الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والعشرون
ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك
…
الباب الثاني والعشرون:
في ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك:
وهي ستة وعشرون موضعا مرتبة على ترتيب حروف المعجم:
الأول: باب بني شيبة1 الذي يستحب للمحرم دخول المسجد الحرام منه، وهو أول باب بالجانب الشرقي مما يلي الجانب الشامي، بين رباط الشرابي ورباط السدرة، وعليه "منارة المسجد الحرام، وأمامه في خارجه بلاط مفروش من حجارة، وفي عتبته حجارة طوال، يقال إنها كانت أوثانا تعبد في الجاهلية، وليس ذلك بصحيح، على ما نقل الأزرقي عن جده2.
والأصل في استحباب دخول المسجد الحرام من هذا الباب، ما رويناه عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد من باب بني شيبة، وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا، رواه البيهقي، وقال: إنه مرسل جيد، قال: ورويناه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا في دخوله من باب بني شيبة، وخروجه من باب الحناطين
…
انتهى.
والمراد بباب بني شيبة في هذا الخبر: جهة هذا الباب، لا هذا الباب نفسه، فإنه لم يكن إلا في عمارة المهدي. والمراد بباب بني مخزوم: باب الصفا، فإنه ينسب لبني مخزوم. وباب الحناطين باب كان للمسجد فيما بين باب الحزورة وباب بني جمح الذي في وزانه الآن: باب الزيادة بالجانب الغربين ولا أثر الآن لباب الحناطين، والمراد به جهته، لأنه لم يكن إلا عقب موت المهدي العباسي فيما أمر به من الزيادة الثانية في المسجد الحرام، فينبغي للخارج من المسجد مسافرا أن يخرج من باب الحزورة، أو هي باب الزيارة المشار إليها لقربها من باب الحناطين.
1 يعرف الآن بباب السلام، وكانت نسب لآل شيبة سدنة الكعبة.
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 78.
وفي "النوادر" لابن أبي زيد المالكي ما يقتضي أن الخارج من المسجد الحرام مسافرا خرج من باب المسجد المعروف الآن بباب العمرة في الجانب الغربي، فينبغي للمسافر أن يخرج منه أو من باب زيادة إبراهيم، أو من باب الحزورة، والله أعلم.
ونص ما في "النوادر" على ما نقل الأشنائي في شرحه لمنهاج النووي بعد أن ذكر أن "النوادر" أهمل بيان الباب الذي يخرج منه المسافر من المسجد الحرام، ففي "النوادر" عن ابن جبير: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد من باب بني شيبة، وخرج إلى الصفا من باب بني مخزوم، وإلى المدينة من باب بني سهم1
…
انتهى.
وباب بني سهم: هو باب المسجد الذي أشرنا إليه، كما يقتضيه كلام الأزرقي وغيره كالأشنائي، باستحباب الخروج منه للمسافر إلى بلده.
وذكر عن الرافعي: أن الأصحاب أطلقوا استحباب دخول المسجد الحرام من باب بني شيبة لمن كان في طريقه، ولمن لم يكن في طريقه، ولا كذلك الثنية العليا، فإن الدخول منها إنما يستحب لمن كانت في طريقه، على خلاف في ذلك. والفرق بينه وبين باب بني شيبة: أن دوران المسجد لأجله لا عسر فه، ولا كذلك الدوران للدخول من الثنية العليا إذا لم يكن في الطريق، والله أعلم.
الثاني: التنعيم المذكور في حد الحرم من جهة المدينة النبوية، وهو أمام أدنى الحل، على ما ذكر المحب الطبري، قال: وليس بطرف الحل، ومن فسره بذلك تجوز وأطلق اسم الشيء على ما قرب منه، وأدنى الحل إنما هو من جهته، ليس موضع في الحل أقرب إلى الحرم منه، وهو على ثلاثة أميال من مكة، والتنعيم أمامه قليلا في صوب طريق وادي مر الطهران
…
انتهى بنصه2.
وقال صاحب "المطالع": التنعيم من الحل بين مكة وسرف على فرسخين من مكة، وقيل: على أربعة أميال، وسميت بذلك لأن جيلا عن يمينها يقال له: نعيم، وآخر عن شمالها يقال لها: ناعم، والوادي: نعمان
…
انتهى.
والإحرام من الحل الذي في جهة التنعيم للمقيم بمكة أفضل من الإحرام من الحل الذي في بقية جهات الحرم، ما خلا الجعرانة، فإن الإحرام منها أفضل عند مالك، والشافعي، وابن حنبل، وغيرهم من العلماء رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.
الثالث: ثبير، الذي يقولون في الجاهلية إذا أرادوا أن يدفعوا من المزدلفة: أشرق ثبير كيما نغير، ولا يدفعون حتى يروا الشمس عليه، وهو جبل بالمزدلفة على ما ذكر.
1 رحلة ابن جبير "ص: 83، 84".
2 القرى "ص: 99".
الأزرقي ونص كلامه: وثبير الموضع الذي فيه سداد الحاج، وهو جبل المزدلفة الذي هو على يسار الذاهب إلى منى، وهو الذي كانوا يقولون في الجاهلية إذا أرادوا أن يدفعوا من المزدلفة: أشرق ثبير كيما نغير. ولا يدفعون حتى يروا الشمس عليه1
…
انتهى.
وثبير الذي يستحب للحاج إذا طلعت الشمس عليه سار إلى عرفة لينزل بنمرة، ثم يذهب منها بعد صلاة الظهر والعصر مع الإمام إلى موقف عرفة، وهو جبل كبير بمنى على يسار الذاهب إلى عرفة، نص على ذلك الشخ الإمام المحب الطبري، لأنه لما تكلم على قول صاحب "التنبيه" في صفة الحج:"ثم يخرج إلى منى في اليوم الثامن، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت بها، ثم يصلي الصبح، فإذا طعلت الشمس على ثبير سار إلى الموقف"، قال: ثبير بثاء مثلثة مفتوحة وباء موحدة مكسورة أعلى جبل بمنى. وقال الجوهري: بمكة، ولعله أراد بقرب مكة فتجوز، وقال غيره: بالمزدلفة، والمشهور الأول وهو يشرف على منى من جمرة العقبة إلى تلقاء مسجد الخيف، وأمامه قليلا على يسار الذاهب إلى عرفة
…
انتهى.
وممن ذكر أن ثبيرا بمنى: الأزرقي، لأنه قال فيما رويناه عنه بالمسند المتقدم: اسم الجبل الذي مسجد الخف بأصله الصفائح، واسم الجبل الذي وجاهه على يسارك إذا أتيت من مكة المقابل ثبير، وهو من الأثبرة2
…
انتهى.
وممن ذكر أن ثبيرا بمنى: سليمان بن خليل، لأنه قال: وثبير جبل كبير بمنى وكذلك النووي في "التهذيب"، لأنه قال لما ذكر منى: وهو شعب ممدود بين جبلين، أحدهما: ثبيرن والآخر: الصائح3، كذا رأيت في نسخة من "التهذيب" ولعله: والآخر الصفائح، كما يقتضيه كلام الأزرقي، والله أعلم.
وإذا تقرر أن ثبيرا بمنى وثبيرا بمزدلفة: فلا مانع أن يكون ثبير الذي إذا طلعت عليه الشمس سار الحاج من مبيته بمنى إلى عرفة، كما قال الفقهاء ثبير بمنى، لكونه إلى مبيت الحاج أقرب من ثبير الذي بالمزدلفة، ولا مانع من أن يكون ثبير الذي عناه المشركون بقولهم أشرق ثبير كيما نغير من المزدلفة، لأنهم كانوا يقولون ذلك بالمزدلفة، ولا يدفعون منها حتى تطلع الشمس على ثبير التي بها، وهو إلى أبصارهم أقرب من ثبير الذي بمنى، كيف وقد قال الأزرقي: إن ثبيرا الذي عناه المشركون ثبير المزدلفة، وأثبت أن بمنى ثبيرا سواه!
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 280.
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 180.
3 في التهذيب: الضائعط بدل "الصائح "انظر: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 2: 157.
وأما قول النووي في "التهذيب" وغيره أن ثبيرا جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب إلى منى، ويمين الذاهب من منى إلى عرفات، وأنه المذكور في صفة الحج، والمراد في مناسك الحج، فقد اعترضه شيخنا القاضي مجد الدين الشيرازي، وقال: إنه قول فيه مقال، ورجم بالغيب، ومخالفة لإجماع أئمة اللغة والتواريخ، ثم قال شيخنا: نعم في المزدلفة جبل يسمى ثبيرا، وليس هو المراد في مناسك الحج
…
انتهى، والله أعلم.
وذكر ياقوت في "معجم البلدان"1 أن ثبيرا اسم لثمانية مواضع فنذكر كلامه لإفادة ذلك، ونص كلامه: باب: ثبير: ثمانية مواضع بفتح أوله كسر الباء الموحدة ثم ياء ساكنة وراء.
الأول: ثبير من أعظم جبال مكة، بين مكة وعرفة، وهو المراد بقولهم في الجاهلية: أشرف ثبير، كيما نغير.
الثاني: ثبير الزنج بمكة أيضا، قالوا: لأن الزنج كانوا يجتمعون عنده للعب واللهو.
الثالث: ثبير الأعرج "وثبير الأحدب"2.
الرابع ثبير الخضراء.
الخامس: ثبير النصع، وهو جبل المزدلفة.
السادس: ثبير غينا3 وهذه السبعة بمكة، ويقال لها: الأثبرة.
الثامن: ثبير: ماء في بلاد مزينة أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم شريح بن ضمرة المزني4
…
انتهى.
هكذا وجدت في نسخة سقيمة من "مختصر معجم البلدان لياقوت" ولا يستقيم ما فيها من أن بمكة سبعة أثبرة إلا بأن يكون سقط من النسخة ذكر ثبير السابع، أو يكون ثبير الأعرج وثبير الأحدب اثنين، فإن الموجود في النسخة يوهم أنهما واحد، ويكون سقط الرابع قبيل قوله: وثبير الأحدب، ويكون على هذا قوله: الرابع والخامس والسادس سهوا في العدد، وهذا الاحتمال أظهر5، لأن الرضى الصاغاني قال: من الأثبرة ثبير
1 النص المذكور في المتن ليس من "معجم البلدان" بل هو من المشترك وضعا والمفترق صقعا" لياقوت أيضًا "ص: 86، 87".
2 ما بين القوسين ليس في "المستدرك".
3 في المشترك: "السابع ثبير الأحدب".
4 المشترك وضعا والمفترق صقعا "ص: 76: 87".
5 الواضح أن المؤلف اطلع على نسخة سقيمة من "المشترك" ويسميه "مختصر معجم البلدان"، وهي التي جعلته يسهب في التحليل والتعليق، ولو اطلع على نسخة سليمة كالتي وصلتنا مطبوعة لوقف على أسماء الأثبرة كاملة.
غَيْنَا، وثبير الأعرج، وثبير الأحدب، وسمعت أعراب هذيل يسمونه: الأحيدب مصغرا
…
انتهى، وهذا يدل على أن ثبيرا الأعرج غير ثبير الأحدب.
وذكر الأزرقي من الأثبرة التي ذكرها ياقوت: ثبيرا الأول، وذكر أن اسمه القابل، وثبير النصع جبل المزدلفة، وثبير الأعرج، ونص ما ذكره فيه: وثبير الأعرج المشرف على حق الطارقيين بين المغمس والنخيل1
…
انتهى. وفي هذا إشارة إلى تعريف محله.
وذكر الزمخشري2 من هذه الأثبرة ثبير غينا وثبير الأعرج، وأفاد في كلامه ضبط غينا، وأن ثبير غينا وثبير الأعرج متقاربان، ولم أقف على المحل الذي ذكر فيه ذلك، وإنما نقل عنه ذلك شيخنا القاضي مجد الدين اللغوي الشيرازي، لأنه قال: وقال الزمخشري: وثبير غينا بالغين المعجمة المتفوحة بعدها مثناة تحتية ثم نوف وألف وثبير الأعرج جبلان يصب بينهما أفاعية بضم الهمزة وبعدها فاء وألف وعين مهملة مكسورة ومثناة تحتية مفتوحة مخففة بعدها هاء وهي واد يصب من منى
…
انتهى.
وثبير الزنج الذي ذكره ياقوت يقال: إنه جبل بأسفل مكة تسميه أهلها النوبي، والله أعلم.
وثبير الخضراء هو الجبل المشرف على الموضع الذي يقال له الخضيرا، بطريق منى وهو مكان مشهور، والنصع بكسر النون وسكون الصاد المهملة هكذا ضبطه شيخنا القاضي مجد الدين الشيرازي، وفي كلام ياقوت إشارة إلى أن ثبيرا الذي كانوا يقولون فيه:"أشرق ثبير كيما نغير": هو ثبير مني، الذي قال له ثبير الأثبرة، وذلك يخالف ما ذكره الأزرقي، والله أعلم.
الرابع: الجعرانة، الموضع الذي أحرم فيه النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف بعد فتح مكة، وهو موضع مشهور بين الطائف ومكة، وهو إلى مكة أقرب بكثير، لأن بينه وبين مكة نحو ثمانية عشر ميلا على ما ذكر الباجي المالكي.
وقال الفاكهي: والجعرانة حيث اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم على بريد من مكة3
…
انتهى باختصار. وهذا يخالف ما ذكره الباجي، والله أعلم بالصواب.
وحد الحرم من جهته على تسعة أميال بتقديم التاء على السين وقيل: يزيد، وهو اثنا عشر ميلا كما سبق في حدود الحرم.
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 280.
2 غريب الحديث الزمخشري.
3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 69، والحديث حسن نقله ابن حجر في الفتح 8/ 64 حسبما قال محقق كتاب الفاكهي.