الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها:
أما كيفية صلاتهم: فإنهم يصلون مرتين، الشافعي، ثم الحنفي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، وذكر ابن جبير ما يقتضي أن المالكي كان يصلي قبل الحنفي1، وأدركناه كذلك، ثم تقدم عليه الحنفي بعد التسعين بتقديم التاء على السين وسبعمائة، واضطراب كلام ابن جبير في الحنفي والحنبلي، لأنه ذكر ما يقتضي أن كلا منهما يصلي قبل الآخر، وهذا كله في غير صلاة المغرب فإنهم يصلونها جميعا في وقت واحد، وسبب اجتماعهم في هذه الصلاة: أنه يحصل للمصلين لبس كثير بسبب التباس أصوات المبلغين، واختلاف حركات المصلين، وهذا الفعل ضلال في الدين، لما فيه من المنكرات التي لا تخفى إلا على من غلب عليه الهوى. ولم يزل العلماء ينكرون ذلك قديما وحديثا نسأل الله زوال البدعة ثم زالت هذه البدعة بسعي جماعة من أهل الخير فيها عند ولي الأمر أثابهم الله تعالى، وذلك أن في موسم سنة إحدى عشرة وثمانمائة ورد أمر السلطان الملك الناصر فرج نصره الله تعالى بأن الإمام الشافعي بالمسجد الحرام يصلي المغرب بمفرده دون الأئمة الباقين، فنفذ أمره الشريف بمكة كما رسم به2. واستمر هذا الحال إلى أن ورد أمر الملك المؤيد أبي النصر شيخ صاحب مصر بأن الأئمة الثلاثة يصلون المغرب كما كانوا يصلون قبل ذلك. ففعلوا ذلك، وأول وقت فعل فيه ذلك ليلة السادس من ذي الحجة من سنة ست عشرة وثمانمائة3.
وكذلك تجمع الأئمة الثلاثة غير الشافعي على صلاة العشاء في رمضان، ويجتمع أيضا هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من الأئمة بالمسجد الحرام في صلاة التراويح في المسجد، وتحصل بسبب اجتماعهم في ذلك: المنكر القبيح الذي كان يقع دائما في صلاة المغرب وأعظم، لكثرة الأئمة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما حكم صلاة الأئمة الثلاثة: الحنفي والمالكي، والحنبلي، في الفرائض على الصفة التي يصفونها، فاختلف فيه آراء العلماء المالكية، لأن الشيخ الإمام أبا القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الحباب المالكي4 أفتى في سنة خمسين وخمسمائة بمنع
1 رحلة ابن جبير "ص: 79".
2 إتحاف الورى 3/ 466.
3 إتحاف الورى 3/ 509.
4 لم نعثر على ترجمته، وانظر الخبر في إتحاف الورى 2/ 516.
الصلاة بأئمة متعددة، وجماعات مترتبة بحرم الله تعالى، وعدم جوازها على مذاهب العلماء الأربعة. ثم إن بعض الناس استفتى في ذلك بعض علماء الإسكندرية، فأفتوا بخلاف ما رآه ابن الحباب، والذي أفتى بذلك. شداد بن المقدم، وعبد السلام بن عتيق، والشيخ أبو طاهر بن عوف بن الزهري.
ولما وقف ابن الحباب على فتاويهم أملى في الرد عليهم أشياء كثيرة حسنة، ونقل إنكار ذلك عن جماعة من العلماء. الشافعية، والحنفية، والمالكية، حضروا الموسم بمكة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، فمن الشافعية: أبو النجيب مدرس النظامية، ويوسف الدمشقي صاحب أسعد البهتي، ونقل عنهما أنهما قالا: وأما صلاة المغرب فهي أشنع وأبشع، وأقره العطاري في بقية فقهاء نيسابور، ومحمد بن جعفر الطائي يعني صاحب الأربعين. ومن الحنفية: الشرف الغزنوي. ومن المالكية: عمر المقدسي، وأقام الدلالة على فسادها، وأنها مخالفة لرأي مالك وأصحابه، وذكر ابن الحباب أن أبا بكر الطرسوسي، ويحيى الزياتي شيخ شداد بن المقدم لم يصليا خلف إمام المالكية بالحرم الشريف ركعة مع كونه مغموصا عليه، قال: ولا شيء أقبح من جهل الإنسان بحال شيوخه.
وأما وقت حدوثهم: فلم أعرفه تحقيقا، ورأيت ما يدل على أن الحنفي والمالكي كانا موجودين في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وأن الحنبلي لم يكن فيه موجودا وذلك لأن الحافظ أبا طاهر السلفي1 حج في هذه السنة، ورأى فيها أبا محمد بن العرضي القروي المقرئ إمام مقام الخليل عليه السلام وذكر أنه أول من يصلي من أئمة الحرم المقدسي قبل المالكية والحنفية والزيدية
…
انتهى.
ووجه الدلالة من هذا على ما ذكرناه من أن الحنبلي لم يكن موجودا في هذه السنة: عدم ذكر السلفي له، وذكره لإمام الزيدية، ولو كان الحنبلي موجودا حينئذ لذكره السلفي، فإنه أولى بالذكر من إمام الزيدية، والله أعلم.
ووجدت ما يدل على أنه كان موجودا في عشر الأربعين وخمسمائة، وقد ذكرت ذلك في أصل هذا الكتاب، والله أعلم.
وكان بعض المتعصبين على الحنابلة قلع حطيمهم من مكة، لأن أبا المظفر سبط ابن الجوزي قال في كتابه "مرآة الزمان" في ترجمة "مرجان" خادم المقتفي العباسي2 بعد
1 هو: أحمد بن محمد الأصفهاني السلفي، صاحب كتاب "معجم السفر" المتوفى سنة 576هـ.
2 هو: أبو عبد الله الحسيني المقتفي لأمر الله، بويع بالخلافة سنة 530هـ واستمر فيها إلى أن توفي سنة 555هـ.
أن ذكر عنه أنه قال: قصدي أن أقلع مذهب الحنابلة، لأنه لما حج قلع الحطيم1 الذي كان لهم بمكة، وأبطل إمامتهم بها وبالغ في أذاهم
…
انتهى2.
1 رحلة ابن جبير "ص: 79".
2 ظل المقام إلى قبل عام "1387هـ-1967م" داخل مقصورة نحاسية مربعة الشكل. وعليها قبة قائمة على أربعة أعمدة، غير أن ازدياد عدد الحجاج في تلك السنوات حتى ضاق المطاف حول الكعبة من استيعابهم، وأصبح ذلك من عوامل إعاقة الحركة حول بيت الله الحرام. مما أدى إلى مناقشات مستفيضة بين علماء المسلمين. وقضي الأمر إلى قرار من رابطة العالم الإسلامي في جلسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي المنعقدة في 25/ 12/ 1384هـ بإزالة جميع الزوائد الموجودة حول المقام. وإبقاء المقام في مكانه على أن يجعل عليه صندوق من البللور السميك القوي على قدر وارتفاع مناسب يمنع تعثر الطائفين. وتتسنى معه رؤية المقام. فعمل له غطاء من البللور الممتاز. وأحيط هذا الغطاء بحاجز وعملت له قاعدة من الرخام فوقها قاعدة نحاسية نصبت حول المقام لا تزيد مساحتها عن 180× 130 سم وبارتفاع "75 سم" وتم هذا في رجب عام "1387هـ = 1967م".
وفي يوم السبت 18/ 7/ 1387هـ جرى رفع الستار عن الغطاء البللوري في حفل جليل بيد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله.