الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العالميّ، العادليّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الأوحديّ، سيف الإسلام والمسلمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، جمال الملوك والسلاطين، ذخر «1» أمير المؤمنين» .
ثم هذا الطرف يشتمل على أربعة مقاصد مشتملة على الجهات الأربع:
المقصد الأوّل (في المكاتبة إلى ملوك الكفّار ببلاد الشّرق، وجملة من بها من ملوك النصارى المكاتبين عن هذه المملكة مملكتان)
الأولى- مملكة الكرج «2» من النصارى الملكيّة. قال: في «التعريف» :
ويقال في المسلمين الكرد، وفي النصارى الكرج، قال: وموقع هذه [البلاد] بين بلاد الرّوم وبين بلاد أرمينية، وهي بلاد جليلة، ومملكة مفخّمة، وكأنها مقتطعة من البلادين، ولها ملك قائم، وبها ملك دائم، وأمّها مدينة تفليس، وسلطان بيت هولاكو بمملكة إيران يحكم عليها، ويرالغه تصل إليها، إلّا أنه لا يطغى بها سيله، ولا تجوس خلال ديارها للحرب المضرمة خيله، وإنما له بها تومان اتخذه سدادا لثغرها، وقياما بأمرها، منزلهم فسيح بواديها، أهل حلّ وترحال، وتنقّل من حال إلى حال، قال: وآخر من كان له في هذه البلاد سمعة، وأقيلت به للمهابة صرعة، الشيخ محمود بن جوبان، وكان باسلا لا يطاق، ورجلا مرّ المذاق، ولمّا جرت الكائنة لأبيه، لاذ بالسلطان (أزبك قان) ثم لم تطل له مدّة، ولا انفرجت له حلق شدّة، وأتاه أجله وما استطاع ردّه. ثم قال: وعسكر الكرج «3» صليبة دين الصّليب وأهل البأس والنّجدة، وهم للعساكر الهولاكوهيّة عتاد وذخر، ولهم بهم وثوق وعليهم اعتماد [ولا] سيّما لأولاد جوبان وبنيه، وبقايا مخلّفيه، لسالف إحسان
جوبان، إليهم، ويد مشكورة كانت له عندهم، وكان صديقا «1» لملكهم برطلما يغرس عنده الصّنائع، ويسترعيه الودائع، فكان أخصّ خصيص به، وأصدق صديق له، يدعوه للمهم، ويستصرخ به في الملمّ، ويعدّه ردءا لعسكره، ومزيلا «2» لمنكره. وعقّب ذلك بأن قال: وبرطلما المذكور عهدي به حيّ يرزق من أجلّ ملوك النّصرانية، وأعرق أنساب بني المعموديّة، وقد كان كاتب الأبواب «3» السلطانية بسبب كنيسة المصلّبة، وأن ترفع عنها الأيدي المتغلّبة، فبرزت الأوامر المطاعة بإعادتها عليهم وكانت قد أخذت منهم- وهي بظاهر القدس الشريف- واتّخذت مسجدا، وعزّ هذا على طوائف العلماء والصّلحاء وإن لم يعمل هذا سدى، قيل: إنه كان يحسّن لجوبان قصد البلاد، ويبذل له عليه الطارف والتّلاد.
وذكر أن رسم المكاتبة إليه: «أدام الله تعالى بهجة الحضرة العلية، حضرة الملك الجليل الهمام، الباسل، الضّرغام، السّميدع «4» الكرّار، الغضنفر، المتخّت، المتوّج، العالم في ملّته، العادل في رعيّته، بقيّة الملوك الأغريقيّة، سلطان الكرج، ذخر ملك البحار والخلج، حامي حمى الفرسان، وارث آبائه في الأسرّة والتّيجان، سياج بلاد الروم وإيران، سليل اليونان، خلاصة «5» ملوك السّريان، بقيّة أبناء التّخوت والتّيجان، معزّ النصرانية، مؤيّد العيسويّة مسيح «6» الأبطال المسيحية معظّم البيت المقدّس بعقد النيّة، عماد بني المعمودية، ظهير الباب پاپارومية، موادّ المسلمين، خالصة الأصدقاء المقرّبين، صديق الملوك والسلاطين» .
وهذا دعاء أورده في «التعريف» يليق به وهو: وحمى ملكه بودّه لا بجنده، وبوفائه بعهده لا بجيشه ومدّ بنده، وبما عندنا من سجايا الإحسان لا بما يظنّ أنه من عنده، وبما في رأينا الموري لا بما يقدح النار من زنده- وربما قيل مصافي المسلمين بدل موادّ المسلمين.
أما في «التثقيف» فقد ذكر أن للكرج ملكين (أحدهما) صاحب تفليس «1» المقدّم ذكره، وذكر أنه كان اسمه إذ ذاك «داود» (الثاني) الحاكم «بسخوم» و «أبخاس» وهما مدينتان على جانب بحر القرم من الجانب الجنوبيّ كما تقدّم ذكره في الكلام على المسالك والممالك في الجانب الشماليّ، وسمّي صاحبها إذ ذاك (ديادان) . قال: ورسم المكاتبة إلى كلّ منهما في قطع النصف: أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل، المكرّم، الخطير الباسل، الهمام، المقدّس، الرّوحانيّ، فلان عزّ الأمّة المسيحية، كنز الطائفة الصليبيّة، فخر دين النّصرانية، ملك الجبال والكرج والجرجان، صديق الملوك والسلاطين.
وتعريف كلّ منهما «ملك الكرج» .
ثم قال: وقد ذكر القاضي المرحوم شهاب الدين بن فضل الله في المكاتبة المذكورة من التغييرات ما لا حاجة إلى ذكره؛ لأنّ ما ذكرته هو المستقرّ في المكاتبة إليه إلى آخر وقت.
قلت: وذلك لأنه في زمن المقر الشهابيّ بن فضل الله كان مرعيّ الجانب بممالأة التّتر وانضمامه إلى جوبان، كما تقدّمت الإشارة إليه، فكانت المكاتبة إليه إذ ذاك أعلى وأفخم، فلما زالت دولة التّتر من إيران وحمدت قسوتهم انحطّت رتبة المكاتبة إلى ملك الكرج عن هذه الرتبة. ثم قد تقدّم في المسالك والممالك في
الكلام على مدينة تفليس أنها من إقليم أرّان وأنها كانت قد فتحها المسلمون. ثم غلب عليها الكرج وملكوها فلو «1» عبّر عن صاحبها بمتملّك تفليس كما كان يعبّر عن المستولي على سيس «2» من الأرمن بمتملّك سيس، وعن المستولي على قبرس بمتملّك قبرس على ما سيأتي ذكره على الأثر إن شاء الله تعالى.
الثانية- مملكة الأرمن وقاعدتها مدينة «سيس» قبل فتحها، وقد سبق في الكلام على مدينة سيس عند ذكر مضافات حلب، في الكلام على الممالك الشامية في المسالك والممالك ذكر حدود هذه البلاد وبيان أحوالها، وأنها كانت تسمّى في زمن الخلفاء بلاد الثّغور والعواصم، وأنها كانت بأيدي المسلمين، وأهلها نصارى أرمن، وعليهم جزية مقرّرة يؤدونها إلى الملوك، إلى أن كانت طاعتهم آخرا لبقيّة الملوك السّلاجقة ببلاد الروم، والعمّال والشّحاني على بلادهم من جهة الملك السّلجوقيّ حتّى ضعفت تلك الدولة، وسكنت شقاشق «3» تلك الصّولة، وانتدب بعضهم لقتال بعض، وصارت الكلمة شورى، والرعيّة فوضى، وشوامخ المعاقل مجالا للتخريب، والبلاد المصونة قاصية من الغنم للذّيب، وطمع رئيس النصارى بهذه البلاد حينئذ فيها واستنسر بغاثه، واشتدّ إنكاثه، ورأى سواما لا ذائد عنه فساقه، ومتاعا لا حامية له فملأ منه أوساقه، فاستولى على هذه البلاد وتملّكها، وتحيّف مواريث بني سلجوق واستهلكها. وذكر في «مسالك الأبصار» أن كبيرهم كان يسمّى قليج بن لاون.
قال في «التعريف» : وقد أخذ في أخريات الأيام الناصرية «4» ، يعني (محمد بن قلاوون) بلاد ماوراء نهر جاهان «5» وأمّها آياس، وكان قد أخذ بعض
ذلك [أيام]«1» الملك المنصور (لاجين) واستنيب به أستدمر الكرجيّ، ثم أعيدت «2» إلى الأرمن بمواطأة أستدمر حين «3» قتل لاجين وضعفت الدولة. وذكر أنه قرّر على الأرمن لملوك الديار المصرية قطيعة مقرّرة «4» بلغت ألف ألف ومائتي ألف درهم مع أصناف، ثم حطّ لهم منها «5» ، ثم صاروا بعد ذلك بين طاعة وعصيان.
وذكر أنه كان لملوك البيت الهولاكو هيّ عليهم حكم قاهر، وله «6» فيهم أمر نافذ، قبل ضعف شوكتهم، ولين قسوتهم، ولين قسوتهم، وخلوّ غابهم من قسورتهم، ثم قال: ولو تمكّنوا «7» من دمشق لمحوا آثارها، وأنسوا أخبارها، ثم أشار إلى أنّ ملكها يومئذ صاهر صاحب قبرس ليتقوّى به، وأنه مع ذلك أوصى سلطاننا صاحب مصر على ابنه بوصيّة أشهد عليها أهل مملكته، وجعل «8» ذلك وسيلة لبقاء دولته، وكتب «9» له تقليد عوضا عن أبيه وجهّز إليه، وألبس التشريف فلبس وقبّل الأرض به وخدم «10» قال في «التعريف» : ومن ملك منهم سميّ التّكفور، سمة جرت عليهم منذ كانوا وإلى الآن. قال: وملكهم «11» ملك عريق من أبناء الملوك، يزعم أن أصله من البيت القسطنطينيّ. قال: وعندي نظر في دعواهم ذلك، إذ كان أهل ذلك البيت هم «12» صليبة الرّوم ومعتقدهم معتقد الملكانية والبيت التّكفوريّ أرمن
ومعتقدهم معتقد اليعاقبة أو ما يقاربه، وبين المعتقدين بعد عظيم، وبون ناء. وقد ذكر في «التعريف» أن اسمه ليفور «1» بن أوشير. وذكر أن رسم المكاتبة [إليه] صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك، الجليل، البطل، الباسل، الهمام، السّميدع، الضّرغام، الغضنفر «2» ، فلان بن فلان، فخر الملّة المسيحيّة، ذخر الأمّة النّصرانيّة، عماد بني المعموديّة، صديق الملوك والسلاطين.
وهذه أدعية- ذكرها في «التعريف» تناسبه:
وفّقه الله تعالى لطاعة يكنفه ذمامها، ويقيه مصارع السّوء التزامها، وتجري له بالسّلامة في النّفس والمال أحكامها.
آخر: ولا عدم من منننا «3» الكرم الذي أجاره، والأمن الذي أمّن جاره، والأمان الذي وسّع عليه وجاره، والعفو الذي وقاه في الدنيا قبل الآخرة نارا وقودها الناس والحجارة.
آخر: أبقاه الله لولاء يبديه، وفرض من الخدمة يؤدّيه، ودين في ذمّته من الوظيفة «4» يقوم به مع طرائف ما يهديه.
آخر: أراه الله ما يستدفع به من مواضي السّيوف البلاء إذا نزل، والسّمهري «5» الذي لا يرويه البحر إذا نهل، والسّيل الذي لا يقف في طريقه شيء ولا يمشي على مهل.
آخر: صان الله تعالى بمصانعته من أهل ملّته كلّ قبيل «1» ، وأمّن الله بمداراته من خوف جيوشنا المنصورة كلّ سبيل، وصدّ عنه بصدق صداقته بعث جنودنا الذي لا يردّ وأوّله بالفرات وآخره بالنّيل.
آخر: ولا زال يتوقّى بطاعته بوادر الأسنة، وعوادي الخيل موشّحة بالأعنّة، وعيث الجيش حيث لا يبقى إلّا أحد الأقسام الثلاثة: القتل أو الأسر أو المنّة.
آخر: جنّب الله رأيه سوء التعكيس، وشرّ ما يزيّن لمثله إبليس، وأخذ جنائب قلاعه وأوّل تلك الجنائب سيس.
والذي ذكره في «التثقيف» أنه كان اسمه كستندين بن هتيوم، وأنّ رسم المكاتبة إليه على ما كان استقرّ عليه الحال إلى حين الفتوح في سنة ستّ وسبعين وسبعمائة، في قطع العادة:«صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، المعظّم، المعزّز، الهمام، الباسل، فلان بن فلان، عزّ دين النصرانية، كبير الطائفة الصليبيّة، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، أدام الله نعمته، وحرس مهجته، تعلمه كذا وكذا» وتعريفه «متملك سيس» ، قال: وكتبت أنا والجماعة إليه بهذه المكاتبة مرّات.
قلت: وقد بطلت هذه المكاتبة بفتح سيس حين فتحها قشتمر المنصوريّ نائب حلب في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» في التاريخ المقدّم ذكره، واستقرّت نيابة في رتبة نيابة طرابلس وما في معناها، ثم استقرّت تقدمة عسكر في مضافات حلب على ما تقدّم ذكره في المسالك والممالك هناك. وإنما كان يقال له متملّك سيس دون ملك سيس لما تقدّم من أنها كنت أوّلا بيد المسلمين، ثم وثب عليها رئيس الأرمن المقدّم ذكره فملكها من أيدي المسلمين، ولله الحمد في إعادتها إلى يد المسلمين، واستقرارها في جملة الممالك الإسلامية.