الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع العاشر الاستكثار من حفظ الأشعار الرائقة
، خصوصا أشعار العرب وما توفرت دواعي العلماء بها على اختياره: كالحماسة، والمفضّليّات، والأصمعيات، وديوان هذيل، وما أشبه ذلك؛ وفهم معانيها واستكشاف غوامضها، والتوفر على مطالعة شروحها؛ ويلتحق بذلك شعر المولّدين من العرب، وهم الذين كانوا في أول الإسلام. كجرير والفرزدق، والأخطل وغيرهم؛ وكذلك حفظ جانب جيد من شعر المفلقين من المحدثين: كأبي تمام، ومسلم بن الوليد، والبحتريّ، وابن الرومي، والمتنبي ونحوهم.
وفيه مقصدان
المقصد الأول في بيان أحتياج الكاتب إلى ذلك
أما شعر العرب والمولدين، فلما في ذلك من غزارة الموادّ، وصحة الاستشهاد، وكثرة النقل، وصقل مرآة العقل، وانتزاع الأمثال، والاحتذاء في اختراع المعاني على أصح مثال، والاطلاع على أصول اللغة وشواهدها، والاضطلاع من نوادر العربية وشواردها. وقد كان الصدر الأول يعتنون بذلك غاية الاعتناء: قال محمد بن سلام «1» عن بعض مشايخه «كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر» . وذكر صاحب «الريحان والريعان» عن سعيد بن المسيب «2» أنه قال: كان أبو بكر وعمر وعليّ يجيدون الشعر، وعليّ أشعر الثلاثة. قال: وكان عمر بن الخطاب يقول افضل صناعات الرجل الأبيات من الشعر يقدّمها بين يدي حاجته يستعطف بها الكريم، ويستنزل
بها اللئيم. وقد ذكر عن الشافعيّ رضي الله عنه أو غيره من بعض الأئمة الأربعة:
أنه كان يحفظ ديوان هذيل؛ وأمّا قول الشافعيّ رضي الله عنه:
ولولا الشّعر بالعلماء يزري
…
لكنت اليوم أشعر من لبيد
فانه يريد من صرف همته إلى الشعر، بحيث صار شأنه وديدنه، وهو المعنيّ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم «لأن يملأ أحدكم جوفه قيحا خير من أن يملأه شعرا» أي أراد صرف همته إليه حتى يملأ جوفه منه. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم «إنّ من الشّعر لحكمة» . وكان عمر رضي الله عنه يسمع البيت يعجبه فيكرره مرات كما ذكره الجاحظ وغيره. وقد ذكر أبو البركات بن الأنباري «1» في كتاب «طبقات الأدباء» في ترجمة أبي جعفر أحمد بن إسحاق البهلول بن حسان الأنباري:
أنه كان فقيها، عالما، واسع الأدب وتقلد القضاء لعدة من الخلفاء. ثم حكى عن ولده أبي طالب أنه قال كنت مع والدي في جنازة بعض أهل بغداد من وجوه الناس وإلى جانبه أبو جعفر الطبري «2» ، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسلّيه، وينشده أشعارا، ويروي له أخبارا، فداخله الطبريّ في ذلك، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب والعلم استحسنها الحاضرون وأعجبوا بها، وتعالى النهار وافترقنا، فقال لي أبي يا بنيّ من هذا الشيخ الذي داخلنا في المذاكرة؟ فقلت: يا سيدي كأنك لم تعرفه، فقال لا، فقلت: هذا أبو جعفر الطبريّ، فقال إنا لله! ما أحسنت عشرتي معه؛ فقلت كيف يا سيدي؟ قال: ألا نبّهتني في الحال، فكنت أذاكره بغير تلك المذاكرة؟ هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع في صنوف العلوم، ما ذاكرته بحسبها؛ ومضت على ذلك مدة فحضرنا في حقّ «3» آخر وجلسنا، وإذا