المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فروع تتعلق بشروط الاستثناء - شرح مختصر الروضة - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْكِتَابُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌ التَّوَاتُرُ

- ‌ الْآحَادُ

- ‌ السَّمَاعِ

- ‌ الْإِجَازَةُ

- ‌إِنْكَارُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي رِوَايَةِ الْفَرْعِ لَهُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا مَقْبُولَةٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ»

- ‌ مُرْسَلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ

- ‌فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى

- ‌فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ»

-

- ‌الْقَوْلُ فِي النَّسْخِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ

- ‌لَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ

- ‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

- ‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ»

- ‌مَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ:

- ‌الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي

- ‌«الْأَمْرُ:

- ‌ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الثَّالِثَةُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الرَّابِعَةُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ

- ‌أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ: «السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمْرُ لِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

- ‌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ

- ‌فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ»

- ‌النَّهْيُ

- ‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

- ‌الْعَامُّ

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ

- ‌«أَدَوَاتُ الشَّرْطِ»

- ‌ كُلُّ وَجَمِيعُ

- ‌«النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْأَمْرِ»

- ‌ الْعَامُّ الْكَامِلُ»

- ‌ أَقَلُّ الْجَمْعِ

- ‌ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ

- ‌ الْخِطَابُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ

- ‌الْخَاصُّ

- ‌الْمُخَصِّصَاتُ»

- ‌الْخَامِسُ: الْمَفْهُومُ

- ‌ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ

- ‌الِاسْتِثْنَاءُ

- ‌ تَعْرِيفِهِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ

- ‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌الشَّرْطُ

- ‌ الْغَايَةُ»

- ‌الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ

- ‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

- ‌الْمُجْمَلُ

- ‌حُكْمُ الْمُجْمَلِ

- ‌الْمُبَيَّنُ

- ‌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ

- ‌كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ

- ‌الْبَيَانُ الْفِعْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِيِّ»

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ

- ‌خَاتِمَةٌفَحْوَى اللَّفْظِ:

- ‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ»

- ‌ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

- ‌ دَرَجَاتُ دَلِيلِ الْخِطَابِ

- ‌ مَفْهُومَ الْغَايَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

- ‌ تَخْصِيصُ وَصْفٍ غَيْرِ قَارٍّ بِالْحُكْمِ

- ‌ مَفْهُومُ الْعَدَدِ

- ‌ مَفْهُومُ اللَّقَبِ

الفصل: ‌ فروع تتعلق بشروط الاستثناء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ اسْتِثْنَاءٍ. وَمَحَلُّ النِّزَاعِ مَشْرُوطٌ بِالتَّصْرِيحِ بِصِيغَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْعَدَدِ عَلَى أَنَّ ابْنَ فَضَّالٍ النَّحْوِيِّ قَالَ: هَذَا بَيْتٌ مَصْنُوعٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الْعَرَبِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ: أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّتُهُ ; فَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ أَنَّ التَّخْصِيصَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ ; فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ الْأَكْثَرِ بِلَفْظٍ مُسْتَقِلٍّ قَوِيٍّ جَوَازُ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ بِلَفْظٍ ضَعِيفٍ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ، ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَافِعٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إِخْرَاجٌ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ ; فَإِنَّهُ مُبِيِّنٌ لَا رَافِعٌ ; فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقِيَاسُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

-‌

‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

الْمَذْكُورَةِ:

- أَحَدُهَا: أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ الْمُعْتَادُ فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِسَكْتَةٍ بِنَفَسٍ، أَوْ عَارِضِ سُؤَالٍ أَوْ شَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ ضَرُورِيَّةٌ، وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ تَكْمِيلِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.

وَصُورَتُهُ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً ; يَنْوِي اسْتِثْنَاءَ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ

ص: 603

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَرَاغِهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا دِرْهَمًا ; يَنْوِي اسْتِثْنَاءَ الدِّرْهَمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: عَشَرَةٌ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ، كَانَ جَازِمًا بِوُقُوعِ الْمُسْتَثْنَى وُقُوعًا مُسْتَقِرًّا ; فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ رُجُوعًا مَحْضًا عَمَّا أَوْقَعَهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا نَوَاهُ قَبْلَ تَكْمِيلِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ; فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْعًا لِدُخُولِهِ، وَرَفْعًا لَهُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ، كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

الْفَرْعُ الثَّانِي: قَدْ بَيَّنَّا مَا يَصِحُّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَمَا يَبْطُلُ وَثَبَتَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} ، {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الْحِجْرِ: 58: 60] ، وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا خَمْسَةً إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا دِرْهَمَيْنِ إِلَّا دِرْهَمًا.

فَإِذَا تَخَلَّلَ الِاسْتِثْنَاءَاتِ اسْتِثْنَاءٌ بَاطِلٌ ; فَهَلْ يُلْغَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ الْبَاطِلُ وَمَا بَعْدَهُ ; أَوْ يُلْغَى وَحْدَهُ وَيُرْجَعُ مَا بَعْدَهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ ; أَوْ يُنْظَرُ إِلَى مَا تَئُولُ إِلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

وَلْنَضْرِبْ أَمْثِلَةً بِأَنْوَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ الْبَاطِلِ، وَهِيَ الْمُسْتَغْرِقُ بِاتِّفَاقٍ، وَالْأَكْثَرُ وَالنِّصْفُ عَلَى الْخِلَافِ.

مِثَالُ الْمُسْتَغْرِقِ: قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا عَشَرَةً إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا وَاحِدًا.

فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ: إِلَّا عَشَرَةً ; لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُسْتَغْرِقٌ بَاطِلٌ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ: إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ بَاطِلٍ.

وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يَلْغُو الْمُسْتَغْرِقُ وَحْدَهُ تَخْصِيصًا لِلْبُطْلَانِ بِهِ

ص: 604

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِاخْتِصَاصِهِ بِسَبَبِهِ ; وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقُ، وَيَصِيرُ نَظْمُ الْكَلَامِ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا وَاحِدًا ; فَيَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ، سَيَأْتِي بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: يُنْظَرُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ الْبَاطِلِ مِنْهَا وَالصَّحِيحِ ; فَيَلْزَمُهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ثَلَاثَةٌ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

مِثَالُ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ: قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعًا إِلَّا وَاحِدًا، فَإِنْ أَبْطَلْنَا اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ:

فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، وَيَلْغُو اسْتِثْنَاءُ التِّسْعَةِ وَمَا بَعْدَهُ.

وَعَلَى الثَّانِي: يَلْغُو اسْتِثْنَاءُ التِّسْعَةِ وَحْدَهُ ; فَيَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ.

وَعَلَى الثَّالِثِ: يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ.

وَإِنْ صَحَّحْنَا اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ، لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ كَالْوَجْهِ الثَّالِثِ عَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِهِ.

مِثَالُ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ: قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ إِلَّا خَمْسَةً إِلَّا اثْنَيْنِ إِلَّا وَاحِدًا، فَإِنْ أَبْطَلْنَا اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ لَزِمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ عَشَرَةٌ وَعَلَى الثَّانِي تِسْعَةٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ سِتَّةٌ، وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، لَزِمَهُ سِتَّةٌ أَيْضًا، كَالْوَجْهِ الثَّالِثِ عَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِهِ.

وَقَدْ تَتَرَكَّبُ الِاسْتِثْنَاءَاتُ بِأَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ وَالْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا عَشَرَةً إِلَّا ثَمَانِيَةً إِلَّا أَرْبَعَةً، فَإِنْ أَلْغَيْنَا الثَّلَاثَةَ، لَزِمَهُ

ص: 605

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هَاهُنَا عَشَرَةٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَلْغَيْنَا الْمُسْتَغْرِقَ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَلْغَيْنَا الْمُسْتَغْرِقَ وَحْدَهُ، لَزِمَهُ سِتَّةٌ، وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى مَا يَئُولُ إِلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ، لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ أَلْغَيْنَا الْمُسْتَغْرِقَ وَالْأَكْثَرَ فَقَطْ، وَصَحَّحْنَا النِّصْفَ ; فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي سِتَّةٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ أَلْغَيْنَا الْمُسْتَغْرِقَ وَالنِّصْفَ، وَصَحَّحْنَا الْأَكْثَرَ، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْقِيَاسِ، لَكِنَّا فَرَضْنَاهُ تَصْوِيرًا ; فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي اثْنَانِ، وَعَلَى الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَبَقَ. وَالطَّرِيقُ الْعَامُّ فِي اسْتِخْرَاجِ الْبَاقِي عِنْدَ تَكَرُّرِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ.

فَنَقُولُ: فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ صُوَرِ هَذَا الْفَرْعِ، وَهِيَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا عَشَرَةً إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا وَاحِدًا، أَثْبَتَ عَشَرَةً ثُمَّ نَفَاهَا، ثُمَّ أَثْبَتَ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَنْفِيَّةِ أَرْبَعَةً، ثُمَّ نَفَى مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْمُثْبَتَةِ وَاحِدًا ; فَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ، لَكِنْ عِنْدَ كَثْرَةِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ يَصْعُبُ سُلُوكُ هَذَا الطَّرِيقِ، وَيَشُقُّ ضَبْطُهُ ; فَلَكَ فِيهِ طَرِيقَانِ سَهْلَانِ جِدًّا:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَأْخُذَ شَفْعَ الْأَعْدَادِ وَوِتْرَهَا، وَتَعْرِفَ مِقْدَارَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَتُلْقِيَ أَقَلَّهَا مِنْ أَكْثَرِهَا ; فَمَا بَقِيَ ; فَهُوَ الْجَوَابُ.

وَضَبْطُ هَذَا بِالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الِاسْتِثْنَاءَاتِ اسْتِثْنَاءٌ مُسْتَغْرِقٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا اسْتِثْنَاءٌ مُسْتَغْرِقٌ كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ; فَضَبْطُهُ أَنْ تَأْخُذَ

ص: 606

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْأَعْدَادَ الْمُثْبَتَةَ ; فَتَعْرِفَ جُمْلَتَهَا، ثُمَّ الْمَنْفِيَّةَ كَذَلِكَ، ثُمَّ تُلْقِي أَقَلَّهَا مِنْ أَكْثَرِهَا ; فَالْبَاقِي هُوَ الْجَوَابُ.

وَيُعْرَفُ الْعَدَدُ الْمُثْبَتُ مِنَ الْمَنْفِيِّ بِأَنْ تَبْتَدِئَ بِالْأَوَّلِ، ثُمَّ تَأْخُذَ الْعَدَدَ الثَّانِيَ مِنْهُ، لَا الَّذِي بَعْدَهُ يَلِيهِ، ثُمَّ الثَّانِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ، كَذَلِكَ، حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ.

مِثَالُهُ: فِي قَوْلِنَا: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا عَشَرَةً إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا وَاحِدًا، أَنْ تَأْخُذَ الْعَشَرَةَ وَالْأَرْبَعَةَ ; فَهُمَا شَفْعَانِ مُثْبَتَانِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَتَأْخُذُ الْعَشَرَةَ الثَّانِيَةَ وَالْوَاحِدَ، وَهُمَا مَنْفِيَّانِ، وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ ; فَتُلْقِيَهَا مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ، يَبْقَى ثَلَاثَةٌ كَمَا سَبَقَ.

وَلَوِ اعْتَبَرْتَهُ هَاهُنَا بِالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ، لَمْ يَصِحَّ إِذْ لَيْسَ مَعَكَ وِتْرٌ إِلَّا الْوَاحِدَ، وَالشَّفْعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، تُلْقِي مِنْهَا الْوَاحِدَ، يَبْقَى ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ لِأَنَّهُ شَفْعٌ بَعْدَ شَفْعٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ وِتْرًا بَعْدَ وِتْرٍ، نَحْوَ: تِسْعَةٌ إِلَّا تِسْعَةً إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا وَاحِدًا ; فَبِطَرِيقِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، تَأْخُذُ التِّسْعَةَ الْأُولَى وَالْأَرْبَعَةَ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالتِّسْعَةَ الثَّانِيَةَ وَالْوَاحِدَ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ، تُلْقِيهَا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، وَبِطَرِيقِ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ تَحْتَاجُ أَنْ تُلْقِيَ الْأَرْبَعَةَ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ، يَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلَيْسَ بِالصَّوَابِ.

فَبِالْجُمْلَةِ طَرِيقُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَعَمُّ، وَهِيَ الْأَصْلُ، وَطَرِيقُ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ تَصِحُّ لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ غَالِبًا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ اسْتِثْنَاءٌ مُسْتَغْرِقٌ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُسَاوِيًا لِمَا قَبْلَهُ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ ; فَيَخْتَلُّ الْعَمَلُ.

ص: 607

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ تُلْقِيَ آخِرَ الِاسْتِثْنَاءَاتِ مِمَّا قَبْلَهُ، ثُمَّ الْبَاقِيَ مِنْهُ مِمَّا قَبْلَهُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ تَصِلَ إِلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوَّلًا ; فَمَا بَقِيَ ; فَهُوَ الْجَوَابُ.

وَلْنَضْرِبْ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً، وَنَسْتَخْرِجْهَا بِالطَّرِيقَيْنِ تَحْصِيلًا لِضَرْبٍ مِنَ الدُّرْبَةِ: فَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً إِلَّا ثَمَانِيَةً إِلَّا سَبْعَةً إِلَّا سِتَّةً إِلَّا خَمْسَةً إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا اثْنَيْنِ إِلَّا وَاحِدًا ; فَبِطَرِيقِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، أَوِ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ، تَأْخُذُ الْعَشَرَةَ وَالثَّمَانِيَةَ وَالسِّتَّةَ وَالْأَرْبَعَةَ وَالِاثْنَيْنِ، وَهِيَ الْأَعْدَادُ الشَّفْعُ الْمُثْبَتَةُ، وَجُمْلَتُهَا ثَلَاثُونَ، وَتَأْخُذُ التِّسْعَةَ وَالسَّبْعَةَ وَالْخَمْسَةَ وَالثَّلَاثَةَ وَالْوَاحِدَ، وَهِيَ الْأَعْدَادُ الْوِتْرُ الْمَنْفِيَّةُ، وَجُمْلَتُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، تُلْقِيهَا مِنَ الثَّلَاثِينَ، يَبْقَى خَمْسَةٌ وَهُوَ الْجَوَابُ.

وَبِطَرِيقِ التَّرَقِّي مِنْ آخِرِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ إِلَى أَوَّلِهَا ; تُلْقِي الْوَاحِدَ مِنْ الِاثْنَيْنِ، يَبْقَى وَاحِدٌ، تُلْقِيهِ مِنَ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ يَبْقَى اثْنَانِ، تُلْقِيهِمَا مِنَ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُمَا، يَبْقَى اثْنَانِ، تُلْقِيهُمَا مِنَ الْخَمْسَةِ، يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، تُلْقِيهَا مِنَ السِّتَّةِ، تَبْقَى ثَلَاثَةٌ، تُلْقِيهَا مِنَ السَّبْعَةِ، يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، تُلْقِيهَا مِنَ الثَّمَانِيَةِ، يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، تُلْقِيهَا مِنَ التِّسْعَةِ، يَبْقَى خَمْسَةٌ، تُلْقِيهَا مِنَ الْعَشَرَةِ، يَبْقَى خَمْسَةٌ، كَالْجَوَابِ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ.

ص: 608

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا سَبْعَةً إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا وَاحِدًا ; فَبِطَرِيقِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، خُذِ الْعَشَرَةَ وَالْأَرْبَعَةَ تَكُنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَخُذِ السَّبْعَةَ وَالْوَاحِدَ تَكُنْ ثَمَانِيَةً، أَسْقِطْهَا مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، يَبْقَ سِتَّةٌ.

وَبِالطَّرِيقِ الْآخَرِ: أَسْقِطِ الْوَاحِدَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ، يَبْقَ ثَلَاثَةٌ، أَسْقِطْهَا مِنَ السَّبْعَةِ قَبْلَهَا، يَبْقَ أَرْبَعَةٌ، أَسْقِطْهَا مِنَ الْعَشَرَةِ، يَبْقَ سِتَّةٌ، كَالْجَوَابِ الْأَوَّلِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَمَانِيَةً إِلَّا خَمْسَةً إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا وَاحِدًا ; فَبِطَرِيقِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ خُذِ الْعَشَرَةَ وَالْخَمْسَةَ وَالْوَاحِدَ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَخُذِ الثَّمَانِيَةَ وَالثَّلَاثَةَ تَكُنْ أَحَدَ عَشَرَ، أَسْقِطْهَا مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ، يَبْقَ خَمْسَةٌ.

وَبِالطَّرِيقِ الْآخَرِ: أَسْقِطِ الْوَاحِدَ مِنَ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، يَبْقَ اثْنَانِ، أَسْقِطْهُمَا مِنَ الْخَمْسَةِ، يَبْقَ ثَلَاثَةٌ أَسْقِطْهَا مِنَ الثَّمَانِيَةِ، يَبْقَ خَمْسَةٌ، أَسْقِطْهَا مِنَ الْعَشَرَةِ، يَبْقَ خَمْسَةٌ، كَالْجَوَابِ الْأَوَّلِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا سَبْعَةً إِلَّا سِتَّةً إِلَّا خَمْسَةً إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا اثْنَيْنِ إِلَّا وَاحِدًا ; فَبِطَرِيقِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، اجْمَعِ الْعَشَرَةَ وَالسِّتَّةَ وَالْأَرْبَعَةَ وَالْوَاحِدَ يَكُنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَاجْمَعِ السَّبْعَةَ وَالْخَمْسَةَ وَالِاثْنَيْنِ يَكُنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، أَسْقِطْهَا مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ، يَبْقَ سَبْعَةٌ.

وَبِالطَّرِيقِ الْآخَرِ: أَلْقِ وَاحِدًا مِنَ اثْنَيْنِ، يَبْقَ وَاحِدًا، أَلْقِهِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ، يَبْقَ ثَلَاثَةٌ، أَلْقِهَا مِنَ الْخَمْسَةِ قَبْلَهَا، يَبْقَ اثْنَانِ، أَلْقِهِمَا مِنَ السِّتَّةِ، يَبْقَ

ص: 609

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَرْبَعَةٌ، أَلْقِهَا مِنَ السَّبْعَةِ، يَبْقَ ثَلَاثَةٌ، أَلْقِهَا مِنَ الْعَشَرَةِ، يَبْقَ سَبْعَةٌ كَالْجَوَابِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْبَابِ.

الْفَرْعُ الثَّالِثِ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إِلَّا وَاحِدَةً، أَوِ اثْنَتَيْنِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا ; فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُسْتَغْرِقٌ بَاطِلٌ. وَإِنْ قَالَ: طَلْقَتَيْنِ إِلَّا طَلْقَةً، خَرَجَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ، وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ، خَرَجَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ قَالَ: طَلْقَةً إِلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ ثَلَاثًا إِلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا، احْتَمَلَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَقَعَ فِي الْأُولَى وَاحِدَةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي إِيقَاعِهِ وَلَا فِي رَفْعِهِ.

وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إِلَّا ثَلَاثَةً ; فَهَلْ تُطَلَّقُ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُمَا أَنَّهُ إِذَا أَوْقَعَ مِنَ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ ; فَهَلْ يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى مَا يَمْلِكُهُ ; فَيَكُونُ هَاهُنَا مُسْتَغْرِقًا بَاطِلًا ; فَتَقَعُ الثَّلَاثُ، أَوْ إِلَى مَا أَوْقَعَهُ وَهُوَ هَاهُنَا خَمْسٌ اسْتَثْنَى مِنْهَا ثَلَاثًا يَبْقَى اثْنَتَانِ؟ وَعَلَى هَذَا، لَوْ قَالَ: أَرْبَعٌ إِلَّا وَاحِدَةً، هَلْ يَقَعُ ثَلَاثٌ أَوِ اثْنَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَرْبَعٌ إِلَّا ثَلَاثًا، هَلْ يَقَعُ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ؟ وَالْأَشْبَهُ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى مَا يَمْلِكُهُ فَقَطْ ; لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ إِيقَاعَهُ، وَصِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِيقَاعِ، وَالنِّزَاعُ هَاهُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُلَاحَظَةِ الْحُكْمِ تَارَةً وَاللَّفْظِ أُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ص: 610

وَإِذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّورِ: 4]، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النُّورِ: 5]، وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُجْلَسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» . عَادَ إِلَى الْكُلِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَإِلَى الْأَخِيرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَتَوَقَّفَ الْمُرْتَضَى تَوَقُّفًا اشْتِرَاكِيًّا، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ تَوَقُّفًا عَارِضِيًّا.

لَنَا: الْعَطْفُ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْجُمَلِ مَعْنًى ; فَعَادَ إِلَى الْكُلِّ، كَمَا لَوِ اتَّحَدَ لَفْظًا، وَلِأَنَّ تَكْرِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِيبَ كُلِّ جُمْلَةٍ عِيٌّ قَبِيحٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ ; فَمُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ الْعَوْدُ إِلَى الْكُلِّ، وَلِأَنَّ الشَّرْطَ يَعُودُ إِلَى الْكُلِّ نَحْوَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا ; فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ بِجَامِعِ افْتِقَارِهِمَا إِلَى مُتَعَلِّقٍ، وَلِهَذَا يُسَمَّى التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِثْنَاءً، لَا يُقَالُ: رُتْبَةُ الشَّرْطِ التَّقْدِيمُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّا نَقُولُ عَقْلًا لَا لُغَةً. ثُمَّ الْكَلَامُ فِيمَا إِذَا تَأَخَّرَ وَلَا فَرْقَ ; ثُمَّ يَلْزَمُكُمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأَوْلَى فَقَطْ مُطْلَقًا، أَوْ إِذَا تَقَدَّمَ وَهُوَ بَاطِلٌ.

قَالُوا: تَفَاصَلَتِ الْجُمَلُ بِالْعَاطِفِ، أَشْبَهَ الْفَصْلَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَتَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ ضَرُورِيٌّ ; فَانْدَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْمُرَجِّحُ الْقُرْبُ كَإِعْمَالِ أَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ، وَعَوْدُهُ إِلَى الْكُلِّ مَشْكُوكٌ ; فَلَا يُرْفَعُ الْعُمُومُ الْمُتَيَقَّنُ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَطْفَ بِوَاوِ الْجَمْعِ يُوجِبُ اتِّحَادًا مَعْنَوِيًّا، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ التَّفَاصُلِ اللَّفْظِيِّ. وَتَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا قَبْلَهُ لِصَلَاحِيَتِهِ لَهُ لَا ضَرُورَةً. وَإِعْمَالُ أَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ بَصَرِيٌّ مُعَارَضٌ بِعَكْسِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. وَتَيَقُّنُ الْعُمُومِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَلَامِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِالِاسْتِثْنَاءِ.

الْمُرْتَضَى: اسْتُعْمِلَ فِي اللُّغَةِ عَائِدًا إِلَى الْكُلِّ، وَإِلَى الْبَعْضِ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ، وَقِيَاسًا عَلَى الْحَالِ وَالظَّرْفَيْنِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 611

الْقَاضِي: تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ فَيُطْلَبُ الْمُرَجِّحُ الْخَارِجِيُّ.

ــ

قَوْلُهُ: وَإِذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا «، أَيْ: وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَقِيبَ جُمَلٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النُّورِ: 4، 5] ،» وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» . عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ «إِلَى الْكُلِّ» ، أَيْ: إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهُ؛ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ عَوْدِهِ إِلَى بَعْضِهَا «عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ» ، «وَإِلَى» الْجُمْلَةِ «الْأَخِيرَةِ» خَاصَّةً «عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَتَوَقَّفَ الْمُرْتَضَى» مِنَ الشِّيعَةِ «تَوَقُّفًا اشْتِرَاكِيًّا» ، أَيْ: يَصْلُحُ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ وَإِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ وَالتَّسَاوِي، وَلَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، كَمَا يَصْلُحُ لَفْظُ الْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَلَفْظُ الْعَيْنِ لِمُسَمَّيَاتِهِ. وَتَوَقَّفَ «الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ تَوَقُّفًا عَارِضِيًّا» ، أَيْ: لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ فِي كَوْنِهِ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ، أَوْ يَرْجِعُ إِلَى الْجَمِيعِ، لَا لِكَوْنِهِ صَالِحًا لِلرُّجُوعِ إِلَيْهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ.

وَقَالَ الْآمِدِيُّ: (إِنْ ظَهَرَ) أَنَّ «الْوَاوَ» لِلِابْتِدَاءِ، كَقَوْلِهِ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَالنُّحَاةُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا الْبَغَادِدَةَ، اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ، وَإِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الْعَطْفِ

ص: 612

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالِابْتِدَاءِ ; فَالْوَقْفُ.

قُلْتُ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ قَرِينَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ ; تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا، وَإِلَّا فَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ.

مِثَالُ الْقَرِينَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ قَوْلُهُ: نِسَائِي طَوَالِقُ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَخَيْلِي وَقْفٌ إِلَّا الْحُيَّضَ ; فَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى بِقَرِينَةِ الْحَيْضِ الْمُخْتَصِّ بِالنِّسَاءِ، وَلَوْ قَالَ: إِلَّا الزِّنْجِيِّينَ أَوِ الْهِنْدِيِّينَ، أَوِ الْحُبْشَانَ، اخْتَصَّ بِالثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي الْعُرْفِ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَبِيدِ، وَلَوْ قَالَ: إِلَّا الدُّهْمَ أَوِ الْعِرَابَ، اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ ; لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتُ الْخَيْلِ عُرْفًا.

وَمِثَالُ اللَّفْظِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ ظُهُورِ الِابْتِدَاءِ فِي الْوَاوِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ.

قَوْلُهُ: «لَنَا: الْعَطْفُ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْجُمَلِ» إِلَى آخِرِهِ.

هَذَا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ، وَهُوَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْجُمَلِ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ ; فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَعَقِّبُ لَهَا عَائِدًا إِلَى جَمِيعِهَا، كَمَا لَوِ اتَّحَدَتْ لَفْظًا إِذْ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ قَوْلِهِ: اضْرِبْ مَنْ قَتَلَ وَسَرَقَ إِلَّا مَنْ تَابَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: اضْرِبِ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ هُمْ قَتَلَةٌ وَسُرَّاقٌ إِلَّا مَنْ تَابَ ; فَكَمَا يَرْجِعُ

ص: 613

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الِاسْتِثْنَاءُ هَاهُنَا إِلَى الْجَمِيعِ ; فَكَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الَّذِي قَبْلَهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «تَكْرِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِيبَ كُلِّ جُمْلَةٍ عِيٌّ قَبِيحٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ» ، إِذْ لَا يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْفُصَحَاءِ أَنْ يُقَالَ: فَاجْلِدُوهُمْ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا، وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا.

وَحَيْثُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ; فَمُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ أَنْ يَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى الْكُلِّ لِصَلَاحِيَتِهِ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُقَبَّحِ التَّكْرَارُ الْمَذْكُورُ، بَلْ كَانَ يَتَعَيَّنُ فِيمَا إِذَا أُرِيدَ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ يَعُودُ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ قَبْلَهُ، «نَحْوَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا» ; فَيَكُونُ تَكْلِيمُهُ زَيْدًا شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ جَمِيعًا ; فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ مِثْلُهُ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا افْتِقَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ; فَالشَّرْطُ يَتَعَلَّقُ بِمَشْرُوطِهِ، وَلَا يَسْتَقِلُّ بِدُونِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِدُونِهِ، «وَلِهَذَا» أَيْ: لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّعَلُّقِ، وَعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ «يُسَمَّى التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِثْنَاءً» كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ، وَالْإِيمَانِ، وَالطَّلَاقِ، نَحْوِ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ هَذَا الِاشْتِرَاكَ الْخَاصَّ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي رُجُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ قَبْلَهُ.

ص: 614

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

- قَوْلُهُ: «لَا يُقَالُ: رُتْبَةُ الشَّرْطِ التَّقْدِيمُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ» .

هَذَا قَدْحٌ مِنَ الْخَصْمِ فِي قِيَاسِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَىِ الشَّرْطِ فِي رُجُوعِهِ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ، وَذَلِكَ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الشَّرْطُ رُتْبَتُهُ التَّقْدِيمُ حُكْمًا ; لِأَنَّ وَجُودَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ مُقَدَّمًا، نَحْوَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ; فَأَنْتِ طَالِقٌ، لِيُطَابِقَ اللَّفْظُ الْحُكْمَ وَالْوَضْعُ الطَّبْعَ، فَإِذَا تَأَخَّرَ لَفْظُهُ عَنِ الْجُمَلِ، تَعَلَّقَ بِجَمِيعِهَا ; لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي التَّقَدُّمِ ; فَهُوَ وَإِنْ تَأَخَّرَ لَفْظًا ; فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ حُكْمًا ; فَتَعَلَّقَ بِمَا يَلِيهِ مِنْ جِهَةِ لَفْظِهِ، وَبِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ.

وَشَبِيهٌ بِذَلِكَ مَا يَذْكُرُهُ النَّحْوِيُّونَ فِي تَقْدِيمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، نَحْوُ: ضَرَبَ غُلَامَهُ زِيدٌ، وَضَرَبَ غُلَامُهُ زَيْدًا، حَيْثُ صَحَّتِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ ; فَإِنَّهُ تَابِعٌ مُتَأَخِّرٌ لَفْظًا وَحُكْمًا، لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّقْدِيمِ حَتَّى يَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى رُجُوعِهِ إِلَى أَوَّلِ الْجُمَلِ ; فَبَانَ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ.

- قَوْلُهُ: «لِأَنَّا نَقُولُ عَقْلًا لَا لُغَةً» ، هَذَا جَوَابٌ عَنِ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُهُمْ: رُتْبَةُ الشَّرْطِ التَّقْدِيمُ.

قُلْنَا: فِي الْعَقْلِ لَا فِي اللُّغَةِ، وَكَلَامُنَا فِي بَحْثٍ لُغَوِيٍّ لَا عَقْلِيٍّ، وَلَا يَلْزَمُ

ص: 615

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنْ تَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَلُزُومِ تَقَدُّمِهِ عَقْلًا أَنْ لَا يُسَاوِيَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إِذَا تَأَخَّرَ الشَّرْطُ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْجُمَلِ، وَمَا ذُكِرَ مِنَ اسْتِحْقَاقِهِ التَّقَدُّمَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ لَا اعْتِبَارَ بِهِ هَاهُنَا ; فَلَا فَرْقَ إِذَنْ بَيْنَ قَوْلِهِ: نِسَائِي طَوَالِقُ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: نِسَائِي طَوَالِقُ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إِلَّا أَنْ أُكَلِّمَ زَيْدًا.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْفَرْقِ، يَلْزَمُكُمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ الشَّرْطُ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى فَقَطْ ; إِمَّا مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، أَوْ تَأَخَّرَ نَظَرًا إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ التَّقْدِيمَ حُكْمًا، أَوْ إِذَا تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، نَحْوُ: إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا ; فَنِسَائِي طَوَالِقُ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ ; فَيُعْتَقُ عَبِيدُهُ فِي الْحَالِ، وَيَتَوَقَّفُ طَلَاقُ نِسَائِهِ عَلَى تَكْلِيمِهِ زَيْدًا، لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشَّرْطِ لِلتَّقْدِيمِ حُكْمًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي تَعَلُّقِهِمَا بِجَمِيعِ الْجُمَلِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهُمَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

- قَوْلُهُ: «قَالُوا: تَفَاصَلَتِ الْجُمَلُ بِالْعَاطِفِ» ، إِلَى آخِرِهِ.

ص: 616

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هَذِهِ حُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَتَقْرِيرُهَا مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْجُمَلَ تَفَاصَلَتْ بِالْعَاطِفِ، أَيْ: وَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ كُلِّ جُمْلَتَيْنِ مِنْهَا بِحَرْفِ الْعَطْفِ ; فَأَشْبَهَ الْفَصْلَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَلَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، لَمْ يَعُدْ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى الْجَمِيعِ ; فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَعَلُّقَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا قَبْلَهُ ضَرُورِيٌّ، أَيْ: لِضَرُورَةِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ ; فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَعَلُّقِهِ بِغَيْرِهَا لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَالْمُرَجِّحُ لِلْأَخِيرَةِ عَلَى سَائِرِ الْجُمَلِ قُرْبُهَا مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلِلْقُرْبِ تَأْثِيرٌ فِي التَّرْجِيحِ كَإِعْمَالِ أَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، نَحْوُ: ضَرَبْتُ وَضَرَبَنِي زَيْدٌ، وَسَبَبْتُ وَسَبَّنِي بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَ:

جَرَى فَوْقَهَا وَاسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعُمُومَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجُمَلِ مُتَيَقَّنٌ، وَعَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَشْكُوكٌ فِيهِ ; فَلَا يُرْفَعُ الْعُمُومُ الْمُتَيَقَّنُ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا

ص: 617

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَفَعْنَا عُمُومَ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ ضَرُورَةَ تَعَلُّقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِغَيْرِهِ، وَعَدَمَ اسْتِقْلَالِهِ بِدُونِهِ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ دُونَ غَيْرِهَا.

- قَوْلُهُ: «وَأُجِيبَ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا جَوَابٌ عَنِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ:

أَمَّا عَنِ الْأَوَّلِ ; فَقَوْلُهُمْ «تَفَاصَلَتِ الْجُمَلُ بِالْعَاطِفِ أَشْبَهَ الْفَصْلَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ» .

قُلْنَا: «قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَطْفَ بِوَاوِ الْجَمْعِ يُوجِبُ اتِّحَادًا مَعْنَوِيًّا» ، وَلِهَذَا قُدِّرَتِ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ، نَحْوُ: الزَّيْدَانِ وَالزَّيْدُونَ بِالْعَطْفِ، نَحْوُ: قَامَ زَيْدٌ وَزَيْدٌ وَزَيْدٌ، وَشِبْهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: قَامُوا، فَوَاوُ الْعَطْفِ، وَالْجَمْعُ، وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِالْفِعْلِ أَشْبَاهٌ، وَالْمُعْتَبَرُ هَاهُنَا هُوَ الِاتِّحَادُ الْمَعْنَوِيُّ، «دُونَ التَّفَاصُلِ اللَّفْظِيِّ» وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْجُمَلُ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، لِرَبْطِ الْوَاوِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا ; فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَى الْجَمِيعِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي ; فَقَوْلُهُمْ: «تَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ ضَرُورِيٌّ ; فَانْدَفِعْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ» .

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعَلُّقَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا قَبْلَهُ لِلضَّرُورَةِ، بَلْ لِصَلَاحِيَةِ مَا قَبْلَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَسَائِرِ الْجُمَلِ صَالِحٌ لِتَعَلُّقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِبَعْضِهَا مَانِعٌ خَاصٌّ، كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النِّسَاءِ: 92] ; فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى

ص: 618

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدِّيَةِ، لَا إِلَى التَّحْرِيرِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى يَصَّدَّقُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، اخْتَصَّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَمِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ ; فَلَوْ عَادَ إِلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ النَّفْيِ مِنَ النَّفْيِ، أَوِ الْإِثْبَاتِ مِنَ الْإِثْبَاتِ، ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ كَمَا سَبَقَ، وَبِالصِّفَةِ، نَحْوُ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ، وَبَنِي أَسَدٍ الطِّوَالَ ; فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْجُمَلِ، مَعَ أَنَّ ضَرُورَةَ التَّعَلُّقِ تَنْدَفِعُ بِتَعَلُّقِهِ بِالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ.

وَأَمَّا تَرْجِيحُهُمُ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ بِالْقُرْبِ، قِيَاسًا عَلَى إِعْمَالِ أَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ ; فَإِعْمَالُ أَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ بَصْرِيٌّ، أَيْ: هُوَ رَأْيُ الْبَصْرِيِّينَ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِعَكْسِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ ; فَإِنَّهُمْ يُعْمِلُونَ أَبْعَدَ الْعَامِلَيْنِ، لِأَوَّلِيَّتِهِ وَسَبْقِهِ، نَحْوُ: ضَرَبْتُ وَضَرَبَنِي زَيْدًا، وَضَرَبَنِي وَضَرَبْتُ زَيْدٌ، وَيَحْتَجُّونَ بِنَحْوِ قَوْلِهِ:

تُنُخِّلَ فَاسْتَاكَتْ بِهِ عُودُ إِسْحِلِ

وَقَوْلِهِ:

كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ الْمَالِ

ص: 619

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةً أَيَّ إِذْلَالِ

وَهِيَ حُجَجٌ صَحِيحَةٌ فِي الْبَابِ.

وَعَلَى هَذَا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَتَعَلَّقُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى، لِأَوَّلِيَّتِهَا وَسَبْقِهَا ; فَيَتَعَارَضُ الْقَوْلَانِ، وَلَا مُرَجِّحَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ ; فَقَوْلُهُمْ: «عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْكُلِّ مَشْكُوكٌ ; فَلَا يُرْفَعُ الْعُمُومُ الْمُتَيَقَّنُ» .

قُلْنَا: «تَيَقُّنُ الْمَعْلُومِ» فِي الْجُمَلِ ; إِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ حَاصِلٌ قَبْلَ تَمَامِ الْكَلَامِ فَهُوَ «مَمْنُوعٌ» وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ ; فَالْكَلَامُ «إِنَّمَا يَتِمُّ بِالِاسْتِثْنَاءِ» وَبَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، لَا يَبْقَى الْعُمُومُ مُتَيَقَّنًا حَتَّى يَكُونَ رَفْعُهُ بِالشَّكِّ مُمْتَنِعًا، إِلَّا عَلَى قَوْلِكُمْ: إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَيَبْقَى الْعُمُومُ فِيمَا قَبْلَهَا، لَكِنَّ هَذَا يَصِيرُ اسْتِدْلَالًا بِمَحَلِّ النِّزَاعِ ; فَلَا يُسْمَعُ.

ص: 620

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «الْمُرْتَضَى» ، أَيِ: احْتَجَّ الْمُرْتَضَى عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ ; بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَعَقِّبَ لِلْجُمَلِ، اسْتُعْمِلَ فِي اللُّغَةِ عَائِدًا إِلَى الْجَمِيعِ تَارَةً، وَإِلَى الْبَعْضِ أُخْرَى، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ ; فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَالِ وَالظَّرْفَيْنِ: ظَرْفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ; فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا قَائِمًا ; احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَالُ لِجَمِيعِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ لِلْأَخِيرَةِ مِنْهُمْ. وَلَوْ قَالَ: عَلِمْتُ الْمَسِيرَ، وَالْقِتَالَ، وَالصَّوْمَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ، احْتُمِلَ تَعَلُّقِ الظَّرْفِ بِالْمَصَادِرِ الثَّلَاثَةِ، وَاحْتُمِلَ تَعَلُّقُهُ بِالْأَخِيرِ مِنْهَا. وَلَوْ قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا فِي الدَّارِ، احْتُمِلَ تَعَلُّقُ الظَّرْفِ الْمَكَانِيِّ بِهِمْ، أَوْ بِآخِرِهِمْ ; فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي تَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِ الْجُمَلِ أَوْ بِآخِرِهَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَالِ وَالظَّرْفَيْنِ ; كَوْنُهَا مَنْصُوبَاتٍ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهَا، مُفْتَقِرَةً إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ.

- قَوْلُهُ: «الْقَاضِي» ، أَيِ: احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى الْوَقْفِ بِأَنْ قَالَ: «تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ» فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَدْ تَقَرَّرَ، وَمَعَ تَعَارُضِهَا يَمْتَنِعُ الْجَزْمُ بِأَحَدِهَا ; فَيَجِبُ الْوَقْفُ، «وَيُطْلَبُ الْمُرَجِّحُ الْخَارِجِيُّ» عَنِ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

قُلْتُ: وَاعْتَرَضَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُرْتَضَى: بِأَنْ يُقَالَ: اسْتِعْمَالُ الِاسْتِثْنَاءِ رَاجِعًا إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ لِمَانِعٍ، أَوْ مَجَازًا، وَالْحَقِيقَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا تَعَارَضَ الِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ، كَانَ الْمَجَازُ أَوْلَى، وَقِيَاسُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْحَالِ وَالظَّرْفَيْنِ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ ; فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ أَنْ لَوْ كَانَ احْتِمَالُ رُجُوعِ الْحَالِ وَالظَّرْفِ إِلَى الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُوَ

ص: 621

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَمْنُوعٌ، بَلْ رُجُوعُهُ إِلَى الْجَمِيعِ أَظْهَرُ، وَكَذَا نَقُولُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ.

وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي: بِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، بَلْ هُوَ تَعْطِيلٌ لِلْمَذَاهِبِ، وَتَرَدُّدٌ بَيْنِهَا، وَتَحَيُّرٌ فِيهَا، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ ; فَإِنَّمَا يُسَوَّغُ عِنْدَ تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَتَسَاوِيهَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ هَاهُنَا، بَلْ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ ظَاهِرُ الرُّجْحَانِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَرْعٌ: قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النُّورِ: 4، 5]، تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْقَذْفَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: وُجُوبُ الْحَدِّ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، وَثُبُوتُ الْفِسْقِ. فَمَنْ رَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ، قَالَ: الْقَاذِفُ إِذَا تَابَ، تَعُودُ عَدَالَتُهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَسْقُطَ الْجَلْدُ عَنْهُ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ حَقَّ آدَمِيٍّ. وَمَنْ رَدِّ الِاسْتِثْنَاءَ إِلَىَ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله، قَالَ: إِذَا تَابَ الْقَاذِفُ، زَالَ فِسْقُهُ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النُّورِ: 4] ; فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فِي الزَّمَانِ، وَجَعَلَ سَلْبَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ مِنْ عُقُوبَاتِ الْقَذْفِ كَالْجَلْدِ، وَكَمَا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ، كَذَلِكَ رَدُّ الشَّهَادَةِ ; فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَجْلُودَ فِي الْقَذْفِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.

وَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا: أَنْ الْأَحْكَامَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْقَذْفِ:

ص: 622

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنْهَا: مَا لَا تُؤَثِّرُ التَّوْبَةُ فِي رَفْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْجَلْدُ.

وَمِنْهَا: مَا تُؤَثِّرُ فِي رَفْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْفِسْقُ.

وَمِنْهَا: مَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ، هَلْ يَرْتَفِعُ بِهَا أَمْ لَا؟ وَهُوَ رَدُّ الشَّهَادَةِ هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَفَهِمَهُ مِنْهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.

وَالَّذِي يَنْقَدِحُ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ: أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ حُكْمَيْنِ: وُجُوبَ الْحَدِّ، وَثُبُوتَ الْفِسْقِ.

أَمَّا رَدُّ الشَّهَادَةِ ; فَهُوَ مِنْ آثَارِ الْفِسْقِ، وَمُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ الْفِسْقُ، الَّذِي هُوَ الْمُؤَثِّرُ بِالتَّوْبَةِ، زَالَ أَثَرُهُ، الَّذِي هُوَ رَدُّ الشَّهَادَةِ.

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَتَّجِهُ النِّزَاعُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ أَيْضًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إِذَا زَالَتْ، هَلْ يَجِبُ زَوَالُ مَعْلُولِهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ، زَالَ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِزَوَالِ الْفِسْقِ ; فَوَجَبَ قَبُولُهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ، اسْتُصْحِبَ الْحَالُ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَاحْتَاجَ قَبُولُهَا إِلَى دَلِيلٍ طَارِئٍ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ حُكْمَيْنِ: وُجُوبَ الْحَدِّ، وَرَدَّ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْفِسْقِ، وَكَانَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النُّورِ: 4] ، تَأْكِيدٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ بِذِكْرِ مَلْزُومِهِ، وَهُوَ الْفِسْقُ ; فَتَكُونُ الْجُمْلَتَانِ، أَعْنِي رَدَّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقِ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ ; فَيَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ

ص: 623

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إِلَيْهَا إِجْمَاعًا ; فَيَزُولُ رَدُّ الشَّهَادَةِ ; فَيَجِبُ قَبُولُهَا، وَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ وَهُوَ الْفِسْقُ، بِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ وَهُوَ رَدُّ الشَّهَادَةِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْأَصْلِ، قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُجْلَسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ، إِلَّا بِإِذْنِهِ» . فَمَنْ رَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ، قَالَ: الْإِذْنُ شَرْطٌ فِي الْحُكْمَيْنِ، وَهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الرَّجُلِ فِي سُلْطَانِهِ غَيْرُهُ فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ يَجْلِسَ عَلَى تَكْرِمَتِهِ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، وَمَنْ عَلَّقَهُ بِالْأَخِيرَةِ فَقَطْ، قَالَ: الْإِذْنُ يُشْتَرَطُ فِي جُلُوسِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فَقَطْ، أَمَّا تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ ; فَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِهِ، بِإِذْنِهِ أَوْ غَيْرِ إِذْنِهِ، بَلْ يَقِفُ الْأَمْرُ عَلَى دَلِيلٍ خَارِجٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 624