الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع والعشرون:
ذكر شيء من خبر بني المحض بن جندل ونسبهم:
قال المسعودي في "تاريخه": وقد تنازع أهل الشرائع في قوم شعيب بن نويل1 بن عوائيل2 بن مدين بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام وكان لسانه العربية، منهم: من رأى أنهم من العرب الدائرة والأمم البائدة، وبعض من ذكرنا من الأجيال الخالية.
ومنهم من رأى أنهم من ولد المحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم الخليل، وأن شعيبا أخوهم في النسب، وقد كانوا عدة ملوك تفرقوا في ممالك متصلة ومنفصلة، فمنهم المسمى: بأبجد، وهوز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت. وهم على ما ذكرنا بنو المحض بن جندل، وأحرف الجمل هي3 أسماء هؤلاء الملوك، وهي الأربعة4 والعشرون حرفا التي عليها حساب الجمل.
ثم قال المسعودي: فكان أبجد: ملك مكة وما يليها من الحجاز، وكان هوز، وحطي ملكين ببلاد وج، وهي أرض الطائف وما اتصل بذلك من أرض نجد، وكلمن وسعفص وقرشت ملوكا بمدين، وقيل: ببلاد مصر. وكان كلمن على ملك مدين. ومن الناس من رأى أنه كان ملك جميع من سمينا مشاعا متصلا على ما ذكرنا، وأن عذاب يوم الظلة كان في ملك كلمن.
1 كذا في الأصل، وعند المسعودي:"تويل" وفي نسخة "نوفل".
2 كذا في الأصل، وعند المسعودي:"رعويل" بالعين المهملة، وقيل:"رعبيل بن عنقاء بن مدين....".
3 عند المسعودي: "على" بدل "هي".
4 وفي نسخة للمسعودي "التسعة".
ثم قال المسعودي: وقد ذكرهم المنتصر بن المنذر المزني بأبيات، يقول فيها:
ملوك بني حطي وسعفص ذي الندى
…
وهوز أرباب الثنية1 والحجر
هم ملكوا أرض الحجاز ووجه2
…
كمثل شعار الشمس أو صورة البدر
ولهذه4 الملوك أخبار عجيبة5
…
انتهى باختصار.
ذكر شيء من أخبار العماليق ملوك مكة ونسبهم:
أما نسبهم: فذكره غير واحد من أهل الأخبار، منهم ابن إسحاق؛ لأنه قال في "سيرته" تهذيب ابن هشام: وطسم، وعملاق، وأمير: بنو لاوذ بن سام بن نوح، عرب كلهم
…
انتهى.
وعمليق الذي ذكره الزبير بن بكار، هو عملاق الذي ذكره ابن إسحاق، لأن ابن هشام قال بعد ذكره لخبر فيه ذكر العماليق: وهو ولد عملاق، ويقال: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح
…
انتهى.
وتحصل مما قالوا إن والد عملاق يقال له: لوذ ولاوذ، وسقط فيما ذكروه من نسب عملاق:"إرم" بين لاوذ وسام بن نوح على ما ذكره المسعودي في غير موضع من تاريخه، لأنه قال لما ذكر ديانات العرب وآراءها في الجاهلية وتفرقها في البلاد: وسار بعد جديس عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح بولده ومن اتبعه، وهو يقول بعد أن ذكر شعرا: فنل هؤلاء أكناف الحرام والتهائم، ومنهم من صار إلى بلاد مصر والمغرب.
وقال المسعودي لما ذكر أخبار نوح عليه السلام ما يوافق ذلك أيضا6.
وذكر المسعودي في موطن آخر ما يقتضي سقوط "إرم" في نسب عملاق، ولا منافاة بين من أثبته في النسب وبين من أسقطه، لأن من أثبته ذكر النسب على وجهه، ومن أسقطه نسب "لاوذ" إلى جده "سام" لأنه يجوز أن ينسب الإنسان إلى أبيه وإلى جده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".
1 كذا في الأصل، وعند المسعودي:"البنية".
2 كذا في الأصل، وعند المسعودي:"وهم ملكوا أرض الحجاز وأوجها".
3 عند المسعودي: "وفي" بدل "أول".
4 عند المسعودي: "ولهؤلاء".
5 مروج الذهب 2/ 148- 150 وفيه زيادة في الشعر.
6 مروج الذهب 2/ 134.
وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
وقد قيل: إن العماليق من ولد "العيص" ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام ذكر هذا القول المسعودي في "تاريخه" في غير موضع، لأنه قال لما ذكر مكة وأخبارها، وبناء البيت الحرام، ومن تداوله من جرهم وغيرها: وقد كانت العماليق بغت في الأرض، فسلط عليهم ملوك الأرض فأفنتها.
وقد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكر الروم وأنسابهم من ألحق ولد1 عملاق وغيرهم ممن ذكرنا بولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم، وأن علماء العرب تنسبهم إلى غير ذلك، وهو الأشهر في الناس2.
وذكر في باب أخبار الروم ما يقتضي: أن العماليق عند من قال في نسبهم هذه المقالة: من ولد اليعاز بن عيصو، وأن عيصوا هو العيص بن إسحاق3.
وروينا في "تاريخ الأزرقي" خبرا عن ابن عباس رضي الله عنهما فيه ما يقتضي أن العماليق من حمير4.
وروينا في تاريخ الأزرقي" مثله، عن عبد الله بن خيثم، وسنذكر إن شاء الله تعالى هذين الخبرين فيما بعد.
وفي كون العماليق من حمير نظر، لأن العماليق من ولد إرم بن سام بن نوح، على ما ذكر المسعودي، وحمير من ولد أرفخشذ بن سام بن نوح، وهو: حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، واسمه: يقطن على ما قال الحازمي في العجالة" ابن عابر، ويقال: ابن غبير بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، هذا مقتضى ما نسبه ابن إسحاق في نسب حمير.
وذكر أن اسم أبيه: سبأ عبد شمس، قال: وإنما سمي سبأ، لأنه أول من سبا في العرب
…
انتهى.
وقد اتضح مما ذكرناه نسب العماليق وشيء من خبرهم، ونتبع ذلك بشيء من خبرهم.
قال الفاكهي: حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي العائدي قال: حدثنا سعيد بن سالم القداح قال: قال عثمان بن ساج: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: كان البيت في زمن هود معروفا، والحرم قائما فيما يذكرون والله أعلم وأهل مكة يومئذ العماليق، وإنما سموا العماليق، لأن أباهم عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح. وكان سيد العماليق
1 زيادة من مروج الذهب 2/ 52.
2 مروج الذهب 2/ 52.
3 مروج الذهب 1/ 308.
4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 89.
فيما يزعمون يومئذ رجل يقال له: بكر بن معاوية، وهو الذي نزل عليه وفد عامر حين بعثوا إلى مكة يستسقون1.
قال الفاكهي: وحدثنا محمد بن علي المروزي قال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال: قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصن، عن عروة بن الزبير، قال: كانت الحجاز أسحر أرض الله وأكثرها ماء، وإنما كانت الخرق مظلة عليها.
قال: يقول عروة: لقد بلغني أن العماليق تسرح بها في الغداة الواحدة ألفي ناضح، بين أحمر وجون2
…
انتهى.
وروى الفاكهي بسنده إلى أبي جهو بن حذيفة أخبارا فيها ذكر شيء من حال العماليق، فنذكر ما فيها من ذلك: ففي بعضها: أن جبريل عليه السلام كان لا يمر بقرية إلا قال له إبراهيم: بهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول له جبريل: لا، حتى مر به على مكة، وهي إذ ذاك عضاه وسلم. والعماليق يومئذ حول الحرم، وهم يكونون بعرنة، وهم أول من نزل حول مكة، وكانت المياه يومئذ قليلة2.
وفي بعض الأخبار بعد أن ذكر إخراج الله الماء لإسماعيل عليه السلام وأقبل غلامان من العماليق يريدان بعيرين لهما قد أخطأه، فقد عطشا وأهلهما بعرنة، فنظرا إلى طير يهوي قبل الكعبة، فاستنكر ذلك، ثم قال بعد أن ذكر استدلالهما على الماء بالطير: فاتبعا الواردة منها حتى وقفا على أبي قبيس، فنظرا إلى الماء وإلى العريش، فنزلا وكلما هاجر، وسألاها: متى نزلت؟ فأخبرتهما، وقالا: لمن هذا الماء؟ فقالت: لي ولابني، فقالا: من حفره؟ فقالت: سقيا الله، فعرفا أن أحدا لا يقدر أن يحفر هنالك ماء، وعهدهما بما هنالك قريب، وليس به ماء، فرجعا إلى أهلهما من ليلتهما، وأخبراهم، فتحولوا حتى نزلت معهما على الماء، وأنست بهم، ومعهم الذرية، ونشأ إسماعيل عليه السلام مع ولدانهم.
وكان إبراهيم عليه السلام يزور هاجر في كل شهر على البراق، يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله الشام، ونظر من هنالك من العماليق وإلى كثرتهم، وعمارة الماء، فسر بذلك وقرت به عينه.
خروج العماليق من مكة:
وكان العماليق ولاة الحكم بمكة، فضيعوا حرمة البيت، واستحلوا منه أمورا عظاما، ونالوا ما لم يكونوا ينالون، فقام فيهم رجل يقال له: عملوق، فقال: يا قوم،
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 137.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 138.
أبقوا على أنفسكم ولا تفعلوا المنكر، تواصلوا، ولا تستخفوا بحرم الله وبيته، فلم يقبلوا ذلك، وتمادوا في هلكة أنفسهم. وفيه: فكثر العماليق، فنازعوهم يعني جرهما وقطورا فنفوهم وأخرجوهم من الحرم كله، فكانوا في أطراف الحرم، لا يدخلون الحرم، فقال لهم صاحبهم عملوق: ألم أقل لكم لا تستخفوا بحرمة البيت، ولا تنتهكوا به، ولا تتجبروا؟ فغلبتموني
…
انتهى.
وذكر الأزرقي شيئا من خبر العماليق، لأنه قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم، قال: حدثني جدي، عن سعد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بمكة حيٌّ يقال لهم: العماليق، فكانوا في عز وكثرة وثروة، وكانت لهم أموال كثيرة من خيل وإبل1 وماشية، وكانت ترعى بمكة وما حولها من "مر""ونعمان" وما حول ذلك، وكان "الجرف" عليهم مظلة، والأربعة مغدقة، والأودية تنسال2، والعضاه ملتفة، والأرض مبقلة، فكانوا في عيش رخي، فلم يزل بهم البغي والإسراف على أنفسهم، والإلحاد بالظلم، وإظهار المعاصي، والإضطهاد لمن قاربهم، ولم يقابلوا ما أوتوا بشكر3 الله، حتى سلبهم الله تعالى ذلك، فبغضهم4 بحبس المطر عنهم، وتسليط الجدب عليهم، وكانوا يكرون بمكة الظل، ويبيعون الماء، فأخرجهم الله تعالى من مكة بالذر، سلطه الله عليهم حتى خرجوا من الحرم، فكانوا حوله، ثم ساقهم الله بالجدب يضع الغيث أمامهم ويسوقهم بالجدب، حتى ألحقهم الله تعالى بمساقط رءوس آبائهم، وكانوا قوما عربا من حمير، فلما دخلوا بلاد اليمن تفرقوا وهلكوا، فأبدل الله عز وجل الحرم بعدهم بجرهم، فكانوا سكانه، حتى بغوا فيه، واستخفوا بحقه، فأهلكهم الله عز وجل جميعا5.
قال الأزرقي: وحدثني جدي إبراهيم بن محمد الشافعي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن خيثم قال: كان بمكة حيٌّ يقال لهم: العماليق، فأحدثوا فيها أحداثا، فجعل الله تعالى يقودهم بالغيث، ويسوقهم بالسنة، يضع الغيث أمامهم فيذهبون ليرجعوا، فلا يجدون شيئا، فيتبعون الغيث، حتى ألحقهم الله بمساقط رءوس آبائهم، وكانوا من حمير، ثم بعث الله عز وجل عليهم الطاعون قال أبو خالد الزنجي: فقلت لابن خيثم: وما الطاعون؟ قال: الموت6
…
انتهى.
1 قارن بأخبار مكة للأزرقي 1/ 89.
2 في أخبار مكة للأزرقي 1/ 89: "نجال".
3 في الأصل: "لشكر" والتصويب من أخبار مكة للأزرقي 1/ 89.
4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 90: "فنقصها".
5 أخبار مكة للأزرقي 1/ 89، 90.
6 أخبار مكة للأزرقي 1/ 89.
وهذان الخبران هما اللذان أشرنا غلى أنهما يقتضيان أن العماليق من حمير، وليس فيهما ما يشعر بأن أحدا من الناس أخرجهم من مكة قهرا.
وقد ذكر الأزرقي خبرا يقتضي أن جرهما وقطورا أخرجوا العماليق من مكة1، وسيأتي هذا الخبر إن شاء الله تعالى في أخبار جرهم.
وما ذكرناه عن الفاكهي يقتضي ذلك أيضا، والله أعلم بالصواب.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في أخبار جرهم ما يقتضي أن العماليق كانوا ولوا مكة حينا مع جرهم، ولا معارضة بين هذا الخبر وبين الخبر الذي يقتضي أن العماليق كانوا ولاة مكة قبل جرهم، لأنه يجوز أن يكون طائفة من العماليق ولوا مكة قبل جرهم، وطائفة من العماليق غير الأولين ولوا مكة مع جرهم، والله أعلم.
ووقع في خبر ذكره الفاكهي ما يوهم أن العماليق كانوا بعد جرهم، لأنه قال: وحدثنا حسين بن حسن قال: حدثنا عمرو بن عثمان قال: حدثنا موسى بن أعين، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عمر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أول من بنى البيت إبراهيم ثم هدم فبنته جرهم، ثم هدم البيت، فبنته العماليق، ثم هدم فبنته قريش2
…
انتهى.
ووقع في الخبر الذي رويناه عن ابن عباس في أخبار العماليق: أن أموالهم كانت ترعى بمكة وما حولها من "مر" و"نعمان"، فأما "مر" المشار إليه فهو: مر الظهران الذي يسميه أهل مكة: الوادي، ويقال له أيضا: وادي مر. وقد ذكر السهيلي خلافا في سبب تسميته بمر فقال: وسمي مرا، لأنه في عرق من الوادي من غير لون الأرض، شبه الميم الممدودة وبعدها راء خلقت كذلك، قال: ويذكر عن كثير أنه قال: سميت مرا لمرارتها، ولا أدري ما صحة هذا3
…
انتهى كلام السهيلي.
ونقل الحازم عن الكندي: أن مر: اسم للقرية، والظهران: اسم للوادي
…
انتهى.
وبين مر ومكة: ستة عشر ميلا، على ما قال البكري4. وقيل: ثمانية عشر ميلا، وقيل: أحد وعشرون، حكاه ابن وضاح، والله أعلم.
وأما نعمان المشار إليه فهو موضع مشهور فوق عرفة على طريق الطائف من عرفة، وفيه مزارع حسنة، والشعراء تذكره في شعرها5، وهو بفتح النون الأولى، وفيه
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 85.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 138.
3 الروض الأنف 1/ 114.
4 معجم ما استعجم 4/ 1212.
5 معجم ما استعجم 4/ 1316.
أخذ الله الميثاق على ذرية آدم، لأن ابن الأثير في "كامله" قال: روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أخذ الله الميثاق على ذرية آدم بنعمان من عرفة، ثم قال ابن الأثير: نعمان بفتح النون الأولى1
…
انتهى.
ذكر ولاية طسم البيت الحرام:
روينا عن الأزرقي بالسند المتقدم، قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر، عن قتادة قال: إن عمر بن الخطاب رضي لله عنه قال لقريش: إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم، فاستخفوا بحقه، واستحلوا حرمته، فأهلكهم الله، ثم وليته بعدهم جرهم، فاستخفوا بحقه، واستحلوا حرمته، فأهلكم الله، فلا تهاونوا به، وعظموا حرمته2
…
انتهى.
وطسم، أخو عملاق، وقد سبق نسبه، فأغنى عن إعادته.
1 الكامل 1/ 40.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 80.