المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ١

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تصدير:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول

- ‌أولا: ذكر مكة المشرفة

- ‌ثانيًا: ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها:

- ‌الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث:

- ‌ذكر الحرم وسبب تحريمه:

- ‌ذكر علامات الحرم:

- ‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من طريق نمرة:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة العراق:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة التنعيم وهي طريق المدينة وما يليها

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة اليمن:

- ‌الباب الرابع

- ‌ذكر شيء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكة وحرمها

- ‌ذكر شيء مما ورد في تعظيم الناس لمكة وحرمها وفي تعظيم الذنب في ذلك:

- ‌الباب الخامس

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

- ‌الباب السادس:

- ‌ذكر المجاورة بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في الموت بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في فضل أهل مكة:

- ‌ذكر شيء من فضل جدة ساحل مكة وشيء من خبرها:

- ‌ذكر شيء من فضل الطائف وخبره:

- ‌الباب السابع

- ‌في أخبار عمارة الكعبة المعظمة

- ‌ذكر البيت المعمور الذي أنزله الله على آدم وشيء من خبره:

- ‌ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج وما صنع فيها من العمارة:

- ‌ذكر الأساطين:

- ‌ذكر الميازيب:

- ‌ذكر الأبواب:

- ‌أوَّل من بوب الكعبة:

- ‌الباب الثامن:

- ‌ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة:

- ‌ذكر النوع الكعبة من داخلها وخارجها

- ‌ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع سطح الكعبة:

- ‌ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من خبر عمارته:

- ‌ذكر حلية الكعبة المعظمة ومعاليقها:

- ‌ذكر كسوة الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر طيب الكعبة وأخدامها:

- ‌ذكر أسماء الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان:

- ‌ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها:

- ‌الباب التاسع:

- ‌ذكر بيان مصلى النبي في الكعبة:

- ‌ذكر قدر صلاة النبي في الكعبة في دخوله هذا

- ‌ذكر من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة يوم فتح مكة من الصحابة ومن نقلها منهم، رضي الله عنهم:

- ‌ذكر ترجيح رواية من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة على رواية من نفاها، وما قيل في الجمع بين ذلك:

- ‌ذكر عدد دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة الشريفة بعد هجرته من المدينة وأول وقت دخل الكعبة فيه بعد هجرته

- ‌الباب العاشر:

- ‌في ثواب دخول الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

- ‌آداب دخول الكعبة:

- ‌الباب الحادي عشر:

- ‌ذكر شيء من فضائل الكعبة:

- ‌ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود وما جاء في كونه من الجنة:

- ‌ذكر فضل الركن اليماني وما جاء في تقبيله ووضع الخد عليه

- ‌الباب الثاني عشر:

- ‌ذكر ما ورد في ثواب الطواف عموما من غير تقييد بزمن:

- ‌ذكر بدء الطواف بهذا البيت المعظم وما ورد من طواف الملائكة

- ‌ذكر طواف بعض الجن والدواب والطير بالكعبة:

- ‌ما جاء من أن شرعية الطواف لإقامة ذكر الله:

- ‌ذكر ثواب النظر إلى الكعبة:

- ‌ذكر ثواب الحج والعمرة:

- ‌الباب الثالث عشر:

- ‌في الآيات المتعلقة بالكعبة:

- ‌ذكر خبر تبع والهذليين:

- ‌ذكر خبر أصحاب الفيل:

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار الحجر الأسود

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في زمن ابن الزبير، وما صنع فيه من الفضة في زمنه وزمن هارون الرشيد:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له:

- ‌ذكر ما صنعه الحجبة في الحجر الأسود بإثر رد القرامطة له:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة من بعض الملحدة مثلهم:

- ‌ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض:

- ‌ذكر شيء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود:

- ‌الباب الخامس عشر:

- ‌ذكر الملتزم:

- ‌ذكر المستجار:

- ‌ذكر الحطيم:

- ‌ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:

- ‌الباب السادس عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار المقام "مقام الخليل عليه السلام

- ‌ذكر حلية المقام:

- ‌ذكر صفة الموضع الذي فيه المقام والمصلى خلفه:

- ‌ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود:

- ‌ذكر موضع المقام في الجاهلية والإسلام وما قيل في ذلك:

- ‌ذكر شيء من فضل المقام:

- ‌ما جاء في هلاك من تعرض له بسوء:

- ‌الباب السابع عشر:

- ‌ذكر شيء من أخبار الحِجْر المُكَرَّم حِجْر إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر موضع الحجر وصفته:

- ‌ذكر ما جاء في الحجر والصلاة فيه:

- ‌ذكر ما جاء في الدعاء في الحجر تحت الميزاب:

- ‌ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة:

- ‌الباب الثامن عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته

- ‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

- ‌ذكر ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين:

- ‌ذكر ذرع زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر ذرع زيادة باب إبراهيم

- ‌الباب التاسع عشر:

- ‌ذكر عدد أساطين المسجد الحرام غير الزيادتين وصفتها:

- ‌ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفتها:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم:

- ‌ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم:

- ‌شرفات المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم:

- ‌ذكر عدد قناديل المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها:

- ‌ذكر منائر المسجد الحرام:

- ‌ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحة أو لنفع الناس به

- ‌ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها منه

- ‌ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة:

- ‌ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها:

- ‌الباب العشرون:

- ‌ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها:

- ‌ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن:

- ‌ذكر أسماء زمزم:

- ‌ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه:

- ‌ذكر آداب شربه:

- ‌ذكر حكمة التطهير بماء زمزم:

- ‌ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان:

- ‌ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

- ‌الباب الحادي والعشرون:

- ‌الباب الثاني والعشرون

- ‌ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك

- ‌ذكر الموضع الذي أحرم منه رسول الله من الجعرانة:

- ‌ذكر مقدار ما بين باب بني شيبة وهذين العلمين:

- ‌ذكر تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة:

- ‌ذكر مسجد عرفة وحكم الوقوف فيه:

- ‌ذكر ذرع هذا المسجد وشيء من صفته:

- ‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

- ‌ذكر حكم البناء بمنى:

- ‌ما جاء في فضل منى وما ذكر فيها من الآيات:

- ‌الباب الثالث والعشرون:

- ‌الباب الرابع والعشرون:

- ‌الباب الخامس والعشرون

- ‌ذكر نسب جرهم

- ‌ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها:

- ‌فهرس محتويات الجزء الأول

الفصل: ‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

عن ذلك فكرهه، وعن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يسند ظهره، أخرجهما سعيد بن منصور

انتهى.

ورأيت أيضا لإمامنا ما يقتضي أن ذلك غير مطلوب، لأنه قال: لا يعتنق شيئا من أساطينه، يعني البيت، وقد دخله صلى الله عليه وسلم ولم أسمع أنه اعتنق شيئا من أساطينه1

انتهى.

والدلالة من كلام مالك على كراهيته ذلك ظاهرة، لأن اعتناق أساطين الكعبة كإلصاق البطن والظهر بها، والله أعلم.

وأما ما سوى ذلك من الأمور التي صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة هو مذكور في هذه الأحاديث، فلا أعلم بين أهل العلم اختلافا في استحبابه، إلا سجدة الشكر في الكعبة، كما هو مقتضى حديث الفضل، ففيها خلافا بين أهل العلم، فإن مشهور مذهب مالك أن سجود الشكر مكروه من حيث الجملة، ومقتضى ذلك أن لا يفعل في الكعبة، على أن حديث الفضل الذي في هذه السجدة مختلف في ثبوته، والله أعلم.

1 القرى "ص: 318".

ص: 217

‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

استحب جمهور العلماء الصلاة في الكعبة، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها، ومنع طائفة من العلماء منهم ابن عباس كما حكاه عنه القاضي عياض ونقله النووي عن جماعة من العلماء في شرح مسلم" لأنه قال: وقال محمد بن جرير، وأصبغ المالكي وبعض أهل الظاهر: لا تصح فيها صلاة أبدا لا فريضة ولا نافلة، قال: ودليل الجمهور حديث بلال

انتهى.

واختلف المستحبون للصلاة في الكعبة، فبعضهم قال بذلك في الفريضة والنافلة بشرط يأتي ذكره في الفريضة، وبعضهم قصر ذلك على النفل غير المؤكد، وهذا مذهب الإمام مالك، ولم أر فيما وقفت عليه من كتب المالكية ما يشهد لصحة ما نقله النووي عن أصبغ بن الفرج أحد أئمة المالكية، والذي رأيته منقولا عنه في كتب المذهب: أن من صلى الفريضة في الكعبة أعاد أبدا من غير نظر إلى كون المصلي فيها عامدا أو ناسيا، وقد اختلف المذهب، وصحح صلاة الفريضة في الكعبة ابن عبد الحكم، واستحب أشهب ألا تصلى الفريضة في الكعبة، فإن صليت فيها صحت، وصوب هذا القول اللخمي، لأنه لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة النافلة وجب مساواة الفريضة لها، فإن أمرهما في الحضر واحد من جهة الاستقبال، ومشهور المذهب أن صلاة الفريضة لا

ص: 217

تصح في الكعبة، وإن صلاها فيها أعاد الصلاة، واختلف شيوخ المذهب في الإعادة هل تكون في الوقت أو أبدا؟ وهو مقتضى قول أصبغ، واخُتلف في الإعادة في الوقت هل هي في حق الناسي، وهو قول ابن حبيب ورأي ابن يونس وجماعة وقيل: إن ذلك في حق العامد والناسي وهو رأي القاضي عبد الوهاب واللخمي وابن عتاب، ويلحق بالفريضة النوافل في كونها لا تصلى في الكعبة، وهي السنن كالعيدين والوتر وركعتي الفجر وركعتي الطواف الواجب، فإن صليت هذه النوافل في الكعبة فلا تجزئ على المذهب المشهور، وتجزئ على رأي أشهب وابن عبد الحكم.

واختلف الحنابلة في صحة صلاة الفريضة في الكعبة، والأصح عندهم أنها لا تصح فيها، وكذلك عندهم النذر المطلق قالوا: فإن نذر الصلاة في الكعبة صحت فيها، وعندهم خلاف في صحة النافلة في الكعبة، والأصح عندهم فيها الصحة، وعندهم في كونها في الكعبة مستحبة أو جائزة روايتان.

ولم يخالف مذهب الشافعي في جواز الصلاة في الكعبة، سواء كانت فريضة أو نافلة، ومقتضى مذهبه إن فعل النافلة في الكعبة أفضل من فعلها في المسجد خارج الكعبة، وكذلك الفريضة بشرط أن لا يرجو المصلي مجيء جماعة خارج الكعبة. قال الشافعي: ما فريضة تفوتني في جماعة فأصليها في موضع أحب إليه منه -يعني البيت الحرام- لأن البقاع إذا فضلت بقربها منه فبطنه أفضل منها.

ومذهب أبي حنيفة: جواز صلاة النافلة والفريضة في الكعبة، وأن النافلة في الكعبة مستحبة، وحيث صحت الصلاة في الكعبة فللإنسان أن يصلي في جوفها إلى أي جوانبها شاء، هكذا في "النوادر" من كتب أصحابنا المالكية، وفيه أحب إلى أن يجعل الباب خلف ظهره، ثم يصلي إلى أي موضع شاء بعد أن يستدبر الباب، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم

انتهى، وهذا مذهب الشافعي.

وعند الحنابلة أن الصلاة إلى الباب صحيحة إذا كانت له عتبة شاخصة، وعندهم وجهان فيما إذا صلى إلى سترة في لبن منظوم أو شبهه غير متصل اتصال البناء، وصحح أبو البركان الصحة في هذه الصور.

وإذا أقيمت الجماعة في الكعبة فلمن ائتم بالإمام فيها خمسة أقوال في الوقت:

الأول: أن يكون وجه المأموم إلى ظهر الإمام.

الثاني: أن يكون ظهره إلى ظهره.

الثالث: أن يكون وجه المأموم إلى ظهر الإمام.

الرابع: أن يكون بجنبه غير متقدم عليه.

الخامس: أن يكون ظهر المأموم إلى وجه الإمام.

فيصح في جميع الأحوال غير الحالة الخامسة فلا يصح فيها على الأصح من مذهب الشافعي، ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة كمذهب الشافعي.

ص: 218

وعند الحنابلة وجهان في صحة صلاة المأموم إذا تقابل هو والإمام، وقاس أبو البركات -من الحنابلة- المنع على ما إذا كان قفاء المأموم في وجه الإمام.

وإذا حفرت في الكعبة حفرة وصلى فيها إنسان صحت صلاته فيها كما قال بعض الشافعية فيما نقل "مجلي" في "ذخائره"، قال مجلي: وذلك إذا لم تجاوز الحفرة قواعد البيت، فإن جاوزتها بحيث لا تحاذي ببدنه شيئا منها لم يصح، وإلا فهو كالصلاة على ظهرها إلى السترة القصيرة، وذكر ابن الرفعة أن فيما قاله "مجلي" نظر، وذكر أنه لا فرق بين أن يتجاوز القواعد إلى سترة أو لا كما أطلقه الأصحاب.

قال ابن جماعة: وعندي ينبغي أن يفصل فيقال: إن صلى في الحفرة ولم يحاذ ببدنه شيئا من الكعبة أو قواعدها وكان قادرا على إصابة عين البناء لم تصح الصلاة، وإلا صحت1، والله أعلم

انتهى.

واختلف العلماء أيضا في الصلاة على سطح الكعبة، والمشهور من مذهب مالك منع الصلاة على ظهرها، وأنه أشد من منعها في بطنها، وذلك لأن المصلي في بطنها يعيد في الوقت والمصلي على سطحها يعيد أبدا.

وقيل: إن الصلاة على سطحها كالصلاة في بطنها فتعاد في الوقت، وهذا القول حكاه ابن محرز عن أشهب.

وقيل: إن الصلاة على سطحها تصح ولا إعادة على من فعل ذلك، وهذا القول حكاه اللخمي عن أشهب، وهو قول ابن عبد الحكم.

وقيل: إن الصلاة على سطحها تصح إن أقام المصلي شيئا يقصده، وهذا تأويل القاضي عبد الوهاب على المذهب.

وقيل: تصح الصلاة على سطحها إذا كان بين يدي المصلي قطعة من السطح.

وهذا الاختلاف في الفريضة، وأما النافلة على سطح الكعبة فلا تصح على مقتضى مشهور المذهب إذا كانت الصلاة متأكدة كالسنن والوتر وركعتي الفجر وركعتي الطواف الواجب، لمساواة هذه النوافل للفريضة في حكم الصلاة في جوف الكعبة، وفي صحة النفل غير المؤكد على سطح الكعبة نظر على مقتضى رأي أكثر أهل المذهب في حملهم النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على سطح الكعبة.

وأما على رأي ابن عبد الحكم ومن وافقه فيصح النفل مطلقا على سطح الكعبة، وحديث النهي الوارد عن الصلاة فيها رويناه في مسند عبد بن حميد بالسند المتقدم إليه في

1 هداية السالك 2/ 938، 939.

ص: 219

الباب التاسع، ولفظه: حدثنا عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا يحيى بن أيوب، عن زيد بن جبيرة، عن داود بن حصين، عن نافع، عن ابن عمر قال:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله عز وجل" أخرجه الترمذي1 عن محمود بن غيلان، وابن ماجه عن محمد بن إبراهيم الدمشقي، كلاهما عن المقري. فوقع لنا بدلا لهما عاليا بدرجة بالنسبة إلى روايتنا العالية لكتابيهما بدرجتين بالنسبة إلى روايتنا لهما المتصلة بالسماع، وزيد بن جبيرة2 متروك الحديث.

وروينا هذا الحديث من غير طريقه في سنن ابن ماجه بإسناد يقوم بمثله الحجة، ولفظه: حدثنا علي بن داود ومحمد بن أبي الحسن قالا: أخبرنا أبو صالح، قال: حدثنا الليث، قال: حدثنا نافع عن ابن عمر بن الخطاب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة ظاهر بيت الله والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام ومعاطن الإبل ومحجة الطريق"

انتهى.

ومذهب الشافعي صحة صلاة الفريضة والنافلة على سطح الكعبة بشرط أن يكون بين يدي المصلي شاخص قدر ثلثي ذراع تقريبا من نفس الكعبة، هذا هو الصحيح من مذهب الشافعي، وفي مذهبه وجه أيضا: يصح في السطح وإن لم يكن الشاخص قدر ثلثي ذراع، وقيل: إنما تصح فيه بشرط أن يكون الشاخص قدر قامة المصلي طولا وعرضا.

ومذهب الحنفية: أن الصلاة على السطح جائزة وإن لم يكن بين يدي المصلي سترة، فإن الصلاة في السطح مكروهة لما فيه من ترك التعظيم، وعندهم أن الصلاة على جدار الكعبة صحيحة إذا كان المصلي متوجها إلى سطحها، ولا تصح إذا جعل السطح وراءه.

ومذهب الحنابلة: أن صلاة الفريضة لا تصح في سطح الكعبة، وأن النافلة فيه تصح، وأن حكم النافلة على سطحها حكم الفريضة في بطنها إذا كان الباب مفتوحا ومقتضى ذلك أنها لا تصح في السطح إلا إذا كان هناك شاخص.

وقد حررنا ارتفاع الشاخص في سطح الكعبة وهو ذراع إلا ثمن ذراع في الجهة الشرقية وفي جهة الحجر بسكون الجيم ذراع وثمن، وفي جهة المغرب ذراع، وفي جهة اليمن ثلثا ذراع، وقد سبق تحريرنا لذلك طولا وعرضا في الباب الثامن، وقد أثبتنا فيما يتعلق بالصلاة في وجه الكعبة وعلى سطحها بما فيه كفاية في ذلك، ويوجد به من الفوائد ما لا يوجد مجتمعا في تأليف، ونسأل الله التوفيق لكل خير.

1 أخرجه الترمذي "346".

2 انظر عنه: التاريخ الكبير 3/ 390 رقم 1299، الجرح والتعديل 3/ 559، رقم 2528، المعرفة والتاريخ 3/ 138، المغني في الضعفاء 1/ 245 رقم 2264، الكاشف 1/ 264 رقم 744 ميزان الاعتدال 2/ 99 رقم 299.

ص: 220