المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شرط مفهوم الموافقة - شرح مختصر الروضة - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْكِتَابُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌ التَّوَاتُرُ

- ‌ الْآحَادُ

- ‌ السَّمَاعِ

- ‌ الْإِجَازَةُ

- ‌إِنْكَارُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي رِوَايَةِ الْفَرْعِ لَهُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا مَقْبُولَةٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ»

- ‌ مُرْسَلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ

- ‌فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى

- ‌فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ»

-

- ‌الْقَوْلُ فِي النَّسْخِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ

- ‌لَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ

- ‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

- ‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ»

- ‌مَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ:

- ‌الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي

- ‌«الْأَمْرُ:

- ‌ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الثَّالِثَةُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الرَّابِعَةُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ

- ‌أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ: «السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمْرُ لِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

- ‌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ

- ‌فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ»

- ‌النَّهْيُ

- ‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

- ‌الْعَامُّ

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ

- ‌«أَدَوَاتُ الشَّرْطِ»

- ‌ كُلُّ وَجَمِيعُ

- ‌«النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْأَمْرِ»

- ‌ الْعَامُّ الْكَامِلُ»

- ‌ أَقَلُّ الْجَمْعِ

- ‌ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ

- ‌ الْخِطَابُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ

- ‌الْخَاصُّ

- ‌الْمُخَصِّصَاتُ»

- ‌الْخَامِسُ: الْمَفْهُومُ

- ‌ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ

- ‌الِاسْتِثْنَاءُ

- ‌ تَعْرِيفِهِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ

- ‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌الشَّرْطُ

- ‌ الْغَايَةُ»

- ‌الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ

- ‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

- ‌الْمُجْمَلُ

- ‌حُكْمُ الْمُجْمَلِ

- ‌الْمُبَيَّنُ

- ‌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ

- ‌كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ

- ‌الْبَيَانُ الْفِعْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِيِّ»

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ

- ‌خَاتِمَةٌفَحْوَى اللَّفْظِ:

- ‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ»

- ‌ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

- ‌ دَرَجَاتُ دَلِيلِ الْخِطَابِ

- ‌ مَفْهُومَ الْغَايَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

- ‌ تَخْصِيصُ وَصْفٍ غَيْرِ قَارٍّ بِالْحُكْمِ

- ‌ مَفْهُومُ الْعَدَدِ

- ‌ مَفْهُومُ اللَّقَبِ

الفصل: ‌ شرط مفهوم الموافقة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَنَفْيِ اللَّازِمِ.

قَوْلُهُ: «وَشَرْطُهُ» ، أَيْ:

‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

«فَهْمُ الْمَعْنَى فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، كَالتَّعْظِيمِ فِي الْآيَةِ» ، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الْإِسْرَاءِ: 23] ; فَإِنَّا فَهِمْنَا أَنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِيَ لِهَذَا النَّهْيِ هُوَ تَعْظِيمُ الْوَالِدَيْنِ ; فَلِذَلِكَ فَهِمْنَا تَحْرِيمَ الضَّرْبِ بِطَرِيقِ أَوْلَى، حَتَّى لَوْ لَمْ نَفْهَمْ مِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمًا، لَمَا فَهِمْنَا تَحْرِيمَ الضَّرْبِ أَصْلًا، لَكِنَّهُ لَمَّا نَفَى التَّأْفِيفَ لِلْأَعَمِّ، دَلَّ عَلَى نَفْيِ الضَّرْبِ لِلْأَخَصِّ بِطَرِيقِ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: «وَإِلَّا فَيَجُوزُ» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُفْهَمِ الْمَعْنَى فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، لَمْ يَحْصُلْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ شَارٍ عَلَيْهِ، أَوْ مُنَازِعٌ لَهُ فِي مُلْكِهِ ; فَيَقُولَ: اقْتُلُوا هَذَا، وَلَا تَصْفَعُوهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُتَنَافِيًا، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ نَفْيِ الصَّفْعِ نَفْيُ الْقَتْلِ ; لِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ، لِيَكْتَفِيَ شَرَّهُ، وَيَنْهَى عَنْ صَفْعِهِ مُرَاعَاةً لِلْجَامِعِ الْجِنْسِيِّ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ حُرْمَةُ الْمُلْكِ، وَمَنْصِبُ الرِّيَاسَةِ، كَمَا فِي سِيرَةِ الْإِسْكَنْدَرِ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْمَغْرِبِ، وَقَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَاسْتَخْلَفَ فِيهِ، صَارَ مَلِكُ الشَّرْقِ لَهُ شَوْكَةٌ قَوِيَّةٌ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: إِنَّا إِنِ اقْتَتَلْنَا بِالْعَسَاكِرِ ; فَنِيَ هَذَا الْعَالَمُ، وَلَيْسَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَلَكِنِ ابْرُزْ لِي، وَأَبْرُزُ لَكَ ; فَأَيُّنَا قَتَلَ صَاحِبَهُ، اسْتَقَلَّ فِي الْأَرْضِ ; فَبَارَزَهُ ; فَقَتَلَهُ الْإِسْكَنْدَرُ، ثُمَّ أَمَرَ بِجِهَازِهِ، وَنَزَلَ ; فَمَشَى بَيْنَ يَدَيِ الْجِنَازَةِ،

ص: 716

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ; فَقَالَ: قَتَلْتُهُ لِخُرْقِهِ، وَاحْتَرَمْتُهُ مَيِّتًا لِلْجَامِعِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» ، يَعْنِي مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ «قِيَاسٌ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْخَرَزِيِّ» ، مِنْ أَصْحَابِنَا، «وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ» ، يَعْنِي بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ «وَالْقَاضِي وَالْحَنَفِيَّةِ» ، فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، بَلْ مُسْتَنَدُ فَهْمِهِ الدَّلَالَةُ اللَّفْظِيَّةُ، لَا الْقِيَاسِيَّةُ.

قَوْلُهُ: «لَنَا» ، أَيْ: عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ أَنَّهُ «إِلْحَاقُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْحُكْمِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُقْتَضَى، وَهُوَ» حَقِيقَةُ «الْقِيَاسِ» كَإِلْحَاقِ النَّبِيذِ بِالْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِسْكَارِ، وَإِلْحَاقِ الذُّرَةِ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بِالْحِنْطَةِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْكَيْلِ، وَ «كَقِيَاسِ الْجُوعِ وَنَحْوِهِ» مِنْ مَوَانِعِ كَمَالِ الْفِكْرِ، فِي مَنْعِ الْحَاكِمِ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَضَبِ، لِمَنْعِهِمَا مِنْ كَمَالِ الْفِكْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام: لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانٌ. وَكَقِيَاسِ «الزَّيْتِ عَلَى السَّمْنِ فِي التَّنْجِيسِ» ، بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، «بِجَامِعِ السِّرَايَةِ» ، عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي سَمْنٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ: إِنْ كَانَ مَائِعًا ; فَلَا تَقْرَبُوهُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا ; فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوهُ.

ص: 717

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَكَذَلِكَ هَهُنَا أَرْكَانُ الْقِيَاسِ الْأَرْبَعَةِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ:

الْأَصْلُ: وَهُوَ تَحْرِيمُ التَّأْفِيفِ.

وَالْفَرْعُ: وَهُوَ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ.

وَالْعِلَّةُ: وَهُوَ تَعْظِيمُ الْوَالِدَيْنِ.

وَالْحُكْمُ: وَهُوَ التَّحْرِيمُ.

فَلْيَكُنْ قِيَاسًا، لِاجْتِمَاعِ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: «قَالُوا» ، إِلَى آخِرِهِ، يَعْنِي الْمَانِعِينَ، لِكَوْنِهِ قِيَاسًا، احْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، «قَاطِعٌ يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ بِلَا تَأَمُّلٍ» ; فَلَا يَكُونُ قِيَاسًا، إِذْ لَابُدَّ فِي الْقِيَاسِ مِنَ التَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ، فِي تَحْقِيقِ أَرْكَانِهِ، وَلَا كَذَلِكَ

ص: 718

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هَذَا، فَإِنَّ السَّامِعَ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الْإِسْرَاءِ: 23] ، يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِهِ النَّهْيُ عَنِ الضَّرْبِ بِلَا تَأَمُّلٍ.

قَوْلُهُ: «قُلْنَا: قِيَاسٌ جَلِيٌّ» ، أَيْ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَاطِعًا، يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ بِلَا تَأَمُّلٍ، أَنْ لَا يَكُونَ قِيَاسًا، بَلْ هُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْنِ مَمْنُوعَتَيْنِ، وَهُوَ أَنْ تَقُولُوا: قَاطِعٌ يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ بِلَا تَأَمُّلٍ، وَكُلُّ قَاطِعٍ يَسْبِقُ بِلَا تَأَمُّلٍ لَا يَكُونُ قِيَاسًا، وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ. أَوْ تَقُولُوا: وَالْقِيَاسُ لَابُدَّ فِيهِ مِنْ تَأَمُّلٍ ; فَهُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا.

وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ ; إِمَّا أَضْعَفُ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، أَوْ مُسَاوٍ لَهُ.

وَرَجَّحَ الْآمِدِيُّ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، بَلْ مُسْتَنَدُهُ إِلَى فَحْوَى الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ، لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَأْكِيدِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ ; لِأَنَّهُ أَدَلُّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالْحُكْمِ فِيهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: فُلَانٌ يَأْسَفُ بِشَمِّ رَائِحَةِ مَطْبَخِهِ، أَبْلَغُ عِنْدَهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: فُلَانٌ لَا يَقْرِي الضَّيْفَ. وَقَوْلَهُمْ: فَرَسُكَ لَا يَلْحَقُ غُبَارَ فَرَسِي، أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَسُكَ لَا يَسْبِقُ، أَوْ لَا

ص: 719

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَلْحَقُ فَرَسِي.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ هَذَا الْمَفْهُومِ فَهْمُ الْمَعْنَى فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَكَوْنُهُ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ، وَلَوْ كَانَ قِيَاسًا، لَمَا اشْتُرِطَ هَذَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ فِيهِ.

قُلْتُ: دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مُتَجَاذَبٌ، وَكَأَنَّ مَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ أَرْجَحُ.

قَوْلُهُ: «وَنَحْوُهُ» ، أَيْ: وَنَحْوُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُمْ: «رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ ; فَالْكَافِرُ أَوْلَى» ، بِرَدِّ الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّ «الْكُفْرَ فِسْقٌ وَزِيَادَةٌ، وَقَتْلُ الْخَطَأِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ فَالْعَمْدُ أَوْلَى» ، بِوُجُوبِهَا، لِاخْتِصَاصِهِ بِالْإِثْمِ، وَوُجُوبِ الْقَوَدِ، فَإِنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا: إِذَا حُرِّمَ التَّأْفِيفُ ; فَالضَّرْبُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: «لَكِنَّهُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: إِنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ يَنْقَسِمُ إِلَى قَاطِعٍ، كَآيَةِ التَّأْفِيفِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنْ نَظَائِرِهَا، وَإِلَى ظَنِّيٍّ غَيْرِ قَاطِعٍ، كَرَدِّ شَهَادَةِ الْكَافِرِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ ; لِأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَدْلًا فِي دِينِهِ ; فَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إِنَّ الْكَافِرَ الْعَدْلَ فِي دِينِهِ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ، فَإِنَّ مُسْتَنَدَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ الْعَدَالَةُ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ ; فَهُوَ فِي مَظِنَّةِ الْكَذِبِ، إِذْ لَا وَازِعَ لَهُ عَنْهُ كَالرِّوَايَةِ وَأَوْلَى، وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْعَمْدِ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمُسْقِطٍ لِلْكَفَّارَةِ مُنَاسِبٍ لِإِسْقَاطِهَا، كَمَا قُلْنَا فِي يَمِينِ الْغَمُوسِ:

ص: 720

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَا كَفَّارَةَ فِيهَا ; لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ إِلَّا بِالنَّارِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ غَمُوسًا ; لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ فِيهَا، كَذَلِكَ يُقَالُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ: هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفَّرَ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} إِلَى قَوْلِهِ: {عَظِيمًا} [النِّسَاءِ: 93] ، وَلِهَذَا حَكَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِخُلُودِ قَاتِلِ الْعَمْدِ فِي النَّارِ، وَأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ ; لِأَنَّ الْوَعِيدَ تَكَاثَفَ فِيهَا، بِخِلَافِ قَتْلِ الْخَطَأِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ مَرْفُوعٌ كَمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ عَلَى فَاعِلِهِ لَائِمَةٌ، إِلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّزْ عَنِ السَّبَبِ الْمُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ ; فَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ رَفْعًا لِتِلْكَ اللَّائِمَةِ ; لِأَنَّهَا لَطِيفَةٌ يَسِيرَةٌ، تَقْوَى الْكَفَّارَةُ عَلَى رَفْعِهَا.

قَوْلُهُ: «وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ «رُدَّ» ، أَيْ: إِنَّ

ص: 721

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هَذَا الْمَفْهُومَ إِمَّا قَاطِعٌ كَآيَةِ التَّأْفِيفِ، أَوْ ظَنِّيٌّ، ثُمَّ الظَّنِّيُّ: إِمَّا صَحِيحٌ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، كَرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَمَا ذُكِرَ، أَوْ فَاسِدٌ كَقَوْلِهِمْ:«إِذَا جَازَ السَّلَمُ مُؤَجَّلًا» ; فَهُوَ «حَالًا أَجْوَزُ ; لِبُعْدِهِ مِنَ الْغَرَرِ» ، إِذِ الْمُؤَجَّلُ عَلَى غَرَرٍ، هَلْ يَحْصُلُ أَوْ لَا يَحْصُلُ؟ وَالْحَالُّ مُتَحَقِّقُ الْحُصُولِ فِي الْحَالِ ; فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، لَكِنَّ هَذَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الْعُقُودِ مَانِعٌ مِنَ الصِّحَّةِ، لَا مُقْتَضٍ لَهَا، وَالْحُكْمُ إِنَّمَا يَثْبُتُ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَمُصَحِّحِهِ، لَا لِانْتِفَاءِ مَانِعِهِ، إِذْ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَانِعَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ عَدِمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ، وَالْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ السِّلْمِ هُوَ الِارْتِفَاقُ بِالْأَجَلِ، عَلَى مَا قُرِّرَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، كَالْأَجَلِ فِي الْكِتَابَةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ، وَالْغَرَرُ مَانِعٌ لَهُ، لَكِنَّهُ احْتُمِلَ فِي الْمُؤَجَّلِ، رُخْصَةً وَتَحْقِيقًا لِلْمُقْتَضَى، وَهُوَ الِارْتِفَاقُ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 722

الرَّابِعُ: دَلَالَةُ تَخْصِيصِ شَيْءٍ بِحُكْمٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ نَحْوَ:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} ، {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ، {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} ، «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» ، وَهُوَ حُجَّةٌ إِلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ.

لَنَا: تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا مَعَ اسْتِوَائِهِمَا عِيٌّ، إِذْ هُوَ عُدُولٌ عَنِ الْأَخْصَرِ وَتَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَإِبْطَالٌ لِفَائِدَةِ التَّخْصِيصِ.

قَالُوا: فَائِدَتُهُ تَوْسِعَةُ مَجَارِي الِاجْتِهَادِ لِنَيْلِ فَضِيلَتِهِ وَتَأْكِيدُ حُكْمِ الْمَخْصُوصِ بِالذِّكْرِ، لِشِدَّةِ مُنَاسَبَتِهِ، أَوْ سَبَبِيَّتِهِ، أَوْ وُقُوعِ السُّؤَالِ عَنْهُ، أَوِ احْتِيَاطًا لَهُ لِئَلَّا يُخْرِجَهُ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ عَنِ الْحُكْمِ وَنَحْوِهِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِمَا ذَكَرْتُمْ.

قُلْنَا: جَعْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِهِ تَكْثِيرًا لَهَا - أَوْلَى، وَأَيْضًا إِجْمَاعُ الْفُصَحَاءِ وَالْعُقَلَاءِ عَلَى فَهْمِ مَا ذَكَرْنَاهُ، كَقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ: مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ؟ وَقَوْلِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: مَا لَنَا نَقْصُرُ، وَقَدْ أَمِنَّا؟ وَوَافَقَهُ عُمَرُ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ:«لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبَرَانِسَ» ، يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ جَوَابًا.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ إِذَا نَامَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وَإِذَا أَكَلَ حَرَّكَ فَكَّيِهِ - لَسَخِرَ كُلُّ عَاقِلٍ مِنْهُ وَضَحِكَ عَلَيْهِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: الشَّافِعِيَّةُ أَوِ الْحَنَابِلَةُ فُضَلَاءُ، أَوْ عُلَمَاءُ، أَوْ زُهَّادٌ - لَاغْتَاظَ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ اللَّفْظِيِّ عَلَى التَّخْصِيصِ الْمَعْنَوِيِّ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 723