الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ذي الحجة سنة ستة عشرة وثمانمائة، فرأى جانب الباب المشار إليه محتاجا إلى الحلية، فحلاه بفضة وطلاها بالذهب وكتب في ذلك اسم الملك المؤيد نصره الله، ومقدار الفضة التي حلي بها الموضع المشار إليه مائة درهم ونيف وتسعون درهما، على ما أخبرني به بعض من صاغ ذلك، وكان عمل ذلك والفراغ منه قبل الطلوع إلى عرفة في أيام من العشر الأول من ذي الحجة من سنة ست عشرة وثمانمائة1، واستحسن ذلك ممن صنعه، فالله يزيده رفعة، واسم الملك المظفر صاحب اليمن على مفتاح قفل باب الكعبة الآن، وفي القفل أيضا فيما أظن لأن فيه كتابة ممحوة، والله أعلم.
1 إتحاف الورى 3/ 510، وتاريخ الكعبة المعظمة "ص: 199".
أوَّل من بوب الكعبة:
ولنختم هذا الفصل بفائدة في بيان أول من بوب الكعبة: أول من بوبها أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام على ما ذكره الزبير بن بكار؛ لأنه قال: وقال محمد بن حسن: حدثني عيسى بن عبد الله عن أبيه قال: أنوش بن شيث بن آدم أول من غرس النخلة، وبوب الكعبة، وزرع الحبة
…
انتهى.
وذكر ذلك السهيلي رحمه الله، لأنه قال: أنوش، وتفسيره الصادق، وهو بالعربية أنش، وهو أول من غرس النخلة، وبوب الكعبة، وبذر الحبة1
…
انتهى.
وروينا في تاريخ الأزرقي ما يقتضي أن تبعا الحميري أول من بوب الكعبة، لأنه قال في أثناء خبر نقله عن ابن إسحاق في بناء إبراهيم الكعبة: وجعل بابها في الأرض غير مبوب حتى كان تبع ابن أسعد الحميري هو الذي جعل لها بابا وغلقا فارسيا، وذكر معنى ذلك في موضع آخر2.
وذكر الفاكهي ما يخالف ذلك، لأنه قال: وحدثنا أحمد بن صالح عن الواقدي قال: كان البيت قد دخله السيل من أعلى مكة، فانهدم، فأعادته جرهم على بناء إبراهيم عليه السلام وجعلوا له مصراعين وقفلا، فاستخفت جرهم بأمر البيت، وعملوا أمورا وأحدثوا أحداثا لم تكن3
…
انتهى.
ووجه مخالفة هذا لما ذكره الأزرقي أنه يقتضي أن جرهما جعلوا للكعبة بابا، وهو المصراعان المشار إليهما في هذا الخبر، والزمن الذي صنعوا فيه ذلك هو زمن ولايتهم للكعبة، وولايتهم لها قبل ولاية خزاعة، وولاية خزاعة لها قبل ولاية قريش، والباب
1 الروض الأنف 1/ 14.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 134، 250.
3أخبار مكة للفاكهي 5/ 225.
الذي عمله تبع هو في زمن ولاة قريش، على ما أشار إليه الفاكهي وغيره في خبر تبع الذي صنع باب الكعبة الذي ذكره الأزرقي، والله أعلم.
وذكر بعضهم ما يخالف ما ذكره الزبير والسهيلي في كون أنوش أول من بذر الحبة، لأن القطب الحلبي ذكر أنه بخط أبي علي الحسن بن الأشرف أحمد ابن القاضي عبد الرحيم بن علي البيسان: أول من زرع الحبة آدم عليه السلام فإنه كان يحرث ويزرع. روي أن الشعير من زرع حواء، والحنطة من زرع آدم عليه السلام وإنها تألمت في ذلك، وقال: ذكروه في كتب التاريخ1
…
انتهى2.
1 تاريخ الطبري 1/ 128.
2 وقد تم تركيب بابين للكعبة الأول في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله وذلك عام 1363هـ 1944م وكان مصنوعا من الألمونيوم بسمك "2.5" وارتفاعه "3.10" أمتار. ومدعم بقضبان من الحديد. وتمت تغطية الوجه الخارجي للباب بألواح من الفضة المطلية بالذهب وزين الباب بأسماء الله الحسنى.
أما الباب الثاني: فقد أمر بصنعه الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله عام 1397هـ = 1977م بعد ملاحظته قدم الباب وحدوث آثار خدوش في الباب فأصدر توجيهاته بصنع باب جديد، وباب التوبة من الذهب الخالص. وكان لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز "كان وليا للعهد آنذاك" أثر بالغ في أن يظهر العمل الجليل بالصورة التي تتمناها نفس كل مسلم. حيث قام جلالته حين ذاك بزيارة مقر العمل. وكان لهذه الزيارة الكريمة أثرها البالغ في دفع طاقة العمل والانتهاء من العمل قبل الموعد المحدد وقد تم الانتهاء منه في 22 من ذي القعدة سنة 1399هـ وقام بافتتاحه جلالة الملك خالد رحمه الله.
وقد تكلفت صناعة البابين باب الكعبة، وباب التوبة "13،42.000" من الريالات عدا كمية الذهب التي تم تأمينها بواسطة مؤسسة النقد العربي السعودي. وكمتها مائتين وثمانين كيلو جراما. وكان الذهب عيار 999.9%. واستغرق العمل منذ بدء العمل التنفيذي فيه في غرة ذي الحجة عام 1398هـ اثني عشر شهرا. وقد أقيمت ورشة خاصة لصناعته.
وقد وضعت أفكار مبدئية للباب تتلخص فيما يلي:
1-
تحقيق الانسجام بين التصميم الجديد للباب وستارة الباب باستخدام خط الثلث كعنصر عام مميز مع الزخرفة.
2-
اختيار نسبة وحجم بروز الزخرفة في التصميم الجديد ومطابقة ذلك على الموقع.
3-
تحقيق طريقة تنفيذ الزخرفة بالحفر والنقش على الذهب مع استخدام قليل من الفضة بالإمكانات المحلية وبواسطة شيخ الصاغة في مكة المكرمة.
4-
إمكانية الربط بين طريقة التنفيذ والزخرفة الإسلامية الأصيلة التي تمتد إلى التراث العريق في التزيين المعماري الهندسي.
5-
استخدام أحدث الطرق التقنية في الهيكل الإنشائي للتوصل إلى درجة عالية من المتانة والجودة بحيث يقوم الباب بوظيفته بدون الاحتياج إلى الصيانة.
وفي ضوء هذه المبادئ تم بالنسبة للزخرفة اختيار طريقة التزيين التي تغطي المساحة وهي من صميم التراث الفني الإسلامي نظرا لإمكانية تنفيذه بالحفر على الذهب. أما المساحات الباقية التي =
.................................................................................
= في الوسط فقد أخذت نفس روح فن الزخرف الإسلامي حيث وضعت في وسطها دوائر لكتابة الآيات الكريمة بالطريقة المعتادة مع إضافة زخرفات في الزوايا العلوية ليكون شكل الباب العام مقوسا دائريا يحيط بالآيات القرآنية المكتوبة حسب الترتيب الموضوع لها. وتمت التجارب المركزة في شكل إخراج الزخرفة، من أنواع متجانسة أهم عناصرها هي زخرفة الإطار البارز، وهي الزخرفة التي تستمر في مستوى مكان "القفل" حيث تعطي له الأهمية اللازمة، لأن قفل الكعبة المشرفة له شخصية خاصة في الشكل التراثي والوظيفي. وأضيفت في الزاويتين العلويتين زخارف متميزة لإبراز شكل قوس يحيط بلفظ الجلالة "الله جل جلاله" واسم رسول الله "محمد صلى الله عليه وسلم" والآيات القرآنية الكريمة:{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46]، {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 97] ، {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] ، {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة} [الأنعام: 54] ، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} [غافر: 60] .
ويلي ذلك حشوتان على شكل شمسين مشرقتين في وسطها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" على شكل برواز دائري وقد ثبتت على أرضية الحشوتين العلويتين حلقتا الباب اللتان تشكلان مع القفل وحدة متجانسة شكلا والمتباينة نسبة، ليكون الشكل العام مريحا للنظر. وكتب تحت الحشوتين العلويتين الآية الكريمة:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] . والحشوتان اللتان تحت القفل في وسطيهما كتبت سورة الفاتحة على شكل قرصين بارزين، وتحت هاتين الحشوتين عبارات تاريخية صغيرة هي: صنع الباب السابق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود سنة 1363هـ وتحتها: صنع هذا الباب في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود سنة 1399هـ.
وضمن زخرفة خفيفة كتب في الدرفة اليمنى عبارة:
"تشرف بافتتاحه بعون الله تعالى الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود في الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1399هـ. وفي الدرفة اليسرى. عبارة: صنعه أحمد إبراهيم بدر بمكة المكرمة صممه منير الجندي. واضع الخط: عبد الرحمن أمين، كما وضعت زخرفة دقيقة خاصة لأنف الباب المثبت على الدرفة اليسرى.
أما الجوانب: فقد صممت بطريقة فنية ومثبتة حسب التصميم الزخرفي بعد مراعاة اللوحات الدائرية البارزة التي تحمل أسماء الله الحسنى وعددها خمسة عشر:
فوق الباب: يا واسع يا مانع يا نافع
الجانب الأيمن: يا عالم يا عليم يا حليم
يا عظيم يا حكيم يا رحيم
الجانب الأيسر: يا غني يا مغني يا حميد
يا مجيد يا سبحان يا مستعان
وعلى القاعدة الخشبية تثبت لوحات الذهب الخالص المزخرفة بطريقة النقش والحفر. وهذه القاعدة الخشبية مؤلفة من ثلاثة مستويات في البرواز، الزخرفة الإطارية المستمرة، والثانية تحمل الآيات الكريمة. =
....................................................................................
= مقاسات الباب:
ويزيد ارتفاع باب الكعبة المشرفة عن ثلاثة أمتار. ويقارب عرضه المترين. بعمق قرب من النصف متر، وهو مكون من درفتين ويتألف الهيكل الإنشائي من قاعدة خشبية بسماكة عشرة سنتيمترات من خشب التيك واسمه الخاص "ما كامونغ" ووزنه النوعي 40.8 سم2.
وقد جرى تفصيل الهيكل الإنشائي وتجهيزه بواسطة فنيين إخصائيين في ضوء مطابقة التصميم الزخرفي من جهة. ومراعاة عوامل الطقس والموقع في تحمل الحرارة الشديدة والأمطار من جهة أخرى.
واتخذت أحدث الاحتياطات الفنية لمعالجة كافة النقاط التفصيلية. والارتباطات بين الباب والحلق من جهة. والجوانب من جهة أخرى. وزودت نهاية الباب بعارضة من الأسفل لمنع دخول المطر إلى داخل الكعبة المشرفة، وتحتوي على قضيب خاص يضغط حرف الباب على العتبة عند الإغلاق.
ولكي يتم تركيب الباب بسهولة أعد إطار من الصلب صنع خصيصا وثبتت عليه المفصلات بحيث تتحمل كل درفة ما يزيد على "500" كيلو جرام. وجهزت المفصلات على عجلات دائرة لسهولة الحركة.
وبالنسبة لتثبيت صفائح الذهب على القاعدة الخشبية. فقد تم تركيب مادة لاصقة خاصة تضمن استمرار التصاق الذهب بالخشب إلى فترة غير محدودة.
قفل الباب:
أما بالنسبة لقفل باب الكعبة المشرفة الجديد فقد صرف النظر عن استخدام القفل الخاص بالباب القديم، والذي يعود إلى عهد السلطان عبد الحميد، وتمت صناعة قفل جديد بنفس مواصفات القفل القديم بما يناسب التصميم الخاص بالباب الجديد، ومع زيادة ضمانة الاغلاق دون الحاجة إلى صيانة.
باب التوبة:
يقع هذا الباب في الناحية الشمالية حيث يصعد من خلاله إلى سطح الكعبة، وقد تم تصميمه على أساس أن يأتي مطابقا للباب الرئيسي من حيث الزخرفة وطريقة الكتابة بحيث يظهر التجانس بين البابين، ويبلغ عرضه 70سم وارتفاعه 230سم، وصنع من نفس نوع الخشب المصنوع منه باب الكعبة "ماكامونغ" ولكن بسماكة أقل. هامش رقم 6 لصفحة 201 حتى صفحة 204 عن عمارة وتجديد باب الكعبة مصدره:"قصة التوسعة الكبرى" للأستاذ حامد عباس.