الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن عشر
ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته
…
الباب الثامن عشر:
في ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته:
روينا بالسند المتقدم إلى الأزرقي قال: أخبرني جدي قال: أنبأنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج قال: كان المسجد الحرام ليس عليه جدارات محاطة به، إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب، غير أن بين الدور أبوابا يدخل منها الناس، فاشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دورا فهدمها، وهدم على من قرب من المسجد دورهم، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن، وتمنع من البيع، فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جدارا قصيرا، وقال لهم عمر رضي الله عنه: إنما نزلت على الكعبة فهو فناؤها ولم تنزل عليكم. ثم كثر الناس في زمن عثمان رضي الله عنه، فوسع المسجد، فاشترى من قوم، وأبى آخرون فهدم عليهم1
…
انتهى باختصار.
ولم يذكر الأزرقي السنة التي وسع فيها عمر رضي الله عنه المسجد الحرام، وهي سنة سبع عشرة من الهجرة2، ولا السنة التي وسعه فيها عثمان رضي الله عنه، وهي سنة ست وعشرين من الهجرة3، على ما ذكره ابن جرير وابن الأثير في تاريخ توسعتهما4.
وذكر الأزرقي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وسع المسجد من جانبه الشرقي، وهو أعلاه مما يليه من جانبه الشامي، ومن جانبه اليماني. وكان مما وسع به في الجانب الشرقي نصف دار الأزرقي جد الأزرقي، اشترى ذلك ببضعة عشر ألف دينار.
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 68، 69.
2 تاريخ الطبري 4/ 206، والكامل لابن الأثير 2/ 227، الذهب المسبوك "ص: 14".
3 تاريخ الطبري 5/ 47، والكامل لابن الأثير. 3/ 36.
4 تاريخ الطبري 4/ 206، والكامل لابن الأثير 3/ 36.
ثم وسعه أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس من جانبه الشامي ومن جانبه الغربي إلى أن أوصله إلى ما هو عليه اليوم، إلا أنه بلغ فيما وسعه من الجانب الغربي إلى باب بني جمح، الذي هو فيه الآن في محاذاته فيما أحسب الزيادة المعروفة بزيادة باب إبراهيم، ولم يجعل فيما وسعه من الجانبين إلا رواقا واحدا، وكان ابتداء عمل ذلك في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة1، والفراغ منه في ذي الحجة سنة أربعين ومائة. وكان الذي زاد فيه المنصور الضعف مما كان عليه قبل2.
ثم وسعه المهدي بن أبي جعفر المنصور، من أعلاه ومن الجانب اليماني، ومن الموضع الذي انتهى إليه أبوه في الجانب الغربي، حتى صار على ما هو عليه الآن، خلا الزيادتين فإنهما أحدثتا بعده، كما سيأتي في خبرهما إن شاء الله تعالى. وكان توسعته له في نوبتين: الأولى في سنة إحدى وستين ومائة3، وفيها زيد فيما زاد أبوه في المسجد رواقان، والثانية في سنة سبع وستين، وكان أمر بها لما حج حجته الثانية في سنة أربع وستين، ولم تكمل هذه الزيادة إلا في خلافة4 ابنه موسى الهادي لمعاجلة المنية للمهدي بالاخترام، وكان مما عمل بعد موته بعض الجانب اليماني وبعض الغربي، وذلك من الأساطين الحجارة في الجانب اليماني إلى الموضع الذي انتهى إليه عمل المنصور في الجانب الغربي.
وأنفق المهدي في توسعة المسجد الحرام وعمارته أموالا عظيمة المقدار، لأن ثمن كل ذراع مكسر دخل في المسجد الحرام خمسة وعشرون دينارا، وثمن كل ذراع مكسر دخل في الوادي، خمسة عشر دينارا، ونقل إليه أساطين الرخام من الشام وغيرها، حتى أنزلت بجدة، وحملت منها على العجل إلى مكة، إلى غير ذلك من الأمور التي عظمت فيها نفقته، ولم يكن له في ذلك نظير، عظم الله له الأجر واسمه الآن مكتوب في مواضع من المسجد الحرام، منها: قرب المنارة المعروفة بمنارة باب علي التي فيها الميل، وما ذكرناه من حال المسجد الحرم في ابتدائه وتوسعته حتى صار إلى ما هو عليه الآن، خلا الزيادتين، فهو ملخص بالمعنى، مختصر مما ذكره الأزرقي في هذا الأمر.
وذكر في أخبار عمارته من غير توسعة فيه، أن عبد الملك بن مروان رفع جدرانه وسقفه بالساج، وجعل في رأس كل أسطوانة خمسين مثقالا ذهبا، وعمره عمارة حسنة.
1 إتحاف الورى 2/ 173، وذكر أن ذلك كان في سنة 138هـ، وهو كذلك في أخبار مكة للأزرقي 2/ 72، وفي المنتظم ذكر ذلك في حوادث سنة 139هـ.
2 تاريخ الطبري 9/ 217، ومروج الذهب 4/ 401، والكامل لابن الأثير 5/ 197، ودرر الفرائد "من: 209".
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 76، وإتحاف الورى 2/ 208.
4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 360: "في زمن ابنه موسى".
وأن ابنه الوليد بن عبد الملك نقض عمل أبيه وعمله عملا محكما، وسقفه بالساج المزخرف، وأزر المسجد من داخله بالرخام، وجعل له شرفا، وجعل على رأس الأساطين الذهب على صفائح الشبه1 من الصفر، وجعل في وجوه الطبقات من أعلاه الفسيفساء، وهو أول من عمله في المسجد الحرام، وأول من نقل إليه أساطين الرخام. وذكر أنه عمر في زمن المتوكل العباسي، هذا معنى ما ذكره الأزرقي في عمارة المسجد الحرام من غير توسعة.
وذكر السهيلي في عمارة المسجد الحرام شيئا يستغرب، فنذكر ذلك، ثم نبين ما فيه، ونص كلام السهيلي: فلما كان زمن ابن الزبير رضي الله عنهما زاد في إتقانه لا في سعته، وجعل فيه عمدا من الرخام، وزاد في أبوابه وحسنها، فلما كان عبد الملك بن مروان، زاد في ارتفاع حائط المسجد، وحمل إليه السواري في البحر إلى جدة، واحتملت من جدة على العجل إلى مكة2
…
انتهى.
وما ذكره السهيلي من أن ابن الزبير رضي الله عنهما لم يوسع المسجد الحرام فيه نظر، لمخالفته ما هو المشهور في ذلك، ومن حفظ حجة على مَن لم يحفظ، وما ذكره من أن ابن الزبير رضي الله عنهما جعل في المسجد عمدا من الرخام، وأن عبد الملك حمل إليه السواري، يخالف أيضا ما ذكره الأزرقي من أن الوليد بن عبد الملك أول من نقل إليه الأساطين الرخام، لكن وقع للأزرقي ما يفهم خلال ذلك؛ لأنه قال: حدثني جدي، قال حدثنا سفيان بن عيينة، عن سعيد بن فروة، عن أبيه قال: كنت على عمل المسجد في زمن عبد الملك بن مروان، قال: فجعلوا في رءوس الأساطين خمسين مثقالا من ذهب، في رأس كل أسطوانة3
…
انتهى.
ووجه مخالفة ذلك لما سبق أن عمل الذهب في رءوس الأساطين يقتضي وجودها حين عمل فيها ذلك، وإذا كانت موجودة فهي ما عمله عبد الملك أو ابن الزبير، وأي الأمرين كان فهو يخالف ما ذكره الأزرقي من أن الوليد بن عبد الملك أول من حمل إليه ذلك، والله أعلم بالصواب.
1 كذا بالأصل.
2 الروض الأنف 1/ 224.
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 71.