الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا غَيْرُ الصَّحَابِيِّ؛ فَلِكَيْفِيَّةِ رِوَايَتِهِ مَرَاتِبُ:
إِحْدَاهَا: سَمَاعُهُ قِرَاءَةَ الشَّيْخِ، فِي مَعْرِضِ إِخْبَارِهِ، لِيَرْوِيَ عَنْهُ؛ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: سَمِعْتُ، وَقَالَ، وَحَدَّثَنِي، وَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْرَأَ هُوَ عَلَى الشَّيْخِ؛ فَيَقُولَ: نَعَمْ، أَوْ يَسْكُتَ؛ فَلَهُ الرِّوَايَةُ، لِظُهُورِ الصِّحَّةِ وَالْإِجَابَةِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ، إِلَّا مَعَ مُخَيَّلَةِ غَفْلَةٍ أَوْ إِكْرَاهٍ؛ فَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنَا، وَحَدَّثَنَا فُلَانٌ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَبِدُونِ: قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ، فِيهِ رِوَايَتَانِ: الْمَنْعُ، لِإِيهَامِ
السَّمَاعِ
فِي لَفْظِهِ، وَهُوَ كَذِبٌ. وَالْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّاهِدِ عَلَى مُقِرٍّ «بِنَعَمْ» : أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا وَكَذَا.
وَهَلْ يَجُوزُ لِلرَّاوِي إِبْدَالُ قَوْلِ الشَّيْخِ: أَخْبَرَنَا. «بِحَدَّثَنَا» ، أَوْ عَكْسُهُ، فِيهِ رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ، لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى لُغَةً. وَالْمَنْعُ، لِاخْتِلَافِهِ اصْطِلَاحًا.
ــ
قَوْلُهُ: «أَمَّا غَيْرُ الصَّحَابِيِّ» ، يَعْنِي كَالتَّابِعِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ، «فَلِكَيْفِيَّةِ رِوَايَتِهِ مَرَاتِبُ: إِحْدَاهَا: سَمَاعُهُ قِرَاءَةَ الشَّيْخِ، فِي مَعْرِضِ إِخْبَارِهِ، لِيَرْوِيَ عَنْهُ» ، أَيْ: سَمَاعُ الرَّاوِي قِرَاءَةَ الشَّيْخِ لِلْحَدِيثِ، عَلَى جِهَةِ إِخْبَارِهِ لِلرَّاوِي أَنَّهُ مِنْ رِوَايَتِهِ، لِيَرْوِيَ الرَّاوِي عَنْهُ؛ فَلَهُ، أَيْ: فَلِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: سَمِعْتُ فُلَانًا، يَعْنِي شَيْخَهُ الْمَذْكُورَ، يَقُولُ: كَذَا، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: قَالَ فُلَانٌ، وَحَدَّثَنِي، وَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ جَمِيعَهَا صَادِقَةٌ عَلَى السَّمَاعِ لُغَةً، وَالسَّمَاعُ صَادِقٌ عَلَيْهَا.
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْرَأَ هُوَ، يَعْنِي الرَّاوِيَ، عَلَى الشَّيْخِ؛ فَيَقُولَ الشَّيْخُ: نَعَمْ، أَوْ يَسْكُتَ؛ فَلَهُ الرِّوَايَةُ، عَنْهُ بِذَلِكَ، لِظُهُورِ الصِّحَّةِ وَالْإِجَابَةِ، أَيْ: لِأَنَّ قَوْلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّيْخِ: نَعَمْ، فِي سِيَاقِ قِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَيْهِ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ رِوَايَةَ الشَّيْخِ لِلْحَدِيثِ صَحِيحَةٌ، وَفِي أَنَّهُ أَجَابَ الرَّاوِي إِلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ «خِلَافًا لِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ» .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، أَنَّ خِلَافَهُمْ فِيمَا إِذَا سَكَتَ الشَّيْخُ، فَلَمْ يَعْتَرِفْ، وَلَمْ يُنْكِرْ، بِإِشَارَةٍ وَلَا عِبَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي دَلِيلِهِ: وَلَنَا: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لَمْ يَسْكُتْ؛ فَحَصَرَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِمْ بِحَالَةِ السُّكُوتِ. وَإِنْكَارُ الرِّوَايَةِ مَعَ السُّكُوتِ مَحْكِيٌّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَيْضًا، وَكَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ السَّاكِتَ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْلٌ، وَإِلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَدَمُ الْكَلَامِ؛ فَلَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الرِّوَايَةِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ السَّاكِتَ مَعَ الْقَرِينَةِ كَالنَّاطِقِ، وَلِهَذَا كَانَ إِقْرَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَلَى الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ حُجَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ السُّكُوتِ مَعَ قَرِينَةِ الرِّضَى. وَسُكُوتُ الشَّيْخِ فِي مَعْرِضِ قِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَيْهِ، يُفِيدُ الْإِخْبَارَ وَالْإِذْنَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَإِلَّا كَانَ تَلْبِيسًا فِي الدِّينِ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
فَأَمَّا إِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ؛ فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ: أَخْبَرَكَ فُلَانٌ بِكَذَا؛ فَقَالَ: نَعَمْ؛ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ خِلَافٌ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ سَمِعَ الرَّاوِي قِرَاءَةَ الشَّيْخِ يُحَدِّثُهُ.
قَوْلُهُ: «إِلَّا مَعَ مُخَيَّلَةِ غَفْلَةٍ، أَوْ إِكْرَاهٍ؛ فَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ» ، يَعْنِي سُكُوتَ الشَّيْخِ فِيمَا إِذَا قَرَأَ الرَّاوِي عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ مَعَ تَنَبُّهِهِ فَهُوَ كَافٍ فِي الرِّوَايَةِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةُ غَفْلَةٍ مِنَ الشَّيْخِ، أَوْ إِكْرَاهٌ لَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ، أَوْ أَمْرٌ يُحِيلُ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ كَافِيًا فِي الرِّوَايَةِ، كَمَا سَبَقَ فِي إِقْرَارِ النَّبِيِّ عليه السلام، إِنْ كَانَ مَعَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَى الْإِنْكَارِ، كَانَ حُجَّةً، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ لَهُ» ، أَيْ: لِلرَّاوِي «أَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ» ، وَ «حَدَّثَنَا فُلَانٌ قِرَاءَةً عَلَيْهِ» ؛ لِأَنَّهُ حَكَى حَالَهُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ مُطَابِقٌ. وَبِدُونِ:«قِرَاءَةً عَلَيْهِ» ، أَيْ: إِذَا قَالَ الرَّاوِي فِيمَا قَرَأَهُ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ سَاكِتٌ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ بِكَذَا، وَلَمْ يَقُلْ:«قِرَاءَةً عَلَيْهِ» ؛ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ، أَيْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَهُوَ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ؛ فَلَا يَجُوزُ.
وَالثَّانِي: جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، أَيْ: سُكُوتُ الشَّيْخِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَيْهِ، هُوَ فِي مَعْنَى سَمَاعِ الرَّاوِي مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ؛ فَاقْتِصَارُهُ عَلَى أَخْبَرَنَا لَا يَكُونُ كَذِبًا فِي الْحَقِيقَةِ.
قَوْلُهُ: «وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّاهِدِ عَلَى مُقِرٍّ بِـ نَعَمْ: أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا وَكَذَا» . هَذَا تَقْوِيَةٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ: أَلِفُلَانٍ عَلَيْكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ لِلشَّاهِدِ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، مَعَ أَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إِلَّا قَوْلُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ: نَعَمْ؛ فَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا أَيْسَرُ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ نَعَمْ حَرْفُ تَقْرِيرٍ لِمَا قَبْلَهُ؛ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بَعْدَهُ؛ فَقَوْلُ الشَّيْخِ: نَعَمْ، تَقْدِيرُهُ: نَعَمْ أَخْبَرَنِي بِكَذَا. وَقَوْلُ الْمُقِرِّ: نَعَمْ، تَقْدِيرُهُ: نَعَمْ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ؛ فَالْجُمْلَةُ مُرَادَةٌ فِي الْحُكْمِ وَالتَّقْدِيرِ، لَكِنَّهَا حُذِفَتْ، لِظُهُورِهَا بِقَرِينَةِ الْحَالِ عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الِاخْتِصَارِ.
قَوْلُهُ: «وَهَلْ يَجُوزُ لِلرَّاوِي إِبْدَالُ قَوْلِ الشَّيْخِ: أَخْبَرَنَا، بِحَدَّثَنَا أَوْ عَكْسُهُ» ، يَعْنِي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إِبْدَالَ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا بِأَخْبَرَنَا، يَعْنِي إِذَا قَالَ الشَّيْخُ الْمُسْمِعُ مَثَلًا: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ بِحَدِيثِ كَذَا؛ فَهَلْ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي شَيْخُنَا فُلَانٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ بِحَدِيثِ كَذَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: الْجَوَازُ، لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ، إِذْ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَخْبَرَنَا، وَحَدَّثَنَا، وَأَنْبَأَنَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَبَرِ، وَالْحَدِيثِ، وَالنَّبَأِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ لَهُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، لِاخْتِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظَيْنِ اصْطِلَاحًا، أَيْ: فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ؛ فَإِنَّهُمْ يَخُصُّونَ لَفْظَ حَدَّثَنَا بِمَا سَمِعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَخْبَرَنَا يَصْلُحُ عِنْدَهُمْ لِذَلِكَ، وَلَمَّا قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ؛ فَأَقَرَّ بِهِ؛ فَالْإِخْبَارُ أَعَمُّ مِنَ التَّحْدِيثِ، وَأَنْبَأَنَا يُطْلِقُهَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ يُطْلِقُونَهَا بِمَعْنَى أَخْبَرَنَا أَوْ حَدَّثَنَا، وَالِاصْطِلَاحُ فِي كُلِّ لَفْظٍ يَقْضِي عَلَى وَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُقَدَّمَةً عَلَى اللُّغَوِيَّةِ، تَقْدِيمًا لِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِ عَلَى وَضْعِ اللُّغَةِ.