الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سماعه. ومن لغازان أن يجاب إلى مثل ذلك، أو يسمح له مع الأمن من سيوفنا ببعض ما في يده من الممالك، لينتفع بما أبقت جيوشنا المؤيّدة في يده من الخيل والخول، ويعيش في الأمن ببعض ما نسمح له به ومن للعور بالحول، والسيوف الآن مصغية إلى جوابه لتكفّ إن أبصر سبيل الرشاد، أو تتعوّض برؤوس حماته وكماته عن الإغماد إن أصرّ على العناد، والخير يكون إن شاء الله تعالى.
الصنف الخامس (من الكتب السلطانية الكتب إلى من نكث العهد من المخالفين)
قال في «موادّ البيان» : إذا نقض معاهد عهده، أو نفض من شروط الهدنة يده، فالرسم أن يصدّر ما يكاتب به بالحمد لله تعالى على موهبته في إظهار الدين، وإعزار المسلمين، وما تكفّله من النصر على الباغين، ووعد به أهل العدل من الإدالة والتّمكين، والصلاة على سيدنا محمد النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله أجمعين، وإيراد طرف من معجزاته وفضائله، وآياته ومناقبه التي تنخرط في هذا النظام، وتليق بهذا النّمط من الكلام، ثم يتبع ذلك بمقدّمة تدلّ على متانة البصائر في الدين، ووثاقة العقائد في إذالة المحادّين، ومضاء العزائم في مجاهدة المعتدين، والاستطالة على المعاندين، مع ما تضمّنه الله تعالى من نصره وإظفاره، ووعد به من تأييده وإقراره، وسهّله من إهواء الأهوية إليه، وجمع الكلمة عليه، بما خوّله من بأس وشدّة، وعديد وعدّة، وما يليق بذلك مما يعرب به عن علوّ السلطان، ووفور الإخوان، واتّساع القوّة والأيد، وصدق العزم والجدّ. ثم يذكر الحال التي انعقدت الهدنة عليها، وأن الإجابة إليها لم تقع قصورا عن غزوهم في عقر دارهم، وتشريدهم بالغارات المبثوثة برّا وبحرا عن قرارهم، وإنما قبولا لمساءلتهم، وامتثالا لأمر الله تعالى في مسالمتهم. ويأخذ في تعديد الوقائع التي أوقعها أهل الإسلام بهم، والمشاهد التي نصرالله تعالى فيها عليهم، والمعاقل المنتزعة من أيديهم، وأن تلك العزائم مضطرمة متوقدة، وتلك السيوف مشحذة مهنّدة، وأن الله تعالى قد أباح حرم من نقض عهده، ونفض من الذّمام يده، وأن كتائب الله موجفة وراء هذا الكتاب، في جيش يلحق الخبت بالهضاب،
ما لم يكن منهم مبادرة إلى الإقلاع والإنابة، ومكاتبة في الصّفح والاستتابة، وأنه قد قدّم الأعذار، وبدأ قبل الإقدام بالإنذار، وما يقتضيه الحال من هذا ومثله.
قال: فإن كان الكتاب جوابا عن كتاب ورد، أجيب بما ينقضه، وبني الأمر فيه على ما يبسط الهيبة، ويدعو إلى النزول على أحكام الطاعة. ويختلف الحال في ذلك باختلاف الأمور الحادثة، والأسباب العارضة، فينبغي للكاتب أن يحتاط فيما يطلق به قلمه من هذه المعاني الخطيرة؛ لأنها مزاحمة بالدّول والملك، وحجج تحصل من كل دولة عند الآخرين، ودرك ما يقع فيها عائد عليه، ومنسوب إليه.
وهذه نسخة كتاب كتب به عن الحافظ لدين «1» الله الخليفة الفاطميّ بالديار المصرية، إلى بهرام»
النّصرانيّ الأرمنيّ الذي كان استوزره، ثم خرج عليه رضوان «3» بن ولخشي، ارتغاما للدين، لتحكّم نصرانيّ في أهل الملة، وولي
الوزارة مكانه، ففرّ هاربا إلى الشام ناقضا للعهد، وكتب إلى الحافظ يطلب أهله وجماعته من الأرمن الذين كانوا معه في جملة جند الديار المصرية، مظهرا للطاعة والرغبة إلى التّخلّي عن الدنيا، والانقطاع في بعض الدّيرة للتّعبّد مكرا وخديعة، فكتب له بذلك جوابا عن كتابه الوارد منه. ونصّ ما كتب إليه:
عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الوارد منك أيها الأمير، المقدّم، المؤيد، المنصور، عزّ الخلافة وشمسها، تاج المملكة ونظامها، فخر الأمراء، شيخ الدّولة وعمادها، ذو المجدين، مصطفى أمير المؤمنين. ووقف على جميعه، واستولى بحكمه على مضمونه.
فأما ما وسّعت القول فيه وبسطته، وتفسّحت فيما أوردته منه وذكرته، ممّا فحواه ومحصوله ما أنت عليه من الطاعة، والولاء والمشايعة، والاعتراف بنعم الدولة عليك، والإقرار بإحسانها إليك، فلعمر أمير المؤمنين إن هذا الذي يليق بك ويحسن منك، ويحسن أن يرد عنك، ويجب أن يعرف لك، وقد كانت الدولة أسلفتك من حسن الظّنّ قديما، ونقلتك في درجة التّنويه حديثا، حتّى رفعتك إلى أعلى المراتب، وبلّغتك ما لم تسم إليه همّة طالب، وأوطأت الرّجال عقبك، وجعلت جميع أهل الدولة تبعك؛ ممّا أغنى اعترافك به عن الإطالة بشرحه، والإطناب في ذكره.
وأما ما ذكرته مما كان أمير المؤمنين أعطاك التّوثقة عليه، فأجابك منه إلى ما رغبت فيه، فاستقرّ بينه وبينك في معناه ما اطمأننت إليه، فلم يزل أمير المؤمنين على الوفاء باطنا وظاهرا، ونية وعلانية، واعتقاده أن لا يرجع عنه، ولا يغيّر ما أحكمه منه، وإنما حال بينه وبين هذا المراد أن كافّة المسلمين في البعد والقرب
غضبوا لملّتهم، وامتعضوا مما لم تجربه عادة في شريعتهم، ونفرت نفوسهم مما يعتقدون أن الصّبر عليه قادح في دينهم، ومضاعف لآلامهم، وأنه ذنب لا يغفر، ووزر لا يتجاوز ولا يصفح [عنه] حتّى إن أهل المشرق أخذوا في ذلك وأعطوا، وعزموا على ما اتفقوا عليه ممّا صرفه الله وكفى مؤونته والاشتغال به.
وأما ما التمسته من تسيير من بالباب من طائفتك إليك، فهذا أمر لا يسوغ ولا يمكن فعله، ولو جاز أن يؤمر به لمنع المسلمون منه فلم يفسحوا فيه. والآن فلن يخلو حالك من أحد قسمين، إما أن تكون متعلّقا بأمور الدنيا وغير منفصل عنها، فأمير المؤمنين يخيّرك في ولاية أحد ثلاثة مواضع، إما قوص، أو إخميم، أو أسيوط، فأيّها اخترت ولّاك إيّاه، وردّ أمره والنظر فيه إليك، على أن تقتصر من الذين معك على خمسين أو ستين فارسا، وتسيّر الباقين إلى الباب ليجروا على عاداتهم، ورسومهم في واجباتهم وإقطاعاتهم، إذ كانوا عبيد الدولة ومتقلبين في فضلها، وأكثرهم متولّدون في ظلّها. وإما أن تكون على القضية التي ما زلت تذكر رغبتك فيها وإيثارك لها، من التّخلّي عن الدنيا ولزوم أحد الدّيرة، والانقطاع إلى العبادة، فإن كنت مقيما على ذلك فتخيّر ضيعة من أي الضّياع شئت يكون فيها دير تقيم فيه وتنقطع إليه، فتعيّن الضيعة ليجعلها أمير المؤمنين تسويغا لك مؤبّدا، وإقطاعا دائما مخلّدا، وتجري مجرى الملك، ويكتب لك بذلك ما جرت العادة بمثله، مما تطمئن إليه وتستحكم ثقتك به. وإن أبيت القسمين المذكورين ولم يرضك الأوّل منهما، ولا رغبت في الثاني، فتحقّق أن المسلمين بأجمعهم، وكافّتهم وأسرهم، وكلّ من يقول بالشهادتين، من قاص ودان، وقريب وبعيد، وكبير وصغير، ينفرون إليك، ويتّفقون على القصد لك، ولا يختلفون في التوجّه نحوك، وهو عمل دينيّ، لا يريّثه أمر دنيويّ، فتأمّل ما تضمنته هذه الإجابة من الأقسام، وطالع بما عندك في ذلك.
قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية لا وجود له في زماننا لعدم وقوع الهدن المترتب عليها هذا الصّنف من المكاتبات، فإن احتيج إلى ذلك مشّاه الكاتب على القاعدة القديمة المتقدّمة.