الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من خبر عمارته:
أما شاذروان الكعبة: فهو الأحجار اللاصقة بالكعبة التي عليها البناء المسنم المرخم في جوانبها الثلاثة: الشرقي، والغربي، واليماني. وبعض حجارة الجانب الشرقي لا بناء عليه، وهو شاذروان أيضا. وأما الحجارة اللاصقة بجدار الكعبة الذي يلي الحجر فليست شاذروانا، لأن موضعها من الكعبة بلا ريب كما سبق بيانه.
والشاذروان هو ما نقصته قريش من عرض جدار أساس الكعبة حين ظهر على الأرض كما هو عادة الناس في الأبنية، أشار إلى ذلك الشيخ أبو حامد الأسفراييني وابن الصلاح، والنووي، ونقل ذلك عن جماعة من الشافعية وغيرهم، والمحب الطبري1، وذكر أن الشافعي أشار إلى ذلك في "الأم"2، ونقل عنه أنه قال: إن طاف عليه أعاد الطواف
…
انتهى.
وقد اختلف العلماء في حكم الشاذروان، فذهب الشافعي وأصحابه إلى وجوب الاحتراز منه وعدم إجزاء طواف من لم يحترز منه، وهو مقتضى مذهب مالك على ما ذكر ابن شاش، وابن الحاجب، وشارحه الشيخ خليل، وتلميذه صاحب "الشامل" وغيرهم من متأخري المالكية، وأنكر ذلك بعض متأخري المالكية، ولم يثبته في المذهب.
ومذهب الحنابلة: أن الاحتراز منه مطلوب، إلا أن عدم الاحتراز يفسد الطواف.
ومذهب أبي حنيفة: أنه ليس من البيت على مقتضى ما نقل القاضي شمس الدين السروجي من الحنفية عنهم. وهو اختيار جماعة من محققي العلماء على ما ذكر القاضي عز الدين بن جماعة.
قلت: ينبغي الاحتراز منه، لأنه إن كان من البيت- كما قيل فالاحتراز منه واجب، وإلا فلا محذور في ذلك، كيف والخروج من الخلاف مطلوب، وهو هنا قوي، والله أعلم.
وبعض الناس يعارض القول بأن الشاذروان من البيت، بكون ابن الزبير رضي الله عنهما بنى البيت على أساس إبراهيم عليه السلام كما جاء في خبر بنيانه، وهذا المعارض لا يخلو من حالتين: أحدهما: أن يدعي أن ابن الزبير، رضي الله عنهما استوفى البناء على جميع أساس جدران البيت بعد ارتفاعها عن الأرض، والآخر: أن يدعي أن البناء إذا نقص من عرض أساسه بعد ارتفاعه عن الأرض لا يكون مبنيا على أساسه، والأول لا يقوم عليه دليل، لأن ما ذكر من صفة بناء ابن الزبير رضي الله عنهما البيت لا يقتضي أن يكون بناء البيت مستوفيا على جميع أساس جدرانه بعد ارتفاعها عن الأرض، ولا ناقصا عن أساسها، ووقوع هذا في بيانه أقرب من الأول، لأن العادة جرت بتقصير عرض أساس الجدار بعد ارتفاعه لما في ذلك من مصلحة البناء، وإذا كان هذا مصلحة فلا مانع من فعله، في البيت لما بني في زمن ابن الزبير رضي الله عنهما، والله أعلم.
1 القرى: ص 349.
2 الأم: 2/ 170.
نعم في بناء ابن الزبير رضي الله عنهما له على أساس إبراهيم دليل واضح على أنه أدخل في البيت ما أخرجته منه قريش في الحجر، فإنه بنى ذلك على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا أساس قريش.
والثاني: غير مسلم، لأن الجدار إذا اقتصر من عرضه بعد ارتفاعه عن الأرض لا يخرجه ذلك عن كونه مبنيا على أساسه. وهذا مما لا ريب فيه، وإنكاره مكابرة، والله أعلم.
ولم أدر متى كان ابتداء البناء في الشاذروان، ولم يبن مرة واحدة وإنما بنى دفعات، منها: في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة1، ولم أدر ما بني منه في هذه السنة، ومنها في سنة ست وثلاثين وستمائة، وعلى ما ذكر ابن خليل في "منسكه"، وينص2 لما بين ستة وثلاثين. وذكر أن في هذه السنة ختم الشاذروان عند الحجر الأسود، ومنها: في آخر عشر الستين وستمائة، أو في أوائل عشر السبعين وستمائة، لأن القاضي بدر الدين بن جماعة ذكر أنه رأى الشاذروان في سنة ست وخمسين وستمائة، وهي مصطبة يطوف عليها بعض العوام، ورآه في سنة إحدى وستين. وقد بني عليه ما يمنع من الطواف عليه على هيئة اليوم. هكذا نقل عنه ولده القاضي عز الدين، فيما أخبرني به عنه خالي، رحمهم الله تعالى.
وذكر القاضي عز الدين بن جماعة فيما أخبرني عنه خالي أيضا، أن ارتفاع الشاذروان عن أرض المطاف في جهة باب الكعبة: ربع ذراع وثمن ذراع، وعرضه في هذه الجهة نصف وربع.
وذكر الأزرقي أن طول الشاذروان في السماء ستة عشر أصبعا، وعرضه ذراع
…
انتهى3.
وقد نقص عرضه كما ذكر الأزرقي في بعض الجهات، وأفتى المحب الطبري عالم الحجاز في وقت بوجوب إعادة مقداره على ما ذكره الأزرقي، وله في ذلك تأليف نحو نصف كراس سماه "استقصاء البيان في مسألة الشاذروان".
1 إتحاف الورى 2/ 510.
2 هكذا بالأصل ولا معنى لها.
3 أخبار مكة 1/ 309.