الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ غَيْرِ الْقَارِّ، كَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ، وَالسَّوْمِ الْمُجَرَّدِ، ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ ضِدِّهِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ ; لِأَنَّ الشَّيْءَ يُذْكَرُ بِضِدِّهِ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ قَصْدُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ ظَاهِرًا كَفَى فِي التَّمَسُّكِ بِهِ ; لِأَنَّ مَنَاطَ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الظُّهُورُ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلِذَلِكَ عُلِّقَتْ عَلَى الْأَمَارَاتِ، وَثَبَتَتْ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ أَقْوَى مِنْهُ.
بَقِيَ الْحَاصِلُ مِنْ فَرْقِكُمُ الْمَذْكُورِ، أَنَّ مَفْهُومَ تَعْقِيبِ الِاسْمِ الْعَامِّ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، نَحْوَ: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ، أَظْهَرُ مِنْ مَفْهُومِ الْوَصْفِ الْمُجَرَّدِ غَيْرِ الْقَارِّ، لَكِنْ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ التَّمَسُّكِ بِهِ، لِجَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالظَّاهِرِ، وَالْأَظْهَرِ، وَالْقَاطِعِ، كَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْمُتَوَاتِرِ، وَكَقِيَاسِ الشَّبَهِ، وَقِيَاسِ الدَّلَالَةِ، وَقِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَكَالْإِجْمَاعَاتِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا ظَاهِرٌ، كَالسُّكُوتِيِّ وَبَعْضُهَا قَاطِعٌ كَالنُّطْقِيِّ التَّوَاتُرِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
«الْخَامِسَةُ» : -
مَفْهُومُ الْعَدَدِ
- يَعْنِي مِنْ دَرَجَاتِ دَلِيلِ الْخِطَابِ تَخْصِيصُ نَوْعٍ مِنَ الْعَدَدِ «بِحُكْمٍ، نَحْوَ» قَوْلِهِ عليه السلام: لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ. يَعْنِي فِي الرَّضَاعِ، لَيْسَ الْوُضُوءُ مِنَ الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا فَوْقَهُ لَهُ، يَعْنِي تَحْرِيمَ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ وَوُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ثَلَاثِ قَطَرَاتٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ، وَإِلَّا فَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ. وَقَدْ لَا يَسِيلُ الدَّمُ بِثَلَاثِ قَطَرَاتٍ ; فَهَذَا يُسَمَّى مَفْهُومَ الْعَدَدِ، وَهُوَ قَوْلُ «مَالِكٍ، وَدَاوُدَ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ» ، يَعْنِي أَكْثَرَ الشَّافِعِيَّةِ «وَلِأَبِي حَنِيفَةَ» .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ تَقَدَّمَ.
قُلْتُ: وَلَمْ أَسْتَحْضِرْ أَنَّهُ قَدَّمَ الْكَلَامَ فِي «الرَّوْضَةِ» فِي خُصُوصِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ ; فَأَحْسَبُهُ أَحَالَ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْكَلَامِ فِي سَائِرِ الْمَفْهُومَاتِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْآمِدِيُّ فِي «الْمُنْتَهَى» ; لِأَنَّ الْبَابَ وَاحِدٌ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ مِقْدَارٍ مِنَ الْعَدَدِ بِحُكْمٍ، كَتَخْصِيصِ صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ بِحُكْمٍ ; فَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْكَمِّ وَالثَّانِي مِنْ بَابِ الْكَيْفِ، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمَقُولَاتِ الْعَشْرِ، أَوْ تَحْتَ جِنْسٍ مَا مِنَ الْأَجْنَاسِ، وَلَوْ جِنْسَ الْأَعْرَاضِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقَدْ يُحْتَجُّ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ، بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التَّوْبَةِ: 80] ; فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ ; فَنَزَلَتْ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [الْمُنَافِقُونَ: 6] ; فَوَجْهُ دَلَالَتِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ; فَهِمَ أَنَّ حُكْمَ مَا فَوْقَ السَّبْعِينَ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَهُوَ أَعْلَى أَهْلِ اللُّغَةِ رُتْبَةً فِيهَا ; فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِلْخَصْمِ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ بِالْخُصُوصِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَفَاهِيمِ عَلَى الْعُمُومِ، مَا حُكِيَ، وَرَأَيْتُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَصَانِيفِ أَهْلِ الْأَدَبِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ رحمه الله اسْتَعْمَلَ عَامِلًا أَحْمَقَ، فَذَكَرَ الْمَجُوسَ يَوْمًا ; فَقَالَ قَائِلٌ: لَعَنَ اللَّهُ الْمَجُوسَ، يَنْكِحُونَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مَا نَكَحْتُ أُمِّي. فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ ; فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، أَتَرَاهُ لَوْ زِيدَ