الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن ذلك من وظيفة الشاعر لا الكاتب، وإن كان الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله قد أشار في كتابه «حسن التوسل» إلى التمثيل بذلك لما نحن بصدده.
الحالة الثالثة الحلّ
وهو أن يعمد الكاتب إلى الأبيات من الشّعر ذوات المعاني فيحلّها من عقل الشعر، ويسبكها في كلامه المنثور، فإن الشعر هو المادّة الثالثة للكتابة بعد القرآن الكريم والأخبار النبوية، على قائلها أفضل الصلاة والسلام، وخصوصا أشعار العرب فإنها ديوان أدبهم، ومستودع حكمهم، وأنفس علومهم في الجاهلية؛ به يفتخرون، وإليه يحتكمون. فإذا أكثر من حفظ الشعر وفهم معانيه، غزرت لديه الموادّ، وترادفت عليه المعاني، وتواردت على فكره، فيسهل عليه حينئذ حلّها، ووضعها في مكانها اللائق بها بحسب مقتضيات الكتابة. قال صاحب «الريحان والريعان» : وهو شأن حذّاق الكتاب في زماننا، وفيه من الجمال فنون:
منها أنه يدل على حفالة أدب المجيد، واتساع الحفظ، والتيسير والتأتّي لسبك اللفظ.
ومنها أنه ليس يشهر منها إلا النادر للغاية في الحسن، فهي إذا حلّت يحاورها المنشىء بما يناسب حسنها في البراعة، وهذا كثير في هذه الصناعة.
قال في «المثل السائر» : وإنما جعل المنظوم مادة للمنثور بخلاف العكس لأن الأشعار أكثر، والمعاني فيها أغزر، قال: وسبب ذلك أن العرب الذين هم أهل الفصاحة كان جلّ كلامهم شعرا، ولا يوجد الكلام المنثور في كلامهم إلا يسيرا، ولو كثر فإنه لم ينقل عنهم بل المنقول عنهم الشعر فأودعوا أشعارهم كل المعاني كما قال الله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ
«1» . ثم
جاء الطّراز الأول من المخضرمين فلم يكن لهم إلا الشعر. ثم استمرّ الحال على ذلك فكان الشعر هو الأكثر، والكلام المنثور بالنسبة إليه قطرة من بحر، فلذلك صارت المعاني كلها مودعة في الأشعار. قال في «حسن التوسل» :
والحلّ باب متسع على المجيد مجاله، وتتصرّف في كلام العارف به روّيته وارتجاله.
قال «صاحب الريحان والريعان» : وأول من فك رقاب الشعر، وسرّح مقيّده إلى النثر، عبد الحميد الأكبر: كاتب بني أمية إلى انقضاء خلافتهم.
قال: وربما رامه غير المطبوع المتصرّف فعقده وأفسده كما قال القائل:
وبعضهم يحلّ فيعقد. قال: وكيفية الحل أن يتوخّى هذا البيت المنظوم وحلّ فرائده من سلكه ثم ترتيب تلك الفرائد وما شابهها ترتيب متمكّن لم يحظره الوزن ولا اضطرّته القافية، ويبرزها في أحسن سلك، وأجمل قالب وأصح سبك، ويكملها بما يناسبها من أنواع البديع إذا أمكن ذلك من غير كلفة، ويتخير لها القرائن. وإذا تم معه المعنى المحلول في قرينة واحدة فيفرض له من حاصل فكره، أو من ذخيرة حفظه، ما يناسبه. وله أن ينقل المعنى إذا لم يفسده إلى ما شاء؛ فإن كان نسيبا وتأتّى له أن يجعله مديحا فليفعل؛ وكذلك غيره من الأنواع. وإذا أراد الحل بالمعنى فلتكن ألفاظه مناسبة لألفاظ البيت المحلول غير قاصرة عنها، فمتى قصرت ولو بلفظة واحدة، فسد ذلك الحل وعدّ معيبا. وإذا حلّ اللفظ فلا يتصرف بتقديم وتأخير ولا تبديل، إلا مع مراعاة تدبير الفصاحة، واجتناب ما ينقص المعنى أو يحطّ رتبته.
قال: وهذا الباب لا تنحصر المقاصد فيه، ولا حجر على المتصرف فيه.
ثم حلّ الأبيات الشعرية واستعمالها في النثر على ثلاثة أضرب.