الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجاحظ «ما رأيت أمثل طريقة من هؤلاء الكتّاب، فإنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعّرا حوشيّا، ولا ساقطا سوقيّا» . وقد ذكر ابن الأثير في «المثل السائر» : أن الكتّاب غربلوا اللغة وانتقوا منها ألفاظا رائقة استعملوها.
ثم هذه الألفاظ أسماء وأفعال: فالأسماء كقولك في المدح فلان غرّة القبيلة، وسنامها، وذؤابتها، وذروتها؛ وهو نبعة أرومته وأبلق كتيبته ومدرة «1» عشيرته ونحو ذلك. والأفعال كقولك في إصلاح الفاسد: أصلح الفاسد، ولمّ الشّعث، ورأب الشّعب، وضمّ النّشر، ورمّ الرّثّ، وجمع الشّتات، وجبر الكسر، وأسا الكلم، ورقع الخرق، ورتق الفتق، وشعب الصّدع. وفي «كتاب الألفاظ» لعبد الرحمن بن عيسى «2» الكاتب كفاية من ذلك، وله مختصر أربى عليه؛ وفي «كنز الكتّاب» لكشاجم ما فيه مقنع.
المقصد الرابع في كيفية تصرف الكاتب في الألفاظ اللّغويّة، وتصريفها في وجوه الكتابة
لا خفاء أنه إذا أكثر من حفظ الألفاظ اللغوية، وعرف الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد والمتقاربة المعاني، تمكّن من التعبير عن المعاني التي يضطّر إلى الكتابة فيها بالعبارات المختلفة، والألفاظ المتباينة، وسهل عليه التعبير عن مقصوده، وهان عليه إنشاء الكلام وترتيبه. وفي الأمثلة التي أوردها كشاجم في «كنز الكتّاب» حيث يعبر عن المعنى الواحد بعبارات متعدّدة ما يرشد إلى الطريق في ذلك، ويهدي إلى سلوك الجادّة الموصّلة إلى القصد منه.
وهذه نسخة مكاتبة منه في التهنئة بمولود يستضاء بها في ذلك، وهي:
قد جعلك الله من نبعة طابت مغارسها، أرومة رسخت عروقها، شجرة زكت غصونها؛ فرع شرفت منابته، معدن زكت علائقه «1» ، جوهر شاعت مكارمه، عنصر بسقت فروعه، محتد ذاعت محامده، أصل نجبت مآثره، سنخ «2» خلصت مناقبه، نصاب صرحت مفاخره، نجر «3» نمت مساعيه، أصل فضلت معالمه، عنصر نصرت محاسنه، منتمى كثرت مناقبه. فالزيادة فيها زيادة في جوهر الكرم، مظاهر في محو ثرى الإفضال، ذخيرة نفيسة لذوي الآمال، نعمة كاملة السعادة، غبطة شاملة البشاشة، سرور يواجه الأولياء، حبور تجتويه «4» الأعداء، غبطة تصل إلى الأحرار، ابتهاج لذوي الأخطار.
فتولّى الله نعمه عندك بالحراسة الوافية، بالولاية الكافية، الكفاية المتظاهرة، الدّفاع الكالي «5» ، الحفاظ الداعي، الصّنع الجميل، الدّفاع الحسن، العافية المتكاتفة. وبلغني الخبر بهبة الله المستجدّة، الولد المبارك، الفرع الطّيّب، السليل الرّضيّ، الولد الصالح، الابن السارّ، الثمرة المثمرة، السّلالة الزكيّة، النّجل الميمون، الذي عمر أفنية السّيادة. زاد في مواثيق العهد والرياسة، أرسى قواعد السيادة، ثبّت أساس الرّفعة، أوثق عرا المجد، مكّن أركان الفضل، وطّد أساس المكارم، أكّد علائق الشّرف، أبّد أواخي الكرم، أبرم حبال الجود، أمرّ أسباب الطّول، شيّد بنيان الكمال، أحصف أيدي السّماحة، أحكم قوى الرّجاحة، أوثق عقد العلا، رفع دعائم الظّهارة»
، أنار أعلام
الغارة، أظهر علامات الخير. فتباشرت به، ابتهجت، اجتذلت، اغتبطت، فرحت، سررت، استبشرت. جعله الله برّا تقيّا، سيّدا، حميدا، ميمونا، مباركا، طيّبا، عزيزا، سعيدا؛ ظهيرا، عونا، ناصرا، راجحا، زكيّا وزرا، ملجأ. يتقيّل «1» سلفه، ويقتفي أثرهم، يسلك منهاجهم، يسنّ سنّتهم، يتبع قصدهم، يسير سيرتهم، يسعى مساعيهم، ينحو مثالهم، يحذو حذوهم، يتخلّق بأخلاقهم، يتبصّر بصيرتهم، ينوط أفعالهم، يترسّم رسومهم. وأيمن به عددك، كثّر به ذرّيتك، أراك فيه غاية أملك، شفعه الله بإخوة بررة، وفّقه الله لأداء حقّك، جعله خير خلف كما هو لخير سلف. زيّن به العشيرة، وهب له النّماء، بلغ به أكلأ «2» العمر، مكّن له في رفيع المراتب، حقّق فيه فراستك، وهب له تمام الفضيلة، وأوزعك الشكر عليه، أجارك فيه من الثّكل، سرّك بفائدته، أسعدك برؤيته، أطاب عيشك به، متّعك بعطيّته، ألهمك شكر ما خوّلك، واصل لك المزيد برحمته.
فإنه إذا أراد الكاتب أن يستخرج من ألفاظ هذا الكتاب عدّة كتب بتهنئة بولد، فعل. كما إذا قال: قد جعلك الله من نبعة طابت مغارسها، فالزيادة فيها زيادة في جوهر الكرم، فتولّى الله نعمه عندك بالحراسة؛ وبلغني الخبر بهبة الله الجديدة المستجدّة، الولد المبارك الذي عمر أفنية السيادة، فتباشرت به، جعله الله تعالى برّا تقيا، يتقيّل سلفه، وأيمن به عددك، وأوزعك الشكر عليه، وواصل لك المزيد برحمته، كان ذلك كتابا كافيا في هذا النوع. فتأمّل ذلك وقس عليه.