المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ١

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تصدير:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول

- ‌أولا: ذكر مكة المشرفة

- ‌ثانيًا: ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها:

- ‌الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث:

- ‌ذكر الحرم وسبب تحريمه:

- ‌ذكر علامات الحرم:

- ‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من طريق نمرة:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة العراق:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة التنعيم وهي طريق المدينة وما يليها

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة اليمن:

- ‌الباب الرابع

- ‌ذكر شيء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكة وحرمها

- ‌ذكر شيء مما ورد في تعظيم الناس لمكة وحرمها وفي تعظيم الذنب في ذلك:

- ‌الباب الخامس

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

- ‌الباب السادس:

- ‌ذكر المجاورة بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في الموت بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في فضل أهل مكة:

- ‌ذكر شيء من فضل جدة ساحل مكة وشيء من خبرها:

- ‌ذكر شيء من فضل الطائف وخبره:

- ‌الباب السابع

- ‌في أخبار عمارة الكعبة المعظمة

- ‌ذكر البيت المعمور الذي أنزله الله على آدم وشيء من خبره:

- ‌ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج وما صنع فيها من العمارة:

- ‌ذكر الأساطين:

- ‌ذكر الميازيب:

- ‌ذكر الأبواب:

- ‌أوَّل من بوب الكعبة:

- ‌الباب الثامن:

- ‌ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة:

- ‌ذكر النوع الكعبة من داخلها وخارجها

- ‌ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع سطح الكعبة:

- ‌ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من خبر عمارته:

- ‌ذكر حلية الكعبة المعظمة ومعاليقها:

- ‌ذكر كسوة الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر طيب الكعبة وأخدامها:

- ‌ذكر أسماء الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان:

- ‌ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها:

- ‌الباب التاسع:

- ‌ذكر بيان مصلى النبي في الكعبة:

- ‌ذكر قدر صلاة النبي في الكعبة في دخوله هذا

- ‌ذكر من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة يوم فتح مكة من الصحابة ومن نقلها منهم، رضي الله عنهم:

- ‌ذكر ترجيح رواية من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة على رواية من نفاها، وما قيل في الجمع بين ذلك:

- ‌ذكر عدد دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة الشريفة بعد هجرته من المدينة وأول وقت دخل الكعبة فيه بعد هجرته

- ‌الباب العاشر:

- ‌في ثواب دخول الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

- ‌آداب دخول الكعبة:

- ‌الباب الحادي عشر:

- ‌ذكر شيء من فضائل الكعبة:

- ‌ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود وما جاء في كونه من الجنة:

- ‌ذكر فضل الركن اليماني وما جاء في تقبيله ووضع الخد عليه

- ‌الباب الثاني عشر:

- ‌ذكر ما ورد في ثواب الطواف عموما من غير تقييد بزمن:

- ‌ذكر بدء الطواف بهذا البيت المعظم وما ورد من طواف الملائكة

- ‌ذكر طواف بعض الجن والدواب والطير بالكعبة:

- ‌ما جاء من أن شرعية الطواف لإقامة ذكر الله:

- ‌ذكر ثواب النظر إلى الكعبة:

- ‌ذكر ثواب الحج والعمرة:

- ‌الباب الثالث عشر:

- ‌في الآيات المتعلقة بالكعبة:

- ‌ذكر خبر تبع والهذليين:

- ‌ذكر خبر أصحاب الفيل:

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار الحجر الأسود

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في زمن ابن الزبير، وما صنع فيه من الفضة في زمنه وزمن هارون الرشيد:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له:

- ‌ذكر ما صنعه الحجبة في الحجر الأسود بإثر رد القرامطة له:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة من بعض الملحدة مثلهم:

- ‌ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض:

- ‌ذكر شيء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود:

- ‌الباب الخامس عشر:

- ‌ذكر الملتزم:

- ‌ذكر المستجار:

- ‌ذكر الحطيم:

- ‌ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:

- ‌الباب السادس عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار المقام "مقام الخليل عليه السلام

- ‌ذكر حلية المقام:

- ‌ذكر صفة الموضع الذي فيه المقام والمصلى خلفه:

- ‌ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود:

- ‌ذكر موضع المقام في الجاهلية والإسلام وما قيل في ذلك:

- ‌ذكر شيء من فضل المقام:

- ‌ما جاء في هلاك من تعرض له بسوء:

- ‌الباب السابع عشر:

- ‌ذكر شيء من أخبار الحِجْر المُكَرَّم حِجْر إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر موضع الحجر وصفته:

- ‌ذكر ما جاء في الحجر والصلاة فيه:

- ‌ذكر ما جاء في الدعاء في الحجر تحت الميزاب:

- ‌ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة:

- ‌الباب الثامن عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته

- ‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

- ‌ذكر ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين:

- ‌ذكر ذرع زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر ذرع زيادة باب إبراهيم

- ‌الباب التاسع عشر:

- ‌ذكر عدد أساطين المسجد الحرام غير الزيادتين وصفتها:

- ‌ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفتها:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم:

- ‌ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم:

- ‌شرفات المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم:

- ‌ذكر عدد قناديل المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها:

- ‌ذكر منائر المسجد الحرام:

- ‌ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحة أو لنفع الناس به

- ‌ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها منه

- ‌ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة:

- ‌ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها:

- ‌الباب العشرون:

- ‌ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها:

- ‌ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن:

- ‌ذكر أسماء زمزم:

- ‌ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه:

- ‌ذكر آداب شربه:

- ‌ذكر حكمة التطهير بماء زمزم:

- ‌ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان:

- ‌ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

- ‌الباب الحادي والعشرون:

- ‌الباب الثاني والعشرون

- ‌ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك

- ‌ذكر الموضع الذي أحرم منه رسول الله من الجعرانة:

- ‌ذكر مقدار ما بين باب بني شيبة وهذين العلمين:

- ‌ذكر تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة:

- ‌ذكر مسجد عرفة وحكم الوقوف فيه:

- ‌ذكر ذرع هذا المسجد وشيء من صفته:

- ‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

- ‌ذكر حكم البناء بمنى:

- ‌ما جاء في فضل منى وما ذكر فيها من الآيات:

- ‌الباب الثالث والعشرون:

- ‌الباب الرابع والعشرون:

- ‌الباب الخامس والعشرون

- ‌ذكر نسب جرهم

- ‌ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها:

- ‌فهرس محتويات الجزء الأول

الفصل: ‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

اعلم أنه لم يزد في المسجد الحرام بعد الأزرقي، إلا أن الزيادتين المعروفة إحداهما بزيادة دار الندوة بالجانب الشمالي، والثانية الزيادة المعروفة بزيادة باب إبراهيم بالجانب الغربي، ولم يزد فيه بعد المهدي غير هاتين الزيادتين، فأما قول الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه" في أخبار سنة إحدى وسبعين ومائة: أن الخيزران أم الرشيد خرجت إلى مكة فأقامت بها حتى شهدت الحج1، وقد اشترت الدار المشهورة لها بمكة المشرفة المعروفة بدار الخيزران فزادتها في المسجد الحرام2 فهو غير مستقيم لأن الدار المشهورة بالخيزران بمكة إنما هي عند جبل الصفا، وبينها وبين المسجد الحرام طريق مسلوك يزيد على مائة ذراع على مقتضى ما ذكره الأزرقي في مقدار ما بين باب المسجد المعروف بباب الصفا. والصفا هو مبدأ السعي، وهو قرب هذه الدار، فدخولها في المسجد الحرام غير ممكن، وأيضا فإنه لو وقع منها ذلك لاشتهر كما اشتهر توسعة غيرها من المسجد الحرام، ولذكره الأزرقي في "تاريخه" كما ذكر ما وقع من غيرها في هذا الأمر، والله أعلم3.

وأيضا النقل، فإن إسحاق بن أحمد الخزاعي قال في خبر زيادة دار الندوة: أن الساعي فيها كتب إلى وزير المعتضد العباسي4 يحسن له جعل ما بقي من دار الندوة مسجدا ويقول له إن هذه تكرمة لم تهيئ لأحد من الخلفاء بعد المهدي، وذكر إسحاق الخزاعي شيئا من خبر هذه الزيادة وملخص ذلك أن الساعي فيها سأل قاضي مكة محمد بن أحمد المقدمي وأميرها "عج بن حاج" مولى أمير المؤمنين يعني المعتضد العباسي أن يكتبا فيها بمثل ما كتب، فكتبا، فعرضت كتبهم على المعتضد، فأمر المعتضد بعمارة دار الندوة مسجدا يوصل بالمسجد الكبير، وأخرج لذلك مالا عظيما، فحمل إلى قاضي بغداد يوسف بن يعقوب، فأنفذ بعضه صفائح، وأنفذ بعضه على يد ابنه عبد الله بن يوسف في وقت الحج، وقدم معه برجل يقال له أبو الهياج الأسدي، فوكله بالعمل، وخلف معه عمالا وأعوانا لذلك، فأخرجت القمائم من دار الندوة، وهدمت، ثم أنشئت مسجدا من أساسها بأساطين وطاقات وأروقة مسقفة بالساج المذهب المزخرف، ثم فتح لها في جدار المسجد الكبير اثنا عشر بابا: ستة كبار سعة كل باب خمسة أذرع، وارتفاعه إلى السماء أحد عشر ذراعا، وجعل بين الستة الأبواب الكبار ستة أبواب صغار، سعة كل باب منها ذراعان ونصف، وارتفاعه في السماء ثمانية أذرع وثلثا ذراع، وجعل سوى ذلك: ثلاثة أبواب شارعة في الطريق التي حولها، منها: بابان طاقان، وباب طاق واحد، وسوى جدرها وسقوفها بالمسجد الحرام، وجعل لها منارة وشرفا، وفرغ منها في ثلاث سنين، ولم يبين إسحاق الخزاعي السنة التي فرغ منها في عمارة هذه

1 البداية والنهاية 10/ 112.

2 هذه المعلومة ليست عند ابن كثير.

3 ذكر هذه المعلومة ابن فهد في إتحاف الورى 2/ 325، وانظر: الإعلام "ص: 112، 113"، ودرر الفرائد "ص: 220".

4 هو: عبيد الله بن سليمان بن وهب، وقد استمر وزيرا للمعتضد العباسي حتى سنة 288هـ.

ص: 299

الزيادة حين أنشئت، ولعل ذلك في سنة أربع وثمانين ومائتين على مقتضى ما ذكره من أنه كتب إلى المعتضد سبب إنشائها في سنة إحدى وثمانين ومائتين1.

وذكر أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعي ابن أخي إسحاق الخزاعي أن القاضي محمد بن موسى لما كان إليه إمرة البلد، غير الطاقات التي كانت في جدر المسجد الكبير حين عمرت هذه الزيادة وقد تقدم ذكرها وجعل ذلك بأساطين حجارة مدورة، عليها مصعد من ساج بطاقات معقودة بالآجر الأبيض والجص، ووصله بالمسجد الكبير وصولا أحسن من العمل الأول، حتى صار من في دار الندوة من مصل ومستقبل يستقبل القبلة فيراها كلها. عمل ذلك في سنة ست وثلاثمائة2.

وأما الزيادة التي بالجانب الغربي المعروفة بزيادة باب إبراهيم، فذكر أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعي شيئا من خبرها عند ذكر الأزرقي لباب بني جمح، ونص كلامه: قد كان هذا على ما ذكر الأزرقي، حتى كانت أيام جعفر المقتدر بالله أمير المؤمنين العباس. وكان يتولى الحكم بمكة محمد بن موسى، فغير هذين البابين، المعروف أحدهم بالحناطين، والآخر ببني جمح، وجعل ما بين دار زبيدة مسجدا أوصله بالمسجد الكبير، وعمله بأروقة وطاقات وصحن، وجعله شارعا على الوادي الأعظم بمكة، فانتفع الناس به وصلوا فيه، وذلك كله في سنة ست وسبع وثلاثمائة3

انتهى.

ذكر صفة هذه الزيادة:

أما صفة هذه الزيادة: فإنها تخالف الزيادة السابقة، لأنه ليس لها رواق غربي، وإنما لها رواق شرقي وشمالي وجنوبي، وموضع الغربي أبواب، وبينهما باب الزيادة، وكل رواق منها شقة واحدة، وغالب الجنوبي مما يلي الجهة الشرقية محوط ببيت فيه شبابيك من خشب، وهو السبيل المنسوب لملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاون الصالحي، وكانت عمارته في آخر عشر الستين وسبعمائة على ما بلغني، ولها صحن، هذا ملخص مختصر من خبر ما زيد في المسجد الحرام بعد الأزرقي.

وأما ما وقع فيه من العمارات بعده فكثيرة، وقد شرحنا في أصل هذا الكتاب شيئا من خبرها واقتصرنا على أعظم ما وقع فيه من العمارة بعد الأزرقي وسببها، وذلك أن في

1 ذكر هذا ابن فهد في إتحاف الورى 2/ 352، وانظر: أخبار مكة للأزرقي 2/ 110.

2 إتحاف الورى 2/ 366، وأخبار مكة للأزرقي 2/ 113.

3 إتحاف الورى 2/ 336.

ص: 300

ليلة السبت الثامن والعشرين1 من شوال سنة اثنين وثمانمائة، ظهرت نار من رباط رامشت بالجانب الغربي من المسجد الحرام، ولم يكن غير لحظة حتى تعلقت بسقف المسجد وعمت بالحريق الجانب الغربي منه، وبعض الرواقين المقدمين من الجانب الشامي بما في ذلك من السقوف والأساطين الرخام وصارت قطعا، وانتهى الحريق إلى محاذاة باب دار الصحابة، وسبب ذلك أن النار لم تجد شيئا تتعلق به لخلو باب دار الصحابة، وسبب ذلك: أن النار لم تجد شيئا تتعلق به لخلو ذلك الموضع، وهو عمودان عليهما عقود وسقف بعد سقوطه لتخربه في السيل المهول الذي كان بمكة في هذه السنة أيضا، فصار ما احترق من المسجد الحرام أكواما عظاما تمنع من الصلاة في موضعها ومن رؤية الكعبة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قدر الله تعالى عمارة ذلك في مدة لطيفة على يد الأمير بيسق الظاهري2 أعزه الله تعالى، وكان قدومه لذلك في موسم سنة ثلاث وثمانمائة، فلما رحل الحاج من مكة في هذه السنة شرع في شيل تلك الأكوام العظيمة، حتى فرغت، ثم أخذ في العمارة حتى عاد ذلك كما كان. إلا أن الأساطين التي بالجانب الغربي حجارة منحوتة، وكذلك الأساطين التي في الجانب الشامي خلا أساطين يسيرة في مقدمة الجانب المذكور، فإنها رخام مكسر ملصق بالحديد، وكان الفراغ من عمارة ذلك في العشر الأخير من شعبان سنة أربع وثمانمائة3.

وعجب الناس كثيرا من سرعة عمارة ذلك في هذه المدة، لأن من رأى ذلك قبل عمارته كان يقطع بأن هذه العمارة إنما تنهض في مدة سنين، باعتبار العادة في العمارات، فلله الحمد على نعمه التي لا تحصى ولم يبق من ذلك محتاجا إلى العمارة إلا سقف الجانب الغربي، والذي أوجب تركه أنه لم يوجد بمكة خشب ساج يسقف به، ولو وجد بمكة لما جاء الموسم من سنة أربع وثمانمائة إلا وجميع ذلك فارغ بقدرة الله تعالى.

ولما كان المحرم مفتتح شهور سنة سبع وثمانمائة، قدم إلى مكة الأمير بيسق المذكور أحسن الله إليه، لعمارة هذا السقف وغيره مما تشقق من المسجد الحرام، ونهض أيضا في مدة لطيفة بقدرة الله لأن الأمير بيسق المشار إليه جرى على عادته في علو الهمة وعني من حين وصوله بتحصيل الأخشاب، ثم بتهيئتها لعمل السقف، ثم بتركيبها في محلها، والخشب الذي سقف به ذلك يقال له خشب العرعر4، جيء به إلى

1 في إتحاف الورى 3/ 420: "ثامن عشر"، وانظر أيضا: السلوك للمقريزي 3/ 3: 1019، ونزهة النفوس 2/ 61، ودرر الفرائد "ص: 316، 317".

2 هو "بيسق الشيخي" مات سنة 821هـ، انظر ترجمته في "الضوء اللامع 3/ 22، 23".

3 إتحاف الورى 3/ 423، والسلوك 3/ 3:1064.

4 "العرعر": شجر من أشجار الصنوبريات، وأنواعه كثيرة.

ص: 301

مكة من جهة الطائف، وأصلح الأمير المذكور في هذه السنة مواضع أخرى كانت متشققة بالمسجد الحرام وسقوفا فيه، فلله الحمد على ذلك1.

ثم عمرت أماكن من المسجد الحرام في سنة خمس عشرة وثمانمائة، فمن ذلك: عقدان على أسطوانة واحدة في الصف الأول من الرواق اليماني، مقابل المدرسة البنجالية، وأماكن في سقف المسجد الحرام كثيرة، وكان المتولي لأمر هذه العمارة شيخنا قاضي مكة جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة القرشي المخزومي المكي2 من مال تطوع به بعض أهل الخير أثابهم الله3.

ثم كثر الشعث والخراب بالمسجد الحرام بعد ذلك، وسقط كثير من سقوفه، ومن ذلك: أماكن بالجانب الغربي، وموضع بالجانب اليماني يقابل العقدين المشار إليهما.

ومن ذلك: سقف بالجنب الشرقي في موضع يقال له باب العباس، قريبا من سقف عقدين.

ومن ذلك: ما يقابل باب الجنائز، ورباط المراغي، والسدة: نحو أربعة عقود.

ومن ذلك: بالجانب الشامي سقف عقد بقرب باب الدريبة، وموضع آخر بهذا الجانب يقابل رباط أم الخليفة الناصر العباسي المعروف بالعطيفية.

ومن ذلك: سقف ستة عقود في محاذاة زيادة دار الندوة في الرواق الذي يليها.

ومن ذلك: سقف عقد مقابل باب دار العجلة.

ومن ذلك: سقف عقدين بالرواق الغربي من زيادة دار الندوة.

ومن ذلك: ما فوق أحد بابي الجنائز الذي يلي رباط المراغي المعروف بالقيلاني إلى آخر جدار المسجد الحرام الذي يلي رباط المراغي، وقد عمر من ذلك باب الجنائز عمارة حسنة، مع جدار المسجد الحرام الذي يلي رباط القيلاني، وكان ما بين بابي الجنائز قائما لم يسقط قبل عمارته، وإنما تخرب4، فهدم ذلك حتى بلغ الأرض، وأزيلت أسطوانتان من رخام كانتا متصلتان5 بالبناء الذي بين البابين، وبين بابي الجنائز تبرة كبيرة بحجر منحوت من ظاهرها فيما يبدو للناس وباطنها بحجر غشيم، حتى ارتفعت عن الأرض نحو أربعة أذرع بالعمل، وبني فوقها عقدان عليها وعلى جدار المسجد الحرام إلى المدرسة الأفضلية، وجدار المسجد الحرام إلى رباط القيلاني.

1 إتحاف الورى 3/ 430.

2 مات سنة 817هـ، انظر ترجمته في "الضوء اللامع 8/ 92- 95 رقم 194".

3 إتحاف الورى 3/ 485.

4 كذا وردت بالأصل.

5 كذا وردت، والصحيح "متصلتين".

ص: 302

وهذان العقدان مبنيان بحجارة منحوتة مما يلي المسعى، وفيه رخام وشيء فوق أسقفة البابين مما يلي بطن المسجد، وفوق الدرج عقدان من آجر بالنورة، وفي كل عقد عقد لطيف، واستحسنت عمارة ذلك وكتب بسبب هذه العمارة في لوح من رخام: أن ذلك عمر في سنة خمس وعشرين وثمانمائة في ذي القعدة، بأمر صاحب مصر الملك الأشرف برسباي على يد الأمير زين الدين مقبل القديدي صاحبنا1، ونصبت الأخشاب في المواضع الساقطة من هذا الجانب أعني الشرقي وفي الجانب اليماني، وفي الجانب الغربي، وفي الجانب الشامي بقرب باب الدريبة، وقبالة العطيفية، وبقي سقف ذلك الأعلى وإتقانه بالجص والدلك.

وكان بالجانب الشامي في محاذاة باب دار العجلة في الرواق الأوسط أسطوانة من رخام مشدودة بالحديد والرصاص، فأزيلت وعوض عنها بأسطوانة صحيحة من رخام، هي إحدى الأسطوانتين اللتين كانتا بظاهر باب الجنائز، وبني في هذا الجانب في الصف الأول الذي يلي بطن المسجد سبعة عقود، وبني في هذا الجانب عدة عقود في مؤخرة عقد فوق الدكة المنسوبة للفقيه أبي السعود بن ظهيرة، وعقود أخر تلي ذلك إلى باب دار العجلة، وزيد بناء يشد العقود المذكورة في عرض ما تحتها وطوله، واستحسن جميع ذلك.

ومما بني في هذا الجانب، ثمانية عقود في العقد الثاني، وثلاثة عقود في الصف الذي يليه بعد إحكام الأساطين الذي2 تحت ذلك الحملة المبني من العقود سبعة في الصف الذي يلي بطن المسجد، وثمانية في التي تليه، وثلاثة في المؤخرة، وبني عقدان قبالة باب الجنائز، وبترة بين باب المجاهدية.

وجددت أبواب المسجد الحرام، منها: بابان لباب الجنائز، وثلاثة لباب العباس، والباب الأوسط من باب الصفا، وباب الصحابة، وباب الزيادة المفرد، وأصلحت مواضع في أبواب المسجد، وعمرت سقوفه، ونورت أو أكثرها بالنورة، وذلك في سنة ست وعشرين وثمانمائة، إلا قليلا، في سنة خمس وعشرين وذلك على يد الأمير زين الدين مقبل المذكور، أثابه الله تعالى3.

1 الإعلام بأعلام بيت الله الحرام "ص: 207، وتاريخ الكعبة المعظمة "ص: 233، وإتحاف الورى 3/ 587.

2 كذا بالأصل.

3 إتحاف الورى 3/ 597، والعقد الثمين 1/ 50.

ص: 303