الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العشرون:
ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها:
أول من أظهر زمزم على وجه الأرض جبريل عليه السلام عند ظمأ إسماعيل عليه السلام سقيا من الله تعالى، واختلفت الروايات في كيفية صنع الأمين جبريل عليه السلام حين أخرج ماء زمزم، ففي رواية:"بحث بعقبه"، وفي رواية:"همز بعقبه"، وهاتان الروايتان في "صحيح البخاري".
ولما أظهر الله ماء زمزم لإسماعيل عليه السلام حوضت عليه أمه هاجر خشية أن يفوتها قبل أن تملأ منه شنها ولو تركته لكان عينا تجري، على ما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح.
وذكر الفاكهي خبرا يقتضي: أن الخليل عليه السلام حفر زمزم وقصته كانت بينه وبين ذي القرنين في زمزم، لأنه قال: حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي، قال: حدثنا سعد بن سالم قال: حدثنا عثمان بن ساج قال: بلغنا في الحديث المأثور عن وهب بن منبه قال: كان بطن مكة ليس فيه ماء، وليس لأحد فيه قرار، حتى أنبطه الله لإسماعيل لما أراد من عمارة بيته لم يكن لأحد بها يومئذ مقام1.
قال عثمان: وذكر غيره: أن زمزم تدعى سابق، وكانت وطأة من جبريل. وكانت سقياها لإسماعيل عليه السلام يوم فرج له عنها جبريل، وهو يومئذ وأمه عطاش،
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 122.
فحفر إبراهيم بعد ذلك البئر، ثم غلبه عليها ذو القرنين، وأظن أن ذا القرنين كان سال إبراهيم عليه السلام أن يدعو الله له، فقال: كيف، وقد أفسدتم بئري؟ فقال ذو القرنين: ليس عن أمري، ولم يخبرني أحد أن البئر بئر إبراهيم، فوضع السلاح، وأهدى إبراهيم إلى ذي القرنين بقرا وغنما، فأخذ إبراهيم سبعة أكبش، فأقرنهم وحدهم، فقال ذو القرنين: ما شأن هذه الأكبش يا إبراهيم؟ فقال إبراهيم: هؤلاء يشهدون في يوم القيامة أن البئر بئر إبراهيم
…
انتهى.
وفي حاشية كتاب الفاكهي في هذا الحديث مكتوب ما صورته: عطاشا ما أقرأ عبد الله بن عمران عطاشا، قال أبو عبد الله: والصواب عطشانان1
…
انتهى.
ولم تزل ماء زمزم ظاهرا ينتفع به سكان مكة، إلى أن استخفت جرهم بحرمة الكعبة والحرم، فدرس موضعه ومرت عليه السنون عصرا بعد عصر، إلى أن صار لا يعرف.
وقيل: إن جرهما دفنتها حين نفت عن مكة، ذكره الزبير بن بكار وغيره، والله أعلم.
ثم بوأه الله تعالى لعبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم لما خصه الله به من الكرامة، فأتي في المنام وأمر بحفرها، وأعلمت له بعلامات استبان بها موضع زمزم فحفرها، وكان حفره لها قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا روينا من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن جده عبد المطلب حين حفر زمزم لم يكن له ولد سوى ابنه الحارث، روينا ذلك عنه في سيرة ابن إسحاق2 بسند رجالُه ثقات.
وروينا في تاريخ الأزرقي، عن الزهري، ما يقتضي أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الأزرقي روى بسنده إلى الزهري: أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد الفيل3، والنبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل على الصحيح، والله أعلم.
وروينا في مسند البزار، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة وهو غلام، وإسناد هذا الحديث ضعيف، وبتقدير صحته، فعلاج أبي طالب غير علاج عبد المطلب، لأن حديث علي رضي الله عنه يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طالب لم يكونا موجودين حين حفر عبد المطلب زمزم، لأنه ذكر فيه أنه لم يكن لعبد المطلب حين حفرها ابن غير ابنه الحارث، والله أعلم.
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 122.
2 السيرة لابن هشام 1/ 133.
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 42.