الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى- مكاتبة الباب
، وهو بطريرك الملكيّة، القائم عندهم مقام الخليفة، والعجب من جعله في «التثقيف» بمنزلة القان عند التتار، والقان إنما هو بمنزلة ملكهم الأكبر، والباب ليس من هذا القبيل، بل إليه أمر الدّيانة حتّى في التحليل والتحريم.
وقد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البطاركة أنهم كانوا يسمّون القسّيس ونحوه أبا، ويسمّون البطريرك أبا، فأحبّوا أن يأتوا «1» على البطريرك بسمة له تميّزه عن غيره من الآباء، فاختاروا له لفظ الباب، وأنه يقال فيه الباب والبابا ومعناه أبو الآباء، ثم لما غلب الروم على المملكة، وعلت كلمتهم على اليعاقبة، خصّوا اسم الباب ببطريركهم، فصار ذلك علما عليه، ومقرّه مدينة رومية على ما تقدّم هناك، ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التثقيف» ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة السامية، الباب الجليل، القدّيس، الرّوحاني، الخاشع، العامل، بابا رومية، عظيم الملة المسيحيّة قدوة الطائفة العيسويّة، مملّك ملوك النّصرانية، حافظ الجسور والخلجان، ملاذ البطاركة والأساقفة والقسوس والرّهبان، تالي الإنجيل، معرّف طائفته التحريم والتحليل، صديق الملوك والسلاطين، والدعاء، وصدرت هذه المكاتبة.
قال في «التثقيف» : هذا ما وجدته مسطورا ولم يكتب إليه شيء في مدّة مباشرتي، ولا أدري في أيّ شيء كان يكتب إليه ولا عرفت تعريفه، ولم يتعرّض له المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» جملة، ورأيت في بعض الدّساتير أنه لم يكتب إليه إلّا مرّة واحدة، وأن الكتابة إليه في قطع النصف مع المكاتبة المتقدّمة.
الثانية- المكاتبة إلى ملك الروم صاحب القسطنطينيّة
. قد تقدّم في الكلام على المسالك والممالك أنها صارت آخرا إلى بني الأشكريّ، فصار الأشكري
سمة لهم ملكا بعد ملك. قال في «التعريف» : وقد كان قبل غلبة الفرنج ملكا جليلا، يرجع إليه من عبّاد الصّليب سائر الملوك، ويفتقر إليه منهم الغنيّ والصّعلوك، وكتب التواريخ مشحونة بأخباره، وذكر وقائعه وآثاره، وأوّل من ألبس هامته الذّلّة، وأصار جمعه إلى القلّة، هارون الرشيد حين أغزاه أبوه المهديّ إيّاه، فأزال الشّمم من أنفه، وثنى جامح عطفه، فأما غزوات مسلمة بن عبد الملك ويزيد بن معاوية فإنها لم تبلغ فيه حدّ النّكاية، ولا أعظمت له الشّكاية، قال: وهذا الملك الآن كان السلطان (أزبك) قد كاد يبتزّ تاجه، ويعقم نتاجه، ويخل من جانب البحر المغلق رتاجه، فاحتاج إلى مداراته وبذل له نفائس المال، وصحب أيّامه على مضض الاحتمال، وكانت له عليه قطيعة مقرّرة، وجملة مال مقدّرة، ثم عميت علينا بعده منهم الأخبار، وتولّى بالدنيا الإدبار.
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في «التعريف» : ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة العالية، المكرّمة، حضرة الملك، الجليل، الخطير، الهمام، الأسد الغضنفر، الباسل، الضّرغام، المعرق، الأصيل، الممجّد، الأثير، الأثيل، البلالاوس، الرّيد أرغون، ضابط الممالك الرّوميّة، جامع البلاد الساحليّة، وارث القياصرة القدماء، محيي طرق الفلاسفة والحكماء، العالم بأمور دينه، العادل في ممالكه، معزّ النّصرانيّة، مؤيّد المسيحيّة، أوحد ملوك العيسوية، مخوّل التخوت والتّيجان، حامي البحار والخلبان، آخر ملوك اليونان، ملك ملوك السّريان، عماد بني المعموديّة، رضيّ الباب بابا رومية، ثقة الأصدقاء، صديق المسلمين، أسوة الملوك والسلاطين، ثم يكتب اسمه هنا ويدعى «1» له، ولم يذكر قطع الورق الذي يكتب إليه فيه.
وهذا دعاء وصدر يليقان به أوردهما في التعريف:
وجعل له من السّلامة «2» يدا لا تزعزعه من أوطانه، ولا تنزعه من سلطانه،
ولا توجب له إلّا استقرارا لتيجانه، واستمرارا بملكه على ما دارت على حصونه «1» مناطق خلجانه، ولا برحت ثمار الودّ تدنو من أفنائه، ومواثيق العهد تبوّيء «2» له ما يسرّ به من إشادة معالم سلفه وشدّ بناء يونانه، أصدرناها، وشكره كجاره البحر لا يوقف له على آخر، ولا يوصف مثل عقده الفاخر، ولا يكاثر إلّا قيل: أين هذا القليل من هذا الزاخر؟
آخر له: ونظم سلكه، وحمى «3» بحسن تأتّيه ملكه، وكفى محبّه هلكه، وأجرى «4» بودّه ركائبه وفلكه، ووقاه كذب الكاذب وكفّ إفكه، وأشهد على ودّه الليل والنهار وما جنّ «5» كافور هذا كافوره ولا مسك هذا مسكه.
قلت: هذا الدعاء والصدر وإن أورده في «التعريف» في جملة الأدعية له والصدور، فإنه منحطّ الرتبة عن المكاتبة السابقة، اللهم إلّا أن يخصّ هذا بحالة منابذة أو تهديد، ونحو ذلك.
وذكر في «التثقيف» أن الذي استقرّ عليه الحال في المكاتبة إليه أنه يكتب إليه في قطع النّصف ما نصه: ضاعف الله تعالى [بهجة]«6» حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، الأسد، الخطير، البطل، الباسل، الهمام، الضّرغام، فلان، العالم في ملّته، العادل في أهل مملكته، عزّ الأمة المسيحيّة، كبير الطائفة الصّليبيّة، جمال بني المعموديّة، صمصام الملوك اليونانيّة، حسام المملكة الماكصونيّة، مالك اليرغليّة والأملاحية، صاحب أمصار الرّوس والعلّان، معزّ اعتقاد الكرج والسّريان، وارث الأسرّة والتّيجان، الحاكم على