الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج وما صنع فيها من العمارة:
اعلم أنه لم يغير أحد من الخلفاء والملوك فيما مضى من الزمان وإلى الآن1 ما بناه ابن الزبير رضي الله عنهما والحجاج فيما علمناه، ولو وقع ذلك لنُقِلَ، فإن ذلك مما لا يخفى لعظم أمره، والذي غُيِّرَ فيها بعدهما: ميزابها غير مرة، وبابها غير مرة، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وبعض أساطينها، وما دعت الضرورة إلى عمارته في جدرها وسقفها، ودرجتها التي يصعد منها إلى سطحها، وعتبتها، ورخامها، وهو مما حدث في الكعبة بعد ابن الزبير رضي الله عنهما والحجاج.
وذكر الأزرقي أن الوليد بن عبد الملك أول من فرش الكعبة بالرخام وأزر به جدرانها، ونقل ذلك عن ابن جريج، لأنه قال: قال ابن جريج: وعمل الوليد بن عبد الملك الرخام الأحمر والأخضر والأبيض الذي في بطنها، فوزر به، أيضا جدرانها، وفرشها بالرخام، وأرسل به من الشام، ثم قال الأزرقي: فجميع ما في الكعبة من الرخام، فهو من عمل الوليد بن عبد الملك2
…
انتهى.
وكان الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان يحب أن يردها على ما بناها ابن الزبير، حين أخبره بذلك خليفته الإمام العادل عمر بن عبد العزيز بن مروان لما سأله عن ذلك ولم يمنع سليمان من ذلك إلا كون الحجاج صنع ذلك بأمر أبيه عبد الملك بن مروان، ذكر هذا الخبر الأزرقي3.
ويروى أن الخليفة الرشيد وقيل: أبوه المهدي أراد أن يغير ما صنعه الحجاج في الكعبة، وأن يردها إلى ما صنع ابن الزبير، فنهاه عن ذلك الإمام مالك بن أنس رحمه الله وقال له: نشدتك الله لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك، لا يشأ أحد منهم أن يغيره إلا غيره، فتذهب هيبته من قلوب الناس
…
انتهى بالمعنى.
وكأن مالك لحظ في ذلك كون درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وهي قاعدة مشهورة معتمدة.
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 213.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 220.
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 221.
ونشير إلى ما علمناه من العمارات التي وقعت في الكعبة بعد ابن الزبير رضي الله عنهما والحجاج:
فمن ذلك انفتاح الجدار الذي بناه الحجاج من وجه الكعبة ودبرها وترميمه ذكر ذلك إسحق بن أحمد الخزاعي أحد من روى عن الأزرقي في تاريخه، ونص كلامه: وأنا رأيتها، وقد عمر الجدار الذي بناه الحجاج مما يلي الحجر، فانفتح من البناء الأول الذي بناه ابن الزبير مقدار نصف أصبع من وجهها ومن دبرها، وقد رمم بالجص الأبيض
…
انتهى.
وذكر ذلك في موطن آخر بمعناه. وكلام الخزاعي هذا يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون ما ذكره من انفتاح الجدار وترميمه وقع في عصره، والآخر: أن يكون وقع ذلك قبله ورآه كما ذكره، والله أعلم. ووقع فيما ذكره الأزرقي: ما يقرب من هذا.
ومن ذلك: ما وقع في سطح الكعبة على ما ذكر الأزرقي، لأنه قال: وكانت أرض سطح الكعبة بالفسيفساء، ثم كانت تكفّ عليهم إذا جاء المطر، فقلعته الحَجَبة بعد سنة مائتين، وشدوه بالمرمر المطبوخ والجص شيد به تشييدا.
ومن ذلك: عتبة باب الكعبة السفلى، على ما ذكره الأزرقي، لأنه قال لما ذكر العمارة المتعلقة بالكعبة في زمن المتوكل العباسي، وهي في سنة إحدى وأربعين ومائتين: وكانت عتبة باب الكعبة السفلى قطعتين من خشب الساج فدثرتا ونخرتا من طول الزمان عليهما، فأخرجهما يعني المندوب للعمارة إسحق بن سلمة الصائغ وصير مكانهما قطعة من خشب الساج، وألبسهما صفائح فضة1
…
انتهى.
ومن ذلك: رخامتان أو ثلاث في جدران الكعبة، قلع ذلك إسحاق بن سلمة، وأعاد نصبه بجص صنع في التاريخ المشار إليه ذكر ذلك الأزرقي2 أيضا
ومن ذلك ما وقع بعد الأزرقي، وهو عمارة سقف الكعبة والدرجة التي بباطنها، وكلاهما في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة3.
ومن ذلك: عمارة رخامها في عشر الخمسين وخمسمائة في غالب ظني وهذه العمارة من جهة الوزير جمال الدين المعروف بالجواد، وزير صاحب الموصل.
ومن ذلك: مع وقع في سنة تسع وعشرين وستمائة، وما عرفت المعمور في تلك السنة من الكعبة: هل هو في سقفها؟ أو أرضها وجدرها؟ كإصلاح رخامه في ذلك وغيره، والله أعلم.
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 301، وإتحاف الورى 2/ 314.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 306، 307.
3 إتحاف الورى 2/ 322.
وهذه العمارة من جهة المستنصر العباسي، لأن في جدر الكعبة اليماني من داخلها رخامة مكتوبا فيها بعد البسملة: أمر بعمارة البيت المعظم الإمام الأعظم أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين، وفيها بعد الدعاء له: في شهور سنة تسع وعشرين وستمائة.
ومن ذلك رخام الكعبة بأمر الملك المظفر صاحب اليمن، واسمه مكتوب بسبب ذلك في الكعبة في رخامة في وسط الجدار الغربي، ونص المكتوب: أمر بتجديد رخام هذا البيت المعظم: العبد الفقير إلى رحمة ربه يوسف بن عمر بن علي ابن رسول، وفيها بعد الدعاء له: بتاريخ شوال سنة ثمانين وستمائة1.
ومن ذلك: إلصاق رخام خُشِيَ سقوطه في بعض جدرانها من داخلها في آخر سنة إحدى وثمانمائة أو في أول سنة اثنتين وثمانمائة2.
ومن ذلك: مواضع في سطحها كان يكثر وكف المطر منها إلى سفلها، منها: موضع عند الطابق الذي على الدرجة التي يصعد منها إلى سطحها، ومنها: موضع عند الميزاب، وكان الفتح الذي في هذا الموضع متسعا مضرا، يصل الماء منه إلى الجدار الشامي من الكعبة، لقربه منها، وينزل الماء منه في وسط الجدار، ومواضع بقرب بعض الروازن التي للضوء.
وكان إصلاح المواضع المذكورة بالجبس بعد قلع الرخام الذي هناك، وأعيد في موضعه، وأبدل بعضه بغيره، وأصلحت الروازن كلها بالجبس، وكانت الأخشاب المطبقة بأعلى الروازن التي عليها البناء المرتفع في سطح البيت قد تخربت، فعوضت بخشب سوى ذلك، وأعيد البناء الذي كان عليها كما كان، إلا أن الروزن الذي يلي باب الكعبة فإن خشبه لم يغير، وكان الروزن الذي يلي الركن الغربي قد تخرب بعض الخشب الذي في جوفه مما يلي السقف والكسوة التي في جوف الكعبة، وكانت الكسوة التي تليه قد زال تشبكها فشمرت، وكان الروزن الذي يلي الركن اليماني منكسرا فقلع وعوض بروزن جيد وجد في أسفل الكعبة، وأصلح في الدرجة أخشاب متكسرة، وشاهدت إصلاح كثير من هذه الأمور وأنا بسطح الكعبة مع من صعد لعمل ذلك، وذلك في أيام متفرقة في العُشْر الأوسط من شهر رمضان سنة أربع وعشر وثمانمائة عقب مطر عظيم حصل بمكة في أوائل هذا العُشْر، وصار يخرج بسببه من باب الكعبة إلى الطواف كأفواه القرب3.
ومن ذلك: أن في النصف الأخير من ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، أصلحت الروازن التي بسطح الكعبة ورخامة تل ميزابها، لأن الماء كان ينتفع عليها.
1 إتحاف الورى 3/ 113.
2 إتحاف الورى 3/ 416.
3 إتحاف الورى 3/ 488، والعقد الثمين 1/ 50.
لخراب ما تحتها، فقلعت وأزيل ما تحتها من الخراب، وأعيد إلصاقها بعد إحكام هذا الإصلاح1.
ومن ذلك في هذا التاريخ: أن الأخشاب التي بسطح الكعبة المعدة لربط كسوتها تخربت فقلعت وعوض عنها بأخشاب جديدة محكمة، وركبت فيها الحلق الحديد التي يشد بها كسوة الكعبة، ووضعت الأخشاب بسطح الكعبة في مواضعها قبل ذلك.
ومن ذلك: أن في صفر سنة ست وعشرين وثمانمائة قلع الرخام الذي بين جدار الكعبة الغربي والأساطين التي بالكعبة لتخربه، وأعيد نصبه محكما كما كان بالجص، وأصلح رخام آخر في بعض جدران الكعبة لتخربه، وأعيد نصبه محكما كما كان بالجص، وأصلح رخام آخر في بعض جدران الكعبة لتخربه، وكتب بسبب ذلك في لوح رخام يقابل باب الكعبة، ومعنى المكتوب فيه، تقرب إلى الله تعالى برخام هذا البيت الشريف المطهر العبد الفقير إلى الله تعالى الملك الأشرف برسباي في سنة ست وعشرين وثمانمائة2
…
انتهى.
والملك الأشرف المشار إليه هو صاحب الديار المصرية والشامية والحرمين في هذا التاريخ، زاده الله نصرا وتوفيقا.
ومن ذلك: أن الأسطوانة التي تلي باب الكعبة ظهر بها ميل فخيف من أمرها، فاجتمعنا بالكعبة الشريفة مع جماعة من قضاة مكة، والأمير المندوب من مصر في السنة الماضية لعمارة المسجد الحرام أحسن الله إليه وغيره من الأعيان بمكة والعارفين بالعمارة، وكشف من فوق السارية المذكورة فوجدت صحيحة، فحمدنا الله تعالى كثيرا على ذلك، وردت حتى استقامت وأحكم ذلك كما كانت أولا، فلله الحمد، والأمير المشار إليه هو الجناب السيفي مقبل القديدي الملكي الأشرفي صاحبنا، أحسن الله إليه.
وكان إصلاح هذه الاسطوانة في يوم السبت سادس عشر صفر سنة ست وعشرين وثمانمائة، وإصلاح الرخام في أيام الشهر المذكور3.
ومما غير في الكعبة بعد ابن الزبير رضي الله عنهما والحجاج: عتبة الباب السفلى، لأن الأزرقي ذكر أنها جعلت قطعة واحدة من خشب الساج، كما سبق ذكره وعتبة الكعبة الآن السفلى حجر منحوت، وما عرفت متى كان ذلك. وقد خفي علينا من المعنى الذي ذكرناه من أمر عمارة الكعبة كثير لعدم تدوين من قبلنا لذلك. ويدخل في المعنى الذي ذكرناه من عمارة الكعبة العمارة الواقعة في شاذورانها، وقد بينا ما علمناه من ذلك في الباب الذي بعد هذا في الترجمة المتعلقة بالشاذروان.
1 إتحاف الورى 3/ 587، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام "ص: 207"، وتاريخ الكعبة المعظمة "ص: 233".
2 إتحاف الورى 3/ 597، والعقد الثمين 1/ 50.
3 إتحاف الورى 3/ 597.