الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثَةُ:
الْإِجَازَةُ
، نَحْوَ: أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ، أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ مَسْمُوعَاتِي. وَالْمُنَاوَلَةُ، نَحْوَ: خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَارْوِهِ عَنِّي، وَيَكْفِي مُجَرَّدُ اللَّفْظِ دُونَ الْمُنَاوَلَةِ. فَيَقُولُ فِيهِمَا: حَدَّثَنِي، أَوْ أَخْبَرَنِي إِجَازَةً، فَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا؛ فَقَدْ أَجَازَهُ قَوْمٌ، وَهُوَ فَاسِدٌ، لِإِشْعَارِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، وَهُوَ كَذِبٌ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ بِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذِ الْغَرَضُ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ الْخَبَرِ، لَا عَيْنَ الطَّرِيقِ.
وَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْكِتَابَ، أَوْ: هُوَ سَمَاعِي، وَلَمْ يَقُلْ: ارْوِهِ عَنِّي. لَمْ تَجُزْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا؛ فَلَا يَشْهَدْ بِهَا؛ لِجَوَازِ مَعْرِفَتِهِ بِخَلَلٍ مَانِعٍ، وَقَدْ يَتَسَاهَلُ الْإِنْسَانُ فِي الْكَلَامِ، وَعِنْدَ الْجَزْمِ بِهِ يَتَوَقَّفُ.
وَلَا يَرْوِي عَنْهُ مَا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ، لَكِنْ يَقُولُ: وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ كَذَا، وَتُسَمَّى الْوِجَادَةَ. أَمَّا إِنْ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ بِكِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِ، لَمْ تَجُزْ رِوَايَتُهَا عَنْهُ مُطْلَقًا، وَلَا الْعَمَلُ بِهَا، إِنْ كَانَ مُقَلِّدًا، إِذْ فَرْضُهُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا؛ فَقَوْلَانِ.
ــ
الْمَرْتَبَةُ «الثَّالِثَةُ: الْإِجَازَةُ، نَحْوَ» قَوْلِ الشَّيْخِ لِلرَّاوِي: «أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ، أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ مَسْمُوعَاتِي» .
«وَالْمُنَاوَلَةُ: نَحْوَ» قَوْلِهِ: «خُذْ هَذَا الْكِتَابَ؛ فَارْوِهِ عَنِّي» ؛ فَهَذَا مِنْ طُرُقِ الرِّوَايَةِ، وَمِمَّا يَجُوزُ بِهِ.
قَوْلُهُ: «وَيَكْفِي» - يَعْنِي فِي الْمُنَاوَلَةِ - «مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، دُونَ الْمُنَاوَلَةِ» ، أَيْ: دُونَ أَنْ يُنَاوِلَهُ الْكِتَابَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنَ اللَّفْظِ، لَا مِنْ إِعْطَاءِ الْكِتَابِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِعْطَائِهِ الْكِتَابَ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: ارْوِهِ عَنِّي، لَمْ تَجُزِ الرِّوَايَةُ، وَإِنَّمَا جَازَتْ بِلَفْظِ الْإِذْنِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُسْتَقِلُّ بِهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا مُنَاوَلَةً؛ لِأَنَّ الْمُحَدِّثِينَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمْ يُنَاوِلُ الْآخَرَ كِتَابًا؛ فَيَقُولُ: ارْوِهِ عَنِّي، عَادَةً وَاتِّفَاقًا، لَا اشْتِرَاطًا لِإِعْطَاءِ الْكِتَابِ فِي الْمُنَاوَلَةِ، وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْمُنَاوَلَةُ نَوْعَ إِجَازَةٍ.
قَوْلُهُ: «فَيَقُولُ فِيهِمَا» ، أَيْ: فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ، يَقُولُ الرَّاوِي: حَدَّثَنِي فُلَانٌ إِجَازَةً، أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ إِجَازَةً «فَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا» ، أَيْ: إِنْ لَمْ يَقُلْ إِجَازَةً، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: حَدَّثَنِي، أَوْ أَخْبَرَنِي، «فَقَدْ أَجَازَهُ قَوْمٌ» ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ وَالْمُنَاوَلَةَ فِي مَعْنَى إِسْمَاعِ الشَّيْخِ، وَقِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَيْهِ، «وَهُوَ» ، أَيْ: هَذَا الْقَوْلُ، «فَاسِدٌ» ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُهُ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ، يُشْعِرُ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَهُوَ كَذِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: «وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ بِهِمَا» ، أَيْ: بِالْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ، «وَفِيهِ» ، أَيْ: فِيمَا قَالَاهُ، «نَظَرٌ» ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الرِّوَايَةِ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ الْخَبَرِ، لَا عَيْنِ طَرِيقِهِ الَّتِي هُوَ ثَابِتٌ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ طَرِيقَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّاوِي: حَدَّثَنَا فُلَانٌ، عَنْ فُلَانٍ، إِلَى آخِرِ السَّنَدِ، إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَمَعْرِفَةُ صِحَّتِهِ مَقْصِدٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَقَاصِدَ إِذَا حَصَلَتْ بِدُونِ الْوَسَائِلِ، سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِنَفْسِهَا، وَمَعْرِفَةُ صِحَّةِ الْخَبَرِ حَاصِلَةٌ بِالْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَدْلٌ جَازِمٌ بِالْإِذْنِ فِي الرِّوَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ إِلَّا فِيمَا هُوَ عَالِمٌ بِصِحَّتِهِ وَرِوَايَتِهِ لَهُ.
وَقَدْ صَنَّفَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ جُزْءًا فِي الْإِجَازَةِ لِلْمَعْدُومِ وَذَكَرَ حُجَجَهُ وَأَقْوَالَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النَّاسِ فِيهِ؛ فَالْإِجَازَةُ لِلْمَوْجُودِ أَوْلَى.
فَائِدَةٌ: جَرَتْ عَادَةُ الْمُسْتَجِيزِينَ فِي إِجَازَاتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: الْمَسُئُولُ مِنْ إِنْعَامِ الْمَشَايِخِ، أَنْ يُجِيزُوا لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ مَا صَحَّ عِنْدَهُمْ مِنْ مَسْمُوعَاتِهِمْ، إِلَى آخِرِ الْإِجَازَةِ. فَالضَّمِيرُ فِي عِنْدَهُمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنَّهُ لِلْمَشَايِخِ، أَوْ لِلْجَمَاعَةِ الْمُسْتَجِيزِينَ، وَهُوَ لَهُمْ دُونَ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُمْ مَا أَجَازُوهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: مَا صَحَّ عِنْدَ الْمُسْتَجِيزِينَ أَنَّهُ رِوَايَةُ الْمَشَايِخِ، جَازَ لَهُمْ أَنْ يَرْوُوهُ. وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِي:«أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ مَسْمُوعَاتِي» .
قَوْلُهُ: «وَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْكِتَابَ، أَوْ: هُوَ سَمَاعِي، وَلَمْ يَقُلْ: ارْوِهِ عَنِّي، لَمْ تَجُزْ رِوَايَتُهُ» ، لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ جَوَازَ الرِّوَايَةِ، إِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْإِذْنِ فِيهَا، وَهُوَ مَفْقُودٌ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ أَخْذَ الْكِتَابِ، أَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمَاعُهُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا، وَلَمْ يُقَلْ لَهُ: اشْهَدْ بِهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِهَا مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ.
قَوْلُهُ: «لِجَوَازِ مَعْرِفَتِهِ بِخَلَلٍ مَانِعٍ» . هَذَا تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: خُذْ هَذَا الْكِتَابَ، أَيْ: لَا يَرْوِي عَنْهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، لِجَوَازِ مَعْرِفَةِ الشَّيْخِ فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ بِخَلَلٍ مَانِعٍ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: «وَقَدْ يَتَسَاهَلُ الْإِنْسَانُ فِي الْكَلَامِ» . هُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ عَلِمَ أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ خَلَلًا، لَمَا قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا الْكِتَابَ، أَوْ هُوَ سَمَاعِي؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِلسَّامِعِ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ؛ فَيَكُونُ غِشًّا فِي الدِّينِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِي الْكَلَامِ، وَعِنْدَ الْعَمَلِ وَالْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ يَتَوَقَّفُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: خُذْ هَذَا الْكِتَابَ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظَرًا، أَوْ هُوَ سَمَاعِي، تَرْغِيبًا لَهُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ لِذَلِكَ الْكِتَابِ بِعَيْنِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَقَّقَ حَالَ رِوَايَتِهِ لَهُ فِيمَا بَعْدُ.
قَوْلُهُ: «وَلَا يَرْوِي عَنْهُ» ، أَيْ: عَنْ شَيْخِهِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، «مَا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ» ، أَيْ: بِخَطِّ الشَّيْخِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنَا أَوْ حَدَّثَنَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، لَكِنَّهُ يَقُولُ: وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، «وَتُسَمَّى الْوِجَادَةَ» ، وَهِيَ فِعَالَةٌ، مِنْ وَجَدَ الشَّيْءَ يَجِدُهُ وِجْدَانًا: إِذَا صَادَفَهُ، وَلَقِيَهُ.
قَوْلُهُ: «أَمَّا إِنْ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ بِكِتَابِ الْبُخَارِيِّ» ، إِلَى آخِرِهِ.
أَيْ: إِنْ قَالَ الْعَدْلُ: هَذِهِ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ بِكِتَابِ الْبُخَارِيِّ، أَوْ مُسْلِمٍ، أَوِ التِّرْمِذِيِّ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ دَوَاوِينِ السُّنَّةِ، وَلَمْ يَقُلِ: ارْوِهَا عَنِّي، لَمْ يَجُزْ لِلسَّامِعِ رِوَايَتُهَا عَنْهُ مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا، أَوْ مُقَلِّدًا، لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ.
فَأَمَّا الْعَمَلُ، فَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا، لَمْ يُجِزْ لَهُ الْعَمَلُ بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ تَقْلِيدَ الْمُجْتَهِدِ، لِقُصُورِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ مَعَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا؛ فَفِيهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ، لِعَدَمِ سَمَاعِهِ لَهُ.
وَالثَّانِي: لَهُ الْعَمَلُ بِهِ، وَيَلْزَمُهُ فِيمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ؛ إِمَّا مِنْ جِهَةِ ضَعْفِهِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْخَطَأِ فِي دَلَالَتِهِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ هَهُنَا.
أَمَّا الضَّعْفُ فَقَدِ انْتَفَى بِقَوْلِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ: هَذِهِ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ.
وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الدَّلَالَةِ فَمُنْتَفٍ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ عَارِفٌ بِتَنْزِيلِ الْأَدِلَّةِ مَنَازِلَهَا، وَكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَحْمِلُونَ كُتُبَ الْأَحْكَامِ، كَصُحُفِ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا إِلَى الْبِلَادِ؛ فَكَانَ النَّاسُ يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهَا، اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِهِمْ لِمَضْمُونِهَا، وَشَهَادَةِ حَامِلِهَا بِصِحَّتِهَا عَنْ أَمْرِ الشَّرْعِ.
وَلَا يَرْوِي عَنْ شَيْخِهِ مَا شَكَّ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ، إِذْ هُوَ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ؛ فَلَوْ شَاعَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فِي مَسْمُوعَاتِهِ، وَلَمْ تَتَمَيَّزْ، لَمْ يَرْوِ شَيْئًا مِنْهَا، لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كُلًّا مِنْهَا، فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِعَيْنِهِ، أَوْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَسْمُوعٌ لَهُ؛ فَفِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّنِّ خِلَافٌ.
ــ
قَوْلُهُ: «وَلَا يَرْوِي عَنْ شَيْخِهِ مَا شَكَّ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ» ، يَعْنِي: الرَّاوِي إِذَا شَكَّ، هَلْ سَمِعَ هَذَا الْكِتَابَ أَوِ الْحَدِيثَ مِنْ شَيْخِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ، وَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ مَعَ الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْجَزْمِ وَالْعِلْمِ؛ فَلَوْ شَاعَ الْحَدِيثُ الْمَشْكُوكُ فِي سَمَاعِهِ فِي مَسْمُوعَاتِ الرَّاوِي، وَلَمْ تَتَمَيَّزْ، فَلَمْ يَعْلَمْ: هَلْ هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ هَذَا؟ أَوْ هَلْ هُوَ هَذَا الْكِتَابُ أَوْ هَذَا؟ لَمْ يَرْوِ شَيْئًا مِنْ مَسْمُوعَاتِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُوكُ فِي سَمَاعِهِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَوِ الْكُتُبِ الَّتِي هِيَ سَمَاعُهُ، لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ شَهَادَةٌ، وَهِيَ تَعْتَمِدُ الْعِلْمَ لَا الشَّكَّ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ. مَا إِذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، أَوِ الْمَيِّتَةُ بِالْمُذَكَّاةِ، لَزِمَهُ اجْتِنَابُ الْجَمِيعِ كَمَا سَبَقَ.
قَوْلُهُ: «فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِعَيْنِهِ، أَوْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَسْمُوعٌ لَهُ؛ فَفِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّنِّ خِلَافٌ» ، هَذِهِ مَسْأَلَتَانِ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إِحْدَاهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَهِيَ مَا إِذَا شَاعَ الْحَدِيثُ أَوِ الْكِتَابُ الْمَشْكُوكُ فِي سَمَاعِهِ فِي بَقِيَّةِ مَسْمُوعَاتِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُ، لَكِنَّهُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِعَيْنِهِ، هَذَا أَوْ هَذَا أَوْ هَذَا؛ فَفِي جَوَازِ رِوَايَتِهِ قَوْلَانِ لِلنَّاسِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّنِّ، وَهُوَ مَنَاطُ الْعَمَلِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ظَنَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَسْمُوعٌ لَهُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ؛ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ.