الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عامر بن الطّفيل فأصابته دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأصابته الغدّة ومات في بيت سلوليّة، فقال: أغدّة كغدّة البعير وموت في بيت سلوليّة «1» ؟
وفي هذه القصة مقنع في المنافرة عن غيرها، وفي كتاب «الريحان والريعان» لبعض الأندلسيين جملة من هذه المفاخرات والمنافرات.
النوع الثالث عشر «2» المعرفة بأيام الحروب الواقعة؛ وفيه ثلاثة مقاصد
المقصد الأوّل في وجه احتياج الكاتب إلى ذلك
قد ذكر في «حسن التوسل» : أن الكاتب يحتاج إلى معرفة أيّام العرب، وتسمية الأيام التي كانت بينهم، ومعرفة يوم كل قبيلة على الأخرى، وما جرى بينهم من الأشعار، والمناقضات، وذكر فارس مشهور، أو ملك مذكور، أو واقعة معينة لشخص خاصّ، وما ادّعاه كل منهم لنفسه أو ليومه:
لما في ذلك من العلم بما يستشهد به من واقعة قديمة، أو يرد عليه في مكاتبة من ذكر يوم مشهور، أو فارس معيّن، ونحو ذلك مما مضى عليه أمر الجاهلية، أو حدث في الإسلام؛ فإن الكاتب إذا لم يكن عارفا بالوقائع، عالما بما جرى منها، لم يدر كيف يجيب عما يرد عليه من مثلها، ولا ما يقول إذا سئل عنها.
المقصد الثاني في ذكر أيام من ذلك ترشد إلى معرفة المقصد منه
ومن أشهرها ذكرا، وأعظمها حربا: يوم خزاز (خزاز اسم جبل بين البصرة ومكة كانت الواقعة عنده فعرفت به) ؛ وكانت الحرب فيه بين بني
ربيعة الفرس، وهو ربيعة نزار، وبين قبائل اليمن؛ وكانت الغلبة فيه لبني ربيعة، فقتلوا من قبائل اليمن خلقا كثيرا، وكان قائد ربيعة كليب بن ربيعة ملك بني وائل (واسمه وائل وكليب لقب عليه) وهو من ربيعة الفرس، وكان قد ملّك على بني معدّ وقبائل جموع العرب وهزمهم وعظم شأنه، وبقي زمانا من الدهر، ثم داخله زهو شديد، وبغى على قومه فصار يحمي عليهم مواقع السّحاب، ولا يرعى حماه، ويقول: وحش أرض كذا في جواري، فلا يصاد؛ ولا ترد إبل مع إبله، ولا توقد نار مع ناره؛ وبقي كذلك حتّى قتله جسّاس بن مرّة الوائليّ أيضا؛ ولما قتل كليب توالت الحروب بسبب قتله بين بني تغلب، وبين بكر ابني وائل؛ وكان قائد بني تغلب مهلهل أخو كليب، وقائد بني بكر مرّة أبو جسّاس المقدّم ذكره؛ فكان بينهم يوم عنيزة «1» ، وتكافأ فيه الفريقان، ثم كان بينهم يوم واردات «2» ، وانتصر فيه بنو تغلب على بكر، ثم كان بينهم يوم الحنو «3» ، وانتصرت فيه بكر على تغلب، ثم كان بينهم يوم العصيّات «4» ، وانتصرت فيه تغلب على بكر، وأصيب بنو بكر حتّى ظنوا أنهم قد بادوا، ثم كان بينهم يوم قضّة «5» ، وهو يوم التحالق كثر فيه القتل بين الفريقين، في أيام أخر لم يشتدّ فيها القتال.
ومن أيام غيرهم المشهورة يوم عين أباغ «6» . وعين أباغ موضع يقال له ذات الخيار؛ وكان الحرب فيه بين غسّان ولخم، وكان قائد غسّان الحارث الذي طلب أدرع امريء القيس، وقيل غيره، وكان قائد لخم
المنذر بن ماء السماء بغير خلاف؛ وفي هذا اليوم قتل المنذر، وانهزمت لخم، وتبعتهم غسّان إلى الحيرة وأكثروا فيهم القتل.
ويوم مرج حليمة «1» ، وكان بين غسّان ولخم أيضا؛ وكان من أعظم الأيام وأشدّها حربا، بلغت الجيوش فيه عددا كثيرا، وعظم الغبار حتّى قيل إن الشمس احتجبت وظهرت الكواكب التي في غير جهة الغبار. ويوم الكديد «2» ، وكان بين كنانة وسليم، وانتصرت فيه سليم على كنانة، وقتل فيه ربيعة بن مكدّم فارس كنانة؛ وبه يضرب المثل في الشجاعة «3» ؛ وكان يعقر على قبره في الجاهلية، ولم يعقر على قبر غيره.
ويوم الكلاب الأوّل؛ والكلاب موضع بين البصرة والكوفة؛ وكان بين الأخوين: شراحيل وسلمة ابني الحارث بن عمرو الكنديّ؛ وشراحيل هو الأكبر وكان معه بكر وائل وغيرهم، وسلمة الأصغر، وكان معه تغلب وائل وغيرهم، واشتدّ القتال بينهم، وانتصر سلمة وتغلب على شراحيل وبكر، وانهزم شراحيل وتبعته خيل أخيه فقتلوه. ويوم الكلاب الثاني، وكان بين بكر ووائل «4» . ويوم أوارة «5» ، (وأوارة اسم جبل) وكانت الحرب فيه بين المنذر ابن امريء القيس ملك الحيرة، وبين منذر وائل بسبب الحيرة، وظفر فيه المنذر، وأقسم أنه لا يزال يذبحهم حتّى يسيل دمهم من رأس أوارة إلى حضيضه، وبقي يذبحهم والدم يجمد فسكب عليه ماء حتّى سال الدم من رأس الجبل إلى حضيضه، وبرّت يمينه. ويوم رحرحان، (ورحرحان اسم واد
بالحجاز) «1» وكانت الحرب فيه بين الأحوص بن جعفر بن كلاب، وبني دارم، وبني ماويّة، وبني معبد بن زرارة، وبني تميم؛ وانهزمت فيه بنو تميم ومن معهم، وأسر معبد بن زرارة؛ وقصد أخوه لقيط بن زرارة أن يستفكّه فلم يقدر، وعذّبوا معبدا حتّى مات. ويوم شعب جبلة، وشعب جبلة هضبة حمراء بين الشّريف والشّرف «2» . وكان من شأنه أنه لما انقضت وقعة رحرحان المتقدّمة، ومضى لها سنة، وذاك في العام «3» الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، استنجد لقيط بن زرارة التميمي بني ذبيان لثأر أخيه فأنجدته، وتجمعت بنو تميم غير بني سعد، وخرجت معه بنو أسد، وسار بهم لقيط إلى بني عامر وبني عبس في طلب ثأر أخيه معبد، فأدخلت بنو عامر وبنو عبس أموالهم في شعب جبلة، فحضرهم لقيط فخرجوا عليه من الشّعب وكسروا جمائع لقيط وقتلوا لقيطا، وأسروا أخاه حاجب بن زرارة، وانتصرت بنو عامر وبنو عبس نصرا عظيما؛ وقتل أيضا من بني ذبيان وبني تميم ومن بني أسد جماعة مستكثرة؛ وكان هذا اليوم من أعظم أيامهم. ويوم ذي قار، وهو أقرب الوقائع المشهورة في الجاهلية عهدا، وكان في سنة أربعين من مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وقيل عام بدر.
وكان من حديثه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، فحبسه فهلك في الحبس؛ وكان النّعمان قد أودع حلقته (وهي السّلاح والدّروع) عند هانيء بن مسعود البكري «4» ، فأرسل أبرويز يطلبها من هانيء، فقال هذه أمانة، والحرّ لا يسلم أمانته؛ وكان أبرويز لما أمسك النعمان جعل مكانه في ملك الحيرة إياس بن قبيصة الطائيّ، فاستشار أبرويز إياسا، فقال إياس: المصلحة التغافل عن هانيء بن مسعود حتّى يطمئنّ ونتبعه
فندركه- فقال أبرويز: إنه من أخوالك لا تألوه نصحا- فقال إياس: رأي الملك أفضل؛ فبعث أبرويز الهزبران «1» في ألفين من الأعاجم، وبعث ألفا من بهراء، فلما بلغ بكر بن وائل خبرهم أتوا مكانا من بطن ذي قار، فنزلوه ووصلت إليهم الأعاجم، واقتتلوا ساعة فانهزمت الأعاجم هزيمة قبيحة؛ فيروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خبر بذلك أصحابه، فقال «اليوم أوّل يوم انتصف فيه العرب من العجم وبي نصروا» .
ولأبي عبيدة مصنّف مفرد في أيام العرب «2» ، وقد أورد منها ابن عبد ربه في كتاب «العقد» جملة مستكثرة، وفي آخر كتاب الأمثال للميداني نبذة محرّرة من ذلك، وليس بنا حاجة إلى استيعابها هنا.
وأما الحروب الواقعة في صدر الإسلام، فمنها وقعة الجمل، وكانت بين عليّ كرم الله وجهه، ومعه أهل الكوفة، وبين عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، وكانت راكبة يومئذ على جمل اسمه عسكر وبه عرفت الوقعة، وقتل بين الفريقين خلق كثير، وكانت النّصرة فيه لعليّ ومن معه.
ومنها وقعة صفّين، وكانت بين عليّ كرم الله وجهه ومعه أهل العراق، وبين معاوية بن أبي سفيان، ومعه أهل الشام، وكان ابتداؤها في سنة ست وثلاثين، وكان مدّة مقامهم بصفّين مائة وعشرة أيام أوقعوا فيها وقعات كثيرة؛ قيل تسعين وقعة؛ وكانت عدّة القتلى بينهم فيما يقال من أهل الشام خمسة وأربعين ألفا، ومن أهل العراق ستة وعشرين ألفا، منهم ستة وعشرون من أهل بدر؛ وكان عمّار بن ياسر مع عليّ رضي الله عنه، وقاتل حتّى قتل، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:«يقتل عمّارا الفئة الباغية» ومضت
عليهما مدّة، وعليّ رضي الله عنه على العراق، ومعاوية على الشام ومصر، إلى أن قتل عليّ رضي الله عنه.
ولا حاجة بنا إلى الخوض في أكثر من ذلك، فإن ذلك محمول على اجتهادهم، والإمساك عما شجر بينهم واجب.
ومنها وقعة مرج راهط «1» ؛ وكان من حديثها أنه لما هلك يزيد بن معاوية، كان سعيد بن بحدل على قنّسرين، فوثب عليه زفر بن الحارث فأخرجه منها وبايع عبد الله بن الزّبير، فلما قعد زفر على المنبر، قال: الحمد لله الذي أقعدني مقعد الغادر الفاجر، وحصر «2» ، فضحك الناس من قوله؛ وكان حسّان بن بحدل على فلسطين، والأردنّ، فاستعمل على فلسطين روح ابن زنباع الجذاميّ، ونزل هو الأردنّ، فوثب ناتل بن قيس الجذامي على روح ابن زنباع فأخرجه من فلسطين وبايع ابن الزبير؛ وكان النعمان بن بشير على حمص فبايع لابن الزبير، وكان الضّحّاك بن قيس على دمشق، فجعل يقدّم رجلا ويؤخر أخرى، فقدم عليه مروان بن الحكم فقال الضّحّاك هل لك أن تقدم على ابن الزبير ببيعة أهل الشام، قال نعم ووافق على ذلك بنو أمية، واليمانيون؛ فلما فشا ذلك أرسل الضحاك إلى بني أمية تصدر إليهم؛ وقال لمروان وعمرو بن سعيد: اكتبوا إلى حسان بن بحدل فيسير من الأردن حتّى ينزل الجابية، ونسير نحن من هنا حتّى نلقاه فننظر هناك رجلا ترضونه؛ فلما استقلت رايات الضحاك من دمشق، قالت القيسية لا نصحبك دعوتنا إلى بيعة ابن الزبير، وهو رجل هذه الأمة، فلما بايعناك خرجت تابعا لهذه الأعراب بني كلب، فأجابهم إلى إظهار بيعة ابن الزبير، وسار حتّى نزل مرج راهط، وأقبل حسان حتّى لقي مروان، فسار مع مروان حتّى لقوا الضحاك، وهم نحو من