الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْتُ: وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ بَعْدَ نِهَايَةِ الشَّيْءِ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَلَا ضِدُّهُ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ شَاغِلٍ وَحُكْمٍ، وَلَا نُسَلِّمُ تَعَطُّلَ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ عَنْ حُكْمٍ، بَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا تَعَطُّلَهَا، لَكِنَّ تَعَطُّلَهَا عَنْ حُكْمٍ لَا مُحَالَ فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَتَرَدُّدٍ ; فَلَا سَبِيلَ فِيهَا إِلَى الْقَطْعِ بِشَيْءٍ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الظَّنِّ ; فَالظَّاهِرُ مَعَ مُثْبِتِي مَفْهُومِ الْغَايَةِ لُغَةً وَعُرْفًا.
«الثَّانِيَةُ» : أَيْ: مِنْ دَرَجَاتِ دَلِيلِ الْخِطَابِ «تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطٍ نَحْوَ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطَّلَاقِ: 6] ، يُفِيدُ انْتِفَاءَ» ، وُجُوبِ «الْإِنْفَاقِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَمْلِ» ، وَهُوَ
مَفْهُومُ الشَّرْطِ
، وَنَحْوَ: إِذَا جَاءَكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَا ; فَافْعَلْ كَذَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَالْهَرَّاسِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْكَرْخِيِّ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، إِذْ حُكْمُ الشَّرْطِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَبَعْضُهُمْ يُتَرْجِمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَى شَيْءٍ بِحَرْفِ (إِنِ) الشَّرْطِيَّةِ، عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، «وَأَنْكَرَهُ قَوْمٌ» وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، وَالْغَزَّالِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْآمِدِيِّ.
قَوْلُهُ: «إِذْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ لَا يَمْنَعُ تَعْلِيقَهُ بِشَرْطَيْنِ» . هَذِهِ مِنْ حُجَجِ الْمُنْكِرِينَ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ.
وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِشَرْطٍ لَا يَمْنَعُ تَعْلِيقَهُ بِشَرْطَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَإِذَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطَيْنِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنِ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ، لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْآخَرِ.
مِثَالُهُ: قَوْلُهُ: أَحْكُمُ بِالْمَالِ إِنْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَاحِدٌ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي، أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ; فَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ شَاهِدَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ، انْتِفَاءُ الْحُكْمِ بِالْمَالِ، لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ، وَبِالْعَكْسِ.
قَوْلُهُ: «وَرُدَّ» ، أَيْ: وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ، بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَالْأَصْلُ التَّعْلِيقُ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِتَصْحِيحِ تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرِ ; فَالزَّائِدُ خِلَافُ الْأَصْلِ ; فَلَا يُعْتَبَرُ تَقْرِيرُهُ. وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مَا ذَكَرْنَاهُ، مِنِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، فَإِنْ «ثَبَتَ» تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ ثَانٍ فَصَاعِدًا، لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ; «اعْتَبَرْنَاهُ» ، وَلَمْ نَحْكُمْ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ إِلَّا بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ شُرُوطِهِ، كَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْتُ: الشَّرْطُ الَّذِي تَعَلَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إِمَّا مُفْرَدٌ، نَحْوَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ; فَأَنْتِ طَالِقٌ ; فَلَزِمَ انْتِفَاءُ الطَّلَاقِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الدُّخُولِ. أَوْ مُتَعَدِّدٌ، ثُمَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ: إِمَّا عَلَى الْجَمِيعِ، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْجَمِيعِ، نَحْوَ: إِنْ قُمْتِ، وَأَكَلْتِ، وَشَرِبْتِ، وَدَخَلْتِ الدَّارَ، وَكَلَّمْتِ زَيْدًا ; فَأَنْتِ طَالِقٌ ; فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِلَّا عِنْدَ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَيَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهَا ; لِأَنَّ جَمِيعَهَا شَرْطٌ وَاحِدٌ، مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ ; فَلَا يُؤَثِّرُ إِلَّا وُجُودُ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَدَلِ، نَحْوَ: إِنْ قُمْتِ، أَوْ أَكَلْتِ، أَوْ شَرِبْتِ، أَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَوْ كَلَّمْتِ زَيْدًا ; فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ بِوُجُودِ أَيِّهَا كَانَ، وَانْتَفَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِانْتِفَاءِ جَمِيعِهَا. وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِجَوَازِ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطَيْنِ، يَخْلُفُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَا مَعْنَى لَهُ، كَمَا بَيَّنَّا، لَكِنْ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ حُجَجٌ أُخْرَى، لَا يَتَّسِعُ لَنَا ذِكْرُهَا، إِذْ نَحْنُ شَارِحُونَ لِهَذَا «الْمُخْتَصَرِ» لَا مُسْتَوْعِبُونَ لِأَقْوَالِ النَّاسِ وَحُجَجِهِمْ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: لَيْسَ النِّزَاعُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَجِبُ انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ ; فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بَلْ فِي أَنَّ ذَلِكَ الِانْتِفَاءَ هَلْ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، أَوْ الِاسْتِصْحَابُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ؟ وَذَلِكَ أَنَّ فِي الشَّرْطِ نَحْوَ هَذِهِ الصِّيغَةِ أُمُورًا أَرْبَعَةً:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَحَدُهَا: ارْتِبَاطُ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ.
وَثَانِيهَا: ارْتِبَاطُ عَدَمِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ.
وَثَالِثُهَا: دَلَالَةُ لَفْظِ التَّعْلِيقِ عَلَى ارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ.
وَرَابِعُهَا: دَلَالَةُ لَفْظِ التَّعْلِيقِ عَلَى ارْتِبَاطِ عَدَمِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ.
وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالنِّزَاعُ فِي الرَّابِعِ، وَهُوَ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَدْخُلِ الدَّارَ، لَمْ تُطَلَّقِ اسْتِصْحَابًا لِلْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ، وَالِاسْتِصْحَابُ الْمَذْكُورُ مَعَ دَلَالَةِ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا: الْمَفْهُومُ هُنَا حُجَّةٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا تَحْقِيقٌ حَسَنٌ جِدًّا.
«الثَّالِثَةُ» : يَعْنِي مِنْ دَرَجَاتِ دَلِيلِ الْخِطَابِ «تَعْقِيبُ ذِكْرِ الِاسْمِ الْعَامِّ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ» ، هَكَذَا وَقَعَ فِيمَا رَأَيْتُهُ مِنَ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْرَاكِ وَالْبَيَانِ، كَذَا فِي «الْمُسْتَصْفَى» أَيْ: بِذِكْرِ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ عُقَيْبَ ذِكْرِ الِاسْمِ الْعَامِّ ; فَيَكُونُ مُسْتَدْرِكًا لِعُمُومِهِ بِخُصُوصِ الصِّفَةِ، مُبَيِّنًا أَنَّ الْمُرَادَ بِعُمُومِهِ الْخُصُوصُ، نَحْوَ قَوْلِهِ عليه السلام: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ ; فَالْغَنَمُ اسْمٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ السَّائِمَةَ وَالْمَعْلُوفَةَ ; فَاسْتَدْرَكَ عُمُومَهُ بِخُصُوصِ السَّائِمَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا الْمُرَادُ مِنْ عُمُومِ الْغَنَمِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا ; فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ. فَالنَّخْلُ عَامٌّ فِي الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ ; فَاسْتَدْرَكَ عُمُومَهُ بِخُصُوصِ الْمُؤَبَّرِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ عُمُومِ النَّخْلِ.
قَوْلُهُ: «وَنَحْوُهُ: الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ. حُجَّةٌ» أَيْ: وَمِمَّا يَلْحَقُ بِتَعْقِيبِ ذِكْرِ الِاسْمِ الْعَامِّ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ - تَقْسِيمُ الِاسْمِ أَوِ الصِّنْفِ إِلَى قِسْمَيْنِ، وَتَخْصِيصُ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهُمَا بِحُكْمٍ ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنِ الْقِسْمِ الْآخَرِ، كَقَوْلِهِ عليه السلام: الْأَيِّمُ، أَيِ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجَهَا، أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ. فَخَصَّ الْبِكْرَ بِالِاسْتِئْذَانِ ; فَدَلَّ عَلَى نَفْيِهِ فِي الْأَيِّمِ.
قَوْلُهُ: «طَلَبًا لِفَائِدَةِ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْسِيمِ» ، أَيْ: إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ وَالتَّقْسِيمِ حُجَّةٌ، طَلَبًا لِفَائِدَةِ التَّخْصِيصِ، فِي نَحْوِ قَوْلِهِ عليه السلام: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ، وَلِفَائِدَةِ التَّقْسِيمِ، أَيْ: تَقْسِيمِ الْمَرْأَةِ إِلَى أَيِّمٍ وَبِكْرٍ، وَتَخْصِيصِ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِحُكْمٍ، إِذْ لَوْ سَوَّيْنَا بَيْنَ السَّائِمَةِ وَغَيْرِهَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَبَيْنَ الْأَيِّمِ وَالْبِكْرِ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَوْ عَدَمِهِ، لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْسِيمِ الْمَذْكُورَيْنِ.