الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتّضجيع فيها والتّواني، وصلّى صلاة شرّفها الله وفضّلها، ورضيها تبارك وتعالى وتقبّلها، وانكفأ عائدا إلى قصوره ومنازله المعظمة، ضاعف الله له ثوابه وأجره، وأوجب شكره ورفع ذكره، ويجب أن تعتمد إذاعة ذلك ليبالغ الكافّة في الاعتراف بالنّعمة فيه، ويواصلوا شكر الله تعالى عليه، والمطالعة بما اعتمد فيه.
السادس- ما يكتب بالبشارة بالسّلامة في ركوب عيد الفطر
.
وقد تقدّم في الكلام على ترتيب الدّولة الفاطمية في المقالة الثانية، أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد الفطر صبيحة العيد، ويخرج من باب العيد من أبواب القصر، ويتوجه إلى [المصلّى]«1» فيصلّي ويخطب، ثم يعود إلى قصوره، ويكتب بذلك إلى أعمال المملكة، تارة مع خلوّ الدّولة عن وزير، وتارة مع اشتمالها على وزير.
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، مع خلوّ الدّولة عن وزير، من إنشاء ابن الصّيرفيّ، وهو:
الحمد لله ناشر لوائه في الأقطار، ومعوّض المطيعين من جزائه ببلوغ الأوطار، الذي نسخ الإفطار بالصّيام ونسخ الصّيام بالإفطار، وكلّف عباده ما يطيقونه ووعد عليه جزيل أجره، وأسبغ من نعمه ما لا يطمع [في القيام] بواجب حمده عليه وشكره، وصلّى الله على سيدنا محمد نبيّه الذي أعلن بالإيمان وباح، وبيّن المحظور في الشّريعة والمباح، وأرشد إلى ما حرّمه الإسلام وحلّله، ومهّد سبل الهدى لمن استغواه الشّيطان وضلّله، وأوضح مراتب الأوقات ومنازلها، وعرّف تفاوت الأيام وتفاضلها، وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي مضت في الله عزماته، وبيّضت وجه الدّين الحنيف مواقفه ومقاماته،
وعلى الأئمة من ذرّيّتهما الذين تكفّلوا أمر الأمة نصّا، وامتطوا على منارها فلم يألوا جهدا ولم يتركوا حرصا، فالحاضر منهم يوفي على من كان [من] قبله، وأحزاب الحقّ فرحون بما آتاهم الله من فضله، وسلّم عليهم أجمعين سلاما لا انقطاع لدوامه، وشرّفهم تشريفا لا انفصام لإبرامه، وأسنى ومجّد، وتابع وجدّد.
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة كذا: بعد أن وفّى الصّيام حقّه، وحاز أجر من جعل الله على خزائنه رزقه، وبعد أن أفطر بحضرته الأولياء من آله وأسرته، والمقدّمون من رؤساء دولته، والمتميّزون من أوليائه وشيعته. وكان من نبإ هذا اليوم أنّ أمير المؤمنين لمّا ارتقب بروزه من قصوره، وتجلّى فأشرقت الأرض بنوره، توجه إلى المصلّى قاضيا لسنّة العيد، فكانت نعمة ظهوره بالنّظر [للحاضر] وبالخبر للبعيد، واستقلّ ركابه بالعساكر المنصورة التي أبدت منظرا مفتنا معجبا، وجعلت أديم الأرض بالخيل والرّجل محتجبا، وذخرت الانتقام ممّن شقّ العصا، وتجاوزت في الكثرة عدد الرّمل والحصا، وزيّنت الفضاء بهيئتها، وروّعت الأعداء بهيبتها، وجمعت بين الطّاعة وشدّة الباس، وادّرعت من التّقوى أمنع جنّة وأحصن لباس، ولم يزل سائرا في السّكينة والوقار، ناظرا للدّنيا بعين الاحتقار، والثّرى بالجباه والشّفاه مصافح ملثوم، فهما موسومتان به وهو بهما موسوم، إلى أن وصل إلى مقرّ الصّلاة، ومحلّ المناجاة، فصلّى أتمّ صلاة وأكملها، وأدّاها أحسن تأدية وأفضلها، وأخلص في التّكبير والتّهليل إخلاص من لم يفت أمرا ويخشى الله ويتّقيه ونصح في إرشاده ووعظه، وأعرب ببديع معناه وفصيح لفظه، وعاد إلى مثوى كرامته، وفلك إمامته، محمود المقام، مشمولا بالتوفيق في النّقض والإبرام. أعلمك أمير المؤمنين ذلك لتذيعه فيمن قبلك، وتشكروا الله على النّعمة الشاملة لهم ولك، فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى. وكتب في اليوم المذكور.
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، والدّولة مشتملة على وزير، عن الحافظ
لدين الله «1» العلويّ خليفة الديار المصريّة، في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وهي:
الحمد لله الذي أعزّ الإسلام وشيّد مناره، وأيّد أولياءه ونصر أنصاره، وأظهر في مواسمه قوّته واستظهاره، وختم الشّرائع بشرف أبديّ فكان حظّها منه إيثاره، وحظّ الإسلام استبداده به واستئثاره، وصلّى الله على جدّنا محمد الذي كرّمه باصطفائه، وأسعد من حافظ على اتّباع نهجه واقتفائه، وبيّن بشرعه ما حلّله وحرّمه، ودعا الأمة بإرساله إلى دين قيّم أعلى بناءه وأحكمه، ووعدهم على مفروضه ومسنونه جزيل الأجر، وأمر في اعتقاد خلافه بالدّفع والمنع والزّجر، وعلى أخيه وابن عمّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أوّل الأئمة الخلفاء، والمشتهرة فضائله اشتهارا ليس به من خفاء، ومن حباه الله المحلّ الرفيع والمنّ الجزيل، وخصّه من الشّرف بما جاء فيه من محكم التّنزيل، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما القائمين بفرض الله والمؤدّين لحقوقه، والذين كفلت أمانتهم بانبساط نور الحقّ وانتشار لوائه وخفوقه، وسلّم وكرّم، ومجّد وعظّم.
وكتاب أمير المؤمنين إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، الذي أمر الله فيه بما نهى عنه من قبله، وضاعف الأجر بكرمه وفضله، فرفع تكاليف الصّوم، وأوجب الإفطار في هذا اليوم، وساوى في ذلك [بين] كلّ متهم ومنجد، وأمر بني آدم فيه بأخذ الزّينة عند كلّ مسجد، وكان من خبره أن الفجر لمّا طلع مبشّرا بالشمس، ومؤذنا ببعثها من الرّمس، تتابعت الجيوش الموفورة، والعساكر المنصورة، إلى أبواب القصور الزاهرة توكّفا لأنوار أمير المؤمنين، وترقّبا لظهوره قاضيا حقّ الدّين، فلما أسفر الصّبح وأضاء، وملأت الخلائق الفضاء، تجلّى من أفلاك إمامته، وبرز فأغبط كلّ مؤمن بثباته على المشايعة وإقامته، وكان ظاهرا وهو محتجب بالأنوار، وممتنعا وهو منتهب
بالأبصار، والكافّة يصافحون الأرض ويجتهدون في الدعاء بإخلاص نيّاتهم، والعساكر المؤيّدة لو أنّها عمّت الأرض بتطبيقها، وساوت بين قريبها وسحيقها، وصارت كالجبال الرّواسي فيها، لكانت قد تزلزلت ومادت بأهليها، وهي مع تباين أجناسها وطوائفها متظافرة على معاندي الدّولة ومخالفيها، متلائمة على الولاء، متمالئة على الأعداء، تتلفّت إلى المجاهدة كأنها الأسود إقداما وباسا، وكأنّما فصّلت جوامد الغدران سلاحا لها ولباسا، والسيّد الأجلّ الأفضل التي عظمت به المواهب وجلّت، وذهبت بوزارته الغياهب وتجلّت، وتهلّل بنظره وجه الملّة وكان عابسا، وأعاد الدّولة معصرا وقد كانت قبله عانسا، وحسنت الدّنيا بأيامه إذ ليس فيها من يضاهيه، وانتظمت أمورها على الإرادة بصدورها عن أوامره ونواهيه، ترتّب المواكب بمهابته، ويستغنى بتوغّلها في القلوب عن إيمائه وإشارته، وكلّ طائفة مقبلة على شانها، لازمة لمكانها، متصرّفة على تهذيبه وتقريره، عاملة بآدابه، فوقوفها بوقوفه ومسيرها بمسيره.
وتوجه أمير المؤمنين إلى المصلّى محفوفا بأنوار تجلّي ما أنشأته سنابك الخيل، وتمحو آية نقع قام مثارها مقام ظلام اللّيل، وعليه من وقار الإمامة، وسكينة الخلافة، ما خصّه الله تعالى به دون البريّة وحده؛ لأنه مما ورث أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وجدّه «1» ، ولما انتهى إليه قصد [المحراب]«2» وأمّه، وأدّى الصّلاة أكمل أداء وأتمّه، ثم انتهى إلى المنبر «3» فعلاه، ومجّد الله تعالى وحمده على ما أولاه، ووعظ وعظا خوّف عاقبة المعاصي والذّنوب، وحلّ وكاء العيون وداوى مرض القلوب، وأمر بسلوك سبيل الطّاعات وأفعال البر، وحثّ على التّوفّر عليها في الجهر والسّر، وعاد إلى قصوره المكرمة، ومواطنه المقدّسة،