الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَإِنِ اعْتَرَضَ عَلَى الْعُمُومِ دَلِيلٌ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِبَعْضِهِمْ ; فَالْبَعْضُ إِمَّا مُعَيَّنٌ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا ; فَذَلِكَ هُوَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْيِينُ بِاسْمٍ، كَقَوْلِهِ عز وجل:{إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الْحِجْرِ: 58، 59]، وَقَوْلِ الْقَائِلِ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا، أَوْ بِصِفَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزُّخْرُفِ: 67]، وَقَوْلِهِ عز وجل:{إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [الصَّافَّاتِ: 135] .
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ كَانَ الْخِطَابُ بِلَفْظٍ لَا يَعُمُّ الْجَمِيعَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ، نَحْوَ قَوْلِهِ عز وجل:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آلِ عِمْرَانَ: 104] ; فَهَذَا هُوَ
فَرْضُ الْكِفَايَةِ
.
قَوْلُهُ: «وَهُوَ» ، أَيْ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ، «مَا مَقْصُودُ الشَّرْعِ فِعْلُهُ، لِتَضَمُّنِهِ مَصْلَحَةً، لَا تَعَبُّدُ أَعْيَانِ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَالْجِهَادِ، لَا الْجُمُعَةِ، وَالْحَجِّ» ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَقْصُودُ الشَّرْعِ فِعْلُهُمَا، لِمَا تَضَمَّنَاهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الشَّفَاعَةِ لِلْمَيِّتِ، وَحِمَايَةِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنِ اسْتِبَاحَةِ الْعَدُوِّ لَهَا، وَلَمْ يُرِدْ بِهَا تَعَبُّدَ أَعْيَانِ الْمُكَلَّفِينَ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا تَعَبُّدُ أَعْيَانِ الْمُكَلَّفِينَ، مِمَّنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِهِمَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَبُّدَ وَالْمَصْلَحَةَ مُشْتَرِكَانِ بَيْنَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِ، أَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِبَادَةٌ يَتَضَمَّنُ مَصْلَحَةً ; فَالْجِهَادُ عِبَادَةٌ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِهِ، وَطَاعَتُهُ فِيهِ وَاجِبَةٌ، وَالِانْقِيَادُ إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِيهِ لَازِمٌ، وَمَصْلَحَتُهُ ظَاهِرَةٌ، وَالْمَصْلَحَةُ فِي الْحَجِّ وَنَحْوِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ بِفِعْلِهَا، تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا لِلْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْفَوَائِدِ الْأُخْرَوِيَّةِ، وَالتَّعَبُّدُ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَإِذَا كَانَ التَّعَبُّدُ وَالْمَصْلَحَةُ مَوْجُودَيْنِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِ ; فَالْفَرْقُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا، وَفِي فَرْضِ الْعَيْنِ تَعَبُّدُ الْأَعْيَانِ بِفِعْلِهِ.
وَيُمْكِنُ تَقْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْحُقُوقَ ; إِمَّا خَالِصٌ لِلَّهِ عز وجل، كَالتَّوْحِيدِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ. أَوْ خَالِصٌ لِلْآدَمِيِّ، كَالتَّمَلُّكَاتِ بِالْعُقُودِ، وَالتَّشَفِّي بِالْقِصَاصِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، بِمَعْنَى: أَنَّ لِلَّهِ عز وجل فِيهِ طَاعَةً خَالِصَةً، وَلِلْعَبْدِ فِيهِ مَصْلَحَةً عَامَّةً.
فَالْأَوَّلُ - وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ سبحانه وتعالى هُوَ فَرْضُ الْعَيْنِ، وَالثَّالِثُ - وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ - هُوَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، كَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَدَفْنِهِمْ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَهُمْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ. وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ، وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ، وَالْإِعَانَةُ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، الْمَأْمُورِ بِهَا شَرْعًا.
وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ صَلَاةُ الْعِيدِ، وَنَحْوُهَا، عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَإِنَّ التَّعَبُّدَ بِهَا أَظْهَرُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِينَ الْعَامَّةِ. وَأَشَارَ الْقَرَافِيُّ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ مَا تَكَرَّرَتْ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ، كَالصَّلَاةِ الْخَمْسِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: مَا لَا يَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ، كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، وَنَحْوِهِ.
وَالْفَرْقُ الْعَامُّ بَيْنَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِ: هُوَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَا وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَسَقَطَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ مَا وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَسْقُطْ إِلَّا بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَرْقٌ حُكْمِيٌّ.
- قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي فَرْضَ الْكِفَايَةِ «وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ» ، أَيْ: عَلَى جَمِيعِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ، «وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ» ، أَيْ: بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ.
هَذَا بَيَانُ حُكْمِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَذَلِكَ كَالْجِهَادِ مَثَلًا ; وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمُكَلَّفِينَ بِقَوْلِهِ عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الْحَجِّ: 78]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التَّوْبَةِ: 123] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُقُوطِهِ عَنْ جَمِيعِهِمْ، بِفِعْلِ مَنْ يَقُومُ بِطَرْدِ الْعَدُوِّ وَكَفِّ شَرِّهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْخِرَقِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى، حَيْثُ قَالَ: وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ، سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، لِاكْتِفَاءِ الْجَمِيعِ بِالْبَعْضِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ.
- قَوْلُهُ: «وَاسْتِبْعَادُهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ» . هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِينَ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ.
وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْجَمِيعِ، يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَدَاءِ عَلَى الْجَمِيعِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ كَمَا سَبَقَ. وَحِينَئِذٍ سُقُوطُهُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بَعِيدٌ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ ضِدُّ الْحَرَامِ، كَمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِهِ، ثُمَّ الْحَرَامُ لَا يَخْرُجُ الْجَمِيعُ عَنْ عُهْدَةِ تَرْكِهِ ; بِتَرْكِ الْبَعْضِ لَهُ، كَذَلِكَ الْوَاجِبُ لَا يَخْرُجُ الْجَمِيعُ عَنْ عُهْدَةِ فِعْلِهِ ; بِفِعْلِ الْبَعْضِ لَهُ.
وَالْجَوَابُ بِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ أَنَّ سُقُوطَ الْوَاجِبِ عَنِ الْجَمِيعِ، بِفِعْلِ الْبَعْضِ لَيْسَ مُحَالًا لِذَاتِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحَالًا ; فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَبْعَدًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ، لَكِنَّ اسْتِبْعَادَهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ إِذَا قَامَ دَلِيلُهُ، إِذْ قَدْ وَقَعَ فِي الْوُجُودِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْتَبْعَدَاتِ، وَالنَّوَادِرِ، وَالْخَوَارِقِ لِلْعَادَاتِ.
وَقَدْ أَوْجَبَ الشَّرْعُ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ يَسْتَبْعِدَانِ جِدًّا أَنْ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، أَوْ يُعَاقَبَ أَحَدٌ بِجَرِيمَةِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ مِنْهُ فِيهَا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَمَّا عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِي خُرُوجِ الْجَمِيعِ عَنْ عُهْدَةِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ ; فَلِأَنَّ الْحَرَامَ لَا فَرْضَ كِفَايَةٍ فِيهِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ حَدِّ الْحَرَامِ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
- قَوْلُهُ: «وَتَكْلِيفُ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يُعْقَلُ، بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِهِ» . هَذَا جَوَابُ إِلْزَامٍ مِنْ جِهَةِ الْخَصْمِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لِمَ لَمْ تَقُولُوا: إِنَّ الْمُكَلَّفَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، كَمَا قُلْتُمْ: إِنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، كَإِحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ وَالْمُكَلَّفَ بِهِ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ التَّكْلِيفِ ; فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَعْضًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ; يَنْبَغِي أَنْ يُجَوَّزَ فِي الْآخَرِ، وَلَا يُرْتَكَبُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاسْتِبْعَادِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى قَوْلِكُمْ.
وَالْجَوَابُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ تَكْلِيفَ وَاحِدٍ، أَوْ بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ: أَوْجَبْتُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ، غَيْرُ مَعْقُولٍ، بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِبَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، نَحْوَ: أَوْجَبْتُ أَحَدَ هَذِهِ الْخِصَالِ.
وَوَجْهُ تَأْثِيرِ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّ الْأَوَّلَ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِلتَّوَاكُلِ، وَالثَّانِي لَا يُفْضِي إِلَيْهِ. وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ.
- قَوْلُهُ: «فَإِنْ قِيلَ» : إِلَى آخِرِهِ. هَذَا دَلِيلٌ لِمَانِعِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَمُنِعَ لِامْتِنَاعِ تَكْلِيفِ بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. فَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُم} ْ [التَّوْبَةِ: 122] ، الْآيَةَ ;
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَأَوْجَبَ النَّفِيرَ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ تَكْلِيفٌ لِبَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ يَنْفِي قَوْلَكُمْ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْقَلُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ هُوَ الْإِيجَابُ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا عَلَى الْجَمِيعِ، وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ.
قَوْلُهُ: «قُلْنَا» إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ عز وجل: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} إِيجَابٌ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، بَلْ هُوَ إِيجَابٌ عَلَى الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَبَعْدَهَا، مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ. وَقَوْلُهُ عز وجل:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} مَحْمُولٌ عَلَى الْبَعْضِ الْمُنْتَدَبِ، لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنِ الْجَمِيعِ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ أَوْجَبْنَا النَّفِيرَ لِلتَّفَقُّهِ وَالْإِنْذَارِ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ جَمِيعَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمُ النَّفِيرُ لِذَلِكَ، وَلَا هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ، لِقِيَامِ الْبَعْضِ بِمَصْلَحَتِهِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ ; فَلْيُنْتَدَبْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنِ الْكُلِّ فَلْيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَيَعْلَمُوا حُدُودَهُ وَمَعَالِمَهُ، ثُمَّ لْيَرْجِعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ; فَلْيُنْذِرُوهُمْ عَذَابَ اللَّهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَيُعَلِّمُوهُمْ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ تَعَلُّمُهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ.
- قَوْلُهُ: «جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ» ، أَيْ: حَمَلْنَا هَذِهِ الْأَدِلَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ قَرَّرْنَا أَنَّ تَكْلِيفَ بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يُعْقَلُ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَفْوِيتُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ ظَاهِرَةٌ فِي صِحَّةِ