المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ١

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تصدير:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول

- ‌أولا: ذكر مكة المشرفة

- ‌ثانيًا: ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها:

- ‌الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث:

- ‌ذكر الحرم وسبب تحريمه:

- ‌ذكر علامات الحرم:

- ‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من طريق نمرة:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة العراق:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة التنعيم وهي طريق المدينة وما يليها

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة اليمن:

- ‌الباب الرابع

- ‌ذكر شيء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكة وحرمها

- ‌ذكر شيء مما ورد في تعظيم الناس لمكة وحرمها وفي تعظيم الذنب في ذلك:

- ‌الباب الخامس

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

- ‌الباب السادس:

- ‌ذكر المجاورة بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في الموت بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في فضل أهل مكة:

- ‌ذكر شيء من فضل جدة ساحل مكة وشيء من خبرها:

- ‌ذكر شيء من فضل الطائف وخبره:

- ‌الباب السابع

- ‌في أخبار عمارة الكعبة المعظمة

- ‌ذكر البيت المعمور الذي أنزله الله على آدم وشيء من خبره:

- ‌ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج وما صنع فيها من العمارة:

- ‌ذكر الأساطين:

- ‌ذكر الميازيب:

- ‌ذكر الأبواب:

- ‌أوَّل من بوب الكعبة:

- ‌الباب الثامن:

- ‌ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة:

- ‌ذكر النوع الكعبة من داخلها وخارجها

- ‌ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع سطح الكعبة:

- ‌ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من خبر عمارته:

- ‌ذكر حلية الكعبة المعظمة ومعاليقها:

- ‌ذكر كسوة الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر طيب الكعبة وأخدامها:

- ‌ذكر أسماء الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان:

- ‌ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها:

- ‌الباب التاسع:

- ‌ذكر بيان مصلى النبي في الكعبة:

- ‌ذكر قدر صلاة النبي في الكعبة في دخوله هذا

- ‌ذكر من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة يوم فتح مكة من الصحابة ومن نقلها منهم، رضي الله عنهم:

- ‌ذكر ترجيح رواية من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة على رواية من نفاها، وما قيل في الجمع بين ذلك:

- ‌ذكر عدد دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة الشريفة بعد هجرته من المدينة وأول وقت دخل الكعبة فيه بعد هجرته

- ‌الباب العاشر:

- ‌في ثواب دخول الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

- ‌آداب دخول الكعبة:

- ‌الباب الحادي عشر:

- ‌ذكر شيء من فضائل الكعبة:

- ‌ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود وما جاء في كونه من الجنة:

- ‌ذكر فضل الركن اليماني وما جاء في تقبيله ووضع الخد عليه

- ‌الباب الثاني عشر:

- ‌ذكر ما ورد في ثواب الطواف عموما من غير تقييد بزمن:

- ‌ذكر بدء الطواف بهذا البيت المعظم وما ورد من طواف الملائكة

- ‌ذكر طواف بعض الجن والدواب والطير بالكعبة:

- ‌ما جاء من أن شرعية الطواف لإقامة ذكر الله:

- ‌ذكر ثواب النظر إلى الكعبة:

- ‌ذكر ثواب الحج والعمرة:

- ‌الباب الثالث عشر:

- ‌في الآيات المتعلقة بالكعبة:

- ‌ذكر خبر تبع والهذليين:

- ‌ذكر خبر أصحاب الفيل:

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار الحجر الأسود

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في زمن ابن الزبير، وما صنع فيه من الفضة في زمنه وزمن هارون الرشيد:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له:

- ‌ذكر ما صنعه الحجبة في الحجر الأسود بإثر رد القرامطة له:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة من بعض الملحدة مثلهم:

- ‌ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض:

- ‌ذكر شيء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود:

- ‌الباب الخامس عشر:

- ‌ذكر الملتزم:

- ‌ذكر المستجار:

- ‌ذكر الحطيم:

- ‌ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:

- ‌الباب السادس عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار المقام "مقام الخليل عليه السلام

- ‌ذكر حلية المقام:

- ‌ذكر صفة الموضع الذي فيه المقام والمصلى خلفه:

- ‌ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود:

- ‌ذكر موضع المقام في الجاهلية والإسلام وما قيل في ذلك:

- ‌ذكر شيء من فضل المقام:

- ‌ما جاء في هلاك من تعرض له بسوء:

- ‌الباب السابع عشر:

- ‌ذكر شيء من أخبار الحِجْر المُكَرَّم حِجْر إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر موضع الحجر وصفته:

- ‌ذكر ما جاء في الحجر والصلاة فيه:

- ‌ذكر ما جاء في الدعاء في الحجر تحت الميزاب:

- ‌ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة:

- ‌الباب الثامن عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته

- ‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

- ‌ذكر ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين:

- ‌ذكر ذرع زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر ذرع زيادة باب إبراهيم

- ‌الباب التاسع عشر:

- ‌ذكر عدد أساطين المسجد الحرام غير الزيادتين وصفتها:

- ‌ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفتها:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم:

- ‌ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم:

- ‌شرفات المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم:

- ‌ذكر عدد قناديل المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها:

- ‌ذكر منائر المسجد الحرام:

- ‌ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحة أو لنفع الناس به

- ‌ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها منه

- ‌ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة:

- ‌ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها:

- ‌الباب العشرون:

- ‌ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها:

- ‌ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن:

- ‌ذكر أسماء زمزم:

- ‌ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه:

- ‌ذكر آداب شربه:

- ‌ذكر حكمة التطهير بماء زمزم:

- ‌ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان:

- ‌ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

- ‌الباب الحادي والعشرون:

- ‌الباب الثاني والعشرون

- ‌ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك

- ‌ذكر الموضع الذي أحرم منه رسول الله من الجعرانة:

- ‌ذكر مقدار ما بين باب بني شيبة وهذين العلمين:

- ‌ذكر تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة:

- ‌ذكر مسجد عرفة وحكم الوقوف فيه:

- ‌ذكر ذرع هذا المسجد وشيء من صفته:

- ‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

- ‌ذكر حكم البناء بمنى:

- ‌ما جاء في فضل منى وما ذكر فيها من الآيات:

- ‌الباب الثالث والعشرون:

- ‌الباب الرابع والعشرون:

- ‌الباب الخامس والعشرون

- ‌ذكر نسب جرهم

- ‌ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها:

- ‌فهرس محتويات الجزء الأول

الفصل: ‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

أما سبب تسميتها عرفة: فلتعارف آدم وحواء فيها، لأن آدم عليه الصلاة والسلام أهبط بالهند، وحواء بجدة، فتعارفا بالموقف، قاله الضحاك، وقيل: لأن جبريل عليه السلام عرف الخليل عليه السلام فيها المناسك يوم عرفة وقيل: لأن الناس يعترفون فيها بذنوبهم وقيل: غير ذلك من الأقوال التي ذكرناها في أصل هذا الكتاب، وهي تسعة أقوال، والله أعلم بالصواب.

وأما جمعها وصرفها: فذكر جوازه جماعة من العلماء منهم النووي، لأنه قال وجمعت على عرفات وإن كان موضعا واحدا، لأن كل جزء منه يسمى عرفة، ولهذا كانت معروفة كقصبات، قال النحويون: ويجوز ترك الصرف كما يجوز ترك صرف غايات1 وأذرعات على أنها اسم مفرد لبقعة2

انتهى.

وأما حكم الإحياء بها: فإنه لا يجوز ولا يملك، على ما قال الحسين بن علي الطبري، فيما نقله عنه ابن خليل، وعلل ذلك بأنها متعبد ومنسك لعامة الناس، فصارت كالمساجد.

وحكى النووي في ذلك ثلاثة أوجه، قال: والأصح المنع مطلقا، وهذا أشبه بالمذهب

انتهى.

الثالث عشر: عرنة بالنون، الموضع الذي يجتنب الحاج الوقوف فيه، وهو بين العلمين اللذين هما حد عرفة، والعلمين اللذين هما حد الحرم من هذه الجهة وذكر ابن حبيب المالكي أنها من الحرم، وذلك لا يصح على ما ذكر المحب الطبري في "القرى"3، وذكر أنها عند مالك من عرفة، وحكاه ابن المنذر أيضا عن مالك، وفي صحة ذلك عنه نظر، لأنه توقف في إجزاء الوقوف بمسجد عرفة مع كونه مختلفا فيه: هو هو من عرفة أو من عرنة؟ أو بعض من عرفة بالفاء، وبعضه من عرنة بالنون؟ فكيف يرى أن عرنة بالنون كلها من عرفة بالفاء عند مالك؟ ولعل من نسبه إليه أنه يرى أن عرنة بالنون كلها من عرفة بالفاء، أخذ ذلك مما وقع لمالك من إجزاء الوقوف بهذا المسجد، لأن ابن الجلاد ذكر أن الوقوف ببطن عرنة مكروه. قال: ومن وقف به أجزأه وقوفه، قال: وبطن عرنة هو المسجد الذي يصلي فيه الإمام

انتهى.

ولا يلزم من كون مالك يرى إجزاء الوقوف بهذا المسجد أنه يرى عرنة -بالنون- كلها من عرفة -بالفاء- لاحتمال أنه يرى أن هذا المسجد من عرفة بالفاء، لما حصل عنده من ضعف الشبهة التي توقف لأجلها في إجزاء الوقوف بهذا المسجد، والله أعلم.

وذكر المحب الطبري أن حد عرفة الذي ذكره الأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما يقتضي دخول عرنة في عرفة4.

1 في تهذيب الأسماء: "عامات".

2 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 2: 56.

3 القرى "ص: 383".

4 القرى "ص: 384".

ص: 401

وقد سبق في ذكر عرنة ما ذكره الأزرقي في حد عرفة، واستدلال المحب الطبري منه على دخول عرنة في عرفة، ثم قال تلو ذلك: ويؤيد ذلك ما استدل به أصحابنا على أنها ليست منها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"وارتفعوا عن بطن عرنة". ولا دلالة فيه على ما قالوه، بل دليل على مذهب مالك، فإن أمره بالارتفاع عنها يشعر بذلك، وتؤيده الرواية الأخرى:"عرفة كلها موقف إلا عرنة"، والاستثناء دليل على دخول المستثنى في المستثنى منه، والاستثناء المنفصل على خلاف الأصل.

نعم فيه دليل على اختلاف حكم الوقوف فيه وفي عرفة، وهو عند مالك كذلك، وعلى المذهب: فمتى وقف في شيء من حدود عرفة صح حجه. وإذا وقف في غيره لا يصح حجه

انتهى.

وعرنة بضم العين وفتح الراء المهملة هذا هو المشهور فيها. وقيل: إنها بضم العين والراء. وقيل: بضم العين وسكون الراء، ذكره ابن عبد السلام المالكي في شرحه لابن الحاجب الفرعي.

الرابع عشر: قُزَح، الموضوع الذي يستحب فيه للحاج أن يقف عنده غداة يوم النحر، هو مكان بالمزدلفة، وهو المكان الذي يجتمع الناس عنده للدعاء غداة يوم النحر، ويعرف بالمشعر الحرام. أشار إلى ذلك المحب الطبري وغيره، قال في "شرح التنبيه": وقزح بقاف مضمومة ثم زاي مفتوحة ثم حاء مهملة، في وسطه: مزدلفة، ويكثر من التلبية، ويدعو بما تقدم، ولا ينبغي أن يفعل ما تطابق الناس على فعله من النزول بعد الوقوف عليه من درج في وسطه ضيقة يزدحم فيها الناس. وذلك بدعة. بل يكون نزوله من حيث رقيه من الدرج الظاهرة.

وذكر الإمام أبو عمرو بن الصلاح: أن قزح جبل صغير من آخر المزدلفة ثم قال: وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذي ذكرناه ببناء مستحدث في وسط المزدلفة. ولا يتأدى به هذه السنة، قال المحب: والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل كما تقدم، والمشاهدة تشهد بصحة ذلك، ولم أر ما ذكره لغيره

انتهى ما ذكره المحب الطبري بنصه، وذكر في كتابه "القرى" مثله1.

وذكر النووي في "الإيضاح" أن الأظهر أن للحاج تحصيل السنة بالوقوف على البناء المستحدث. وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب صفة البناء الذي على قزح قديما وحديثا، وخبر الوقيد فيه، ونشير هنا إلى شيء من ذلك.

1 القرى "ص: 426".

ص: 402

أما صفة البناء الذي عليه قزح الآن1 فإنه بناء مربع يشبه المنارة، وفي أعلاه اثنتان وعشرون شرافة، منها في الجهة القبلية سبع شرافات، وفي بقية الجهات خمس من كل جهة. وله درج من ظاهره وباطنه. وعدد الذي من ظاهره أربع وعشرون، والذي من باطنه عشرون، وارتفاعه في السماء ثلاثة عشر ذراعا، بذراع الحديد المستعمل في القماش بمصر ومكة. وذلك من الأرض إلى أعلى الشراريف، وارتفاعه من الأرض إلى أعلى السطح بغير الشراريف ينقص عن ذلك ذراعين ونصف تقريبا، وذرع تربيعه من كل ناحية اثنا عشر ذراعا ونصف ذراع، بالذراع المشار إليه، إلا أن الجهة الشرقية منه تنقص عن بقية الجهات ثلث ذراع، وكان اعتبار ما ذكرناه من ذرعه وصفته في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثمانمائة، بحضوري.

وصفته هذه تخالف صفته التي ذكرها الأزرقي2، واقتصرنا عليها لكونها أبلغ في تعريفه، ولم أعرف متى بني هكذا. وبناه في الجاهلية قصي بن كلاب جد النبي صلى الله عليه وسلم، على ما ذكر ابن عبد ربه في "العقد الفريد"3.

وأما خبر الوقيد عليه: فإنهم كانوا يوقدون فيه بالشمع في خلافة الرشيد، فلما مات كانوا يوقدون عليه بمصابيح كبار، ثم صاروا يوقدون عليه بمصابيح صغار وفتله دقاق، هذا ملخص ما ذكره الأزرقي في خبر الوقيد عليه، وذكر أنه كان يوقد عليه في خلافة الرشيد النار والحطب4، وما عرفت هل أراد بذلك في الجاهلية أو في الإسلام، والله أعلم.

وسيأتي إن شاء الله تعالى ذرع ما بين قزح وبين باب بني شيبة، وما بين قزح وبين باب المعلاة عند ذكر المشعر الحرام، والأصل في استحباب الوقوف على قزح ما رويناه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصبح بجمع 5 أتى قزح فوقف عليه وقال:"هذا قزح وهو الموقف، وجمْعٌ كلها موقف"، أخرجه أبو داود6. والترمذي7 وقال حسن صحيح

انتهى.

الخامس عشر: كداء، الموضع الذي يستحب للمحرم دخول مكة منه، وهو الثنية التي بأعلا8 مكة التي يهبط منها إلى المقبرة المعروفة بالأبطح، ويقال لها الحجون.

1 أي سنة 811هـ وهي السنة التي ذرع الفاسي فيها هذا الموضع، كما سيأتي في المتن.

2 راجع أخبار مكة للأزرقي 2/ 188.

3 لم أجد هذه المعلومة في "العقد الفريد".

4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 187.

5 "جمع" بفتح فسكون، هو المزدلفة، سمي بذلك لاجتماع الناس فيه.

6 سنن أبي داود 2/ 193 رقم 1935 كتاب المناسك.

7 الترمذي "885" في الحج "باب ما جاء أن عرفة كلها موقف". وهو فيه طويل.

8 كذا في الأصل.

ص: 403

الثاني. وما ذكرناه في تعريف كداء هذا، ذكر الفاكهي ما يوافقه لأنه قال في تعريفه لما في شق معلاة مكة الشامي كداءك الجبل المشرف على المقبرة والوادي، وله يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه يوم الفتح:

عدمت ثنيتي إن لم تروها

تثير النقع عن كتفي كداء1

وقال الفاكهي بعد أن ذكر شعب المقبرة في هذه الجهة وشيئا من خبره: ومن ثنية المقبرة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع2.

وقال بعضهم: قيل: إن ثنية المقبرة هو اسمها، يقال لها: ثنية المقبرة، ويقال اسمها هذا، وهي ثنية المعلاة

انتهى. ويقال: اسمها كداء، وهو مشعر بتضعيف هذه المقالة، لكونها حكيت بصيغة التمريض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دخل من هذه الثنية إلى مكة في حجة الوداع تعين أن تكون هذه الثنية كداء، لأن الأخبار وافرة صحيحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم حين حج من المدينة دخل إلى مكة من كداء.

وفي تاريخ الأزرقي ما يوافق ما ذكره الفاكهي من دخول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من هذه الثنية3، وذلك يقتضي أن تكون هذه الثنية: كداء، للمعنى السابق، والله أعلم.

وفي كلام غير واحد من المتأخرين تسمية هذه الثنية كداء، منهم: سليمان بن خليل، والمحب الطبري، والنووي، وقال المحب: هي بالفتح والمد تصرف على إرادة الموضع، وبتركه على إرادة البقعة

انتهى.

وقد ذكر الأزرقي شيئا من خبر هذه الثنية، وهي الآن يحاميم الأحداب التي بين دار السري إلى ثنية المقبرة، وهي التي قبر أمير المؤمنين أبي جعفر بأصلها، قال: يعرفها باليحاميم وأولها القرن الذي بثنية المدنيين على رابية بيوت ابن أبي حسين النوفلي، والذي يليه القرن المشرف على دار منارة الحبشي فيما بين ثنية المدنيين وهي التي كان ابن الزبير مصلوبا عليها، وكان أول من سهلها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ثم عملها عبد الملك بن مروان، ثم كان آخر من بنى ضفائرها ودرجها وجدرها4 المهدي

انتهى.

وذكر ذلك الفاكهي إلا أنه لم يجزم بكون معاوية رضي الله عنه أول من سهل هذه الثنية وحكاه بصيغة التمريض، وقال أيضا: ويقال إن ابن الزبير أول من سهلها

1 هكذا ورد في النسختين، والصحيح أن روايته هكذا:

عدمنا خيلنا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

وسيأتي البيت صحيحا بعد قليل، وفي أخبار مكة للفاكهي كما أثبتناه "4/ 180".

2 أخبار مكة للفاكهي 4/ 179.

3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 286.

4 في أخبار مكة للأزرقي 2/ 286: "جددها".

ص: 404

انتهى. فيستفاد مما ذكره الأزرقي والفاكهي قولان في أول من سهل هذه الثنية، والله أعلم بالصواب.

وفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة1 سهل بعض المجاورين موضعا مستصعبا في رأسها فالله تعالى يثيبه، وسهل أيضا غير من المجاورين بمكة أثابه الله في النصف الثاني من سنة سبع عشرة وثمانمائة طريقا في هذه الثنية غير الطريق المعتاد2، وهذه الطريق تكون على يسار الهابط من هذه الثنية إلى المقبرة والأبطح، وكانت حزنة ضيقة جدا، فتحت ما يليها من الجبل بالمعاول حتى اتسعت، فصارت تسع أربع مقاطير من الجمال محملة، وكانت قبل ذلك لا تسع إلا واحدا، وسهلت أرضها بتراب ردم فيها حتى استوت، وصار الناس يسلكونها أكثر من الطريق المعتادة، وجعل بينهما حاجزا من حجارة مرصوصة، وكان في بعض هذه الطريق قبور فأخفي أثرها.

السادس عشر: كدي، الموضع الذي يستحب الخروج منه لمن كان في طريقه: هو الثنية التي بأسفل مكة التي بني عليها بابها المعروف بباب الشبيكة على ما يقتضيه كلام المحب الطبري في "شرح التنبيه" لأنه قال فيه: وكدى التي يخرج منها الحاج مضمومة مقصورة، وقد بني عليها باب مكة الذي يتوجه منه إلى عمرة التنعيم

انتهى.

وباب مكة الذي أشار إليه المحب هو باب الشبيكة، لأن الناس تتوجه منه إلى عمرة التنعيم غالبا.

وذكر النووي ما يؤيد ما ذكره المحب الطبري في ضبطها ومكانها، لأنه قال في الإيضاح" في الباب الثالث: الرابعة: السنة أن يدخل مكة من ثنية كداء بفتح الكاف والمد، وهي بأعلى مكة ينحدر منها إلى المقابر، وإذا خرج راجعا إلى بلده خرج من ثنية كدًى -بالضم والقصر والتنوين، وهي بأسفل مكة بقرب جبل قعيقعان، وإلى صوب ذي طوى

انتهى.

وذكر القاضي بدر الدين بن جماعة في منسكه ما يقتضي أن كدى هذه هي الثنية التي عندها الموضع المعروف بقبر أبي لهب بطريق العمرة، ونص كلام ابن جماعة: وإذا يخرج من ثنية كد -بالضم والقصر من أسفل مكة، وهي الثنية التي يخرج إليها من باب مكة المعروف بباب الشبيكة، وهي الثنية التي يخرج منها إلى المرجم المعروف بقبر أبي لهب، يسلك منه إلى الزاهر المتقدم ذكره وغيره، ومنه يخرج المعتمرون

انتهى.

وكلام ابن جماعة هذا يخالف ما قاله المحب الطبري في كدى التي يخرج منها، والمحب الطبري الذي يعتد به في معرفة ذلك، والله أعلم بالصواب.

1 إتحاف الورى 3/ 465، 466.

2 إتحاف الورى 3/ 522.

ص: 405

ومن هذه الثنية دخل قيس بن سعد بن عبادة يوم فتح مكة على ما ذكر الأزرقي1، وذكر ما يقتضي أن حسان بن ثابت عناها بقوله السابق في كداء بالفتح، وأنشد على غير ما أنشده الفاكهي لأنه قال:

عدمنا خيلنا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء2

انتهى.

وبأسفل مكة ثنية يقال لها: كديّ، بالضم وتشديد الياء وتنوينها، يخرج منها إلى جهة اليمن، ذكر ذلك المحب الطبري، قال: وقد بني عليها باب مكة الذي يدخل منه أهل اليمن ويخرجون، هكذا قال في "شرح التنبيه"، وقال في "القرى": والثالثة كدي، بالضم وتشديد الياء مصغر، موضع بأسفل مكة، والأوليان هما المشهورتان، وهذه يخرج منها إلى جهة اليمن، هذا ضبط عن المحققين، ومنهم: أبو العباس أحمد بن عمر العذري، فإنه كان يرويه عن أهل المعرفة بمواضع مكة من أهلها، حكاه عنه الحميدي3

انتهى.

وما ذكره من أنه بني على الثنية التي يقال لها كدي بالتصغير باب مكة الذي يدخل منه أهل اليمن ويخرجون، يخالف ما يقوله الناس فيها، لأنهم يذكرون أنها الثنية التي يهبط منها إلى خم، وخم: شعب مشهور، وليس هو خم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم عند غديره:"من كنت مولاه فعلي مولاه" الوارد في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه موضع عند الجحفة، وبينها وبين باب مكة الذي أشار إليه المحب الطبري غلوتان، والله أعلم.

وممن ذكر هذا الموضع سليمان بن خليل، لأنه قال: وأما كدي بالتصغير بضم الكاف وفتح الدال، فإنه جبل بأسفل مكة يخرج منها إلى اليمن

انتهى. وما ذكرناه في ضبط كداء العليا، وكدي السفلى التي بني عليها باب الشبيكة هو الصواب، وضبط بعضهم العليا بالضم، وهذه السفلى بالفتح، ونسب النووي قائل ذلك إلى الغلط والتصحيف4 وذكر صاحب "المطالع" ما يشهد لمن ضبط العليا بالضم، ولكن المشهور فيها الفتح، والله أعلم.

وذكر الفاكهي ما يقتضي أن بأعلى مكة موضعا آخر يقال له كداء غير كداء الذي هو ثنية المقبرة، لأنه قال: كداء: الجبل المشرف على الوادي مقابل مقبرة أهل مكة، اليوم

1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 286.

2 البيت من قصيدة مطلعها:

عفت ذات الأصابع فالجواء

إلى عذراء منزلها خلاء

3 القرى "ص: 254".

4 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 2: 123، 124.

ص: 406

تحته بيوت عبد الرحمن بن يزيد، وابن خلف مولى العباس بن محمد، وهو ممتد إلى دار الأراكة

انتهى1، ذكر هذا في تعريفه لما في شق معلاة مكة اليماني، وذكر ما سبق في كداء الذي هو ثنية المقبرة في شق معلاة مكة الشامي، وتغاير الجهتين يقتضي مغايرة المكانين، وذكر في موضع آخر ما يقتضي أن كدا موضعا بأعلى مكة غير كداء الذي هو ثنية المقبرة، ولم يتعرض لضبط ذلك، فتصير المواضع أربعة، اثنان لا تعلق لهما بالمناسك، واثنان لهما تعلق بالمناسك، وهما كداء الذي هو ثنية المقبرة، وكدي الذي هو في طريق المدينة، وإنما استحب الخروج منه والدخول إلى مكة من آذاخر، لكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع، وأما في فتح مكة فدخل صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر بأعلى مكة، على ما ذكره ابن إسحاق في سيرته، والأزرقي، وذكر موسى بن عقبة ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح من كداء بأعلى مكة، وكذلك الزبير بن العوام رضي الله عنه2، والله أعلم بالصواب.

وأما في عمرته في الجعرانة فدخل صلى الله عليه وسلم مكة من أسفلها وخرج من أسفلها، كذا في خبر ذكره الفاكهي بإسناده، وفيه من لم أعرفه، والله أعلم.

السابع عشر: المأزمان اللذان يستحب للحاج أن يسلك طريقهما إذا رجع من عرفة، هو الموضع الذي تسميه أهل مكة الآن: المضيق بين المزدلفة وعرفة، قال صاحب "المطالع" المأزمان مهموز مثنى، قال ابن شعبان: هما جبلا مكة وليس من المزدلفة

انتهى.

وقال النووي في "التهذيب" والمأزمان جبلان بين عرفات ومزدلفة بينهما طريق. هذا معناهما عند الفقهاء فقولهم: على طريق المأزمين أي الطريق التي بينهما، وأما أهل اللغة فقالوا: المأزم الطريق الضيق بين جبلين"3

انتهى باختصار.

وذكر المحب الطبري معنى ذلك، قال: وأنكر بعض الناس على الفقهاء ترك همز المأزمين وعده لحنا، وهذه عبارة غير محررة، فإن ترك الهمز في المثال جائز باتفاق أهل العربية، فمن همز فهو الأصل، ومن لم يهمز فعلى التخفيف، فهما فصيحان

انتهى.

وذكر الأزرقي أن ذرع ما بين مأزمي عرفات مائةٌ ذراع واثنا عشر إصبعا، وذكر ذلك ابن خليل هكذا

1 أخبار مكة للفاكهي 4/ 145. وقال محقق الكتاب: وأرى أن وجود هذه الترجمة وهم من النساخ لا أنسبه للفاكهي؛ لأن ما هو مذكور في شرح الترجمة سيذكره الفاكهي في "ثنية كدي"، ودار الأراكة ودار ابن خلف مولى العباس ذكرهما الفاكهي وحدد موضعهما على "ثنية كدي".

2 السيرة النبوية للإمام المعافري 4/ 91.

3 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 2: 148.

ص: 407

قلت: ومن أول هذين المأزمين مما يلي المزدلفة إلى العلمين اللذين هما حد عرفة اثنا عشر ألف ذراع وثلاثة وتسعون -بتقديم التاء- وثلاثة أسباع بذراع اليد المتقدم، وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب مقدار ذلك بالأميال على مقتضى الأقوال الأربعة في مقداره، ومن أول هذين المأزمين مما يلي المزدلفة إلى العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة ذراع -بتقديم التاء- واثنان وعشرون ذراعا، وذكرنا في أصل هذا الكتاب مقدار ذلك بالأميال، ولذلك تركنا ذكره هنا.

الثامن عشر: "محسر" الموضع الذي يستحب الإسراع فيه، هو واد بين منى والمزدلفة على حدهما، وليس منهما، أشار إلى ذلك النووي في "الإيضاح"، والمحب الطبري في "القرى"، وذكر أن في حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أنه من منى، والحديث في الصحيحين.

ونقل صاحب "المطالع" ما يدل على أن بعض "محسر" من منى، وبعضه من المزدلفة، وصوب ذلك.

وذكر سليمان بن خليل، والمحب الطبري ما يدل على أن "محسر" الموضع الذي يقال له وادي النار، وهو مشهور بذلك إلى الآن، ويقال ذلك أيضا للموضع الذي ينزله الآن بنو حسن بمنى، وبينه وبين محسر فلوات، ولعل ذلك لقربه من محسر، والله أعلم.

ويقال لمحسر: المهلل؛ لأن الناس إذا وصلوا إليه في حجهم هللوا فيه وأسرعوا السير في الوادي المتصل به، والمهلل المشار إليه مكان مرتفع عنده بركتان معطلتان بلحف قرن جبل عال، ويتصل بهما آثار حائط ويكون ذلك كله على يمين الذاهب إلى عرفات ويسار الذاهب إلى منى. ولما عرفه ابن صلاح قال: وأول محسر من القرن المشرف من الجبل الذي على يسار الذاهب إلى منى. ثم قال: وأهل مكة يسمونه وادي النار

انتهى.

وكون محسر عند الموضع الذي يقال له: المهلل، أمر مشهور عند الناس، والله أعلم. ويتأيد لذلك بأن من رأس المهلل إلى منتهى منى من جهة مكة، فهو طرف العقبة التي هي حد منى سبعة آلاف ذراع ومائة ذراع وتسعة -بتقديم التاء- وثلاثين ذراعا وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد، وذلك يقارب ما ذكره الأزرقي في قدر منى، وهو على ما ذكر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع1.

1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 186.

ص: 408

وذكر المحب وابن خليل: أنه سمي محسرا لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيا. قلت: وفي ذلك نظر، لأن ابن الأثير ذكر في "نهاية الغريب" أن هذا الفيل لم يدخل الحرم، ذكر ذلك في مادة حبس، عند قوله: حبسها حابس الفيل1.

وذكر الأزرقي أن وادي محسر خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعا2

انتهى.

واتفق الأئمة الأربعة على استحباب الإسراع فيه قدر رمية حجر للراكب والماشي. وحكى الرافعي وجها ضعيفا أن الماشي لا يستحب له الإسراع، والأصل في استحباب الإسراع في هذا المكان فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فيه، وجاء في بعض الأحاديث ما يقتضي خلاف ذلك، لكن الأحاديث في الإسراع أكثر وأصح، وقدمت على ما خالفها لأنها مثبتة، واختلف في تحريكه صلى الله عليه وسلم راحلته في هذا الموضع فقيل: يجوز أنه فعل ذلك لسعة الموضع، وقيل: إنه فعل ذلك لأجل أن مأوى الموضع للشياطين، فاستحب صلى الله عليه وسلم الإسراع فيه، ولعله المشار إليه بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أفاض من عرفة إلى المزدلفة:

إليك تعدو قلقا وضينها

مخالفا دين النصارى دينها

ومحسر بميم مضمومة ثم حاء مفتوحة ثم سين مشددة مكسورة ثم راء مهملة هكذا ضبطه النووي وغيره.

التاسع عشر: المحصب3 الذي يستحب للحاج النزول فيه بعد انصرافه من منى، وهو مسيل بين مكة ومنى، وهو أقرب إلى مكة بكثير، وقد صرح الأزرقي بحده من جهة مكة، ووقع في كلامه ما يوهم حده من جهة منى، ونص كلامه: وحد المحصب من الحجون مصعدا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى إلى حائط خرمان، مرتفع على بطن الوادي4

انتهى.

والحجون المشار إليه في هذا الحد هو الجبل المتقدم ذكره، وقد تقدم لنا أنه أحد الجبلين اللذين بينهما الشعب الذي تسميه الناس: شعب العفاريت، بالمعلاة على يمين الذاهب إلى منى، ويعرف أحد الجبلين بجبل ابن عمر، لأن فيه ما يقال قبر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو الذي على يمين الداخل إلى الشعب المشار إليه،

1 النهاية لابن الأثير باب الحاء مع الباء.

2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 189، 190.

3 المحصب: بالضم ثم بالفتح وصاد مهملة مشددة، اسم المفعول من الحصباء، والحصب هو الرمي بالحصى، وهو مسيل ماء بين مكة ومنى.

4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 160.

ص: 409

وإذا تقرر أن الحجون بهذا المكان، فيكون ذلك حد المحصب من جهة مكة، كما هو مقتضى كلام الأزرقي المتقدم ذكره.

ووقع للشيخ تقي الدين بن الصلاح في منسكه، والشيخ محيى الدين النووي في إيضاحه وغيره، والشيخ محب الدين الطبري في "القرى" ما يوهم أن حد المحصب من جهة مكة دون الموضع الذي أشرنا إليه في تفسير الحجون. ونص كلام ابن الصلاح: والمحصب بالأبطح، وهو ما بين الجبل الذي عنده مقبرة أهل مكة إلى الجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيسر، وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا عن بطن الوادي، وليست المقبرة منه، وإنما سمي المحصب لأن السيل يجمع فيه الحصباء

انتهى.

وكلام النووي والمحب مثل هذا

انتهى.

وللقاضي عز الدين بن جماعة في منسكه الكبير في حد المحصب كلام مثل هذا ولا تضاد بين ما ذكرناه في كون حد المحصب من جهة مكة الموضع الذي ذكرناه في تفسير الحجون، وبين ما قاله ابن الصلاح، ومن ذكر من العلماء أن المقبرة ليست من المحصب لأن سواد هؤلاء العلماء المشار إليهم أجمعوا على التحديد بالجبل الذي عنده مقبرة أهل مكة، في تعريفهم المحصب: الجبل الذي على يسار الهابط من ثنية كداء بفتح الكاف والمد، فإن مقبرة أهل مكة عنده، أو الجبل الذي على يمين الهابط من الثنية المشار إليها، فإن عنده أيضا مقبرة لأهل مكة، وأيهما كان المراد، فهو يقابل الموضع الذي ذكرناه في تفسير الحجون، فيكون هذا الموضع حد المحصب من جهة مكة، ويكون ما حاذاه من المقبرة مستثنى من عرض المحصب لا من طوله، ويتفق كلام هؤلاء من جهة مكة عند ابن الصلاح، ومن قال بقوله من الأئمة المشار إليهم، دون الموضع الذي أشرنا إليه في حد المحصب، وأن المقبرة غير داخلة في حده طولا، لقالوا حده من جهة مكة طرف المقبرة من أعلاها، ولم يحتاجوا إلى التنبيه على أن المقبرة لا تدخل فيه، فإن هذه العبارة وما شابهها يقتضي ذلك، ولكن لما كان المحصب من جهة مكة الموضع الذي أشرنا إليه ولم يكن في محاذاته سوى أحد الجبلين اللذين بينهما الثنية المشار إليها، قالوا في تعريفه: هو ما بين الجبل الذي عنده مقبرة أهل مكة، والجبل المقابل له؛ يعنون الحجون واستثنوا المقبرة مما بين الجبلين، لأن موضعهما ليس محصبا لمزدلفة، فإن المحصب هو ما سهل من الأرض لأن العلماء فسرو المحصب بأنه الموضع الذي يجتمع فيه حصب من السيل، وموضع المقبرة ليس بهذه الصفة، ويدل لصحة هذا التأويل أن المحصب هو الأبطح، والبطحاء على ما قال المحب الطبري، ولا ريب في كون الموضع الذي أشرنا إليه من الأبطح، والله أعلم.

ص: 410

وأما حد المحصب من جهة منى: فوقع في كلام الأزرقي ما يوهم أنه إلى حائط خرمان، وهو الأودان المعروفة بالخرمانية بأعلى المعابدة، ولفظ الأزرقي الذي أوهم كون هذا الموضع حد المحصب قوله في الحد السابق إلى حائط خرمان، ويحتمل أن لا يكون تعرض لحده، وإن أراد أن الموضع الذي ينزل من المحصب يكون على يسار الذاهب إلى منى، وعلى يسار الذاهب إلى حائط خرمان، وهو أقرب والله اعلم، لأني وجدت في كلام منقول عن الشافعي ما يقتضي أن حد المحصب من جهة منى جبل المقبرة وهو بقرب السبيل الذي يقال له سبيل الست، وطريق منى إلى جهته لا إلى جهة منى ونص الكلام الذي رأيته للشافعي في ذلك على ما نقل سليمان بن خليل في منسكه، قال الشافعي رضي الله عنه: المحصب ما بين الجبلين، جبل المقبرة، والجبل الآخر وهو على باب مكة بالأبطح، هكذا نقل الشيخ أبو حامد في التعليق

انتهى من منسك ابن خليل، وهو يقتضي أن حد المحصب من جهة جبل المقبرة، وجبل العيرة حد الميل الثاني من الأميال التي ذكرها الأزرقي، فيما بين باب بني شيبة وموقف الإمام بعرفة، لأنه قال لما ذكر هذه الأميال: والميل الثاني في حد جبل المقبرة، وقال في موضع آخر: المقبرة الجبل الذي عند الميل على يمين الذاهب إلى منى

انتهى.

وقد اعتبرنا من باب بني شيبة إلى السبيل الذي يقال له سبيل الست فجاء ميلين، كل ميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع، فاستفدنا من هذا أن جبل المقبرة عند هذا السبيل، وأنه حد المحصب من جهة منى، والله أعلم.

وأما قول صاحب المطالع": المحصب بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب، فليس بظاهر، وقد نبه على ذلك النووي، والله أعلم، والمحصب هو خَيْف بني كنانة التي تقاسمت فيه قريش على الكفر.

العشرون: المروة، الموضع الذي هو منتهى السعي، هو في أصل جبل قعيقعان، على ما قال أبو عبيد الله البكري، وقال النووي: إنها أنف من جبل قعيقعان1. وذكر سليمان بن خليل سبب تسمية الصفا والمروة، وكذلك المحب الطبري ونص ما ذكره سليمان بن خليل: وقال جعفر بن محمد: نزل آدم عليه السلام على الصفا، وحواء على المروة فسمي الصفا باسم آدم المصطفى، وسميت المروة باسم المرأة، وهي الصخرة الملساء، وجمع المروة المروات بمثل تمرة وتمرات.

ونص ما ذكره المحب الطبري في شرح التنبيه: والصفا مقصور، وهو في الأصل: جمع صفا، وهو: الصخرة الملساء، والحجر الأملس، والمروة في الأصل: الحجر

1 تهذيب الأسماء واللغات 1/ 2: 181.

ص: 411

الأبيض البراق، وقيل: الذي يقدح منه النار، فسمي الجبلان بذلك لتضمنهما هذا المعنى، والله أعلم ثم قال: وقد بني على الصفا والمروة أبنية حتى سترتهما، بحيث لا يظهر منهما شيء غير يسير في الصفا، قال: والمروة أيضا في وجهها عقد كبير مشرف، والظاهر أنه جعل علما لحد المروة، وإلا كان وضعه ذلك عبثا، وقد تواتر كونه حدا بنقل الخلف عن السلف، وتطابق الناسكون عليه، فينبغي للساعي أن يمر تحته ويرقى على البناء المرتفع عن الأرض

انتهى.

وذكر الأزرقي، والبكري في درج المروة ما يخالف حالها اليوم، أما الأزرقي فإنه قال في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: قلت: البناء المرتفع الذي أشار إليه المحب كهيئة الدكة، وله درجة ذكر وذكر ذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا، وذرع ما بين الصفا والمروة: وعلى المروة خمس عشرة درجة1

انتهى. وذكر في هذه الترجمة درج الصفا، ونص كلامه على الصفا اثنتي عشرة درجة من حجارة

انتهى.

وذكر البكري في درج المروة مثل ما ذكره الأزرقي. وذكر ابن جبير أن درج المروة خمس درجات2، وذكر النووي أن فيها درجتين، والذي فيها الآن واحدة.

والعقد الذي بالمروة جدد بعد سقوطه في آخر سنة إحدى وثمانمائة أو في التي بعدها، وعمارته هذه من جهة الملك الظاهر برقوق3، صاحب مصر، واسمه مكتوب بسبب هذه العمارة في أعلى هذا العقد، وفي الصفا أيضا، وما أظن أن عقد الصفا بني، وإنما أظن أنه نور وأصلح، وسبب ترددي في ذلك أني رحلت من مكة في آخر سنة إحدى وثمانمائة رحلتي الثانية إلى الديار المصرية والشامية. ومن تحت هذا العقد4 إلى أول درجة الدركة التي بالمروة داخل العقد: سبعة أذرع، ومن تحت العقد الذي بالمروة إلى الذي يستدبره مستقبل القبلة: ثمانية عشر ذراعا وثلثا ذراع، كل ذلك بذراع اليد، واتساع هذا العقد ستة عشر ذراعا بذراع الحديد المصري.

والمروة أفضل من الصفا على ما قاله شيخ الإسلام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، وتلميذه الشهاب القرافي، لكونها تزاد من الصفا أربعا، والصفا لا يزاد منها إلا ثلاثا، وما كانت العبادة فيه أكثر فهو أفضل.

وذكر القاضي عز الدين بن جماعة أن في ذلك نظرا، وقالوا: لو قيل بتفضيل الصفا لأن الله سبحانه وتعالى بدأ به لكان أظهر، ولو قيل بتفضيل المروة باختصاصها بالنحر والذبح دون الصفا لكان أظهر مما قالاه، والله أعلم

انتهى.

1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 119.

2 رحلة ابن جبير ص " 84".

3 توفي برقوق عام 801هـ.

4 إتحاف الورى 3/ 416.

ص: 412

الحادي والعشرون: المزدلفة، الموضع الذي يؤمر الحاج بنزوله والمبيت فيه بعد دفعه من عرفة ليلا، هو ما بين مأزمي عرفة ومحسر، ومأزمي عرفة هو الذي يقال له المضيق، وقد ذكر حد المزدلفة بما ذكرناه جماعة من العلماء، منهم: عطاء كما في تاريخ الأزرقي عنه1، والإمام الشافعي في كتابه "الأم"، لأنه قال: المزدلفة حدها من حيث يفيض من مأزمي عرفات إلى أن يأتي قرن محسر، هكذا على يمينك وشمالك من تلك المواطن القوائل، والظواهر، والنجاد، والوادي، كل ذلك من المزدلفة

انتهى.

وسميت مزدلفة لازدلاف الناس إليها، أي اقترابهم، وقيل: لمجيء الناس إليها زلفا من الليل، أي ساعات، وقيل غير ذلك، ويقال للمزدلفة: جمع سميت بذلك لاجتماع الناس بها، وقيل: لاجتماع آدم وحواء فيها، وقيل: لجمع الصلاتين فيها. وبها مسجد حول قزح، وهو صغير مربع ليس بالطويل الحيطان، طوله إلى جهة القبلة ستة وعشرون ذراعا إلا ثلث ذراع غير أن الجهة التي عن يسار المصلي تنقص في الطول عن الجهة اليمنى خمسة أذرع إلا ثلث ذراع، وعرضه اثنان وعشرون ذراعا، وفي قبلته محراب فيه حجر مكتوب فيه: أن الأمير يلبغ الخاصكي جدد هذا المكان بتاريخ ذي القعدة سنة ستين وسبعمائة2.

وقد ذكر الأزرقي صفة مسجد المزدلفة وذرعه3، وذكرنا كلامه بنصه في أصل هذا الكتاب، وكان تحرير ما ذكرناه من ذرع هذا المسجد بحضوري، والذراع الذي حررناه به هو ذراع الحديد المتقدم ذكره، وطول المزدلفة من حدها الذي يلي منى، وهو طرف وادي محسر إلى حد مزدلفة الذي يلي عرفة، وهو أول المأزمين مما يلي المزدلفة سبعة آلاف ذراع وسبعمائة ذراع وثمانون ذراعا وأربعة أسباع، ومن جدار باب بني شيبة إلى حد مزدلفة من جهة منى ومكة عشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وسبعة أذرع -بتقديم السين- وثلاثة أسباع ذراع، يكون ذلك أميال على القول بأن الميل ثلاثة ألاف ذراع وخمسمائة ذراع: خمسة أميال وستة أسباع ميل يزيد سبعة أذرع -بتقديم السين- وثلاثة أسباع ذراع، ومن باب المعلاة إلى حد المزدلفة المشار إليها ثمانية عشر ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وثمانون ذراعا وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد، يكون ذلك أميالا على القول

1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 191، 192.

2 وفي سنة 842هـ أمر السلطان جقمق الأمير سودون بتعمير هذا المسجد، وفي سنة 874هـ في سلطة السلطان قايتباي أمر أمير مكة الشريف محمد بن بركات بتبيضه، وفي سنة 1072هـ عمره سليمان بك والي جدة من قبل السلطان محمد الفاتح.

3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 186 وما بعدها.

ص: 413

بأن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع: خمسة أميال وربع ميل يزيد خمسة أذرع وثلاثة أسباع ذراع، والله أعلم.

الثاني والعشرون: المشعر الحرام الذي يستحب للحاج الوقوف عنده للدعاء والذكر، غداة يوم النحر، هو موضع معروف بالمزدلفة، وهو قزح الذي تقدم ذكره وحديث جابر رضي الله عنه الطويل يدل على أن المشعر الحرام موضع من المزدلفة لا كلها، لأنه قال فيه بعد أن ذكر نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة ومبيته بها، وصلاته فيها الصبح: ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا وكبر وهلل ووحد، ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ودفع قبل أن تطلع الشمس1.

وفي حديث علي رضي الله عنه السابق عند ذكر قزح ما يؤيد ذلك2، لأن قزح هو المشعر الحرام، والله أعلم.

وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما: المشعر الحرام المزدلفة كلها، ومثله في كثير من كتب التفسير، في قوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] فهو محمول على المجاز، أشار إلى ذلك المحب الطبري، والأفصح في المشعر الحرام فتح الميم، وكسرها لغة، حكاه الجوهري وغيره، ولم ترد إلا بالفتح، ومعنى المشعر الحرام أي الذي يحرم فيه الصيد وغيره، ويجوز أن يكون معناه ذا الحرمة، والله أعلم.

وأحدث وقت بني فيه المشعر الحرام فيما علمت سنة تسع وخمسين وسبعمائة3، أو في التي بعدها.

ومن جدار باب بني شيبة إلى جدار المشعر الحرام الذي يلي مكة المكرمة خمسة وعشرون ألف ذراع وسبعمائة ذراع -بتقديم السين- وثمانية أذرع وأربعة أتساع ذراع ومن عتبة باب المعلاة إلى حد المشعر الحرام الذي يلي مكة ثلاثة وعشرون ألف ذراع، وستمائة ذراع وواحد وثمانون ذراعا وأربعة أسباع ذراع، يكون ذلك أميالا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع: ستة أميال وخمسة أسباع ميل ونصف عشر ميل، يزيد ستة أذرع وأربعة أسباع ذراع، والله أعلم.

الثالث والعشرون: المطاف المذكور في كتب الفقهاء، وهو ما بين الكعبة ومقام إبراهيم الخليل عليه السلام وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة، وقد أشار إلى

1 أخرجه مسلم "1218" في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو داود "1905، 1907، 1908، 1909" في المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي 5/ 143، 144ن في الحج وابن ماجه "3974" في المناسك باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 سنن أبي داود "1935"، والترمذي "885" في الحج.

3 إتحاف الورى 3/ 274، العقد الثمين 5/ 40.

ص: 414

تعريفه بما ذكرناه الشيخ أبو محمد الجويني فيما نقله عنه ابن الصلاح في منسكه، لأنه قال: قال الشيخ أبو محمد: المطاف المعتاد الذي يستنكر ويستبعد مجاوزته هو ما بين الكعبة والمقام، ومن كل جانب في العادة أمارات منصوبة لا يكاد الناس يخرجون عنها

انتهى.

قلت: وهذا الموضع مفروش بالحجارة المنحوتة حول الكعبة من جوانبها، وعمل ذلك دفعات، حتى صار على ما هو عليه اليوم، وكان مصيره هكذا في سنة ست وستين وسبعمائة، والمعمول منه في هذه السنة جانب كبير جدا، وهاتان العمارتان من جهة الملك الأشرف شبعان صاحب مصر1. وعمر المطاف من ملوك مصر: الملك المنصور لاجين المنصوري2، واسمه مكتوب بسبب ذلك في رخامة بين الركن اليماني والحجر الأسود، وعمره من الخلفاء: المستنصر العباسي في سنة إحدى وثلاثين وستمائة3، واسمه مكتوب بسبب ذلك في الحفرة التي عند باب الكعبة.

قد بين الفاكهي أول من فرش الحجارة في موضع الطواف ومقدار ذلك، وما كان يضع في موضعه، لأنه قال: ذكر فرش الطواف بأي شيء هو، قال بعض المكيين: إن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما بنى الكعبة وفرغ من بنائها وخلقها وطلاها بالمسك، وفرش أرضها من داخلها، بقيت من الحجارة بقية، ففرش بها حول المطاف كما يدور البيت نحوا من عشرة أذرع، وذلك الفرش باق إلى اليوم، إذا جاء الحاج في الموسم، جعل على تلك الحجارة رمل من رمل الكثيب الذي بأسفل مكة يدعى كثيب الرمضة، وذلك أن الحجبة يشترون له مدر ورملا كثيرا فيجعل في الطواف، ويجعل الرمل فوقه، ويرش بالماء حتى يتلبد، ويؤخذ بقية ذلك الرمل فيجعل في زاوية المسجد الذي يلي باب بني سهم، فإذا خف ذلك الرمل والمدر أعادوه عليه ورشوا عليه الماء حتى يتلبد، فيطوف الناس عليه، فيكون ألين على أقدامهم في الطواف، فإذا كان الصيف وحمي ذلك الرمل من شدة الحر فيؤمر غلمان زمزم وغلمان الكعبة أن يستقوا من ماء زمزم في قرب، ثم يحملونها على رقابهم حتى يرش به رمل الطواف فيتلبد ويسكن حره، وكذلك أيضا يرشون الصف الأول، وخلف المقام كما يدور الصف حول البيت

انتهى.

وقد اعتبر بعض أصحابنا بحضوري مقدار ما بين منتهى ذلك وبين الكعبة المعظمة من جميع جوانبها، فكان مقدار ما بين الحجر الأسود وطرف البلاط المحاذي له على

1 إتحاف الورى 3/ 304، العقد الثمين 5/: 10، 11.

2 تولى السلطنة سنة 696 وقتل سنة 698هـ "البداية والنهاية 13/ 348- 14/ 3".

3 إتحاف الورى 3/ 50، العقد الثمين 3/ 325، وفيه أن العمارة كانت سنة 635هـ.

ص: 415

الاستواء في الجهة اليمنية خمسة وعشرين ذراعا إلا ثلث ذراع، وما بين الحجر الأسود وطرف البلاط المحاذي لوسط مقام الحنابلة اثنتين وعشرين ذراعا وثلث ذراع، وما بين الحجر وجدار زمزم ثلاثون ذراعا وثلثي ذراع، وما بين الركن الشامي الذي يقال له العراقي وآخر تدوير المطاف المسامت له إلى الجهة الشرقية أربعة وعشرون ذراعا ونصف، ومن الركن الشامي إلى آخر البلاط المحاذي له في الجهة الشامية سبعة وثلاثون ذراعا وربع ذراع، وما بين الركن الغربي وآخر البلاط المحاذي له من الجهة الشامية والغربية ثلاثون ذراعا، وما بين نصف الجهة الغربية من الكعبة وآخر البلاط المقابل له من الجهة الغربية تسعة وعشرون ذراعا إلا ثلث ذراع، وما بين الركن اليماني وآخر البلاط المقابل له من جهته اليمنى سبعة وعشرون ذراعا وثلث ذراع، وكذلك ما بين وسط الجهة اليمانية من الكعبة وآخر البلاط المحاذي له، والذراع المحرر به هو الذراع الحديد المتقدم ذكره.

وينبغي للطائف أن لا يخرج عن هذا المكان في طوافه، لأن في "الجواهر" لابن شاش على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه: لا يطوف من وراء زمزم ولا من وراء السقائف، فلو فعل مختارا أعاد، ما دام بمكة، فإذا رجع إلى بلده فهل يجزيه الهدي أم يلزمه الرجوع؟ للمتأخرين قولان

انتهى، ونحوه لابن بشير، وابن الحاجب في مختصره، وقد بسطنا هذه المسألة في أصل هذا الكتاب، والسقائف، أروقة المسجد الحرام.

وأما مقدار الطواف بالكعبة: فذكره الأزرقي، وسليمان بن خليل وبينهما في ذلك اختلاف، لأن الأزرقي ذكر أن طواف سبع بالكعبة ثمانمائة ذراع وستة وثلاثون ذراعا وعشرون أصبعا1

انتهى.

وذكر سليمان بن خليل أن ذرع موضع الطواف مائة ذراع وسبعة أذرع

انتهى.

وما ذكره سليمان بن خليل في مقدار موضع الطواف يقتضي أن يكون الطواف بالكعبة: سبعمائة ذراع وتسعة -بتقديم التاء على السين- وأربعين ذراعا، وذلك ينقص عما ذكره الأزرقي في مقدار ذلك: سبعة وثمانين ذراعا وعشرين إصبعا، والله أعلم بالصواب.

وذكر ابن خرداذبه ما يوافق ما ذكره ابن خليل، لأنه قال: ودور البيت مائة ذراع وسبعة أذرع2

انتهى، ولعل ابن خليل قلده في ذلك، والله أعلم.

1 وذرع جميع الكعبة مكسرا: أربعمائة ذراع وثمانية عشر ذراع. "أخبار مكة للأزرقي 1/ 290".

2 المسالك والممالك "ص: 133".

ص: 416

الرابع والعشرون: منى الموضوع الذي يؤمر الحاج بنزوله والإقامة به حتى تطلع الشمس على ثبير، في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفيما بعده من أيام التشريق، والمبيت به في ليالي أيام التشريق، والمبيت به في ليالي التشريق، لأن رمي الجمار هو من أعلى العقبة التي فيها الجمرة التي تلي مكة المعروفة بجمرة العقبة، إلى وادي محسر، وقد حد منى بذلك عطاء بن أبي رباح، فيما ذكره عنه الفاكهي، لأنه قال: حدثنا الزبير بن أبي بكر قال: حدثني يحيى بن محمد ثوبان، عن رباح عن الزنجي بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء قال: حد منى رأس العقبة مما يلي منى إلى النحر1

انتهى.

وقوله: إلى النحر تصحيف صوابه إلى محسر، لأنه حد منى من جهة المزدلفة على ما قال غير واحد من العلماء، ولم يقل أحد إن النحر حد بمنى، وما ذاك إلا لبعد حدها عن محسر وقربه إلى حد منى من جهة مكة.

وفي تاريخ الأزرقي عن عطاء ما يوافق ما ذكرنا أنه الصواب، والله أعلم، وما ذكرناه عن عطاء نفهم أن أعلى العقبة من منى.

وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه ما يقتضي أن العقبة ليست من منى، لأنه قال: وحد منى ما بين قرى وادي محسر إلى العقبة التي عندها الجمرة الدنيا إلى مكة، وهي جمرة العقبة التى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها، وليست محسرا، ولا العقبة من منى، وسواء سهل ذلك وجبلها، وعامرها وخرابها، فأما الجبال المحيطة بجانبيها مما أقبل منها على منى فهو منها، وما أدبر من الجبال فليس منها

انتهى.

هكذا نقل عنه سليمان بن خليل في منسكه.

وقال المحب بعد أن ذكر في حد منى، معنى هذا: والعقبة التي ينسب إليها الجمرة منه2، قلت: كلام المحب الطبري في "القرى" صريح في أن جمرة العقبة من منى. ونقل عنه ابن جماعة في منسكه على ما أخبرني عنه خالي أنه قال: إن العقبة من منى، ولم يقل عن أحد أن الجمرة ليست من منى

انتهى. وهذا يخالف ما يقتضيه كلام الشافعي، والنووي من أن العقبة ليست من منى، والله أعلم بالصواب.

وقد ذكر الإمام الأزرقي في ذرع منى، لأنه قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: وذرع منى من جمرة العقبة إلى وادي محسر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع، وعرض منى عن مؤخر المسجد الذي يلي الجبل إلى الجبل3 بحذائه العقبة ستة وعشرون ذراعا، وعرض الطريق الأعظم حيال الجمرة الأولى، وهي الطريق الوسطى ثمان وثلاثون

1 أخبار مكة للفاكهي 4/ 246.

2 القرى "ص: 430".

3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 185 "الجبل الذي".

ص: 417

ذراعا1، ثم قال: وذرع الطريق طريق العقبة على الجدار إلى الجدار الذي بحذائه سبعة وستون ذراعا، وعرض الطريق الأعظم من العقبة المدرجة: ستة وثلاثون ذراعا2.

وذكر الفاكهي أن الطريق الوسطى طريق النبي صلى الله عليه وسلم التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر من قزح إلى جمرة العقبة ولم تزل أئمة الحج تسلكها حتى تركت سنة المائتين3

انتهى باختصار.

واختلف في سبب تسمية منى4، فقيل: لما بها من الدماء المشروعة في الحد بمنى، أي يراق ويصب، وهذا هو المشهور الذي قاله جمهور العلماء من أهل اللغة وغيرهم على ما قال النووي5، وقيل: لِمَنِّ الله عز وجل على الخليل بفداء ابنه فيها، وقيل: لِمَنِّ الله تعالى فيها بالمغفرة على عباده، وهذان القولان في "منسك ابن خليل". وقيل: لاجتماع الناس بها: والعرب تقول لكل مكان يجتمع فيه الناس منى، ذكره الفاكهي بهذا اللفظ، وقيل غير ذلك من الأقوال التي ذكرناها في أصل هذا الكتاب.

واختلف في صرف منى، واقتصر ابن قتيبة في "أدب الكاتب" على أنها لا تصرف6، واقتصر الجوهري في "الصحاح" على أن منى مصروف، والأجود فيه، الصرف على ما ذكر النووي، وقال إنها بكسر الميم. وقد بسطنا هذه المسألة أيضا في أصل هذا الكتاب.

ومنى علم لمكان آخر غير منى، كما ذكر أبو الفرج الأصبهاني صاحب "الأغاني" لأنه أنشد أبياتا للبيد بن ربيعة أولها:

عفت الديار محلها فمقامها

بمنى تأبد غولها فرجامها7

ثم قال: عفت: درست، ومنى: موضع في بلاد بنى عامر ليست بمكة.

1 أخبار مكة 2/ 186.

2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 185.

3 أخبار مكة للفاكهي 4/ 307.

4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 186.

5 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 2: 157.

6 تهذيب الأسماء 2/ 2: 157، نقلا عن أدب الكاتب "ص: 231".

7 الأغاني 15/ 378.

ص: 418