المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شيء من أخبار الحجر المكرم حجر إسماعيل عليه السلام: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ١

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تصدير:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول

- ‌أولا: ذكر مكة المشرفة

- ‌ثانيًا: ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها:

- ‌الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث:

- ‌ذكر الحرم وسبب تحريمه:

- ‌ذكر علامات الحرم:

- ‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من طريق نمرة:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة العراق:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة التنعيم وهي طريق المدينة وما يليها

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة اليمن:

- ‌الباب الرابع

- ‌ذكر شيء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكة وحرمها

- ‌ذكر شيء مما ورد في تعظيم الناس لمكة وحرمها وفي تعظيم الذنب في ذلك:

- ‌الباب الخامس

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

- ‌الباب السادس:

- ‌ذكر المجاورة بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في الموت بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في فضل أهل مكة:

- ‌ذكر شيء من فضل جدة ساحل مكة وشيء من خبرها:

- ‌ذكر شيء من فضل الطائف وخبره:

- ‌الباب السابع

- ‌في أخبار عمارة الكعبة المعظمة

- ‌ذكر البيت المعمور الذي أنزله الله على آدم وشيء من خبره:

- ‌ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج وما صنع فيها من العمارة:

- ‌ذكر الأساطين:

- ‌ذكر الميازيب:

- ‌ذكر الأبواب:

- ‌أوَّل من بوب الكعبة:

- ‌الباب الثامن:

- ‌ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة:

- ‌ذكر النوع الكعبة من داخلها وخارجها

- ‌ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع سطح الكعبة:

- ‌ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من خبر عمارته:

- ‌ذكر حلية الكعبة المعظمة ومعاليقها:

- ‌ذكر كسوة الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر طيب الكعبة وأخدامها:

- ‌ذكر أسماء الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان:

- ‌ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها:

- ‌الباب التاسع:

- ‌ذكر بيان مصلى النبي في الكعبة:

- ‌ذكر قدر صلاة النبي في الكعبة في دخوله هذا

- ‌ذكر من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة يوم فتح مكة من الصحابة ومن نقلها منهم، رضي الله عنهم:

- ‌ذكر ترجيح رواية من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة على رواية من نفاها، وما قيل في الجمع بين ذلك:

- ‌ذكر عدد دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة الشريفة بعد هجرته من المدينة وأول وقت دخل الكعبة فيه بعد هجرته

- ‌الباب العاشر:

- ‌في ثواب دخول الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

- ‌آداب دخول الكعبة:

- ‌الباب الحادي عشر:

- ‌ذكر شيء من فضائل الكعبة:

- ‌ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود وما جاء في كونه من الجنة:

- ‌ذكر فضل الركن اليماني وما جاء في تقبيله ووضع الخد عليه

- ‌الباب الثاني عشر:

- ‌ذكر ما ورد في ثواب الطواف عموما من غير تقييد بزمن:

- ‌ذكر بدء الطواف بهذا البيت المعظم وما ورد من طواف الملائكة

- ‌ذكر طواف بعض الجن والدواب والطير بالكعبة:

- ‌ما جاء من أن شرعية الطواف لإقامة ذكر الله:

- ‌ذكر ثواب النظر إلى الكعبة:

- ‌ذكر ثواب الحج والعمرة:

- ‌الباب الثالث عشر:

- ‌في الآيات المتعلقة بالكعبة:

- ‌ذكر خبر تبع والهذليين:

- ‌ذكر خبر أصحاب الفيل:

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار الحجر الأسود

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في زمن ابن الزبير، وما صنع فيه من الفضة في زمنه وزمن هارون الرشيد:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له:

- ‌ذكر ما صنعه الحجبة في الحجر الأسود بإثر رد القرامطة له:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة من بعض الملحدة مثلهم:

- ‌ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض:

- ‌ذكر شيء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود:

- ‌الباب الخامس عشر:

- ‌ذكر الملتزم:

- ‌ذكر المستجار:

- ‌ذكر الحطيم:

- ‌ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:

- ‌الباب السادس عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار المقام "مقام الخليل عليه السلام

- ‌ذكر حلية المقام:

- ‌ذكر صفة الموضع الذي فيه المقام والمصلى خلفه:

- ‌ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود:

- ‌ذكر موضع المقام في الجاهلية والإسلام وما قيل في ذلك:

- ‌ذكر شيء من فضل المقام:

- ‌ما جاء في هلاك من تعرض له بسوء:

- ‌الباب السابع عشر:

- ‌ذكر شيء من أخبار الحِجْر المُكَرَّم حِجْر إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر موضع الحجر وصفته:

- ‌ذكر ما جاء في الحجر والصلاة فيه:

- ‌ذكر ما جاء في الدعاء في الحجر تحت الميزاب:

- ‌ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة:

- ‌الباب الثامن عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته

- ‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

- ‌ذكر ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين:

- ‌ذكر ذرع زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر ذرع زيادة باب إبراهيم

- ‌الباب التاسع عشر:

- ‌ذكر عدد أساطين المسجد الحرام غير الزيادتين وصفتها:

- ‌ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفتها:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم:

- ‌ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم:

- ‌شرفات المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم:

- ‌ذكر عدد قناديل المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها:

- ‌ذكر منائر المسجد الحرام:

- ‌ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحة أو لنفع الناس به

- ‌ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها منه

- ‌ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة:

- ‌ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها:

- ‌الباب العشرون:

- ‌ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها:

- ‌ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن:

- ‌ذكر أسماء زمزم:

- ‌ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه:

- ‌ذكر آداب شربه:

- ‌ذكر حكمة التطهير بماء زمزم:

- ‌ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان:

- ‌ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

- ‌الباب الحادي والعشرون:

- ‌الباب الثاني والعشرون

- ‌ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك

- ‌ذكر الموضع الذي أحرم منه رسول الله من الجعرانة:

- ‌ذكر مقدار ما بين باب بني شيبة وهذين العلمين:

- ‌ذكر تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة:

- ‌ذكر مسجد عرفة وحكم الوقوف فيه:

- ‌ذكر ذرع هذا المسجد وشيء من صفته:

- ‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

- ‌ذكر حكم البناء بمنى:

- ‌ما جاء في فضل منى وما ذكر فيها من الآيات:

- ‌الباب الثالث والعشرون:

- ‌الباب الرابع والعشرون:

- ‌الباب الخامس والعشرون

- ‌ذكر نسب جرهم

- ‌ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها:

- ‌فهرس محتويات الجزء الأول

الفصل: ‌ذكر شيء من أخبار الحجر المكرم حجر إسماعيل عليه السلام:

‌الباب السابع عشر:

‌ذكر شيء من أخبار الحِجْر المُكَرَّم حِجْر إسماعيل عليه السلام:

روينا بالسند المتقدم إلى الأزرقي قال: حدثني جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن ابن إسحاق قال: في أثناء خبر بناء الخليل عليه السلام للكعبة: وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز، وكان زربا لغنم إسماعيل عليه السلام1

انتهى.

وقد تقدم في خبر عمارة الكعبة أن قريشا أدخلت في الحجر أذرعا من الكعبة حين بنتها لما قصرت عليهم النفقة الحلال التي أعدوها لعمارة الكعبة عن إدخال ذلك فيها، وأن عبد الله بن الزبير أدخل ذلك في الكعبة حين عمرها، وأن الحجاج أخرج ذلك منها، ورده كما كان عليه في عهد قريش والنبي صلى الله عليه وسلم واستمر الحال على ذلك إلى الآن، وصار بعض الحجر من الكعبة وبعضه ليس منها.

ويدل لذلك ما رويناه في الصحيحين، وغيرها من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا استقصرتها حين بنت الكعبة".

وفي رواية: "فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه، فهلمي لأريك ما تركوا منه" فأراها قريبا من سبعة أذرع". أخرجاه2.

وفي مسلم عن الوليد بن عطاء، فذكر شيئا من حريق الكعبة، وعمارة بن الزبير لها، ثم قال: قال ابن الزبير: إني سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: إن رسول

1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 64، 65.

2 أخرجه البخاري: "1583- 1568"، ومسلم "3/ 371- 372".

ص: 280

الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن الناس حديثو عهد بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع" قال عطاء: وزاد فيه: "خمسة أذرع من الحجر"، حتى أبدى أساسها ونظر إليه الناس، فبنى عليها البناء1

انتهى.

وذكر الفاكهي حديثا فيه ما يقتضي أن الذي تركته قريش من الكعبة في الحجر أربعة أذرع، لأنه روى حديثا قال فيه: ولقد دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى بنيانه قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:"لولا حداثة قومك بالكفر لهدمته وبنيته على بناء إبراهيم، ولجعلت له بابين، ولأدخلت أربعة أذرع من الحجر فيه، وذلك أن أربعة أذرع من الحجر من البيت" 2

انتهى.

وفي إسناد هذا الحديث من لا أعرفه وإنما ذكرناه لغرابته، وسيأتي إن شاء الله في مقدار ما تركته قريش من الكعبة في الحجر وغير ذلك.

والأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها تقتضي أن بعض الحجر من البيت لا كله، كما قال بعضهم فيما حكاه المحب الطبري، وتمسك قائل ذلك بما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر، أمن البيت؟ قال:"نعم". قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إن قومك قصرت بهم النفقة" 3 الحديث

انتهى.

وحديثها هذا لا يعارض أحاديثها التي ذكرناها، لأن حديثها هذا مطلق، وأحاديثها الأخرى مقيدة، والمطلق يحمل على المقيد، وقد أشار إلى ذلك هنا الشيخ محب الدين الطبري، لأنه قال: والأصح أن القدر الذي فيه من البيت سبعة أذرع، وقد جاء مصرحا به في الحديث عن عائشة رضي الله عنها فذكر عنها ما سبق بالمعنى مختصرا. ثم قال: فيحمل المطلق فيما تقدم على هذا، وإطلاق اسم الكل على البعض جائز على سبيل المجاز المطلق فيما تقدم على هذا، وإطلاق اسم الكل على البعض جائز على سبيل المجاز المستحسن، ذكر ذلك في "شرحه للتنبيه"، وقال في "القرى" بعد أن ذكر ما استدل به من يرى أن الحِجر من البيت، ومن يرى أن بعضه من البيت: وفي هذه الأحاديث دلالة على أن بعض الحجر من البيت، ومن يرى حمل المطلق على المقيد يقول: مطلق هذه الأحاديث المتقدمة في الفصل قبله منزلة على هذا، ومن لا يراه عمل بها4

انتهى.

قلت: يدل لمجمل حديث عائشة رضي الله عنها المطلق على أحاديثها المقيدة: أن العلة في حديثها المطلق، هي العلة في أحاديثها المقيدة، وهي ترك قريش بعض

1 أخرجه: مسلم "الحج: 1333".

2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 228، والحديث رواه البخاري 3/ 439، وفتح الباري 3/ 443.

3 أخرجه: البخاري "1584"، ومسلم "3/ 273،

4 القرى "ص: 510".

ص: 281

الكعبة في الحجر حين قصرت بهم النفقة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها المطلق:"ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أُدخِل الحِجرَ في البيت"

الحديث، فإن حال من قال بأن الحجر كله من البيت لا يخلو من أمرين: إما أن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بقوله هذا إلى إدخال بعض الحجر في البيت، أو جميعه.

فإن قال بالأول: فقد ناقض قوله: إن الحجر كله من البيت.

وإن قال الثاني: ففي صحة ذلك نظر، لأن في رواية البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، وأدخلت فيه ما أخرج منه، وجعلت له بابا شرقيا، وبابا غربيا، وبلغت به أساس إبراهيم"1.

وهذه الرواية تقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم يختار رد البيت إلى أساس إبراهيم عليه السلام وأساس إبراهيم عليه السلام الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم: هو الذي أدخلته قريش في الحجر لقصور النفقة عليهم كما سبق بيانه، لأنه لا خلاف بين أهل العلم بالتاريخ أن البيت كان مبنيا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم على أساس إبراهيم عليه السلام من جميع جوانبه، إلا من جهة الحجر كما سبق بيانه فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أشار بقوله هذا إلى أساس إبراهيم عليه السلام الذي أدخلته قريش في الحجر، وهو الأساس الذي بنى عليه ابن الزبير رضي الله عنهما كما تقدم في حديث عطاء في صحيح مسلم، وذكره الأزرقي في خبر بناء ابن الزبير للكعبة، لأن فيه فلما هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالأرض كشف عن أساس إبراهيم عليه السلام فوجده داخلا في الحجر نحو ستة أذرع وشبر، كأنها أعناق الإبل، آخذ بعضها بعضا كتشبيك الأصابع بعضها ببعض، فحرك الحجر من القواعد فتحرك الأركان كلها، فدعا ابن الزبير خمسين رجلا من وجوه الناس وأشرافهم فأشهدهم على ذلك الأساس

ثم قال: ثم وضع البناء على ذلك الأساس2

انتهى.

قلت: ويدل لذلك أيضا ما في بعض طرق الأحاديث أي أحاديث عائشة رضي الله عنها المطلقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى عائشة مقدار ما تركته قريش من الكعبة في الحجر ولو كان من البيت لم يكن لإيرائه صلى الله عليه وسلم ذلك لعائشة

رضي الله عنها فائدة، والله أعلم.

واختلاف الروايات عنها في قدر ما في الحجر من الكعبة لا يقتضي ترك العمل بما روي عنها من أن بعض الحجر من البيت، وإنم يقتضي أن يعمل في مقدار ما في الحجر

1 أخرجه البخاري "1584".

2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 206، 207.

ص: 282

من الكعبة، فأكثر الروايات في ذلك، وهي نحو سبعة أذرع كما في الصحيحين، والله أعلم.

وإنما نبهنا على ذلك، لأن كلام الشيخ تقي الدين بن الصلاح يوهم خلاف ذلك على ما نقله عنه النووي في "الإيضاح" ونص كلامه: وأما حديث عائشة: فقد قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمة الله عليه فقد اضطربت فيه الروايات ففي رواية في الصحيحين: "الحجر من البيت" وروي: "ستة أذرع من الحجر من البيت"، وروي:"ستة أذرع أو نحوها"، وروي:"خمسة أذرع"، وروي:"قريبا من سبع". قال: وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها؛ ليسقط الفرض بيقين

انتهى.

وهذا من ابن الصلاح والنووي على أن الطواف لا يصح إلا من وراء الحجر جميعه.

وذكر النووي أن هذا المذهب هو الصحيح، وعليه نص الشافعي قال: وبه قطع جماهير العلماء من أصحابنا وهذا هو الصواب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر، وهكذا الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم من بعدهم

انتهى.

قلت: يمكن الانفصال عن استدلال النووي بطواف النبي صلى الله عليه وسلم خارج الحجر على وجوب الطواف من خارج الحجر، وذلك أن الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم في حَجِّهِ لا تخلو من أمرين:

أحدهما: أن يكون فعلُها مطلوبا على سبيل الوجوب، والإخلالُ بشيء منها مبطلٌ للحج.

والآخر: أن يكون فعلها مطلوبا، ولكن بعضها يطلب وجوبا، وبعضها يطلب ندبا، وتمييز الواجب من المندوب دليل خارج والأول لا سبيل إليه، والثاني حق. وإذا تقرر ذلك فطواف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر لا يكون دليلا على وجوب الطواف هكذا لما وقع من التزام أن بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج واجب، وبعضها ليس بواجب، ولا يمكن أن يقوم دليل على وجوب الطواف خارج الحجر إذا قطع النظر عن الاستدلال بطواف النبي صلى الله عليه وسلم هكذا إلا أن يكون حديث عائشة رضي الله عنه "الحجر من البيت" وفي الاستدلال به نظر، لما تقدم بيانه من أنه مطلق حمل على أحاديثها المقيدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم فيها مقدار ما في الحجر من البيت كما سبق بيانه، فبان بهذا الانفصال عن استدلال النووي على وجوب الطواف من خارج الحجر بطواف النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا لعدم نهوض الدلالة من فعله صلى الله عليه وسلم.

ص: 283

هذا ويحتمل والله أعلم أن يكون طواف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر لأمرين:

أحدهما: أن في ذلك حسما لمادة فساد يقع في طواف كثير من الطائفين، وذلك أن البيت من جهة الحجر لم يكن على قواعد إبراهيم عليه السلام، لترك قريش جانبا من البيت في الحجر، والواجب على الطائف الخروج عنه، فلو طاف النبي صلى الله عليه وسلم في الحجر خارجا عما فيه من البيت لاقتدى به في ذلك من لا يعرف مقدار ما في البيت من الحجر، فيفسد عليه طوافه لكونه طاف من البيت ولم يطف به.

والأمر الثاني: أن لو جوزنا السلامة من هذا المحذور لمعرفة جميع الخلق بمقدار ما في الحجر من البيت، لكان في طوافه صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر حكمة حسنة من وجهين:

أحدهما: الراحة من تسور الحجر، فإن قريشا أحاطت عليه جدارا كما في خبر بنائهم للكعبة.

والآخر: أن في ذلك حسما لمادة فساد، وهو أن النساء يتسورن الحجر في الطواف كالرجال، وفي تسورهن كشف لهن، وهن مأمورات بالصيانة، فرأى صلى الله عليه وسلم أن يطوف من وراء الحجر لما في ذلك من الراحة لأمته دينا ودنيا، ومثل هذا يقال في طواف الخلفاء وغيرهم من وراء الحجر، وإذا تقرر أن طوافه صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر لهذا المعنى فيكون الطواف هكذا مطلوبا ندبا متأكدا لا وجوبا، لعدم نهوض الدلالة على وجوبه هكذا في طوافه صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه، فإن خالف الإنسان وتسور جدار الحجر، وطاف في الحجر فيما ليس فيه من الكعبة خصوصا على رواية سبعة أذرع أو نحوها، أو ستة أذرع ففي الجزم بفساد طوافه نظر كثير لا ينهض عليه دليل.

وقد قال بصحة طواف من طاف في الحجر وجعل بينه وبين الكعبة ستة أذرع جماعة من كبار العلماء منهم: أبو محمد الجويني، وابنه إمام الحرمين، والبغوي، وذكر الرافعي أن هذا المذهب هو الصحيح، وقال به اللخمي من أصحابنا المالكية وجزم به الشيخ خليل الجندي في مختصره الذي صنفه لبيان ما به الفتوى، وتلميذه شيخنا القاضي تاج الدين بهرام المالكي في "شامله" ويدل لذلك رواية عائشة رضي الله عنها التي فيها: أن ستة أذرع من الحجر من البيت، وهي في الصحيحين كما سبق بيانه، والله أعلم.

ص: 284