المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ نسخ الكتاب ومتواتر السنة بآحادها - شرح مختصر الروضة - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْكِتَابُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌ التَّوَاتُرُ

- ‌ الْآحَادُ

- ‌ السَّمَاعِ

- ‌ الْإِجَازَةُ

- ‌إِنْكَارُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي رِوَايَةِ الْفَرْعِ لَهُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «التَّاسِعَةُ: الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا مَقْبُولَةٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ»

- ‌ مُرْسَلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ

- ‌فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى

- ‌فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ»

-

- ‌الْقَوْلُ فِي النَّسْخِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ امْتِثَالِهِ جَائِزٌ

- ‌لَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ

- ‌ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ

- ‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: الْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ»

- ‌مَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ:

- ‌الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي

- ‌«الْأَمْرُ:

- ‌ النَّهْيِ بَعْدَ الْأَمْرِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الثَّالِثَةُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ " الرَّابِعَةُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ

- ‌أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ: «السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ «السَّابِعَةُ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْأَمْرُ لِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

- ‌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ

- ‌فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ «الْعَاشِرَةُ: تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ»

- ‌النَّهْيُ

- ‌فَوَائِدُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ:

- ‌الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ

- ‌الْعَامُّ

- ‌أَلْفَاظُ الْعُمُومِ

- ‌«أَدَوَاتُ الشَّرْطِ»

- ‌ كُلُّ وَجَمِيعُ

- ‌«النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الْأَمْرِ»

- ‌ الْعَامُّ الْكَامِلُ»

- ‌ أَقَلُّ الْجَمْعِ

- ‌ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ

- ‌ الْخِطَابُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ

- ‌الْخَاصُّ

- ‌الْمُخَصِّصَاتُ»

- ‌الْخَامِسُ: الْمَفْهُومُ

- ‌ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ

- ‌الِاسْتِثْنَاءُ

- ‌ تَعْرِيفِهِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ

- ‌ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌الشَّرْطُ

- ‌ الْغَايَةُ»

- ‌الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ

- ‌ مَرَاتِبُ الْمُقَيَّدِ

- ‌الْمُجْمَلُ

- ‌حُكْمُ الْمُجْمَلِ

- ‌الْمُبَيَّنُ

- ‌ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ

- ‌كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنَ الشَّارِعِ بَيَانٌ

- ‌الْبَيَانُ الْفِعْلِيُّ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِيِّ»

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ

- ‌تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ

- ‌خَاتِمَةٌفَحْوَى اللَّفْظِ:

- ‌ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ»

- ‌ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ

- ‌ دَرَجَاتُ دَلِيلِ الْخِطَابِ

- ‌ مَفْهُومَ الْغَايَةِ

- ‌ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

- ‌ تَخْصِيصُ وَصْفٍ غَيْرِ قَارٍّ بِالْحُكْمِ

- ‌ مَفْهُومُ الْعَدَدِ

- ‌ مَفْهُومُ اللَّقَبِ

الفصل: ‌ نسخ الكتاب ومتواتر السنة بآحادها

أَمَّا‌

‌ نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا

; فَجَائِزٌ عَقْلًا، لِجَوَازِ قَوْلِ الشَّارِعِ: تَعَبَّدْتُكُمْ بِالنَّسْخِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَا شَرْعًا، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، لَا بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ بِالنَّاسِخِ إِلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ. وَأَجَازَهُ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ مُطْلَقًا، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، إِذِ الظَّنُّ قَدَرٌ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِدْلَالِ الشَّرْعِيِّ. وَقَوْلُ عُمَرَ: لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا، لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ. يُفِيدُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ لِشُبْهَةٍ، وَلَوْ أَفَادَ خَبَرُهَا الظَّنَّ لَعَمِلَ بِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا ; فَجَائِزٌ عَقْلًا» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: أَمَّا نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَنَسْخُ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ; فَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا لَا شَرْعًا.

أَمَّا أَنَّهُ جَائِزٌ عَقْلًا ; فَلِجَوَازِ قَوْلِ الشَّارِعِ: تَعَبَّدْتُكُمْ بِنَسْخِ الْقَاطِعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، أَيْ: لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ.

وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ شَرْعًا، أَيْ: مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الشَّرْعِ ; قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ، وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ، لَا يُرْفَعُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ; فَلَا ذَاهِبَ إِلَى تَجْوِيزِهِ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه:«لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا، لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصْدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» .

«وَأَجَازَهُ قَوْمٌ» يَعْنِي: نَسْخَ الْكِتَابِ وَتَوَاتُرَ السُّنَّةِ بِآحَادِهَا، «فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، لَا بَعْدُهُ ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ بِالنَّاسِخِ إِلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ» ; فَيُقْبَلُ خَبَرُهُمْ فِيهِ.

«وَأَجَازَهُ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ مُطْلَقًا» ، يَعْنِي فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهُ.

قُلْتُ: «وَلَعَلَّهُ أَوْلَى» ، أَيْ: يُشْبِهُ أَنَّهُ أَوْلَى، لِاتِّجَاهِهِ بِمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ أَجْزِمْ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا أَتَيْتُ بِلَفْظِ التَّرَجِّي.

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «إِذِ الظَّنُّ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْعَمَلِ، وَالِاسْتِدْلَالِ الشَّرْعِيِّ» . مَعْنَاهُ أَنَّ تَوَاتُرَ السُّنَّةِ وَآحَادَهَا يَشْتَرِكَانِ فِي إِفَادَةِ الظَّنِّ، وَإِنْ زَادَ التَّوَاتُرُ بِإِفَادَةِ الْقَطْعِ ; فَالظَّنُّ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْعَمَلِ الشَّرْعِيِّ، وَالِاسْتِدْلَالِ الشَّرْعِيِّ، أَيْ: يَكْفِي الظَّنُّ فِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدًا لِلْعَمَلِ وَالِاسْتِدْلَالِ شَرْعًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنَاطَ ذَلِكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ ; فَمَتَى حَصَلَ، وَجَبَ الْعَمَلُ، وَصَحَّ الِاسْتِدْلَالُ.

وَأَمَّا زِيَادَةُ الْقَطْعِ ; فَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، لِمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.

وَإِذَا كَانَ الظَّنُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالْآحَادِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْعَمَلِ، جَازَ أَنْ يَنْسَخَ الْآحَادُ الْمُتَوَاتِرَ وَيَكُونُ النَّسْخُ بِالْآحَادِ مُتَوَجِّهًا إِلَى مِقْدَارِ الظَّنِّ مِنَ التَّوَاتُرِ، لَا إِلَى جَمِيعِ مَا أَفَادَهُ مِنَ الْعِلْمِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا إِذَا كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، تَقَاصَّا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ ; فَتَقْوَى الْخَمْسَةُ عَلَى رَفْعِ خَمْسَةٍ مِنَ الذِّمَّةِ، لَا عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا.

وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ عَنَّا قَوْلُ الْخَصْمِ: إِنَّ الْكِتَابَ مُتَوَاتِرٌ قَطْعًا ; فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْآحَادِ الْمَظْنُونَةِ ; لِأَنَّا نَقُولُ: مَا رَفَعْنَا الْقَطْعَ بِالظَّنِّ، وَإِنَّمَا رَفَعْنَا بِالظَّنِّ ظَنًّا مِثْلَهُ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ ; فَلَيْسَ لَفْظُهُ: أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ؟ ، بَلْ كَمَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» : أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ؟ وَهُوَ مَا رَوَى مُغِيَرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم ; فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا

ص: 326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سُكْنَى لَكِ وَلَا نَفَقَةَ، قَالَ مُغِيَرَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ؟ وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.

وَهَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يَنْسَخُ الْكِتَابَ وَالْمُتَوَاتِرَ، بَلْ يُفِيدُ جَوَازَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عُمَرَ، إِنَّمَا رَدَّ خَبَرَ فَاطِمَةَ، لِشُبْهَةِ احْتِمَالِ أَنَّهَا نَسِيَتْ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَبَرَهَا لَوْ أَفَادَهُ الظَّنُّ، وَلَمْ تَقَعْ لَهُ الشُّبْهَةُ الْمَذْكُورَةُ، لَعَمِلَ بِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ زَمَنِ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ بِالنَّاسِخِ إِلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ ; فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ تِلْكَ الْآحَادَ كَانَتْ تَنْسَخُ الْكِتَابَ وَالْمُتَوَاتِرَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمَنْسُوخَاتِ بِتِلْكَ الْآحَادِ آحَادًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ، وَيَقُولَ: إِنَّمَا كَانَ الْمَنْسُوخُ بِهَا آحَادًا مِثْلَهَا، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّوَاتُرِ، وَوُرُودُ أَحْكَامِ الْكِتَابِ.

فَإِنْ قِيلَ: وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْآحَادِ أَيْضًا.

قُلْنَا: نَعَمْ، إِلَّا أَنَّهَا أَكْثَرُ، وَأَعَمُّ وُجُودًا ; فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أُولَى.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حَيَاةَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، قَرِينَةٌ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِخَبَرِ الْآحَادِ فِي زَمَانِهِ، لِعِلْمِهِمْ بِصَلَابَتِهِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا يُسَامِحُ أَحَدًا يَكْذِبُ عَلَيْهِ، حَتَّى يُنَفِّذَ فِيهِ

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَمْرَ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ مَا نُسِخَ الْكِتَابُ وَالتَّوَاتُرُ إِلَّا بِمَعْلُومٍ مِثْلِهِمَا.

غَايَةُ مَا هُنَاكَ: أَنَّ مُسْتَنَدَ الْعِلْمِ فِي الْمَنْسُوخِ التَّوَاتُرُ، وَفِي النَّاسِخِ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقَرِينَةِ، وَهَذَا لَا يَضُرُّ.

وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا، مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَدَمِ رَفْعِ الْمُتَوَاتِرِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ; فَمَمْنُوعٌ، وَعَلَى مُدَّعِي الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ إِثْبَاتُهُ، كَيْفَ وَبَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ، وَالْبَاجِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَدَّعُونَ وُقُوعَهُ فِي صُوَرٍ:

مِنْهَا قَوْلُهُ عز وجل: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الْأَنْعَامِ: 145] الْآيَةَ، نُسِخَتْ بِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ، وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النِّسَاءِ: 24]، نُسِخَ بِقَوْلِهِ عليه السلام: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا. الْحَدِيثَ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَنْهُ جَوَابٌ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَهُ، لَوْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ، لَعَلِمَهُ، ثُمَّ لَمْ يَدَّعِ وُقُوعَهُ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعِ نَسْخِ الْقَاطِعِ بِالْآحَادِ وَاهِيَةٌ.

ص: 328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَنْبِيهٌ: الْأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ الَّتِي يَتَطَرَّقُ النَّسْخُ إِلَيْهَا وَبِهَا، هِيَ: الْكِتَابُ، وَمُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ، وَآحَادُهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ; إِمَّا أَنْ يُنْسَخَ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ بِالْآخَرِينَ مَعَهُ ; فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ:

الْأُولَى: نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ.

الثَّانِيَةُ: نَسْخُ الْكِتَابِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ.

الثَّالِثَةُ: نَسْخُ الْكِتَابِ بِآحَادِ السُّنَةِ.

الرَّابِعَةُ: نَسْخُ مُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ.

الْخَامِسَةُ: نَسْخُ مُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ.

السَّادِسَةُ: نَسْخُ مُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِالْآحَادِ.

السَّابِعَةُ: نَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ.

الثَّامِنَةُ: نَسْخُ الْآحَادِ بِالْكِتَابِ.

التَّاسِعَةُ: نَسْخُ الْآحَادِ بِالْمُتَوَاتِرِ.

وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ، عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَهُمْ: أَنَّ النَّصَّ يُنْسَخُ بِأَقْوَى مِنْهُ وَبِمِثْلِهِ، وَلَا يُنْسَخُ بِأَضْعَفَ مِنْهُ ; فَيَسْقُطُ بِمُقْتَضَى هَذَا الضَّابِطِ مِنَ الصُّوَرِ التِّسْعِ صُورَتَانِ، نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْآحَادِ، وَنَسْخُ التَّوَاتُرِ بِالْآحَادِ، وَيَبْقَى سَبْعُ صُوَرٍ، النَّسْخُ فِيهَا جَائِزٌ.

وَعَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ وَبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي وَجَّهْنَاهُ، يَصِحُّ النَّسْخُ فِي الصُّوَرِ التِّسْعِ، نَظَرًا إِلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا، وَهُوَ الظَّنُّ ; فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 329