الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسرار فيضّر بالدولة ضررا كبيرا. ويجب أن يكون ملازما للحضور بين يدي كتّاب الديوان فمتى كتب المنشيء أو المتصدّي لمكاتبة الملوك، أو المتصدّي لمكاتبة أهل الدولة، أو لكتابة المناشير وغيرها شيئا، سلمه للمتصدّي للنّسخ فينسخه حرفا بحرف، ويكتب بأعلى نسخه:«كتاب كذا» ، ويذكر التاريخ بيومه وشهره وسنته على ما تقدّم في موضعه، ويسلمه للخازن. وكذلك يفعل بالكتب الواردة بعد أن يأخذ خطّ الكاتب الذي كتب جوابها بما مثاله:«ورد هذا الكتاب من الجهة الفلانية بتاريخ كذا، وكتب جوابه بتاريخ كذا» . وإن كان لا جواب عنه، أخذ عليه خط صاحب الديوان أنه لا جواب عنه لتبرأ ذمته منه ولا يتأوّل عليه في وقت من الأوقات أنه أخفاه ولم يعلم به. ثم يجمع كلّ نوع إلى مثله، ويجمع متعلّقات كل عمل من أعمال المملكة من المكاتبات الواردة وغيرها، ويجعل لكل شهر إضبارة، يجمع فيها كتب من يكاتب من أهل تلك الأعمال، ويجعل عليها بطاقة مثل أن يكتب:«إضبارة لما ورد من المكاتبات بالأعمال الفلانية في الشهر الفلانيّ» ثم يجمع تلك الأضابير ويجعلها إضبارة واحدة لذلك الشهر ويكتب عليها بطاقة بذلك ليسهل استخراج ما أراد أن يستخرجه من ذلك. قال: «ويجب على هذا الخازن أن يحتفظ بجميع ما في هذا الديوان من الكتب الواردة ونسخ الكتب الصادرة، والتذاكر، وخرائط المهمّات، وضرائب الرسوم احتفاظا شديدا» .
الثاني- حاجب الديوان
. قال الصوريّ: «ينبغي لصاحب ديوان الإنشاء أن يقيم لديوانه حاجبا لا يمكّن أحدا من سائر الناس أن يدخل إليه، ما خلا أهله الذين هو معذوق «1» بهم، فإنه يجمع أسرار السلطان الخفية فمن الواجب كتمها ومتى أهمل ذلك لم يؤمن أن يطّلع منها على ما يكون بإظهاره سبب سقوط مرتبته وإذا كثر الغاشون له والداخلون إليه، أمكن أهل الديوان معه
إظهار الأسرار اتّكالا على أنها تنسب إلى أولئك، فإذا كان الأمر قاصرا عليهم احتاجوا إلى كتمان ما يعلمونه خشية أن ينسب إليهم إذا ظهر» .
وأمّا ما استقر عليه الحال في زماننا فكتّاب الديوان على طبقتين:
الطبقة الأولى- كتّاب الدّست، وهم الذين يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل في المواكب على ترتيب منازلهم بالقدمة «1» ويقرأون القصص على السلطان بعد قراءة كاتب السر، على ترتيب جلوسهم ويوقّعون على القصص كما يوقّع عليها كاتب السر. وسمّوا كتّاب الدست إضافة إلى دست السلطان وهو مرتبة جلوسه: لجلوسهم للكتابة بين يديه؛ وهؤلاء هم أحقّ كتّاب ديوان الإنشاء باسم الموقّعين: لتوقيعهم على جوانب القصص بخلاف غيرهم.
وقد تقدّم أنهم كانوا في أوائل الدولة التركية في الأيام الظاهرية بيبرس وما والاها، قبل أن يلقّب صاحب ديوان الإنشاء بكاتب السر ثلاثة كتاب، رأسهم القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، ثم زادوا بعد ذلك قليلا إلى أن صاروا في آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عشرة أو نحوها، ثم تزايدوا بعد ذلك شيئا فشيئا خصوصا في سلطنة الظاهر برقوق، وابنه الناصر فرج حتّى جاوزوا العشرين وهم آخذون في التزايد.
وقد كانت هذه الرتبة لا حقة بشأو كتابة السر في الرفعة والرياسة إلى أن دخل فيها الدخيل، وقدّم فيها غير المستحق، ووليها من لا يؤهّل لما هو دونها، وانحطّت رتبتها وصار أهلها في الحضيض الأوهد من الرياسة بعد أوجها الا الأفذاذ ممن علت رتبته وقليل ما هم.
الطبقة الثانية- كتّاب الدّرج، وهم الذين يكتبون ما يوقّع به كاتب السر أو كتّاب الدست أو إشارة النائب أو الوزير، أو رسالة الدوادار ونحو ذلك من
المكاتبات والتقاليد والتواقيع والمراسيم والمناشير والأيمان والأمانات ونحو ذلك مما يجري مجراه. وسمّوا كتّاب الدّرج لكتابتهم هذه المكتوبات ونحوها في دروج الورق، والمراد بالدّرج في العرف العامّ الورق المستطيل المركّب من عدّة أوصال، وهو في عرف الزمان عبارة عن عشرين وصلا متلاصقة لا غير. قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتّاب: وهو في الأصل اسم للفعل أخذا من درجت الكتاب أدرجه درجا إذا أسرعت طيّه وأدرجته إدراجا فهو مدرج إذا أعدته على مطاويه وأصله الإسراع في حالة، ومنه مدرجة الطريق التي يسرع الناس فيها وناقة دروج إذا كانت سريعة. ويجوز أن يطلق عليهم كتاب الإنشاء لأنهم يكتبون ما ينشأ من المكاتبات وغيرها مما تقدّم ذكره؛ ولا يجوز أن يطلق عليهم لقب الموقّعين لما تقدّم من أن المراد من التوقيع الكتابة على جوانب القصص ونحوها. وكما زاد كتّاب الدّست في العدد زاد كتاب الدّرج حتى خرجوا عن الحدّ، وبلغوا نحوا من مائة وثلاثين كاتبا، وسقطت رياسة هذه الوظيفة وانحط مقدارها حتّى إنه لم يرضها إلا من لم يكن أهلا، على أن كتّاب الدست الآن هم المتصدّون لكتابة المهم من كتابة الدّرج:
كمتعلّقات البريد المختصة بالسلطان من المكاتبات والعهود والتقاليد وكبار التواقيع والمراسيم والمناشير، وصار كتاب الدّرج في الغالب مخصوصين بالمكاتبات في خلاص الحقوق وما في معناها. وكذلك صغار التوّاقيع والمراسيم والمناشير مما يكتب في القطع الصغير، وربما شارك أعلاهم كتّاب الدست في التقاليد وكبار التواقيع وما في معناهما إذا كان حسن الخط، ولا نظر إلى البلاغة جملة بل كل أحد يلفّق ما يتهيّأ له من كلام المتقدّمين غير مبال بتحريفه ولا تصحيفه مبتهجا بذلك، مطالعا لغيره في أنه الذي ابتدعه وابتكره. وكل من لفّق منهم شيئا أو أنشأه كتبه بخطه على أيّ طبقة كان في الخط، ما خلا عهود السلطنة ومكاتبات القانات «1» من ملوك الشرق فإنه ربّما
انتخب لها أعلى أهل الزمان خطّا، تنويها بذكرها، ورفعة لقدرها.
أما كتابة التذاكر والدفاتر فقد كان الأمر مستمرّا في بعضها ككتابة ما في المكاتبات الواردة والصادرة بدفتر في الديوان إلى آخر مباشرة القاضي بدر الدّين بن فضل الله «1» في الدولة الظاهرية برقوق، ثم رفض ذلك وترك واقتصر على ما يرد من المكاتبات وما يكتب من الملخّصات وكتابة الموقّع الذي يكتب الجواب بسدّ كل فصل تحته ليس إلا وترك ما وراء ذلك، واكتفي من الخازن بدوادار كاتب السر، وصار هو المتولّي لحفظ ذلك وإيداعه في الأضابير على نحو ما تقدم؛ وكذلك صار أمر حجابة الديوان إليه. ثم للديوان أعوان يسمّون المدرا»
جمع مدير، شأنهم أخذ القصص ونحوها وإدارتها على كاتب السر فمن دونه من كتّاب الديوان ليكتب كلّ منهم ما يلزمه من متعلّقها ولذلك سمّوا بهذا الاسم.