الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الله تعالى أن يضاعف لهم بحسن نيتهم الأجور، ويلجأؤن إليه أن يجعل أئمتهم ممن أشار تعالى إليه بقوله (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ
«1» .
وقولي في بيعة أخرى: والله يجعل أنتقالهم من أدنى إلى أعلى، ومن يسرى إلى يمنى، ويحقق لهم بمن استخلفه عليهم وعده الصادق بقوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)
«2» .
الثاني- الاقتباس
، وهو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن، ولا ينبه عليه:
كقوله في خطبة «التعريف» : نحمده على فواضل زادت محاسن العلوم، وعرفت تفاوت درجات الأولياء إذ قالوا (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ)
«3» وقوله بعد ذلك: وسماء الشبيبة بضحى المشيب قد تجلت، والنفس قد (أَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ)
«4» .
وقول ابن نباتة السعدي في بعض خطبه: فيا أيها الغفلة المطرقون! أما أنتم بهذا الحديث مصدقون؟ ما لكم لا تسمعون! (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)
«5» وقوله يوم يبعث الله العالمين خلقا جديدا، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودا. يوم تكونوا (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)
«6» .
وقول غيره: أتظنون أنكم دون غيركم مخلدون (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)
«7» .
وقول الحريري: فلم يكن إلا (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)
«1» . حتى أنشد فأعرب. وقوله: (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ)
»
. وأميز صحيح القول من عليله.
وقول ضياء الدين بن الأثير في فصل من كتاب في مدح الجود وذم البخل: وقد علم أن المال الذي يختزن، كالماء الذي يحتقن، فكما أن هذا يأجن «3» بتعطيل الأيدي عن امتياح «4» مشاربه. فكذلك يأجن هذا بتعطيل الأيدي عن امتناع «5» مواهبه. وأي فرق بين وجوده وعدمه لولا أن تملك به القلوب. وتفل به الخطوب. ويركب به ظهر العزم الذي ليس بركوب؛ ومن بسط يده فيه ثم قبضها بخله، فإنه يقف دون الرجال مغمورا، ويقعد عن نيل المعالي محسورا. وإذا أدركته منيته مضى وكأنه لم يكن شيئا مذكورا. وقوله في وصف كاتب: له بنت فكر ما تمخضت بمعنى إلا نتجته من غير ما تمهله.
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ)
«6» . ولم تعرض على ملإ من البلغاء إلا ألقوا أقلامهم أيهم يستعيره لا أيهم يكفله.
وقول الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي من عهد السلطان: وجمع بك شمل الأمة بعد أن (كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)
«7» وعضدك لإقامة إمامته بأولياء دولتك الذين رضي الله عنهم، وخصك بانصار دينه الذين نهضوا بما أمروا به من طاعتك وهم فارهون (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ
وَهُمْ كارِهُونَ)
«1» وقوله من عهد السلطان الملك المنصور لاچين «2» : وجعل عدوه وإن أعرض بجيوش الرعب محصورا. وكفاه بالنصر على الأعداء التوغل في سفك الدماء (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)
«3» . وقوله في خطبة صداق في وصف نكاح: وأحيا به الأمم وقد قضى دينهم. وجمع بين متفرقين (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)
«4» . وقوله من توقيع بإمامة صلاة: وليعلم أنه في المحراب مناجيا لربه واقفا بين يدي من يحول بين المرء وقلبه «5» .
وقولي في خطبة هذا الكتاب في الإشارة إلى فتح الديار المصرية:
فتوجهت إليها عزائم الصحابة زمن الفاروق فجاسوا خلال الديار، وعرها وسهلها واقتطعتها أيدي المسلمين من الكفار، وكانوا (أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها)
«6» وقولي في المقامة المتقدمة الذكر: قال إذن قد تعلقت من الصنعة بأسبابها.
وأتيت البيوت من أبوابها. وقولي فيها: قلت قد بانت لي علومها. فما رسومها؟ - قال إن أعباءها لباهظة حملا. وإنها لكبيرة إلا. ولكن سأحدث لك ذكرا «7» وأنبئك بما لم تحط به خبرا «8» . وقولي في المفاخرة بين السيف والقلم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين قامت بنصرتهم دولة الإسلام فسمت بهم على سائر الدول وكرعت في دماء
الكفر سيوفهم فعادت بخلوق «1» النصر لا بحمرة الخجل. صلاة ينقضي دون انقضائها تعاقب الأيام. وتكل ألسنة الأقلام عن وصفها (وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)
«2» .
وربما اقتصر على التلويح والإشارة خاصة: كقول القاضي الفاضل فيما كتب به عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الديوان العزيز ببغداد في الاستصراخ وتهويل أمر الفرنج: (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي)
«3» ، وها هي في سبيلك مبذولة، وأخي وقد هاجر إليك هجرة يرجوها مقبولة.
وقول ضياء الدين بن الأثير في وصف غبار الحرب: وعقد العجاج سقفا فانعقد. وأرانا كيف رفع السماء بغير عمد «4» . غير أنها سماء بنيت بسنابك الجياد. وزينت بنجوم الصعاد «5» . ففيها ما يوعد من المنايا لا ما يوعد من الأرزاق. ومنها تقذف شياطين الحرب لا شياطين الاستراق «6» .
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله: «والطريق في استنباط المعاني من القرآن الكريم واستعمال الآيات في خلال الكلام أن تعمد إلى سورة من القرآن، وتأخذ في تلاوتها وكلما مرّ بك معنى أثبته في ورقة مفردة
حتى تنتهي إلى آخرها؛ ثم تأخذ في استعمال تلك المعاني التي ظهرت وإدخالها في خلال الكلام وكلما عاودت التلاوة وكررتها ظهر لك من المعاني ما لم يظهر لك في المرة التي قبلها» .
ولتعلم أن الآية الواحدة قد تقع في الاستعمال على عدة وجوه يورده الناثر في معنى ثم ينقله لمعنى آخر غيره كما فعل ضياء الدين بن الأثير في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ)
«1» . فقال في دعاء كتاب: وصل كتاب من الحضرة السامية أحسن الله أثرها، وأعلى خطرها، وقضى من العلياء وطرها، وأظهر على يدها آيات المكارم وسورها، وأسجد لها كواكب السيادة وشمسها وقمرها. ثم أبرزه في معنى آخر فقال: أكرم النعم ما كان فيه ذكرى للعابدين.
وتقدمه إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. فهذه النعمة هي التي تأتي بتيسير العسير. وتجلو ظلمة الخطب بإيضاح المنير.
فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. ثم نقله إلى معنى آخر فقال من تقليد يكتب من ديوان الخلافة لبعض الوزراء: وقد علم أن أمير المؤمنين أدنى مجلسه من سمائه، وآنسه على وحدة الانفراد بحفل «2» نعمائه. ورفعه حتى ودت الشمس لو كانت من أترابه والقمر لو كان من ندمائه. وذلك مقام لا تستطيع الجدود أن ترقى إلى رتبته. ولا الآمال أن تطوف حول كعبته، ولا الشفاه أن تتشرف بتقبيل تربته. فليزدد إعجابا بما نالته من مواطىء أقدامه، ولينظر إلى سجود الكواكب له في يقظته لا في منامه.
قال في «حسن التوسل» : والناس في استخراج المعاني من القرآن
الكريم، واستعمالها في الكلام على قدر طبقاتهم وتفاوت درجاتهم. فمفرط في الحسن ومفرط وفوق كل ذي علم عليم.
قلت: وكما يحتاج الكاتب إلى حفظ كتاب الله تعالى والعلم بتفسيره ليقتبس من معانيه كذلك يحتاج إلى معرفة العلوم المختصة به كالعلم بالقراءات السبع والشواذ، ومعرفة رجالها، ومن اشتهر منهم وعرف بجودة القراءة، ومعرفة أعيان المفسرين ورؤوسهم، ليماثل بأفاضلهم ويقايس بأعيانهم، في خلال ما يعرض له من الكلام مطابقا لذلك كما قال في «التعريف» في وصية مقرىء في القسم الثالث من الكتاب: وليدم على ما هو عليه من تلاوة القرآن، فإنه مصباح قلبه. وصلاح قربه، وصباح القبول المؤذن له برضا ربه؛ وليجعل سوره له أسوارا، وآياته تظهر بين عينيه أنوارا. وليتل القرآن بحروفه وإذا قرأ استعاذ، وليجمع طرقه وهي التي عليها الجمهور ويترك الشواذ. ولا يرتد دون غاية لإقصار، ولا يقف فبعد أن أتم لم يبق بحمد الله إحصار، وليتوسع في مذاهبه ولا يخرج عن قراءة القراء السبعة أئمة الأمصار، وليبذل للطلبة الرغاب، وليشبع فإن ذوي النهمة سغاب: ولير الناس ما وهبه الله من الاقتدار، فإنه احتضن السبع ودخل الغاب «1» ، وليتم مباني ما أتم ابن عامر وأبو عمرو «2» له التعمير، ولفه الكسائي «3» في كساه ولم يقل جدي ابن كثير «4» ، وحم به لحمزة «5» أن يعود ذاهب الزمان، وعرف أنه لا عاصم من أمر