الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر:
ذكر شيء من فضائل الكعبة:
لا شك أن فضل الكعبة مشهور لوروده في القرآن العظيم في غير ما آية، ووروده في السنة الشريفة الصحيحة، وإنما أردنا بذكره ههنا للتبرك، فمن الآيات الواردة في ذلك قول الله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 96 و97] .
واختلف في معنى كونه أول بيت وضع للناس على قولين:
أحدهما: أنه أول بيت وضع للعبادة، وكان قبله بيوت لغيرها، وهذا يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والآخر: أنه أول بيت كان في الأرض.
قال المحب الطبري: وقوله {مُبَارَكًا} أي كثير الخير لما يحصل لمن حجه، أو اعتمره، أو عكف عنده وطاف حوله من الثواب، وقوله:{وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} أي متعبدهم وقبلتهم وقوله: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} مقام عطف بيان على آيات، وبَيَّنَ الجمع بالواحد لاشتماله على آيات أثر قدميه في الصخرة، وبقاؤه وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين. واختلف في أمن الداخل، فقيل: من دخله كان آمنا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك، وقيل: من دخله لقضاء النسك، معظما لحرمته عارفا بحقه، متقربا إلى الله عز وجل كان آمنا يوم القيامة، كما جاء:"من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"1، يعني نهار يوم القيامة، وقيل معناه: أمن من دخله، أي لا
1 انظر: كشف الخفا ومزيل الإلباس 2587.
يقتص منه، كما هو مذهب أبي حنيفة، ويُلجأ إلى الخروج منه. وقيل: معناه غير ذلك.
ومن الآيات: قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: 97]
قال المحب الطبري: أي قواما لهم في أمر دينهم ودنياهم، فلا يزال في الأرض دين ما حجت، وعندها المعاش والمكاسب، قال: والمراد بتحريم البيت، سائر الحرم، ونقل عن الضحاك أنه قال: قياما للناس: قياما لدينهم ومعالم حجهم، قال: ويروى نحوه عن السدي، وقال: قال عكرمة: قياما للناس: مكانا لهم.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما رويناه عن الأزرقي بالسند المتقدم إليه قال: حدثني جدي، عن الزنجي، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن هذا البيت دعامة الإسلام، ومن خرج يؤم هذا البيت من حاج، أو معتمر كان مضمونا على الله عز وجل إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة"1.
ومنها: ما ورد في تنزيل الرحمات على الكعبة كما في "المعجم الكبير" للطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه:"إن الله ينزل في كل ليلة ويوم عشرين ومائة رحمة، ينزل على هذا البيت ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين" 2، ورواه في "الأوسط" إلا أنه قال:"تنزل على هذا المسجد مسجد مكة" 3، وفي رواية:"وأربعون للعاكفين" بدل "المصلين". وأخرجه الأزرقي في تاريخه4، بمعنى رواية الطبراني في الكبير.
ووقع لنا عاليا جدا أخبرني به ابن الذهبي بقراءتي عليه، قال: أنبأنا عيسى المعلم حضورا وإجازة قال: أنبأنا ابن اللتي، قال: أنبأنا أبو الوقت قال: أخبرتنا لبنى قالت: أنبأنا ابن شريج، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: حدثنا عبد الله بن عمران العابدي المخزومي بمكة قال: حدثنا يوسف بن الفيض قال ابن صاعد: هكذا كان يسميه وإنما هو يوسف بن السفر أبو الفيض عن الأوزاعي، عن
1 أخرجه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو متروك "مجمع الزوائد 3/ 209" ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن داود بن المحبر، وهو متروك. "المطالب 2/ 325".
2 أخرجه: الطبراني في الكبير "11/ 124، 125" رقم "1248".
3 ذكره الزركشي في إعلام الساجد "ص: 111" وعزاه الطبراني في الأوسط، وذكره الهندي في كنز العمال 5/ 53، 54، وعزاه للبيهقي في شعب الإيمان، والخطيب في تاريخ بغداد.
4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 8.
عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عز وجل في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على أهل هذا البيت، فستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين"1.
وذكر الشيخ محب الدين الطبري أنه لا تضاد بين الرواية التي فيها أن الرحمات تنزل على هذا البيت، وبين الرواية التي فيها أنها تنزل على مسجد مكة، لأنه يجوز أن يريد بمسجد مكة البيت، ويطلق عليه مسجد بدليل قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام} [البقرة: 144] ، ويجوز أن يريد مسجد الجماعة وهو الأظهر، ويكون المراد بالتنزيل على البيت التنزل على أهل المسجد، وكذلك قسمت الرحمات على أنواع العبادات الكائنة في المسجد. قال: وقوله: "فستون للطائفين
…
" إلى آخره، تحتمل في من تأول القسم بين كل فريقين وجهين:
الأول: قسمة الرحمات بينهم على المسمى بالتسوية لا على العمل بالنظر إلى قلته وكثرته وضعفه، وما زاد على المسمى فله ثواب من غير هذا الوجه، ونظير هذا الكلام: أعطي الداخلين بيتي مائة دينار، فدخل واحد مرة وآخر مرارا، فلا خلاف في تساويهما في القسم.
الوجه الثاني: وهو الأظهر قسمها بينهم على قدر العمل، لأن الحديث ورد في سياق الحث والتخصيص، وما هذا سبيله لا يستوي فيه الآتي بالأقل والأكثر، واستدل المحب الطبري على ذلك بأمور معنوية ظاهرة2
…
انتهى.
ومنها: ما رويناه في "معجم الطبراني الكبير" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نَظَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فقال: لا إله إلا الله ما أطيبك وأطيب ريحك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة منك، إن الله جعلك حراما، وحرَّم من المؤمن ماله ودمه وعرضه، وأن يظن به ظنا سيئا ".
1 أخرجه: ابن عدي في الكامل 7/ 2620، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 472، والفاكهي في أخبار مكة 1/ 89، 99، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان 3/ 116 وابن أبي حاتم في العلل 1/ 287، وابن حبان في المجروحين، وابن الجوزي في العلل، والزركشي في إعلام الساجد "ص: 111" وعزاه للطبراني في الأوسط.
2 القرى "ص: 657".