الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:
روينا عن الحسن البصري في "رسالته" المشهورة أنه قال: ويقال يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر موضعا: أولها: عند الملتزم الدعاء فيه يستجاب، وتحت الميزاب يستجاب، وعند الركن اليماني يستجاب، وعلى الصفا يستجاب، وعلى المروة يستجاب، وبين الصفا والمروة يستجاب، وبين الركن والمقام يستجاب، وفي جوف الكعبة يستجاب، وبمنى يستجاب، وبجَمْع يستجاب، وبعرفات يستجاب، وعند الجمرات الثلاث يستجاب. هكذا وجدت في نسختي من هذه "الرسالة"، وهي تقتضي أن المواضع المشار إليها أربعة عشر موضعا، والظاهر أنه سقط منها موضع يحتمل أن يكون خلف المقام، ويحتمل أن يكون في الطواف، لأنه روي عن الحسن البصري عد هذين الموضعين في المواضع التي يستجاب فيها الدعاء بمكة، وليس في الرواية التي ذكر فيها هذين الموضعين ذكر الركن اليماني، وفيها لفظتان مخالفتان للرواية التي ذكرناها في اللفظ.
أحدهما: "وعند زمزم" والله أعلم عوض قوله: "بين الركن والمقام".
واللفظة الأخرى: "وفي المزدلفة" عوض قوله: "وبجمع".
وهذه الرواية ذكرها المحب الطبري في "القرى" وقال فيه: وروي عن الحسن البصري أن الحجر الأسود يستجاب عنده الدعاء. فتصير المواضع ستة عشر، وقال: وسيأتي في فضل التعوذ عند ظهر الكعبة موضع سابع عشر1
…
انتهى.
قلت: الموضع الذي أشار إليه المحب هو المستجار الذي تقدم ذكره.
وقال المحب: والظاهر من عموم هذا اللفظ تعميم الإجابة في هذه الأماكن، سواء كان متلبسا بنسك أو لم يكن، وهو كذلك إن شاء الله تعالى، وتخصيص بعض دون بعض خلاف الظاهر، وإذا ثبتت الخصوصية لذات المكان عمت جميع الأحوال، والله أعلم.
قلت: فيما ذكره الحسن البصري من استجابة الدعاء عند جمرة العقبة نظر، لأن الإنسان مطلوب بأن لا يقف عندها للدعاء في زمن الرمي، فكيف يستجاب للإنسان فيما نهي عن فعله؟ إلا أن يكون مراده بقوله: إن الدعاء يستجاب عندها، أي قربها، ويدعو الداع وهو مارّ فيه والله أعلم.
وذكر شيخنا القاضي مجد الدين الشيرازي أحسن الله إليه في كتابه "الوصل والمنى في فضل منى" مواضع أخر بمكة وحرمها يستجاب فيها الدعاء، لأنه نقل عن النقاش المفسر أنه قال في "منسكه"، ويستجاب الدعاء في ثبير، عني ثيبر الذي يلحقه مغارة الفتح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد فيه قبل النبوة، وأيام ظهور الدعوة، ولهذا جاورت به عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أيام إقامتها بمكة، قال: وفي مسجد الكبش، زاد غيره: وفي مسجد الخيف، زاد آخر: وفي مسجد النحر ببطن منى، زاد ابن الجوزي: وفي مسجد البيعة2 وهو من منى، وغار المرسلات، ومغارة الفتح، لأنها من ثبير
1 القرى "ص: 317".
2 مثير الغرام "ص: 344_ 345"، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 26.
يعني الموضع الذي يقال له صخرة عائشة بمنى قال: وقال النقاش: يستجاب الدعاء إذا دخل من باب بني شيبة، وفي دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ليلة الجمعة، وفي مولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين عند الزوال، وفي دار الخيزران عند المجتبى بين العشائين، وتحت السدرة بعرفة وقت الزوال، وفي مسجد الشجرة يوم الأربعاء، وفي المتكأ غداة الأحد، وفي جبل ثور عند الظهر، وفي حراء وثبير مطلقا، قيل: وفي مسجد النحر
…
انتهى.
قلت: وقع فيما ذكره شيخنا القاضي مجد الدين أن مسجد البيعة من منى وهو غير مُسَلَّم، لأنه من وراء العقبة التي هي حد منى بمقدار غلوة أو أكثر، ولعل من قال إن مسجد البيعة من منى يوهم أنه المسجد الذي عند جمرة العقبة وليس كذلك، لأن المعروف في مسجد البيعة أنه المسجد الذي من وراء العقبة الذي يكون على يسار الذاهب إلى منى، وبينه وبين منى المقدار الذي ذكرناه، وفي جداره القبلي حجران مكتوب فيهما أنه مسجد البيعة، والله أعلم.
ولم يبين شيخنا القاضي مجد الدين موضع السدرة بعرفة، ولا مسجد الشجرة، ولا المتكأ، وما عرفت أنا ذلك تحقيقا، وأظن أن المتكأ المشار إليه هو الموضع الذي ذكره الأزرقي، لأنه قال فيما رويناه عند السند المتقدم في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: ذكر المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة وما فيها من آثار النبي صلى الله عليه وسلم وما صح من ذلك: ومسجد بأجياد1 وهو موضع فيه يقال له المتكأ، سمعت جدي أحمد بن محمد، ويوسف بن محمد بن إبراهيم يسألان عن المتكأ، وهل صح عندهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ فيه، فرأيتهما ينكران ذلك ويقولان: لم نسمع به من ثبت، قال لي جدي: سمعت الزنجي مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم القداح، وغيرهما من أهل العلم أن أمر المتكأ، ليس بالقوي عندهم، بل يضعفونه، غير أنهم يثبتون أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأجياد الصغير، لا يثبت ذلك الموضع ولا يقف عليه. قال: ولم أسمع أحدا من أهل مكة يثبت أمر المتكأ2
…
انتهى.
وبأجياد الصغير موضع يقال له الآن المتكأ، وهو دكة مرتفعة متسعة منورة ملاصقة لدار تنسب للشيخ يحيى بن علي بن بجير الحجبي شيخ الحجبة كان، ويعرف هذا البيت الآن بسعد الدويدار فتى الشريف أحمد بن عجلان صاحب مكة.
1 أجياد: هي الموضع الذي كانت به الخيل التي سخرها الله لإسماعيل عليه السلام، ويقال: ما سمي أجياد أجيادا إلا لخروج الخيل الجياد، منه مع السميدع "انظر: معجم البلدان 1/ 105، أخبار مكة للأزرقي 1/ 82".
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 202.
وأخبرني بعض فقهاء مكة أنه رأى الشريف عجلان بن رميثة صاحب مكة ينكر على جماعة رآهم يلعبون في الموضع المشار إليه، وأمر باحترام هذا الموضع، وعلل ذلك بأن هذا الموضع ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأخبرني بعض الحجبة عن بعض أقاربه أن النبي صلى الله عليه وسلم رؤي بهذا الموضع، وهو على يسار الذاهب إلى رباط ربيع قريبا منه.
وفي كون المتكأ المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر، لأن الأزرقي ذكر ما يقتضي أن المتكأ في الشعب الذي فيه بئر عكرمة بأجياد الصغير، وإذا كان كذلك فليس المتكأ هذه الدكة، والله أعلم.
وذكر الفاكهي المتكأ الذي بأجياد كما يوافق ما ذكره الأزرقي، وذكر فيه شيئا لم يذكره الأزرقي، لأنه قال في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: ذكر المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة: ومنه الموضع الذي بأجياد الصغير، وهو الذي يقال له المتكأ1.
وبعض الناس يقول: أول ما نزل القرآن في ذلك الموضع، نزل فيه:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وهي أول سورة نزلت من القرآن
…
انتهى، وهذا غريب جدا2. ولذلك أوردناه، والله أعلم بصحته.
وبقرب باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة موضع يقال له المتكأ ملاصق لبيت المرشدي قرب المدرسة الأرسوفية الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وفي طريق التنعيم المعتادة موضع يقال له المتكأ، وهذان الموضعان كلاهما غير المراد، ولعلهما سميا بذلك للراحة بالاتكاء عندهما من تعب السير إلى العمرة والله أعلم.
وأما مسجد الشجرة المشار إليها فهو بالحديبية والشجرة المنسوب إليها هذا المسجد هي الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان كما في القرآن العظيم، وكانت هذه الشجرة سمرة معروفة عند الناس، ثم غيبت لقطعها، لأن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أمر بقطعها حين بلغه أن الناس يأتون إليها ويصلون عندها ويعظمونها، ورأى أن هذا الفعل حدث، وهذا يروى عن ابن جريج في كتاب الفاكهي.
وذكر الفاكهي شيئا من خبر هذا المسجد، لأنه قال لما ذكر مسجد الحديبية، وهذا المسجد عن يمين طريق جدة، وهو المسجد الذي يزعم الناس أنه الموضع الذي كان فيه
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 202، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 9، القرى "3: 665"، ومثير الغرام "ص: 345".
2 أخبار مكة للفاكهي 4/ 10، والصحيح أن أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه في غار حراء، والمتكأ لا زال معروفا في شعب أجياد الصغير على ما قال البلادي في معجم معالم الحجاز 8/ 18.
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو مسجد الكرز، وثَمَّ مسجدٌ آخر تصلي الناس فيه بناه يقطين بن موسى في الشق الأيسر1
…
انتهى.
وهذان المسجدان والحديبية لا يعرفون اليوم، والله أعلم بذلك.
ورأيت في جزء مترجم بالثاني من "فضائل مكة" للجندي من رواية أبي القاسم عبد الله بن علي بن عبد الله الطوسي المعروف بكركان: عن أبي منصور طاهر بن العباس بن منصور المروزي، عن المغيرة بن عمرو بن الوليد العدني، عن الجندي.... وفي آخره: سمعت أبا منصور طاهر بن العباس بن منصور يحكي عن أبي سهيل النيسابوري أن المواضع التي يزجى فيها استجابة الدعاء في المسجد الحرام خمسة عشر موضعا، وعد منها أربعة عشر: باب بني شيبة، وباب إبراهيم، وباب النبي صلى الله عليه وسلم، وباب الصفا، وزمزم، والمقام، والركن الأسود، والملتزم، ومجاور المنبر حيث يقف المحمدون، وعند الركن العراقي، وتحت الميزاب، والركن الشامي، وما بين الركن الشامي واليماني وهو المستجار وعند الركن اليماني.
وقال غيره: إن المواضع التي يرجى فيها استجابة الدعاء في المسجد الحرام ثلاثون موضعا، ولم يعدها، ولم يذكر مواضعها
…
انتهى.
وباب النبي صلى الله عليه وسلم المشار إليه هو الباب المعروف الآن بباب الجنائز، سماه بذلك الأزرقي في "تاريخه" لأنه لما ذكر صفته القديمة قال: وهو باب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج منه ويدخل فيه من منزله الذي في زقاق العطارين، يقال له: مسجد خديجة بنت خويلد رحمة الله تعالى ورضوانه عليها2
…
انتهى.
وباب إبراهيم هو باب الزيارة الذي بالجانب الغربي من المسجد الحرام.
1 أخبار مكة للفاكهي 4/ 34.
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 78، 87.