المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ١

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تصدير:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول

- ‌أولا: ذكر مكة المشرفة

- ‌ثانيًا: ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها:

- ‌الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث:

- ‌ذكر الحرم وسبب تحريمه:

- ‌ذكر علامات الحرم:

- ‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من طريق نمرة:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة العراق:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة التنعيم وهي طريق المدينة وما يليها

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة اليمن:

- ‌الباب الرابع

- ‌ذكر شيء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكة وحرمها

- ‌ذكر شيء مما ورد في تعظيم الناس لمكة وحرمها وفي تعظيم الذنب في ذلك:

- ‌الباب الخامس

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

- ‌الباب السادس:

- ‌ذكر المجاورة بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في الموت بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في فضل أهل مكة:

- ‌ذكر شيء من فضل جدة ساحل مكة وشيء من خبرها:

- ‌ذكر شيء من فضل الطائف وخبره:

- ‌الباب السابع

- ‌في أخبار عمارة الكعبة المعظمة

- ‌ذكر البيت المعمور الذي أنزله الله على آدم وشيء من خبره:

- ‌ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج وما صنع فيها من العمارة:

- ‌ذكر الأساطين:

- ‌ذكر الميازيب:

- ‌ذكر الأبواب:

- ‌أوَّل من بوب الكعبة:

- ‌الباب الثامن:

- ‌ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة:

- ‌ذكر النوع الكعبة من داخلها وخارجها

- ‌ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع سطح الكعبة:

- ‌ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من خبر عمارته:

- ‌ذكر حلية الكعبة المعظمة ومعاليقها:

- ‌ذكر كسوة الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر طيب الكعبة وأخدامها:

- ‌ذكر أسماء الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان:

- ‌ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها:

- ‌الباب التاسع:

- ‌ذكر بيان مصلى النبي في الكعبة:

- ‌ذكر قدر صلاة النبي في الكعبة في دخوله هذا

- ‌ذكر من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة يوم فتح مكة من الصحابة ومن نقلها منهم، رضي الله عنهم:

- ‌ذكر ترجيح رواية من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة على رواية من نفاها، وما قيل في الجمع بين ذلك:

- ‌ذكر عدد دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة الشريفة بعد هجرته من المدينة وأول وقت دخل الكعبة فيه بعد هجرته

- ‌الباب العاشر:

- ‌في ثواب دخول الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

- ‌آداب دخول الكعبة:

- ‌الباب الحادي عشر:

- ‌ذكر شيء من فضائل الكعبة:

- ‌ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود وما جاء في كونه من الجنة:

- ‌ذكر فضل الركن اليماني وما جاء في تقبيله ووضع الخد عليه

- ‌الباب الثاني عشر:

- ‌ذكر ما ورد في ثواب الطواف عموما من غير تقييد بزمن:

- ‌ذكر بدء الطواف بهذا البيت المعظم وما ورد من طواف الملائكة

- ‌ذكر طواف بعض الجن والدواب والطير بالكعبة:

- ‌ما جاء من أن شرعية الطواف لإقامة ذكر الله:

- ‌ذكر ثواب النظر إلى الكعبة:

- ‌ذكر ثواب الحج والعمرة:

- ‌الباب الثالث عشر:

- ‌في الآيات المتعلقة بالكعبة:

- ‌ذكر خبر تبع والهذليين:

- ‌ذكر خبر أصحاب الفيل:

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار الحجر الأسود

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في زمن ابن الزبير، وما صنع فيه من الفضة في زمنه وزمن هارون الرشيد:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له:

- ‌ذكر ما صنعه الحجبة في الحجر الأسود بإثر رد القرامطة له:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة من بعض الملحدة مثلهم:

- ‌ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض:

- ‌ذكر شيء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود:

- ‌الباب الخامس عشر:

- ‌ذكر الملتزم:

- ‌ذكر المستجار:

- ‌ذكر الحطيم:

- ‌ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:

- ‌الباب السادس عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار المقام "مقام الخليل عليه السلام

- ‌ذكر حلية المقام:

- ‌ذكر صفة الموضع الذي فيه المقام والمصلى خلفه:

- ‌ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود:

- ‌ذكر موضع المقام في الجاهلية والإسلام وما قيل في ذلك:

- ‌ذكر شيء من فضل المقام:

- ‌ما جاء في هلاك من تعرض له بسوء:

- ‌الباب السابع عشر:

- ‌ذكر شيء من أخبار الحِجْر المُكَرَّم حِجْر إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر موضع الحجر وصفته:

- ‌ذكر ما جاء في الحجر والصلاة فيه:

- ‌ذكر ما جاء في الدعاء في الحجر تحت الميزاب:

- ‌ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة:

- ‌الباب الثامن عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته

- ‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

- ‌ذكر ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين:

- ‌ذكر ذرع زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر ذرع زيادة باب إبراهيم

- ‌الباب التاسع عشر:

- ‌ذكر عدد أساطين المسجد الحرام غير الزيادتين وصفتها:

- ‌ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفتها:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم:

- ‌ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم:

- ‌شرفات المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم:

- ‌ذكر عدد قناديل المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها:

- ‌ذكر منائر المسجد الحرام:

- ‌ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحة أو لنفع الناس به

- ‌ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها منه

- ‌ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة:

- ‌ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها:

- ‌الباب العشرون:

- ‌ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها:

- ‌ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن:

- ‌ذكر أسماء زمزم:

- ‌ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه:

- ‌ذكر آداب شربه:

- ‌ذكر حكمة التطهير بماء زمزم:

- ‌ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان:

- ‌ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

- ‌الباب الحادي والعشرون:

- ‌الباب الثاني والعشرون

- ‌ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك

- ‌ذكر الموضع الذي أحرم منه رسول الله من الجعرانة:

- ‌ذكر مقدار ما بين باب بني شيبة وهذين العلمين:

- ‌ذكر تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة:

- ‌ذكر مسجد عرفة وحكم الوقوف فيه:

- ‌ذكر ذرع هذا المسجد وشيء من صفته:

- ‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

- ‌ذكر حكم البناء بمنى:

- ‌ما جاء في فضل منى وما ذكر فيها من الآيات:

- ‌الباب الثالث والعشرون:

- ‌الباب الرابع والعشرون:

- ‌الباب الخامس والعشرون

- ‌ذكر نسب جرهم

- ‌ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها:

- ‌فهرس محتويات الجزء الأول

الفصل: ‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

وذكر الأزرقي للحرم علامة أخرى، لأنه قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: وكل واد في الحرم فهو يسيل في الحل، ولا يسيل وادي الحل في الحرم إلا في موضع واحد عند التنعيم1، عند بيوت نفار2

انتهى.

ذكر ذلك الأزرقي في آخر الترجمة التي ترجم بقوله: "ذكر الحرم وكيف حُرِّمَ".

وذكر الفاكهي ما يقتضي أن سيل الحل3 يدخل إلى الحرم من عدة مواضع، لأنه قال:"ذكر ما يسكب من أودية الحل في الحرم"، وبين هذه المواضع، وذكرنا ذلك في أصل هذا الكتاب.

1 يقع وادي التنعيم في الشمال الغربي لمكة، وقد كاد عمران مكة يصل إليه.

2 في أخبار مكة للأزرقي 2/ 130: "غفار"، وضبطه العيني في "عمدة القاري":"تِعار" 9/ 222.

3 الحل: مكان خارج هذه الأنصاب من جميع الجهات.

ص: 75

‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

ذكر الأزرقي رحمه الله تعالى حدود الحرم من جهاته الست1، وذكرها غيره إلا أنه خالف الأزرقي في مقدار بعضها، وأخل بذكر بعضها، وقد تلخص لي مما رأيت للناس في حدود الحرم أن جميع حدوده مختلف فيها على ما سنبينه.

فأما حده من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن نمرة2 ففيه أربعة أقوال: نحو ثمانية عشر ميلا على ما ذكره القاضي أبو الوليد الباجي، وأحد عشر ميلا على ما ذكره الأزرقي3، والفاكهي4، وأبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة الخراساني في كتاب "المسالك والممالك"5، والمحب الطبري6 نقلا عن الأزرقي، وسليمان بن خليل، إلا أنه ذكره بصيغة التمريض.

وتسعة أميال -بتقديم التاء، على ما ذكر شيخ المذهب أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني في كتاب "النوادر"، وسليمان بن خليل، وصدر به كلامه، والمحب الطبري بعد أن حكى ما ذكره الأزرقي.

وسبعة أميال بتقديم -السين على الباء- على ما ذكره الماوردي في كتاب "الأحكام السلطانية"7 له، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "مهذبه"، والنووي في "إيضاحه"،

1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 130، 131.

2 نَمِرة: بفتح أوله، وكسر ثانيه. ناحية بعرفة نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: الحرم من طريق الطائف على طريق عرفة من نمرة على أحد عشر ميلا، وقيل غير ذلك. "معجم البلدان 5/ 304، 305".

3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 131.

4 أخبار مكة للفاكهي 2/ 86 وما بعدها.

5 المسالك والممالك "ص: 132".

6 القرى "ص: 651، 652".

7 الأحكام السلطانية "ص: 164، 165".

ص: 75

و"تهذيب الأسماء واللغات1 له. وفيما قالوه نظر قوي يقتضي بُعْدَ استقامةِ قولهم على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وذكر النووي في "التهذيب" أن الأزرقي انفرد بما قاله في حد الحرم من طريق "الطائف"، وقال: إن الجمهور قالوا ستة2

انتهى بالمعنى.

ولم ينفرد الأزرقي بقوله بموافقة ابن خرداذبه له على قوله، بل لا يعرف له فيما قاله مخالف قبله، ولا معاصر له، ولا بعده، غير الماوردي، وصاحب "المهذب"، ولو خالف الأزرقي غيرهما لنقل ذلك كما نقلت مخالفتهما للأزرقي، وقد تبعهما على ذلك النووي وغيره من المتأخرين، ولم يذكر ذلك سليمان بن خليل، ولا المحب الطبري، وذلك يشعر بعدم رضاهما لهذا القول، لأنهما ذكرا في حدود الحرم ما قاله ابن أبي زيد وغيره، وكان ذكرهما لذلك أولى، لكون قائله من الشافعية، ولا يقال لعل ذلك خفي عليهما، فإن ذلك مشتهر جدا، والله أعلم.

وأما حده من جهة العراق: ففيه أربعة أقوال:

أحدها: سبعة أميال -بتقديم السين- على ما ذكره الأزرقي.

وثمانية أميال على ما ذكره ابن أبي زيد المالكي في "النوادر".

وعشرة أميال على ما ذكره سليمان بن خليل.

وستة أميال على ما ذكره أبو القاسم بن خرداذبه3.

وذكر الأزرقي رحمه الله أن الحد في هذه الجهة على ثنية خل بالمقطع.

فأما خل: فبخاء معجمة مفتوحة.

وأما المقطع: فبضم الميم وفتح الطاء المشددة، على ما وجدت بخط سليمان بن خليل فيهما.

ووجدت بخط المحب الطبري في "القرى" على الخاء من خل نقطة من فوق وعلى اللام شدة، ووجدت بخطه ضبط المقطع بفتح الميم وإسكان القاف4.

ووجدت في غير موضع من تاريخ الأزرقي على الخاء من خل نقطة من فوقها، ورأيت في "الإيضاح" للنووي و"تهذيب الأسماء واللغات" له، عوض "خل":"جبل" بجيم وباء موحدة، ولا يبعد أن يكون ذلك تصحيفا، والله أعلم.

1 تهذيب الأسماء واللغات 2 ق 2/ 82.

2 تهذيب الأسماء واللغات 2 ق 2/ 83.

3 المسالك والممالك "ص: 132".

4 القرى "ص: 652".

ص: 76

وذكر الأزرقي أن سبب تسمية اسم المقطع بذلك: أنهم قطعوا منه أحجار الكعبة في زمن ابن الزبير رضي الله عنهما. وقيل: لأنهم كانوا في الجاهلية إذا خرجوا من الحرم علقوا في رقاب إبلهم من قشور شجر الحرم، وإن كان رجل علق في رقبته، فأمنوا حيث توجهوا. ويقال: هؤلاء وفد الله تعظيما للحرم، فإذا رجعوا فدخلوا الحرم قطعوا ذلك، فسمي ذلك هناك المقطَّع1.

وأما حده من جهة الجعرانة: ففيه قولان:

تسعة أميال -بتقديم التاء- كما ذكره الأزرقي2، وبريد، وهو اثنا عشر ميلا على ما ذكر ابن خليل، وحكايته لهذا القول بصيغة التمريض بعد ذكره للقول السابق.

والجِعرانة: بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء على ما هو الصواب في ضبطها وسيأتي لذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

وذكر الأزرقي أن حد الحرم من جهة الجعرانة: في شعب آل عبد الله بن خالد بن أسيد3

انتهى.

وعبد الله بن خالد بن أسيد المنسوب إليه هذه الشعب هو فيما أحسب ابن أخي عتاب بن أسيد بن العاص القرشي الأموي أمير مكة، لأنه كان لعبد الله المذكور بمكة شهرة لولايته لأمر مكة وغير ذلك، ونسب إليه بها مقبرة بأعلى مكة، وهي التي دفن فيها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والله أعلم.

وذكر سليمان بن خليل أن عبد الله بن خالد المنسوب إليه هذا الشعب هو:

عبد الله بن خالد بن أسيد الخزاعي.

وذكر ابن جماعة ما يخالف ذلك أيضا، لأنه قال لما ذكر حد الحرم من هذه الجهة: ومن طريق الجعرانة في شعب آل عبد الله القسري

انتهى4.

وما أشرنا إليه من نسبة هذا الشعب لعبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص أشبه بالصواب من نسبته لغيره، لأن التعريف إنما يكون في الغالب بأشهر الأحوال، وليس لمن نسب إليه ابن الخليل هذا الشعب، ولا لمن نسبه إليه ابن جماعة من الشهرة، مثل ما لمن نسبناه إليه، والله أعلم بالصواب

1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 382، 383.

2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 131.

3 هو: عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص، أخو عتاب بن أسيد، "انظر ترجمته في: أسد الغابة 3/ 221".

4 هداية السالك 2/ 708.

ص: 77

وحد الحرم من هذه الجهة لا يعرف موضعه الآن، إلا أن بعض أعراب مكة زعم أنه في مقدار نصف طريق الجعرانة، وسئل عن سبب معرفته لذلك فقال: إن الموضع الذي أشار إليه في محاذاة أعلام الحرم من جهة نخلة، وهي جهة العراق، والله أعلم بصحة ذلك.

وأما حده من جهة التنعيم ففيه أربعة أقوال:

ثلاثة أميال، على ما ذكره الأزرقي1، وابن خرداذبه2، والماوردي3، وصاحب "المهذب" وغيرهم.

ونحو أربعة أميال، على ما ذكره ابن أبي زيد في "النوادر" عن غير واحد من المالكية.

وأربعة أميال، على ما قال الفاكهي4.

وخمسة أميال، على ما ذكره أبو الوليد الباجي، ونص كلامه: وأما التنعيم فإني أقمت بمكة، وسمعت أكثر الناس يذكرون أنها خمسة أميال، ولم أسمع في ذلك اختلافا مدة مقامي بها، ولو كان بين مكة والتنعيم أربعة أميال لوجب أن يكون بين مكة والحديبية -على هذا التعدي: قريب من خمسة عشر ميل، لأنها أزيد من ثلاثة أمثالها

انتهى.

وفي هذا القول نظر، وكذا في القول الذي ذكره الفاكهي، والقول الذي ذكره ابن أبي زيد على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ووقع فيما ذكره ابن أبي زيد في حد الحرم من هذه الجهة ما يقتضي أنه إلى منتهى التنعيم، لأنه قال: ومن غير الموازنة لغير واحد من أصحابنا أن حد الحرم مما يلي المدينة نحو أربعة أميال إلى منتهى التنعيم. انتهى.

وذكر الأزرقي ما يخالف ذلك، لأنه قال: ذكر حدود الحرم: من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار3 على ثلاثة أميال5. انتهى.

وذكر المحب الطبري في "شرحه للتنبيه" ما يرجح ما ذكره الأزرقي، لأنه ذكر أن التنعيم أمام الحل قليلا، وأن من فسره بطرف الحل أطلق اسم الشيء على ما قرب منه. انتهى.

1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 130، 131.

2 المسالك والممالك "ص: 132.

3 الأحكام السلطانية "ص: 164".

4 أخبار مكة للفاكهي "5/ 61، وقد نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/ 607، والمحب الطبري في القرى "ص: 623".

5 معجم البلدان 1/ 214.

ص: 78

وإذا كان من فسر التنعيم بطرف الحل متجوزا في تفسيره، فكيف بمن جعل منتهى التنعيم أول الحل من جهة المدينة كما هو مقتضى ما ذكره ابن أبي زيد؟! والله أعلم.

"ونفار" المذكور في حد الحرم من هذه الجهة في كلام الأزرقي، بنون مكسورة وفاء وألف وراء مهملة، على ما ذكر غير واحد.

وأما حده من جهة "جدة" ففيه قولان:

عشرة أميال، على ما ذكر الأزرقي1، وابن أبي زيد.

ونحو ثمانية عشر ميلا، على ما ذكر الباجي في مقدار ما بين مكة والحديبية، بتخفيف الياء الثانية على الصواب فيها، ومنتهاها حد الحرم من جهة جدة، كما نقل ابن أبي زيد في "النوادر".

وذكر الأزرقي أن منتهى الحد في هذه الجهة منقطع الأعشاش2، والأعشاش جمع عش وبعضها في الحل، وبعضها في الحرم، وكذلك الحديبية على ما قال الشافعي وابن القصار.

وقال الماوردي3: إنها في طرف الحل، وقال مالك: إنها في الحرم. وهي والأعشاش لا يعرفان اليوم، ويقال: إن الحديبية هي البئر التي تعرف ببئر شميس4 في طريق جدة، والله أعلم.

وأما حده من جهة اليمن ففيه قولان:

سبعة أميال بتقديم السين، على ما ذكره الأزرقي2 وابن أبي زيد، وسليمان بن خليل.

وستة أميال، على ما وجدت بخط المحب الطبري في "القرى"5. ورأيت ذلك في ثلاث نسخ من "القرى"، وأخشى أن يكون وهما ولا يقال سَبْق قَلَم، لأنه في "القرى" بعد ذكره لذلك القول الذي ذكره الأزرقي وابن أبي زيد، والله أعلم.

وموضع الحد في هذه الجهة طرف "أضاة لبن" في ثنية لبن، على ما ذكره الإمام الأزرقي6، وهذه الأضاة تعرف اليوم بأضاة ابن عقش، وفيها علامة مبنية لمعرفة حد الحرم.

1 أخبار مكة للأزرقي 20/ 130.

2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 131.

3 الأحكام السلطانية "ص: 165".

4 معجم البلدان 3/ 365.

5 القرى "ص: 652".

6 جاء في معجم البلدان 1/ 28: أن أضأة لبن: حد من حدود الحرم على طريق اليمن.

ص: 79

والأضاة: مستنقع الماء، وهي بهمزة مفتوحة وضاد معجمة على وزن فتاة. ولبن، بكسر اللام وسكون الباء الموحدة، قال الحازمي، وضبطها سليمان بن خليل بتفح اللام والباء على ما وجدت بخطه في غير موضع من "منسكه" والله أعلم.

هذا ما رأيته للناس في حدود الحرم بالأميال، ورأيت في ذلك لبعض الحنفية ما يستغرب جدا، لأن القاضي شمس الدين السروجي الحنفي حكى في "مناسكه"، عن أبي جعفر الهنداوي أنه قال: مقدار حد الحرم من جهة المشرق، ستة أميال، ومن الجانب الثاني: اثنا عشر ميلا. قال صاحب "المحيط": وفيه نظر، فإن ذلك هو التنعيم، قريب من ثلاثة أميال من مكة.

ومن الجانب الثالث: ثلاثة عشر ميلا.

ومن الرابع: أربعة وعشرون ميلا

انتهى.

والظاهر والله أعلم أن قائل هذا الكلام أراد بحده من جهة المشرق جهة العراق، وبالحد الثاني: جهة التنعيم، وبالحد الثالث: جهة اليمن، وبالحد الرابع: جهة جدة، وإنما كان ما ذكره هذا القائل مستغربا لنقصه من حده من جهة المشرق، وكثرة الزيادة في حده من الجهات الثلاث، وإنما لم أذكر ذلك مع ما ذكره غيره في حدود الحرم، لعدم تصريح قائل ذلك بجوانب الحرم التي حددها، وقد اعتبرت بما قاله الناس في تحديد الحرم من جميع جهاته المعروفة الآن، وهي جهة الطائف على طريق عرفة من بطن نمرة، "عرنة"، وطريق العراق، وطريق التنعيم، وطريق اليمن، وكان اعتبارنا لذلك بجبل مقدر على الذراع المعتبر في أميال مسافة القصر، وهو ذراع اليد على ما ذكره المحب الطبري في "شرحه للتنبيه"، وذكر أن مقداره أربعة وعشرون أصبعا، كل أصبع ست شعيرات مضمومة بعضها إلى بعض

انتهى. كذا وجدت بخطه.

وأشار إلى ذلك النووي في "تحرير التنبيه"، وغلط النووي "القلعي" في قوله: "إن الأصبع ثلاث شعيرات.

ومقدار الذراع المشار إليه من ذراع الحديد المستعمل في القماش بمصر ومكة الآن: ذراع إلا ثمن ذراع، هكذا اعتبره جماعة من أصحابنا بذراع أيديهم، ثم اعتبروا ذلك بشعير معتدل مرصوص. فجاء كما قال المحب الطبري ومن وافقه، وكان اعتبارهم لذلك بحضوري.

ص: 80