الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع المعرفة بالتصريف
ويجب على الكاتب المعرفة به ليعرف أصل الكلمة، وزيادتها، وحذفها، وإبدالها فيتصرّف فيها بالجمع والتصغير والنسبة إليها وغير ذلك: لأنه إذا أراد جمع الكلمة أو تصغيرها أو النسبة إليها ولم يعرف الأصل في حروف الكلمة وزيادتها وحذفها وإبدالها، ضلّ حينئذ عن السبيل، ونشأ من ذلك مجال للعائب والطاعن.
قال ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» : وتظهر لك فائدة ذلك ظهورا واضحا فيما إذا قيل للنحويّ الجاهل بعلم التصريف كيف تصغّر لفظة اضطراب فإنه يقول ضطيريب «1» ، ولا يلام في ذلك لأنه الذي تقتضيه صناعة النحو، لأن النحاة يقولون إذا كانت الكلمة على خمسة أحرف وفيها حرف زائد أو لم يكن حذفته منها، نحو قولهم في منطلق مطيلق وفي جحمرش جحيمرش. ولفظة منطلق على خمسة أحرف وفيها حرفان زائدان هما الميم والنون، إلا أن الميم زيدت فيها لمعنى فلذلك لم تحذف وحذفت النون وأما لفظة جحمرش فخماسية لا زيادة فيها وحذف منها حرف أيضا. فإذا بنى النحويّ على هذا الأصل، فإما أن يحذف من لفظة اضطراب الألف أو الضاد أو الطاء أو الراء أو الباء. وهذه الحروف غير الألف ليست من حروف الزيادة فلا تحذف بل الأولى أن يحذف الحرف الزائد ويترك الحرف الأصلي فيصغر لفظة اضطراب حينئذ على ضطيريب «2» ، ولم يعلم النحوي أن الطاء في اضطراب مبدلة من تاء وأنه إذا أريد تصغيرها تعاد إلى الأصل الذي كانت عليه. فيقال ضتيريب فإن هذا مما لا يعلمه إلا التصريفيّ والنحاة أطلقوا ما أطلقوه من ذلك اتكالا منهم على تحقيقه من علم التصريف، إذ كل من النحو والتصريف علم
منفرد برأسه، فتكليف النحويّ الجاهل بعلم التصريف إلى معرفة ذلك كتكليفه ما ليس من علمه.
قال: فثبت بما ذكر أن علم التصريف مما يحتاج إليه لئلا يغلط في مثل ذلك. قال: ومن العجب أن يقال إنه لا يحتاج إلى معرفة التصريف وهذا نافع بن أبي نعيم وهو من أكبر القرّاء السبعة قدرا وأفخمهم شأنا قد قال في معايش معائش بالهمز، وهذه اللفظة مما لا يجوز همزه بإجماع من علماء العربية: لأن الياء فيها ليست مبدلة من همزة وإنما الياء التي تبدل «1» من الهمزة في هذا الموضع تكون بعد ألف الجمع المانع من الصرف ويكون بعدها حرف واحد ولا يكون عينا نحو سفائن، ولم يعلم نافع الأصل في ذلك فأخذ عليه وعيب عليه من أجله وذلك أنه اعتقد أن معيشة على وزن فعلية تجمع على فعائل ولم ينظر إلى أن الأصل في معيشة معيشة على وزن مفعلة لأن أصل هذه الكلمة من عاش لكن «2» أصلها عيش على وزن فعل، ويلزم مضارع «فعل» المعتل العين «يفعل» لتصح الياء نحو «يعيش» ثم تنتقل حركة العين إلى الفاء فتصير «يعيش» ثم يبني من «يعيش» مفعول فيقال معيوش به كما يقال مسيور به، ثم يخفف ذلك بحذف الواو فيقال معيش به كما يقال مسير به، ثم تؤنّث هذه اللفظة فتصير «معيشة» . ومن جملة من عابه أبو عثمان المازني فقال في كتابه في التصريف: إن نافعا لم يدر ما العربيّة.
وحكى أبو جعفر النحاس أن عبيد الله بن سليمان «3» نظر في بعض كتب الكتّاب فإذا فيه حرف مصلح هو: وقد لهوت عن جباية الخراج، فاغتاظ وقال لا يحكّه غيري فحكّه فأصلحه:«وقد لهيت» بالياء، بدل الواو. قال وحكي عن
أحمد بن إسرائيل «1» مع تقدّمه في الكتابة أنه قال: وكانت رسومهم مساناة ثم صارت مشاهرة ثم صارت مياومة ثم صارت مساعاة، فأخطأ، وكان يجب أن يقول مساوعة. قال في «المثل السائر» : وكثيرا ما يقع أهل العلم في مثل هذه المواضع فكيف الجهّال الذين لا معرفة لهم بها ولا اطّلاع لهم عليها، وإذا علم حقيقة الأمر في ذلك لم يقع الغلط فيما يوجب قدحا ولا طعنا، قال:
وقد وقع الغلط لأبي نواس فيما هو أظهر من ذلك، وهو قوله في صفة الخمر:
كأنّ صغرى وكبرى من فواقعها
…
حصباء درّ على أرض من الذّهب
فإن «فعلى أفعل» لا يجوز حذف الألف واللام منها وإنما يجوز حذفهما من «فعلى» التي لا أفعل لها نحو حبلى إلا أن تكون «فعلى أفعل» مضافة وهاهنا قد عريت عن الإضافة وعن الألف واللام وكان الصواب أن يقال: كأن الصّغرى والكبرى أو كأن صغراها وكبراها. فانظر كيف وقع أبو نواس في مثل هذا الموضع مع قربه وسهولته، وغلط أبو تمام أيضا في قوله:
بالقائم الثّامن المستخلف اطّأدت
…
قواعد الملك ممتدّا لها الطّول
فقال «اطّأدت» والصواب «اتّطدت» لأن التاء تبدل من الواو في موضعين أحدهما مقيس عليه كهذا الموضع: لأنك إذا بنيت افتعل من الوعد قلت اتّعد وكذلك «اتّطدت» في البيت فإنه وطد يطد كما يقال وعد يعد فإذا بني منه افتع قيل «اتّطدت» ولا يقال «اطّأد» ، وأما غير المقيس فقولهم في «وجاه» «تجاه» ، وقالوا «تكلان» وأصله الواو لأنه من «وكل» فأبدلت الواو تاء للاستحسان. ثم قال:
إن المخطىء في التصريف أندر وقوعا من المخطىء في النحو لأنه قلّما تقع له كلمة يحتاج في استعمالها إلى الإبدال والنقل في حروفها. والمعصوم من عصمه الله، والكلام في نصرّف الكاتب في التصريف على ما تقدّم في النحو.