المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد: - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام - جـ ١

[التقي الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌تصدير:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول

- ‌أولا: ذكر مكة المشرفة

- ‌ثانيًا: ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها:

- ‌الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث:

- ‌ذكر الحرم وسبب تحريمه:

- ‌ذكر علامات الحرم:

- ‌ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من طريق نمرة:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة العراق:

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة التنعيم وهي طريق المدينة وما يليها

- ‌ذكر تحديد حد الحرم من جهة اليمن:

- ‌الباب الرابع

- ‌ذكر شيء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكة وحرمها

- ‌ذكر شيء مما ورد في تعظيم الناس لمكة وحرمها وفي تعظيم الذنب في ذلك:

- ‌الباب الخامس

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد

- ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

- ‌الباب السادس:

- ‌ذكر المجاورة بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في الموت بمكة:

- ‌ذكر شيء مما جاء في فضل أهل مكة:

- ‌ذكر شيء من فضل جدة ساحل مكة وشيء من خبرها:

- ‌ذكر شيء من فضل الطائف وخبره:

- ‌الباب السابع

- ‌في أخبار عمارة الكعبة المعظمة

- ‌ذكر البيت المعمور الذي أنزله الله على آدم وشيء من خبره:

- ‌ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج وما صنع فيها من العمارة:

- ‌ذكر الأساطين:

- ‌ذكر الميازيب:

- ‌ذكر الأبواب:

- ‌أوَّل من بوب الكعبة:

- ‌الباب الثامن:

- ‌ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة:

- ‌ذكر النوع الكعبة من داخلها وخارجها

- ‌ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع الحديد:

- ‌ذكر ذرع سطح الكعبة:

- ‌ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من خبر عمارته:

- ‌ذكر حلية الكعبة المعظمة ومعاليقها:

- ‌ذكر كسوة الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر طيب الكعبة وأخدامها:

- ‌ذكر أسماء الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان:

- ‌ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام:

- ‌ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها:

- ‌الباب التاسع:

- ‌ذكر بيان مصلى النبي في الكعبة:

- ‌ذكر قدر صلاة النبي في الكعبة في دخوله هذا

- ‌ذكر من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة يوم فتح مكة من الصحابة ومن نقلها منهم، رضي الله عنهم:

- ‌ذكر ترجيح رواية من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة على رواية من نفاها، وما قيل في الجمع بين ذلك:

- ‌ذكر عدد دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة الشريفة بعد هجرته من المدينة وأول وقت دخل الكعبة فيه بعد هجرته

- ‌الباب العاشر:

- ‌في ثواب دخول الكعبة المعظمة:

- ‌ذكر حكم الصلاة في الكعبة:

- ‌آداب دخول الكعبة:

- ‌الباب الحادي عشر:

- ‌ذكر شيء من فضائل الكعبة:

- ‌ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود وما جاء في كونه من الجنة:

- ‌ذكر فضل الركن اليماني وما جاء في تقبيله ووضع الخد عليه

- ‌الباب الثاني عشر:

- ‌ذكر ما ورد في ثواب الطواف عموما من غير تقييد بزمن:

- ‌ذكر بدء الطواف بهذا البيت المعظم وما ورد من طواف الملائكة

- ‌ذكر طواف بعض الجن والدواب والطير بالكعبة:

- ‌ما جاء من أن شرعية الطواف لإقامة ذكر الله:

- ‌ذكر ثواب النظر إلى الكعبة:

- ‌ذكر ثواب الحج والعمرة:

- ‌الباب الثالث عشر:

- ‌في الآيات المتعلقة بالكعبة:

- ‌ذكر خبر تبع والهذليين:

- ‌ذكر خبر أصحاب الفيل:

- ‌الباب الرابع عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار الحجر الأسود

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في زمن ابن الزبير، وما صنع فيه من الفضة في زمنه وزمن هارون الرشيد:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له:

- ‌ذكر ما صنعه الحجبة في الحجر الأسود بإثر رد القرامطة له:

- ‌ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة من بعض الملحدة مثلهم:

- ‌ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض:

- ‌ذكر شيء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود:

- ‌الباب الخامس عشر:

- ‌ذكر الملتزم:

- ‌ذكر المستجار:

- ‌ذكر الحطيم:

- ‌ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:

- ‌الباب السادس عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار المقام "مقام الخليل عليه السلام

- ‌ذكر حلية المقام:

- ‌ذكر صفة الموضع الذي فيه المقام والمصلى خلفه:

- ‌ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود:

- ‌ذكر موضع المقام في الجاهلية والإسلام وما قيل في ذلك:

- ‌ذكر شيء من فضل المقام:

- ‌ما جاء في هلاك من تعرض له بسوء:

- ‌الباب السابع عشر:

- ‌ذكر شيء من أخبار الحِجْر المُكَرَّم حِجْر إسماعيل عليه السلام:

- ‌ذكر موضع الحجر وصفته:

- ‌ذكر ما جاء في الحجر والصلاة فيه:

- ‌ذكر ما جاء في الدعاء في الحجر تحت الميزاب:

- ‌ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة:

- ‌الباب الثامن عشر

- ‌ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته

- ‌ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي ومن خبر عمارته بعده:

- ‌ذكر ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين:

- ‌ذكر ذرع زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر ذرع زيادة باب إبراهيم

- ‌الباب التاسع عشر:

- ‌ذكر عدد أساطين المسجد الحرام غير الزيادتين وصفتها:

- ‌ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفتها:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم:

- ‌ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم:

- ‌شرفات المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة:

- ‌ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم:

- ‌ذكر عدد قناديل المسجد الحرام:

- ‌ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها:

- ‌ذكر منائر المسجد الحرام:

- ‌ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحة أو لنفع الناس به

- ‌ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها منه

- ‌ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة:

- ‌ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم بها:

- ‌الباب العشرون:

- ‌ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها:

- ‌ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن:

- ‌ذكر أسماء زمزم:

- ‌ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه:

- ‌ذكر آداب شربه:

- ‌ذكر حكمة التطهير بماء زمزم:

- ‌ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان:

- ‌ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:

- ‌الباب الحادي والعشرون:

- ‌الباب الثاني والعشرون

- ‌ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك

- ‌ذكر الموضع الذي أحرم منه رسول الله من الجعرانة:

- ‌ذكر مقدار ما بين باب بني شيبة وهذين العلمين:

- ‌ذكر تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة:

- ‌ذكر مسجد عرفة وحكم الوقوف فيه:

- ‌ذكر ذرع هذا المسجد وشيء من صفته:

- ‌ذكر تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها، وحكم الإحياء بها:

- ‌ذكر حكم البناء بمنى:

- ‌ما جاء في فضل منى وما ذكر فيها من الآيات:

- ‌الباب الثالث والعشرون:

- ‌الباب الرابع والعشرون:

- ‌الباب الخامس والعشرون

- ‌ذكر نسب جرهم

- ‌ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك:

- ‌ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها:

- ‌فهرس محتويات الجزء الأول

الفصل: ‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

‌ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:

روينا في ذلك أحاديث من حديث أنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاريين وعبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأبي الدرداء وأم الدرداء وعائشة رضي الله عنهم، وقد أخرجنا هذه الأحاديث في أصل هذا الكتاب بأسانيدها، ونقتصر هنا على عَزْوِها لكتب أهل العلم.

فأما حديث أنس وجابر رضي الله عنهما ففي سنن ابن ماجه1، وإسناده في حديث جابر صحيح، على ما قال ابن جماعة في منسكه، وحديث ابن الزبير في مواضع يأتي ذكرها. وحديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما في مسند ابن حنبل2، وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه في "المعجم الكبير" للطبراني بسند حسن على ما قال بعض مشايخنا3، وحديث أم الدرداء رضي الله عنها في الإتحاف لابن عساكر، وحديث عائشة رضي الله عنها في "المعجم الأوسط" للطبراني، وحديث ابن الزبير رضي الله عنهما عندي أعلاها، وقد أخبرني به إبراهيم بن محمد الصوفي سماعا بمكة، أن أحمد بن أبي طالب الصالحي أخبره عن ابن اللتي وابن بهروز قالا: أخبرنا أبو الوقت، قال: أخبرنا الداودي، قال: أخبرنا الحموي، قال: أخبرنا إبراهيم بن حزيم، قال: حدثنا عبد بن حميد الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة"4.

وأخبرنيه أعلى من هذا علي بن محمد الخطيب عن أبي بكر الوشتي، قال: أخبرنا الحافظ ابن خليل، قال: أخبرنا الرازي، قال: أخبرنا الحداد، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: أخبرنا عبد الله بن فارس، قال: أخبرنا يونس بن حبيب، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا الربيع بن صبيح، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تفضل بمائة صلاة"5.

1 سنن ابن ماجه "1406".

2 مسند أحمد 2/ 528.

3 الطبراني في الكبير "2/ 151 رقم 1605- 1607.

4 أخرجه: مسلم "3/ 416"، أحمد 2/ 29، 4/ 5، أبو يعلي "5760"، أخبار أصفهان 1/ 353.

5 أخرجه مسلم، "الصلاة: 451"، ورواه ابن خزيمة بنحوه وإسناده صحيح أيضا، الترغيب والترهيب 2/ 214.

ص: 107

قال عطاء: فكانت مائة ألف، قال قلت: يا أبا محمد هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم، فإن الحرم كله مسجد، ورأيناه في "إتحاف الزائر" لأبي اليمن ابن عساكر من حديث شبابة بن سواد، عن الربيع بن صبيح به، إلا أن فيه:"وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف". ورأيناه في مسند ابن حنبل والبزار ومعجم الطبراني الكبير بألفاظ مختلفة.

ويتحصل من طرق حديث ابن الزبير ثلاث روايات، أحدها: أن الصلاة بالمسجد الحرام تفضل على الصلاة بمسجد المدينة بمائة صلاة كما في مسند عبد بن حميد وابن حنبل والبزار، وإحدى روايتي الطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح.

والرواية الأخرى: أن الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة بمسجد المدينة بألف صلاة كما في مسند الطيالسي وإتحاف ابن عساكر، وحديث ابن الزبير من رواة حماد بن زيد أخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن حسان عن حماد بن زيد1، فوقع لنا عاليا، وقد روي موقوفا على ابن الزبير، ومن رفعه فهو أحفظ وأثبت من جهة النقل على ما قاله ابن عبد البر، وصحح هذا الحديث وقال: إنه الحجة عند التنازع، وإنه نص في موضع الخلاف، قاطع عند من ألهم رشده ولم تمل به عصبيته...... انتهى.

وحديث كل من أنس وجابر وأبي الدرداء رضي الله عنهم في الصلاة في المسجد الحرام يقتضي تفضيل الصلاة بالمسجد الحرام على الصلاة بمسجد المدينة كحديث ابن الزبير الذي في "مسند الطيالسي" وإتحاف ابن عساكر، وحديث ابن عمر ليس في بيان ما تفضل الصلاة به في المسجد الحرام على الصلاة في غيره، وإنما يقتضي أن الصلاة فيه أفضل من غيره، وحديث أبي هريرة يقتضي أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجد المدينة بمائة صلاة، هذا مقتضى حديث ابن عمر وأبي هريرة في كتاب الفاكهي2.

وقد ورد في فضل الصلاة بالمسجد الحرام ثواب أكثر من هذا، لأن الفاكهي قال: حدثني عبد الله بن منصور عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من صلى في المسجد الحرام حول بيت الله الحرام في جماعة خمسة وعشرين مرة، كتب الله له مائة ألف صلاة، ومن صلى في المسجد الحرام أو في بيته أو في الحرم، كتب الله له مائة ألف صلاة، قيل له، أو قال

1 صحيح ابن حبان "1625".

2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 96.

ص: 108

رجل من التابعين: أَعَنْ رأيك هذا يا ابن عباس، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم1....... انتهى، وعبد الرحيم ضعيف.

وقال الفاكهي أيضا: وحدثني محمد بن صالح البلخي، قال: حدثنا أبو مطيع الحكم بن عبد الله القرشي، قال: حدثنا المسيب، عن المبارك بن حسان، عن الحسن ومعاوية بن قرة قالا: الصلاة في المسجد الحرام بألف ألف صلاة وخمسمائة صلاة، والصلاة في الحرم كله بمائة ألف صلاة2

انتهى.

وروينا عن الجندي في كتاب "فضائل مكة" له، قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد بن مغفل، عن وهب بن منبه، قال: وجدت مكتوبا في التوراة: من شهد الصلوات الخمس في المسجد الحرام كتب الله له بها اثنا عشر ألف ألف وخمسمائة ألف صلاة.

وروى الجندي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 106] حديثا يقتضي أن المراد بذلك الصلوات الخمس جماعة في المسجد الحرام، ولفظه: حدثنا عبد الله بن أبي غسان، حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِين} . ثم قال: "هي الصلوات الخمس في الجماعة في المسجد الحرام".

ولنذكر فوائد تتعلق بحديث ابن الزبير رضي الله عنهما، وما شابهه.

منها: أن ابن كنانة المالكي وغيره من المالكية قالوا في قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". كما في الصحيحين3: أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة خلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف ليستقيم لهم بذلك ما رووا من تفضيل الصلاة بالمدينة على الصلاة بمكة، وحديث ابن الزبير وما شابهه من الأحاديث التي ذكرناها يدفع هذا التأويل، لأنها تقتضي تفضيل الصلاة بمكة على الصلاة بالمدينة، والله أعلم.

ومنها: أن النقاش المفسر حسب الصلاة بالمسجد الحرام على مقتضى حديث: "إن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف صلاة"، فبلغت صلاة واحدة

1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 92، وقال فيه: إسناده حسن، وفيه "عبد الرحيم بن زيد العمي".

2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 106، والحديث إسناده ضعيف، ذكره المحب الطبري في القرى "ص: 657" وعزاه لسعيد بن منصور.

3 أخرجه البخاري 3/ 54، ومسلم "الحج رقم 1394".

ص: 109

بالمسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة، وصلاة يوم وليلة وهي خمس صلوات في المسجد الحرام عمر مائتي سنة وسبعة وتسعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال

انتهى.

قلت: رأيت لشيخنا بالإجازة الإمام بدر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن الصاحب المصري الإشاري1 كلاما حسنا في هذا المعنى، لأنه قال فيما أنبأنا به: إن كل صلاة بالمسجد الحرام فرادى بمائة ألف صلاة كما ورد في الحديث، وكل صلاة فيه جماعة بألفي ألف صلاة وسبعمائة ألف صلاة، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة صلاة، وصلاة الرجل منفردا في وطنه غير المسجدين المعظمين، كل مائة سنة شمسية بمائة وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بألف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة، فتلخص من هذا: إن صلاة واحدة في المسجد الحرام جماعة يفضل ثوابها على ثواب من صلى في بلده فرادى، حتى بلغ عمر نوح عليه السلام نحو الضعف، وسلام على نوح في العالمين. وهذه فائدة تساوي رحلة. ثم قال: هذا إذا لم تضف إلى ذلك شيئا من أنواع البر، فإن صام يوما، وصلى الصلوات الخمس جماعة، وجعل فيه أنواعا من البر قلنا بالمضاعفة، فهذا مما يعجز الحساب عن حصر ثوابه2

انتهى.

ومنها: أن للعلماء المالكية وغيرهم خلافا في هذا الفضل: هل يعم الفرض والنفل، أو يختص بالفرض؟ وهو مقتضى مشهور مذهبنا ومذهب أبي حنيفة، والقول بالتعميم مذهب الشافعي على ما صرح به النووي.

ومنها: أن للعلماء خلافا في المراد بالمسجد الحرام، فقيل: مسجد الجماعة الذي يحرم على الجنب الإقامة فيه، حكاه المحب الطبري، وذكر أنه يتأيد بقوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"، والإشارة بمسجده إلى مسجد الجماعة، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك

انتهى.

وقيل: المراد بالمسجد الحرام الحرم كله، قال المحب الطبري3: ويتأيد بقوله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد} [الحج: 25] . أو قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] . وكان ذلك من بيت أم هانئ

انتهى.

1 هو العلامة المفسر شيخ القراء أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي النقاس، صاحب "شفاء الصدور" في التفسير، و"الإشارة في غريب القرآن"، توفي سنة 351هـ "انظر ترجمته في أعلام النبلاء 15/ 537 والمنتظم 14/ 148.

2 مثير الغرام الساكن "ص: 254".

3 القرى "ص: 657".

ص: 110

وقيل: المراد بالمسجد الحرام الكعبة خاصة، ذكره المحب الطبري1 عن بعضهم وأُبْهِم له، قال: واختاره بعض المتأخرين من أصحابنا، وذكر أنه يتأيد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه:"صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا الكعبة". أخرجه النسائي2

انتهى باختصار.

وذكر بعض الحفاظ من أصحابنا أن في بعض طرق هذا الحديث إلا "مسجد الكعبة"، وعلى هذا فلا تستقيم الدلالة بالحديث الذي ذكره المحب الطبري1 على أن المراد بالمسجد الحرام الكعبة خاصة، والله أعلم.

ومنها: هذا التضاعف بالنسبة إلى الثواب لا بالنسبة إلى إسقاط الفوائت كما يتخيله كثير من الجهال، ولذلك نبهنا عليه. وممن صرح بذلك النووي في شرح مسلم، وقد ظهر بما ذكرناه من الأحاديث وكلام العلماء تفضيل مكة على سائر البلاد، وأن ثواب الصلاة فيها أفضل من ثوابها في غيرها، وجاء أحاديث تدل على تفضيل ثواب الصوم وغيره من القربات بمكة على ثواب ذلك في غيرها، إلا أنها في الثبوت ليست كأحاديث فضل مكة والصلاة فيها، وحديث تفضيل الصوم بمكة على غيرها. رويناه في مسند ابن ماجة3، وفي تاريخ الأزرقي، وفي "المجالس المكية" للميانشي4، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وعنه ورد تضاعف حسنات الحرم على غيرها، لأنا روينا عن زاذان عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إليها كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم. فقال بعضهم لابن عباس: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة بمائة ألف حسنة". انتهى. رواه البيهقي بسنده إلى عيسى بن سوادة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زاذان، وقال: تفرد به عيسى بن سوادة، وهو مجهول5

انتهى.

قلت: لم ينفرد به عيسى بن سوادة كما ذكر البيهقي، لأنا رويناه في الأربعين المختارة لخطيب مكة: الحافظ ابن مسدي، وغيرها من حديث سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد الذي رواه عنه ابن سوادة. وقال ابن مسدي: هذا حديث حسن غريب

انتهى.

1 القرى "ص: 657".

2 سنن النسائي 2/ 33 كتاب المساجد باب فضل الصلاة في المسجد الحرام.

3 سنن ابن ماجه 2/ 1041 رقم "3117".

4 الميانشي هو: عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي، الميانشي، من قرى المهدية بإفريقية، وله مؤلفات منها:"تعليقات على الفردوس" وغيره "انظر ترجمته في: الأعلام 5/ 53".

5 أخرجه: البيهقي في الشعب "3981"، وقال: فيه عيسى بن سوادة مجهول.

ص: 111

ورواه الحاكم1 من الوجه الذي رواه البيهقي وصحح إسناده، وقال المحب الطبري بعد أن أخرج هذا الحديث: وهذا الحديث يدل على أن المراد بالمسجد الحرام في فضل تضعيف الصلاة الحرم جميعه، لأنه عم التضعيف في جميع الحرم، وكذلك حديث تضعيف الصلاة عمن في جميع مكة، وحكم الحرم ومكة في ذلك سواء باتفاق، إلا أن يخص المسجد بتضعيف زائد على ذلك، فيقدر كل صلاة بمائة ألف صلاة فيما سواه والصلاة فيما سواه بعشر حسنات فتكون الصلاة فيه بألف ألف حسنة، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ألف حسنة، ويشهد لذلك ظاهر اللفظ2، والله أعلم.

قال: وعلى هذا تكون حسنة الحرم بمائة ألف حسنة وحسنة مسجده، إما مسجد الجماعة، وإما الكعبة على اختلاف القولين بألف ألف، ويقاس بعض الحسنات على بعض أو يكون ذلك خصيصا للصلاة، والله أعلم

انتهى.

وروينا عن الحسن البصري ما يقتضي تضاعف الحسنة بمكة إلى مائة ألف حسنة، لأنه قال: صوم يوم بمكة بمائة ألف، وصدقة درهم بمائة ألف، وكل حسنة بمائة ألف

انتهى.

وذكر المحب الطبري أن فيما تقدم من أحاديث مضاعفة الصلاة والصوم بمكة دليلا على إطراد التضعيف في جميع الحسنات إلحاقا بهما. قال: ويؤيد ذلك قول الحسن2

انتهى.

1 مستدرك الحاكم 1/ 461، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

2 القرى "ص: 658".

ص: 112