الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينبغي توقي النوم فيه، والاحتراز فيه من بدعتين، أحدثهما الناس لا أصل لهما على ما ذكره ابن جماعة فيما أخبرني به عنه خالي:
إحداهما: وقوفهم في فتحتي الحجر للصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
والأخرى: استقبالهم جهة النبي صلى الله عليه وسلم في فتحتي الحجر للدعاء، واستدبارهم للكعبة، والمعروف في آداب الدعاء استقبالها، هذا معنى كلامه. قال: والله تعالى يوفقنا لاجتناب البدعة، واتباع السنة بمنه وكرمه
…
انتهى.
ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة:
قد ذكر المحب الطبري هذه الأماكن بدلائلها في كتاب "القرى"1، وذكرنا ذلك بنصه في أصل هذا الكتاب، ونشير هنا لشيء من تلك المواضع:
الموضع الأول: خلف مقام إبراهيم عليه السلام.
الثاني: تلقاء الحجر الأسود، على حاشية المطاف كما في النسائي، وابن حبان، من حديث المطلب بن أبي وداعة السهمي.
الثالث: قريبا من الركن الشامي مما يلي الحجر بسكون الجيم كما في مسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داود من حديث عبد الله بن السائب2.
الرابع: عند باب الكعبة كما في تاريخ الأزرقي، وفوائد تمام الرازي3 من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أمَّنِي جبريل عليه السلام عند باب الكعبة مرتين"4.
الخامس: تلقاء الركن الذي يلي الحجر من جهة المغرب جانحا إلى جهة المغرب قليلا، بحيث يكون باب المسجد، الذي يقال له اليوم: باب العمرة خلف ظهره، كما في مسند أحمد بن حنبل، وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث المطلب بن أبي وداعة: أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه5. وفي إسناده مجهول. وباب بني سهم هو باب العمرة المشار إليه.
1 القرى "ص: 496".
2 مسند أحمد 6/ 399، سنن أبي داود "باب في مكة 2/ 211".
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 268.
4 أخرجه: الترمذي "أول الصلاة" 1/ 278، وأبو داود 1/ 107، والدارقطني 1/ 258، والحاكم 1/ 193.
5 أخرجه: أحمد في مسنده 1/ 237، 311، 5/ 208، سنن أبي داود 2/ 211، ابن ماجه "باب الركعتين بعد الطواف" 2/ 986.
السادس: في وجه الكعبة، كما في الصحيحين، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع قِبل البيت ركعتين، وقال:"هذه القبلة"1 أخرجاه.
وقال النسائي: سبح في نواحيه كلها وكبر ولم يصل، ثم خرج وصلى خلف المقام ركعتين، ثم قال:"هذه القبلة"2.
قال المحب الطبري: وجه الكعبة يطلق على بابها، ولهذا قيل للمحاذي له خلفها: دبر الكعبة، ثم قال: ويطلق على جميع الجانب الذي فيه الباب، وهو المتعارف، ثم قال: والظاهر أن هذا الموضع تلقاء المقام في فناء الكعبة، بحيث يكون المقام خلف المصلي فيه، وقال: ويحتمل على بُعد أن يكون هذا الموضع هو الموضع الرابع محل إمامة جبريل، وجوز فيه "المحب" وجها آخر، وهو أن يكون الموضع الأول هو خلف المقام، لأنه يقال فيه: وجه الكعبة، ثم قال: وقد ورد تفضيل وجه الكعبة على غيرها من الجهات.
الموضع السابع: بين الركنين اليمانيين، وذكره ابن إسحاق في "سيرته" في قصة طويلة.
الموضع الثامن: الحجر واستدل له بحديث خنق عقبة بن أبي معيط النبي صلى الله عليه وسلم في الحجر، كما في الصحيحين3 وذكر في هذا الفصل: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ثم قال: وورد أن آدم عليه السلام ركع إلى جانب الركن اليماني ركعتين وعزاه "لليقين" لابن أبي الدنيا، وتاريخ الأزرقي4، ثم قال: فصارت المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقينا وتخمينا تسعة مواضع.
العاشر: مصلى آدم عليه السلام
…
انتهى كلام المحب الطبري5 وفيه أمور:
منها: أن ذكره في هذا الفصل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة لا يلائم الترجمة التي ذكرها، لأنه ترجم على هذا الفصل بقوله: ذكر مواضع حول البيت روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها، وهذه الترجمة تقتضي أن يذكر فيها المواضع التي صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيها حول البيت، لا صلاته في البيت، والله أعلم.
ومنها: أن ذكره في هذه الترجمة مصلى آدم عليه السلام غير ملائم.
1 أخرجه: البخاري 3/ 375 "باب: الحج، من كبر في نواحي الكعبة"، مسلم "الحج: 1330".
2 أخرجه النسائي 5/ 219، 220.
3 البخاري "فضائل الصحابة 5/ 4".
4 أخبار مكة 1/ 44.
5 القرى "ص: 348- 352".
ومنها: أن ذكره في هذه الترجمة مصلى آدم عليه السلام فيه احتمال، لأن آدم عليه السلام يحتمل أن يكون صلى عند الركن اليماني مما يلي الحجر الأسود، ويحتمل أن يكون صلى عند الركن اليماني مما يلي الباب المسدود في المستجار، وهذا أقرب، والله أعلم، لما سبق من قول الفاكهي.
وقال بعض الناس: إن الموضع الذي تاب الله تعالى فيه على آدم عليه السلام عند الباب الذي فتحه ابن الزبير من دبرها عند الركن اليماني
…
انتهى.
ومنها: أن ما ذكره من مصلى آدم عليه السلام عند الركن اليماني يخالف ما ذكره ابن سراقة، وابن جماعة من أنه في جهة الكعبة الشرقية، وقد سبق في "الباب الثامن" من هذا الكتاب أن مصلى آدم عليه السلام في الجهة الشرقية، وأن بينه وبين الحجرة المرخمة في هذه الجهة: ثلاثة أذرع إلا ثلث بالحديد، والله أعلم بالصواب.
ومنها: أن "المحب" لم يعين الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين الركنين اليمانيين، لأنه يحتمل أن يكون صلى إلى وسط الجدار، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى وسط الجدار، ويحتمل أن يكون مائلا عن الوسط إلى جهة الحجر الأسود، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى وسط هذا الجدار، وتحريره بالوسط من هذا الجدار بأنه الرخامة التي في شاذروان الكعبة المكتوب فيها:"أن الملك المنصور لاجين أمر بعمارة المطاف".
ومنها: أن المحب الطبري لم يبين أيضا الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند باب الكعبة، وهو يحتمل ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون صلى وجاه الباب.
والثاني: أن يكون صلى في الحفرة المرخمة التي عند باب الكعبة على يمينه.
والثالث: أن يكون صلى في الملتزم. وفي هذا الوجه بُعد.
والوجه الأول أقرب، لأنه عند الباب حقيقة بخلاف الوجهين الآخرين، فإنه إنما يصدق عليهم عند باب الكعبة لقربهما منه، والله أعلم.
وإنما نبهنا على ذلك، لأنه وقع لشيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام الشافعي، وشيخ اليمن أحمد بن موسى بن العجيل ما يقتضي أن مصلى جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الحفرة المرخمة، ولم أقف على كلام ابن العجيل، وإنما بلغني أن الرضي الطبري إمام المقام وشيخ شيوخنا سأل الشيخ أحمد بن موسى بن العجيل عن تحقيق ذلك بطريق الكشف، فأخبره أن الحفرة المشار إليها هي مصلى جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما كلام ابن عبد السلام فذكره عنه ابن جماعة في "منسكه"، لأنه قال: وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إن الحفرة الملاصقة للكعبة بين الباب والحجر هي المكان الذي صلى فيه جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس حين فرضها الله تعالى على أمته، ولم أر ذلك لغيره، وفيه بعد، لأنه لو كان صحيحا لنبهوا عليه بالكتابة في الحفرة، ولما اقتصروا على من أمر بعمل المطاف، والله أعلم
…
انتهى كلام ابن جماعة1، وقد أخبرني بذلك عنه خالي رحمه الله.
وفي خبر المقام عن سعيد بن جبير2 رحمه الله أن موضعه اليوم حذاء موضعه في هذا الباب: الصندوق الذي فيه المقام، إلا أن يجاوز الحفرة مما يلي الحِجر بسكون الجيم، فعلى هذا يكون المقام عند الكعبة في نصف الحفرة الملاصق للكعبة المشار إليها، وإذا كان هذا موضع المقام عند الكعبة، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه بعد خروجه من الكعبة، لأن النسائي روى عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من البيت ركع قبل البيت ركعتين، وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين خلف المقام3، وهو وقبل البيت واحد، لأن المقام كان عند الكعبة على ما قيل، والله أعلم.
ومنها: أن كلام المحب الطبري يقتضي أن المصلى الذي ذكره ابن السائب غير المصلى الذي ذكره أسامة لعَدِّه ذلك مصليين، وفي ذلك نظر، لأن حديث ابن السائب في المصلى الذي ذكره موافق لحديث أسامة رضي الله عنه في المصلى الذي ذكره ويظهر ذلك بذكر حديثهما، فلفظ حديث ابن السائب عند الأزرقي: حدثني جدي، حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن محمد بن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن ابن السائب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح في وجه الكعبة حذو الطرفة البيضاء، ثم رفع يديه فقال:"هذه القبلة" 4
…
انتهى.
ولفظ حديث أسامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع قبل البيت ركعتين وقال:"هذه القبلة" أخرجاه5.
وقال النسائي: سبح في نواحيه وكبر ولم يصل، ثم خرج وصلى خلف المقام ركعتين، ثم قال:"هذه القبلة"6.
1 هداية السالك 1/ 74.
2 رحلة ابن جبير "ص: 62".
3 أخرجه: النسائي 5/ 291.
4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 351.
5 البخاري 3/ 375، 8/ 14، ومسلم الحج: 1330، 1331".
6 أخرجه: النسائي 5/ 219.
ولا منافاة بين قول أسامة رضي الله عنه في الحديث الأول: "ركع قبل البيت"، وبين قوله في الحديث الثاني:"وصلى خلف المقام ركعتين"، لأن المقام كان في وجه الكعبة، على ما ذكر ابن عقبة في "مغازيه" وغيره، ويكون قوله: صلى خلف المقام: مفسرا لقوله: ركع قبل البيت لينتفي التعارض بين حديثيه، وهذا أولى من حمل قوله على أنه صلى خلف المقام في موضعه، لأنه إذا حمل على ذلك يفهم منه التناقض بين الحديثين، والله أعلم.
وإذا كان حديث ابن السائب يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عند الكعبة في يوم فتح مكة وقال: "هذه القبلة"، واقتضى ذلك أيضا حديث أسامة رضي الله عنه، ففي ذلك دليل على اتحاد المصلى الذي ذكره أسامة وابن السائب، ويتجه به النظر الذي أشرنا إليه في ما ذكره المحب الطبري، من أن المصلى الذي ذكره أسامة رضي الله عنه غير المصلى الذي ذكره ابن السائب، ولا يقال الحديث الذي استدل به المحب الطبري على المصلى الذي ذكره ابن السائب، غير الحديث الذي ذكره الأزرقي، لأن المحب الطبري قال في "القرى" لما ذكره في المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة: "الثالث: قريبا من الركن الشامي مما يلي الحِجر، عن عبد الله بن السائب أنه كان يقود ابن عباس عند الشقة الثالثة مما يلي الركن الذي يلي الحِجر مما يلي الباب، فيقول له ابن عباس: عند الشقة الثالث: أثبتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ههنا؟ فيقول: نعم، فيقوم فيصلي، أخرجه أحمد، وأبو داود
…
انتهى.
وقوله في هذا الحديث "أثبتَ" هو بنصب التاء لا برفعها، لأنه يلزم على رفعها أن يكون الحدث من رواية ابن السائب عن ابن عباس، ولا يعرف لابن عباس في هذا المعنى حديث، والله أعلم.
وقوله: أثبت بألف، يعني "همزة الاستفهام"، ثم ثاء مثلثة، ثم باء موحدة، ثم تاء مثناة، من الثبات الذي بمعنى التحقيق للشيء، كأنه يقول له: تحققتَ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الموضع المشار إليه؟ فيقول: نعم. والله أعلم.
وإنما لا يقال الحديث الذي استدل به المحب غير الحديث الذي ذكره الأزرقي، لأن الحديث الذي ذكره المحب يقتضي أن ابن عباس رضي الله عنهما سأل ابن السائب عن موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه الكعبة، والحديث الذي ذكره الأزرقي يقتضى إخبار ابن السائب بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم فتح مكة في وجه الكعبة، وأنه رفع يديه، وقال:"هذه القبلة" وبيَّن المصلى بقوله: "عند الطواف"، وذلك لا ينافي إثباته صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عند الشقة الثالثة مقابلة الركن الشامي، لإمكان أن يكون موضع النظر فيه موضع الشقة الثالثة، فعرفه بالوجهين، واختصر في إخباره ابن عباس رضي الله عنه بعض القصة، والله أعلم.
ووجدت بخط مفتي الحرم رضي الدين محمد بن أبي خليل العسقلاني ما يقتضي أن للنبي صلى الله عليه وسلم مصلى بين هذه الحفرة وبين الحِجر بسكون الجيم، لأني وجدت بخط الرضي المذكور ما نصه: أخبرني الشيخ عثمان بن عبد الواحد العسقلاني المكي، عن بعض مشيخة مكة المتقدمين، أن المقام المحمدي: الحَجَر المشَوْبَر الذي عند الحفرة التي عند الكعبة على جانبها مما يلي حجر إسماعيل، وهو الحَجَر الذي إلى جانب هذه الحفرة المذكورة، والدعاء عنده مستجاب.
وأخبرني المفتي عماد الدين بن عبد الرحمن بن محمد المذكور أن من يدعو خلفه بهذا الدعاء: يا واجد، يا واحد، يا ماجد، يا بر، يا رحيم، يا غني، يا كريم، أتمم عليّ نعمتك، وألبسني عافيتك، أُستجيب له
…
انتهى.
والحفرة المشار إليها هي السابقة، والحَجَر المشَوْبَر: الذي هو علامة هذا المصلى لا يعرف الآن، وهو الموضع الثالث الذي ذكره المحبّ، لأنه ليس بين الحفرة المشار إليها والركن الشامي مصلى للنبي صلى الله عليه وسلم غير المصلى الثالث، والله أعلم.
والحفرة المشار إليها جدد رخامها الذي هو بها الآن في سنة إحدى وثمانمائة، وقد حررنا أمورا تتعلق بذرعها، فكان طولها من الجهة الشامية إلى الجهة اليمانية، أربعة أذرع، وعرضها من الجهة الشرقية إلى جدار الكعبة: ذراعان وسدس، وعمقها: نصف ذراع كل ذلك بذراع الحديد والحفرة المشار إليها لم ترخم إلا بعد قدوم ابن جبير إلى مكة، وكان قدومه في سنة تسع وسبعين وخمسمائة، لأنه ذكر هذا الموضع في أخبار رحلته، وذكر أنه علامة موضع المقام في عهد إبراهيم عليه السلام إلى أن صرفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو الآن مصلى، وأنه مفروش برملة بيضاء1
…
انتهى بالمعنى.
فدل ذلك على أنه لم يكن ترخيما حين رآه ابن جبير، وقد نبهنا فيما سبق على عدم استقامة قوله: إن هذا الموضع موضع المقام في عهد إبراهيم عليه السلام والله أعلم بالصواب.
1 رحلة ابن جبير "ص: 62".