيَةَ، قُبْحَ الْإِشْرَاكِ، وَمَنْعَهُ وَتَحْرِيمَهُ، وَجَمِيعُ اسْتِدْلَالَاتِ الْقُرْآنِ عَقْلِيَّةٌ، وَهِيَ مُفِيدَةٌ لِلْبَيَانِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، لِعُمَرَ رضي الله عنه حِينَ قَالَ لَهُ: قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ. فَقَاسَ الْقُبْلَةَ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، وَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْفِطْرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا يُجَاوِزُ الْحَلْقَ إِلَى الْجَوْفِ، أَوْ بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ الْمَوْضُوعُ لَهُ مِنَ الْمُفَطِّرَاتِ، وَالْقُبْلَةُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا مَقْصُودُ جِنْسِهَا وَهُوَ الْإِنْزَالُ، كَمَا أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا مَقْصُودُ الشُّرْبِ، وَهُوَ الرِّيُّ.
وَقَالَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ. فَبَيَّنَ أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ كَدَيْنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْآدَمِيِّ، فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَقَبُولِ النِّيَابَةِ، وَأَوْلَى، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: التَّرْكُ: مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلًا قَدْ أَمَرَ بِهِ، أَوْ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ فِعْلُهُ ; فَيَكُونُ تَرْكُهُ لَهُ مُبَيِّنًا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ.
وَذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [الْبَقَرَةِ: 282] ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ يُبَايِعُ وَلَا يُشْهِدُ، بِدَلِيلِ الْفَرَسِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ، ثُمَّ أَنْكَرَهُ الْبَيْعَ ; فَشَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ لَا عَنْ حُضُورٍ، بَلْ عَنْ تَصْدِيقِهِ عليه الصلاة والسلام ; فَعُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ; فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا، إِذْ يَمْتَنِعُ مِنْهُ تَرْكُ الْوَاجِبِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: السُّكُوتُ بَعْدَ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِ الْوَاقِعَةِ. فَيُعْلَمُ أَنْ لَا حُكْمَ لِلشَّرْعِ فِيهَا، كَمَا رُوِيَ، أَنَّ زَوْجَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ رضي الله عنه، جَاءَتْ بِابْنَتَيْهَا إِلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم ; فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدٍ، قُتِلَ أَبُوهُمَا