الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس
ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد
…
الباب الخامس:
في ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد:
وأن الصلاة فيه أفضل من غيرها وغير ذلك من فضلها
أخبرني إبراهيم بن محمد الصوفي سماعا بالمسجد الحرام، قال: أخبرنا أحمد بن أبي طالب الصالحي، عن أبي المنجا عبد الله بن عمر البغدادي وأبي بكر محمد بن مسعود بن بهروز الطيب، قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السنجري، قال: أخبرنا الفقيه أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن مظفر الداودي، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السرخسي، قال: أخبرنا إبراهيم بن حزيم، قال: أخبرنا عبد بن حميد الحافظ، قال: أخبرني يعقوب بن إبراهيم الزهري، قال: حدثني أبي عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه أخبره، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته بالحزورة بمكة يقول لمكة:"والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أني أُخْرِجْتُ منك ما خرجت"1.
وأخبرتني الأصيلة أم أحمد فاطمة بنت العز محمد بن أحمد الجبلي قراءة عليها وأنا أسمع بدمشق في الرحلة الثانية، أن القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي أنبأها وتفردت عنه، قالت: أخبرنا الحافظ ضياء الدين المقدسي، قال: أخبرنا زاهر بن أحمد الثقفي، قال: أخبرنا غانم بن خالد، قال: حدثنا الليث بن عقيل، عن محمد بن مسلم أن أبا مسلمة أخبره عن عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته واقفا بالحزورة يقول: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أُخْرِجْتُ منك ما خرجت"2.
1 أخرجه: الترمذي "3925"، وابن ماجه "3108"، وأحمد 4/ 305.
2 أخرجه ابن ماجه 3108"، والترمذي "3925"، وأحمد 4/ 305، وابن حبان "3708" والحاكم 3/ 431، والأزرقي 2/ 154، وعبد الرزاق "8868".
وأخبرتني عاليا أم محمد بنت المنجا سماعا عن القاضي أبي الفضل المقدسي، قال: أخبرنا الحافظ الضياء، قال: أخبرنا أبو جعفر الصيدلاني وفاطمة بنت سعد الخير قالا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله قالت: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو القاسم الطبراني، قال: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: حدثنا أبو اليماني، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة.
وبه قال الطبراني: وحدثنا عبد الرحمن بن جابر البحتري، قال: حدثنا بشر بن شعيب قال: حدثني أبي، عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول، وهو واقف بالحزورة في شرقي مكة:"والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخْرِجْتُ منك ما خرجت"، أخرجه الترمذي والنسائي عن قتيبة بن سعيد عن الليث، وأخرجه ابن ماجه عن زغبة، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن زغبة، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن زغبة عن الليث، فوقع لنا به بدلا للترمذي والنسائي، وموافقته لابن ماجه وابن حبان1، مع العلو في ذلك، ولله الحمد.
وأخرجه النسائي، عن إسحاق بن مسعود الكوسج، عن يعقوب بن أبي إبراهيم الزهري، فوقع لنا بدلا له عاليا، وقال الترمذي: إن حديث ابن الحمراء حديث حسن صحيح على ما نقله عن المحب الطبري في "القرى"2، ومن خطه نقلت ذلك، ولما ذكر هذا الحديث قال: وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء، ثم رأيت فوق الحمراء حفر باب، وفوق الضرب ما صورته الخيار وهذا عجب منه، فإن الحديث مشهور عن ابن الحمراء، والله أعلم، وقال الترمذي عقب حديث ابن الحمراء رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وحديث الزهري عندي أصح3
…
انتهى.
ورويناه في "المعجم الكبير" للطبراني من حديث محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري ابن أخي الزهري، عن عمه محمد بن مسلم الزهري، عن محمد بن جبير، عن عبد الله بن عدي، وشذ ابن أخي الزهري في ذلك على ما قال صاحبنا الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أمتع الله بفوائده وما ذكره الترمذي من أن محمد بن عمرو رواه عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، لم أره هكذا، وإنما رأيته عنه، عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، هكذا رويناه في الجزء الثاني من حديث علي بن حجر
1 أخرجه: الترمذي "3925"، وابن ماجه "3108"، وابن حبان "3708".
2 القرى "ص: 647".
3 الترمذي "3925".
السعدي، عن إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن عمرويه، وفي تارخ الأزرقي عن جده عن سعيد بن سالم القداح، عن عثمان بن ساج، عن محمد بن عمرويه، ولعل محمد بن عمرويه في الرواية التي ذكرها عنه الترمذي سلك فيها جادة إسناده المتكرر في غير ما حدثت له عن أبي سلمة عن أبي هريرة، والله أعلم.
وفي رواية محمد بن عمر المرسلة التي في تاريخ الأزرقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك عام الفتح على الحجون، ولا تضاد بين هذه الرواية على تقدير ثبوتها، وبين الرواية التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو واقف بالحزورة، لإمكان الجمع بين الروايتين، بأن يكون قاله على الحجون في الفتح وبالحزورة حين خرج من مكة في عمرة القضية، لأنه أراد الإقامة بمكة ليبني فيها بزوجته ميمونة بنت الحارث الهلالية، فأبت عليه قريش ذلك، وظن بعض طرق الحديث التي أخرجناها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو على راحلته بالحزورة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة حين هاجر إلى المدينة، لأن الأخبار الواردة في هجرته صلى الله عليه وسلم تقتضي أنه صلى الله عليه وسلم خرج من مكة مستخفيا، ولو ركب بالموضع المشار إليه لأشعر ذلك بسفره، والقصد خلاف ذلك، والله أعلم.
والحزورة بحاء مهملة مفتوحة وزاي معجمة، وعوام مكة يصحفون الحزورة ويقولون: عزورة بعين مهملة، وهذا التصحيف من قديم، لأني رأيت ذلك مكتوبا في حجر رباط رامشت بمكة، وتاريخه سنة تسع وعشرين وخمسمائة، والحزورة الرابية الصغيرة والجمع الحزاور، وكان عندها سوق الحناطين بمكة، وهي في أسفلها عند منارة المسجد الحرام التي تلي أجياد، وما وقع مصرحا به في مسند أحمد بن حنبل من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء، وما ذكرناه في موضع الحزورة وهو المشهور المعروف على ما ذكره الأزرقي، وذكر عن بعض المكيين أن الحزورة بفناء دار الأرقم، يعني دار الخيزران التي عند الصفا، ونقل عن بعضهم أنها بحذاء الردم في الوادي، والله أعلم.
والحزورة مخففة على وزن قسورة، وذكر الدارقطني أن تخفيف الحزورة هو الصواب، وأن المحدثين يفتحون الزاي ويشددون الواو وهو تصحيف، نقل ذلك عنه صاحب "المطالع"، قال: وقد ضبطناه بالوجهين عن ابن سراج
…
انتهى.
وأفاد الفاكهي سبب تسمية الحزورة، لأنه قال: لما ذكر ولاية ابن نزار للكعبة وبيته: فكان أمر البيت إلى رجل منهم يقال له وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد، فبنى صرحا بأسفل مكة عند سوق الحناطين اليوم وجعل فيه أمة له يقال لها الحزورة، فبها سميت حزورة مكة1
…
انتهى.
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 145، والقرى "ص: 647".
وقد روينا نحو حديث ابن الحمراء من رواية أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم وعبد الله بن عمرو بن العاص فأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخبرني به الحافظان أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين وأبو الحسن علي بن أبي بكر المصريان سماعا بالقاهرة قالا: أخبرنا عبد الله بن محمد المقدسي، قال: أخبرنا علي بن أحمد الحنبلي، عن محمد بن معمر القرشي وأخته عائشة، قالا: أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن النعمان، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المقري الحافظ، قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحزورة فقال: "قد علمت أنك خير أرض الله وأحب الأرض إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت" أخرجه النسائي عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق بن همام، فوقع لنا بدلا له عاليا، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده، عن عبد الرزاق به. وعن إبراهيم بن خالد الصنعاني، عن رباح بن زيد عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن بعض الصحابة1. ولم يذكر صاحبنا الحافظ أبو الفضل العسقلاني أبقاه الله أن رواية معمر شاذة، يعني روايته لهذا الحديث، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. قال: والظاهر أن الوهم فيه من عبد الرزاق، لأن معمرا كان لا يحفظ اسم صحابيه كما جاءت رواية رباح عنه، وعبد الرزاق سلك الجادة فقال: عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ثم قال: وإذا تقرر ذلك علم أن لا أصل له من حديث أبي هريرة، والله أعلم
…
انتهى.
وروينا نحوه في الثالث من حديث المخلص السقاء بن أبي الفوارس، وفي "المنتقى" من سبعة أجزاء من حديث المخلص أيضا من حديث عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أخبرني به القاضي المفتي أبو بكر بن الحسين الشافعي سماعا بطيبة عن أحمد بن أبي طالب إذنا وكتابة، وأنبأني به محمد بن عبد الرحمن القضاعي في كتابه أن أحمد بن أبي طالب أخبره سمعا، قال: أخبرنا أحمد بن يعقوب المارستاني إذنا، قال: أخبرنا أبو المعالي بن النحاس، عن أبي القاسم بن البشرين قال: أخبرني أبو طاهر المخلص، قال: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سنان، قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا ثابت، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، قال: خرجت في
1 أخرجه ابن حبان في موارد الظمآن "ص: 253"،وابن ماجه "3108"، وأحمد 4/ 305. ولم نجده في سنن النسائي ولا عزاه له جامع الأصول 9/ 292".
وفد فيه أبو هريرة
…
فذكر عن أبي هريرة في حديث ذكره أنه قال: لما قدمنا مكة أتته الأنصار وهو قائم على الصفا فجلسوا حوله، فجعل يقلب بصره في نواحي مكة وينظر إليها ويقول:"والله لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله، ولولا أن قومي أخرجوني ما خرجت"1.
وبه إلى المخلص قال: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن سنان بالرملة، قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا ثابت، قال: حدثنا عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وبه قال ابن صاعد.
هذان الخبران لم يأت بهما في هذا الحديث إلا مؤمل بن إسماعيل
…
انتهى.
وإسناد هذا الحديث فيه نظر، لأن مؤمل بن إسماعيل الذي تفرد به كثير الخطأ على ما قال أبو حاتم2، وفيه نظر أيضا لمكان غيره فيه، وإنما أوردناه لغرابته، والله أعلم.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأخبرني به المسندان الإمام المفتي أبو أحمد إبراهيم بن محمد اللخمي ومحمد بن حسن بن علي القرشي المصريان سماعا على الثاني وأجازه ومشافهة من الأول: أن الحافظ أبا الفتح اليعمري أخبرهما سماعا قال: قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم القواس من غوطة دمشق: أخبركم أبو لقاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري، قال: أخبرنا أبو الحسين بن المسلم، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب، قال: أخبرنا ابن جميع، قال: حدثنا إبراهيم بن معاوية، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا نصر بن عاصم، قال: حدثنا الوليد، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا نصر بن عاصر، قال: حدثنا الوليد، قال: حدثنا طلحة، عن عطاء بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله وأكرمها على الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت"3.
وعاليا عمر بن حسن المزي في إذنه العام، قال: أخبرنا عمر بن عبد المنعم المذكور بسنده السابق، أخرجه الترمذي في المناقب، عن محمد بن موسى البصري، عن فضيل بن سليمان4. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، عن الحسن بن سفيان، عن
1 أخرجه الدارمي 2/ 239، وأبو يعلي "5928".
2 الجرح والتعديل 8/ 374 رقم 1709.
3 رواه ابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ مخطوطة ليدن ص 88، 89.
4 الترمذي "3921".
فضيل بن الحسين الجحدري، عن فضيل بن سليمان، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير وابن الطفيل كلاهما عن ابن عباس1، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب في هذا الوجه.
وأما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فذكره الفاكهي في كتابه "أخبار مكة" ولفظه: وحدثنا ميمون بن الحكم الصنعائي، قال: حدثنا محمد بن جعشم، عن ياسين بن معاذ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على أهل مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدري أين بعثتك؟ بعثتك على أهل الله، ليس بلد أحب إلى الله عز وجل ولا إلي منها ولكن قومي أخرجوني فخرجت، ولو لم يخرجوني لم أخرج".
وحدثنا عبد الله بن عمران، قال: حدثنا سعيد بن سالم، قال: حدثنا عثمان بن ساج، قال أخبرني يحيى بن أبي أنيسة، عن ابن شهاب الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من حديث ميمون2
…
انتهى.
وحديث عبد الله بن عدي بن الحمراء السابق هو حجة القائلين بأفضلية مكة على غيرها من البلاد والأماكن، ما خلا المكان الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل بقاع الأرض بالإجماع، على ما نقل القاضي عياض في شرح مسلم، حتى قيل إنه أفضل من موضع الكعبة على ما صرح به أبو اليمن ابن عساكر في إتحافه، وممن قال بأفضلية مكة على غيرها من البلاد الإمام أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه، وابن وهب وابن حبيب من المالكية، وقال العبدي: إنه مذهب أكثر الفقهاء، وقال ابن عبد البر: إن ذلك يروى عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي الدرداء وجابر وغيرهم من الصحابة، قال: وهم أولى أن يقلدوا ممن جاء بعدهم، قال: وحسبك بفضل مكة أن فيها بيت الله الذي رضي بحط الأوزار للعباد بقصده في العمر مرة، ولم يقبل من أحد منهم صلاة إلا باستقبال جهته إن قدر على التوجه إليها، وهي قبلة المسلمين أحياء وأمواتا
…
انتهى.
قلت: الفضل الثابت لمكة ثابت لجميع حرمها كما ذكره المحب الطبري في "القرى لقاصد أم القرى"، وضعف ابن عبد البر بعض الأحاديث المستدل بها على أن المدينة
1 صحيح ابن حبان "3708"، والترمذي في المناقب 5/ 722 وقال حديث غريب.
2 أخبار مكة للفاكهي 3/ 67 وقال عنه: إسناده ضعيف جدا، وذكره السيوطي في الكبير 1/ 890، وعزاه الطبراني في الكبير، وقد رواه البيهقي في سننه 5/ 339- 340، من طريق العباس بن الوليد، عن أبيه، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب.
أفضل من مكة، من ذلك الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه على الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين خرج من مكة إلى المدينة:"اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليَّ فأسكني أحب البلاد إليك"1. الحديث، قال فيه ابن عبد البر: إنه لا يصح ولا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه
…
انتهى.
وعلى تقدير صحته فلا دلالة فيه لمن استدل به على ما ذكره المحب الطبري، لأنه لما ذكر اختلاف العلماء في تفضيل المدينة على مكة في الفصل الذي عقده لفضل مسجد المدينة والصلاة فيه، قال: وما احتجوا به من قوله صلى الله عليه وسلم: "أخرجتني من أحب البلاد أو البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك" محمول على أنه أراد أحب البقاع إليك بعد مكة، بدليل حديث النسائي وابن حبان المتقدم في فضل مكة، يعني حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء، فإنه دل على أنها أحب أرض الله إلى الله، على أن هذا الحديث نفسه لا دلالة فيه، لأن قوله: وأسكني في أحب البقاع إليك، هذا السياق يدل في العرف على أن المراد بعد مكة، فإن الإنسان لا يسأل عما خرج منه، فإن قال: أخرجتني فأسكني، يدل على إرادة غير الخروج منه، فيكون مكة مسكوتا عنها في الحديث
…
انتهى.
وحديث رافع بن خديج رضي الله عنه: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المدينة خير من مكة" كما في معجم الطبراني2، قال فيه ابن عبد البر ضعيف الإسناد ولا يحتج به، وقيل: إنه موضوع، وذكره الذهبي في "فضل البلدان" وقال: حديث واه منكر، وهذان الحديثان أشهر الأحاديث المستدل بها على أن المدينة أفضل من مكة، وممن قال بذلك: الإمام مالك بن أنس رحمه الله وأصحابه، خلا من ذكرنا، ونقل القاضي عياض ذلك عن عمر بن الخطاب وبعض الصحابة وأكثر أهل المدينة3، والله أعلم.
ولا ريب في أن مكة والمدينة أفضل من سائر البلاد، لإجماع الناس على ذلك، كما ذكره القاضي عياض، كما أن بيت المقدس أفضل من سائرها بعد مكة والمدينة للإجماع، ومستند الإجماع في ذلك: أحاديث مشهورة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، والله أعلم.
1 مستدرك الحاكم 3/ 3.
2 أخرجه الطبراني بلفظ "المدينة خير من مكة" وفيه "محمد بن عبد الرحمن بن داود" وهو مجمع على ضعفه. ذكر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 299.
3 إعلام المجد "ص: 186"، المحلى 7/ 284.